مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة 32 - الجزء الثاني (أول مارس 1987 - 30 سبتمبر 1987) - صـ 895

(134)
جلسة الأول من مارس سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار نبيل أحمد سعيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ فؤاد عبد العزيز عبد الله رجب وعبد العزيز أحمد حماده ومحمد يسري زين العابدين وعادل لطفي عثمان المستشارين.

الطعن رقم 1907 لسنة 31 القضائية

أ ) مسئولية تأديبية - استقلالها عن المسئولية الجنائية. الأمر الصادر من النيابة العامة بحفظ التحقيق لعدم كفاية الأدلة لا يحول دون مساءلة المتهم تأديبياً - أساس ذلك: استقلال كل المسئوليتين التأديبية والجنائية من حيث مناط أعمال ومجال كل منهما - تطبيق.
ب) مجلس الدولة - أعضاؤه قرار التخطي في الترقية - أثر الظروف السابقة على صدور القرار في تقدير مشروعيته.
متى كانت الأفعال المنسوبة إلى المتخطي في الترقية ثابتة في حقه قبل التخطي فإن القرار الصادر بالتخطي يكون قائماً على سببه - لا وجه في هذه الحالة لتطبيق القاعدة التي تقول بأنه لا يجوز أن يكون للظروف اللاحقة أثر ينعطف على الماضي عند وزن مدى مشروعية القرار الإداري - تطبيق - أساس ذلك: أن الأفعال المنسوبة للمدعي والتي تخطى بسببها حدثت في تاريخ سابق للتخطي وأن الحكم الذي انتهى إلى إدانته من هذه الأفعال والذي صدر في تاريخ لاحق للتخطي هو كاشف عن الحالة التي كان عليها المدعي في تاريخ تخطيه من حيث إنه كان مرتكباً للأفعال التي أدين بسببها - لا تثريب على جهة الإدارة إن هي تحسست أسباب التخطي وموجباته فتأت بالمنصب القضائي على علو قدره عن أن يشغل بمن لا يستكمل أهليه تبوئه وقد صدق يقينها فيما عولت عليه من شواهد قامت على صحيح دلائلها - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 23/ 4/ 1985 أودع الأستاذ/ محمد الصادق المهدي المحامي بصفته وكيلاً عن الأستاذ....... تقرير الطعن رقم 1907 لسنة 31 القضائية قرار تخطيه في الترقية لدرجة مستشار مساعد ( أ ) وطلب للأسباب الواردة في تقرير الطعن قبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه واعتباره عديم الأثر وبترقية المدعي في دوره القانوني إلى الدرجة المذكورة وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً ونظرت المحكمة الطعن بجلستي 11/ 5/ 1986، 5/ 10/ 1986 وبعد أن سمعت ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات قررت إصدار الحكم بجلسة 23/ 11/ 1986 وفيها تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة 28/ 12/ 1986 حيث تقرر إعادة الطعن للمرافعة بجلسة 1/ 2/ 1987 والتي تقرر فيها إصدار الحكم بجلسة اليوم وقد أودعت مسودة الحكم مشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن عناصر هذه المنازعة تجمل على ما يبين من الأوراق في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بإلغاء قراري تخطيه إلى درجة مستشار مساعد ( أ ) بالقرارين رقمي 84، 335 لسنة 1985 وقال بياناً لدعواه أنه تلقى كتاباً من الأستاذ المستشار رئيس مجلس الدولة برقم 569 بتاريخ 25/ 12/ 1984 يخطره فيه بأن المجلس الخاص للشئون الإدارية رأى بجلسة 10/ 12/ 1984 إرجاء ترقيته إلى وظيفة مستشار مساعد من الفئة ( أ ) مع حجز الدرجة وذلك إعمالاً لنص المادة (100) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 انتظاراً لما يسفر عنه التحقيق الجاري معه بواسطة التفتيش الفني في شأن القضية رقم 65 لسنة 1984 حصر أمن دولة عليا.
وبتاريخ 31/ 12/ 1984 قدم المدعي تظلمه من ذلك القرار مبدياً فيه أن القضية رقم 65 لسنة 1984 المشار إليها قد تناولها تحقيق النيابة العامة الذي انتهى إلى قيد الأوراق بدفتر الشكاوى الإدارية وحفظ التحقيق إدارياً مما يعتبر قراراً بألا وجه لإقامة الدعوى وهو قرار له حصانة قضائية كاملة تحول دون العودة إلى مناقشته وأنه فيما عدا ذلك فليس في تصرفاته أية شائبة وما كان ثمة ما يبرر إرجاء ترقيته في الوقت الذي بان فيه من الرجوع إلى ملف خدمته أن كفايته ليست محل شك وأن سمعته لا شائبة فيها.
ونظر المجلس الخاص للشئون الإدارية التظلم بجلسة 10/ 2/ 1985 وقرر رفضه وينعى المدعي على هذا القرار صدوره مشوباً بعيب الشكل ومخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وإساءة استعمال السلطة لأسباب حاصلها (أولاً) أنه كان قد تظلم من قرار إرجاء ترقيته وكانت الدرجة محجوزة ولكن القرار الصادر بشأن هذا التظلم قضى برفضه ثم عقب بأنه قد تم تخطيه في الترقية مما مؤداه أن اللجنة قد تجاوزت عن الشكل وجعلت التظلم منصباً على قرار التخطي مع أنه كان يتعلق بإرجاء الترقية فحسب (ثانياً) إن القرار صدر مشتملاً على تخطي المدعي في الترقية دون أن يبين سبب التخطي أو أسانيده مما يجعله مشوباً بعيب
مخالفة القانون (ثالثاً) أن القرار ينطوي على توقيع عقوبة على المدعي عن أمر لم يقم عليه دليل وشابه الفساد في الاستدلال فضلاً على أن بعض أعضاء اللجنة سبق أن أبدوا رأياً ضده مما لا يجوز معه مشاركتهم في نظر أمر تخطيه في الترقية.
ورد مجلس الدولة على الطعن بكتاب السيد/ المستشار أمين عام المجلس رقم 204 بتاريخ 12/ 1/ 1986 الذي جاء به أن المدعي قد تخطى في الترقية إلى وظيفة مستشار من الفئة ( أ ) بالقرارين رقمي 84، 335 لسنة 1985 وقد عرض التظلم المقدم منه على المجلس الخاص للشئون الإدارية بجلسته المعقودة في 10/ 2/ 1985 فقرر رفض تظلمه لما استبان للمجلس في ضوء الظروف والملابسات التي أحاطت بتصرفاته إبان عمله مفوض
لمحافظة البحر الأحمر بأن مسلكه مستوجب عدم أهليته للترقية وأرفق بذلك الكتاب (1) صورة قراري رئيس الجمهورية رقمي 84، 235 لسنة 1985 المطعون فيها (2) التظلم المقدم من الطاعن بتاريخ 4/ 1/ 1985 (3) صورة قرار مجلس التأديب الصادر بتاريخ 15/ 12/ 1985 في الطلب رقم 3 لسنة 31 القضائية بنقل المستشار المساعد (ب) (الطاعن) إلى وظيفة معادلة غير قضائية.
وقدم المدعي مذكرة بدفاعه بتاريخ 7/ 10/ 1986 جاء بها (أولاً) إن الاتهام المنسوب له قام في أصله على أساس شكوى كيدية من مقاول أبلغها إلى النيابة العامة التي قامت بتحقيقها وانتهت في 9/ 8/ 1984 إلى حفظها لما ارتأته من استبعاد شبهة الجناية (ثانياً) أن قرار إحالة المدعي إلى مجلس التأديب صدر في 25/ 1/ 1985 وكان هناك خلاف شديد في الرأي حول ذلك بين جميع أعضاء اللجنة المشكلة لبحث الموضوع بالتفتيش الفني (ثالثاً) أن مجلس التأديب سار في إجراءاته برئاسة مجلس الدولة الأسبق الأستاذ المستشار.... وفي 10/ 6/ 1986 قرر سيادته إحالة المدعي إلى لجنة الصلاحية مبدياً أنه سبق أن اعترف له بسعيه إلى المقاول المذكور ومستشهداً بحصول ذلك أمام الأستاذ المستشار.... الذي قضى أنه حضر واقعة اعتراف الطاعن بذهابه إلى منزل المقاول وقرر أنه سمع ذلك نقلاً عن المدعي وليس منه شخصياً وأضاف المدعي أن شهادة الأستاذ المستشار رئيس مجلس الدولة الأسبق لا تخلو من شبهة التحامل على المدعي وأنه ما كان يجوز لسيادته السكوت عما ورد بتلك الشهادة منذ يوليو سنة 1974 حتى يونيه سنة 1985 وما كان يجوز لسيادته كذلك تولي رئاسة مجلس التأديب رغم علمه الشخصي بواقعة تتصل بتلك المحاكمة فضلاً عما هو ظاهر من سبق تكوينه عقيدة راسخة في نفسه بإدانة المدعي (رابعاً) أنه عند إجراء الترقية المطعون فيها لم يكن المدعي محالاً إلى المحكمة التأديبية أو الجنائية أو ثبت في حقه ثمة ما يستوجب المساءلة وكانت تقارير التفتيش الفني عن أعماله تسوغ له حقاً في الترقية إلى وظيفة مستشار مساعد ( أ ) بين أقرانه وفي ترتيب أقدميته (خامساً) أنه من المقرر أن العبرة في وزن مشروعيه القرار الإداري هي بالعناصر المؤثرة القائمة عند صدوره ولا يجوز أن يكون للظروف اللاحقة أثر ينعطف على الماضي في هذا الصدد، وأضافت المذكرة أنه طبقاً للمواد 100/ 104 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 فإنه كان يتعين إخطار المدعي بعدم شمول حركة الترقيات له قبل عرضها على المجلس الخاص للشئون الإدارية ليكون له التظلم من ذلك قبل نظر الحركة وحتى تتاح له فرصة أخرى لنظر تظلمه عند عرض مشروعها على ذلك المجلس فإخطار العضو الذي لم تشمله حركة الترقيات لازم قبل عرض الحركة حتى تتاح له بذلك فرصه بحث تظلمه سواء عند إعداد مشروع حركه الترقيات وعدم شمولها له أو لدى نظر ذلك المشروع إذ أن المادة (103) من القانون المشار إليه أوجبت إعادة عرض قرارات المجلس الخاص للشئون الإدارية في شأن التظلمات من التخطي في الترقية عليه عند نظر حركة الترقيات وليس من شك أن هذه الإجراءات بوصفها تشكل للأعضاء ضمانات قانونية لها أهميتها وخطورتها فهي تعد من قبيل قواعد الشكل الجوهرية التي يترتب على إغفالها البطلان وفقاً للمستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا.. وأضافت المذكرة أن تخطي المدعي في الترقية لا يجد له سنداً من القانون إذ أنه تم بسبب اتهام رأت النيابة العامة حفظه لانتقاء الدليل ولم يكن المدعي في تاريخ إجراء حركة الترقيات قد ثبت في حقه شيء كما لم يكن قد أحيل بعد إلى المحاكمة التأديبية وإذ خلا القانون من نص يجيز تخطي العضو في الترقية في مثل هذه الحالة فإن قرار تخطيه يضحى فاقداً لسنده حقيقاً بإلغائه.
وحيث إن المبين من الأوراق أن قراري رئيس الجمهورية رقمي 84، 335 لسنة 1985 يتخطى المدعي في الترقية لوظيفة مستشار مساعد ( أ ) قد صدر أولهما في 4/ 3/ 1985 وصدر الثاني في 12/ 8/ 1985 وأن إحالته إلى الهيئة المشكل منها مجلس التأديب تمت في 10/ 6/ 1985 وأنه أخطر بكتاب المجلس المؤرخ في 25/ 12/ 1984 بأن المجلس الخاص للشئون الإدارية قرر بتاريخ 10/ 12/ 1984 إرجاء ترقيته حتى يتم التحقيق في القضية رقم 65 لسنة 1984 وتظلم المدعي بتاريخ 2/ 1/ 1985 فأجيب برفض تظلمه وبأن المجلس الخاص للشئون الإدارية قرر تخطيه في الترقية وبجلسة 15/ 12/ 1985 قررت الهيئة المشكل منها مجلس التأديب نقله إلى وظيفة معادلة غير قضائية وجاء بأسباب ذلك القرار أن سلوك العضو المحال (المدعي) في ضوء الظروف والملابسات المحيطة سالفة الذكر يؤدي إلى فقدان الثقة والاعتبار اللذين تتطلبهما الوظيفة وذلك أياً كانت التبريرات التي تقدم بها العضو في دفاعه والتي ترى الهيئة أنها غير قائمة على أساس مكين.
وحيث إن الثابت من استعراض وقائع النزاع على نحو ما سلف أن المجلس للشئون الإدارية عندما قرر تخطي المدعي في الترقية لوظيفة مستشار مساعد ( أ ) كان تحت نظره الاتهامات المنسوبة إليه في القضية رقم 65 لسنة 1984 أمن الدولة العليا وهي اتهامات لها خطورتها البالغة وإذ كانت النيابة العامة قد قررت حفظ التحقيق لعدم كفاية الأدلة فإن ذلك لا يعني بالضرورة - وفقاً للمستقر في قضاء المحكمة الإدارية العليا - عدم إدانته تأديبياً وهو ما تحقق فعلاً بصدور قرار الهيئة المشكل منها مجلس التأديب بإدانته فيما نسب إليه ونقله إلى وظيفة معادلة غير قضائية ومن ثم فإن قرار تخطيه وقد قام على أساس من الأفعال المنسوبة إليه والتي أدين بسببها على النحو المشار إليه يضحى مصادقاً محله في القانون إذ لا يتفق ومنطق الأمور أن يتخذ المجلس قراراً بترقية الطاعن وقد أحاطت به اتهامات بمثل هذه الخطورة انتهت فعلاً بإدانته ولا مقنع في القول بأن في ذلك إخلال بالقاعدة المستقرة من أنه لا يجوز أن يكون للظروف الملاحقة أثر ينعطف على الماضي عند وزن وتقييم مدى مشروعية القرار الإداري ذلك لأن الفعال المنسوبة للمدعي والتي تخطى بسببها حدثت - على ما يبين من الوقائع - في تاريخ سابق للتخطي وأن الحكم الذي انتهى إلى إدانته عن هذه الأفعال والذي صدر في تاريخ لاحق للتخطي هو كاشف عن الحالة التي كان عليها المدعي في تاريخ تخطيه من حيث أنه كان مرتكباً للأفعال التي أدين بسببها ولا تثريب على جهة الإدارة أن هي تحسست أسباب التخطي وموجباته فنأت بالمنصب القضائي على علو قدره عن أن يشغل بمن لا يستكمل أهلية تبوئه وصدق يقينها في ذلك فيما عولت عليه من شواهد قامت على صحيح دلائلها. كما وأنه لا حجة في القول بأن المدعي لم يخطر بأمر عدم شمول حركة الترقيات له قبل عرضها على المجلس الخاص للشئون الإدارية وهو عيب جوهري في الشكل تؤدي إلى بطلان قرار التخطي - لا حجة في ذلك - طالما أنه من الثابت قيام رئيس المجلس بإخطار المدعي بأمر تخطية وتظلم المدعي في حينه من ذلك الإجراء ثم قيام المجلس الخاص بالشئون الإدارية بنظر التظلم ورفضه في تاريخ يسبق صدور القرارين الطعينين ومن شأن ذلك كله تحقق الغاية المستهدفة في هذا الشأن على وجه لا يستقيم معه الدفع بالبطلان.
وحيث إنه متى كان ذلك فإن القرارين المطعون فيهما يكونان سليمين موافقين لحكم صحيح القانون ويضحى الطعن فاقداً لسنده حقيقاً برفضه وهو ما تقضي به المحكمة.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.