مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 3

(1)
جلسة 9 من نوفمبر سنة 1963

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس وعضوية السادة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 524 لسنة 7 القضائية

ترخيص - أسلحة وذخائر - استعراض التشريعات المختلفة المتعلقة بحمل الأسلحة وإحرازها - ترخص الإدارة في الترخيص أو عدم الترخيص في حمل السلاح وكذا سحبه أو عدم سحبه - سلطتها في هذا الشأن تقديرية لا يقيدها سوى وجوب التسبيب في حالة رفض منح الترخيص أو سحبه أو إلغائه - لا معقب على سلطة الإدارة في هذا الشأن ما دامت مطابقة للقانون وخالية من إساءة استعمال السلطة.
إن القانون رقم (16) في 28 من نوفمبر سنة 1904 الذي ألغي بالقانون رقم (8) الصادر في 17 من مايو سنة 1917 الخاص بإحراز وحمل السلاح نص في مادته الأولى على تحريم حمل أو إحراز السلاح على وجه العموم في مختلف أنحاء البلاد ولا يسري هذا التحريم على رجال القوات العامة ونص في مادته الثانية على أنه استثناء من أحكام المادة الأولى لوزير الداخلية أو لمن ينيبه في ذلك، أن يمنح التراخيص لإحراز أو حمل السلاح، وقضت المادة الثالثة من قانون سنة 1917 بأن "لوزير الداخلية أن يمنح أو يرفض الترخيص وله أن يقصر مدته أو يقصره على أنواع معينة من الأسلحة وله أن يقيده بأي شرط أو قيد يرى من المصلحة تقييده به كما أن له أن يسحبه في أي وقت..." ثم صدر بعد ذلك القانون رقم (58) بشأن الأسلحة وذخائرها في 10 من مايو سنة 1949 بعد أن كشفت التجربة ودلت الحوادث، وبخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية على قصور أحكام قانون سنة 1917 عن علاج الحالة التي خلفتها تلك الحرب، ولم تزل بزوالها فقد تسربت الأسلحة في كثرة ظاهرة إلى أيدي الجمهور وخاصة طوائف العابثين بالأمن، فحظرت المادة الأولى من قانون مايو سنة 1949 إحراز الأسلحة النارية بجميع أنواعها وحيازتها والاتجار بها وصنعها واستيرادها بغير ترخيص. ونصت المادة الثانية منه على أن كل ترخيص في حمل وإحراز السلاح ينتهي مفعوله لمدة غايتها 31 من ديسمبر التالي لتاريخ منحه وذلك لتستطيع الحكومة حصر كمية السلاح المرخص به، وليتم تجديد التراخيص كلها في وقت واحد توحيداً للعمل وبسطاً لرقابة الدولة أولاً بأول. وخولت المادة الثالثة من هذا القانون "قانون 58 لسنة 1949" وزير الداخلية - باعتباره المسئول الأول عن الأمن في البلاد - الحق في منح التراخيص أو رفضها أو تقصير مدتها أو قصرها على أنواع معينة من السلاح أو تقييدها بأي قيد أو شرط أو سحبها حسبما تمليه المصلحة العامة، ومع ذلك فقد تبين من الحوادث التي تلت صدور هذا القانون أنه ليس وافياً بالغرض منه. من ذلك مثلاً أنه أجاز حمل السلاح لبعض أشخاص لدواعي معينة دون أن يحدد عدد الأسلحة المصرح بها لأي منهم.. فصدر القانون رقم (394) في 8 من يوليه سنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر وقد روعي فيه سد النقص الواضح في التشريعات السالفة الذكر بما يتفق وصالح الأمن العام والنظام فنصت المادة الأولى منه على أنه (يحظر بغير ترخيص من وزير الداخلية أو من ينيبه عنه حيازة أو إحراز الأسلحة النارية...) وتنص المادة الرابعة من قانون سنة 1954 على أن "لوزير الداخلية أو من ينيبه عنه رفض التراخيص، أو تقصير مدته أو قصره على أنواع معينة من الأسلحة أو تقييده بأي شرط يراه. وله سحب الترخيص مؤقتاً أو إلغاؤه ويكون قرار الوزير برفض منح الترخيص أو سحبه أو إلغاؤه مسبباً". وواضح من إطلاق عبارات هذه المواد وشمولها أن المشرع منذ أن تصدى لتنظيم حمل السلاح وإحرازه في قانون سنة 1904 وما أعقبه من تشريعات معدلة، خول الجهة الإدارية المختصة سلطة تقديرية واسعة النطاق في هذا المجال وجعل من حقها أن ترفض الترخيص أو التجديد وأن تقصر مدته أو تقصره على إحراز أو حمل أنواع معينة من الأسلحة دون سواها وأن تقيد الترخيص بأي شرط تراه كما خولها بغير خلاف أن تسحب الترخيص مؤقتاً أو تلغيه نهائياً وكل أولئك حسبما يتراءى لها من ظروف الحال وملابساته بما يكفل وقاية المجتمع وحماية الأمن التي يسهر عليها وزير الداخلية المسئول الأول عن الأمن العام في البلاد، وبما لا معقب على جهة الإدارة فيه من القضاء الإداري ما دامت تلك الجهة المختصة لم تخالف القانون ولم تتعسف في استعمال سلطتها عند إصدار قرارها. وغني عن البيان أنه ليس معنى (حسبما يتراءى لها من ظروف الحال وملابساته) أن الجهة الإدارية سلطة مطلقة في ذلك بل هي سلطة مقيدة بما أمرها به المشرع على أن يكون القرار الصادر منها في هذا الشأن مسبباً. وقد نصت على ذلك صراحة الفقرة الثانية من المادة الرابعة للقانون رقم (394) لسنة 1954 فقالت (ويكون قرار الوزير برفض منح التراخيص أو سحبه أو إلغائه مسبباً). وإذا كان الشارع قد حظر في المادة السادسة من القانون رقم (58) لسنة 1949 ومن بعدها في المادة السابعة من القانون رقم (394) لسنة 1954 منح الترخيص لأشخاص معينين عددهم في كل من المادتين المذكورتين، فإن مثل هذا الحظر لا يعطل سلطة الإدارة التقديرية في منح الترخيص أو منعه، وفي سحبه أو إلغائه بالنسبة إلى غير هؤلاء الأشخاص أو في غير تلك الحالات.


إجراءات الطعن

في 5 من يناير سنة 1961 أودع السيد/ محامي الحكومة سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (524) لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - هيئة منازعات الأفراد والهيئات بجلسة 18 من نوفمبر سنة 1960. في الدعوى رقم (758) لسنة 12 القضائية المقامة من المهندس عبد الحليم مصطفى حيزة ضد وزارة الداخلية قضى "بإلغاء القرار الصادر من وزارة الداخلية في 3 من مارس سنة 1958 بإلغاء الترخيص للمدعي بحمل السلاح، وألزمت الحكومة بالمصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة" فطلب السيد/ محامي الحكومة للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه - (الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدعوى مع إلزام المطعون عليه المصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة). وقد أعلن جلسة 20 من إبريل سنة 1963 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 5 من أكتوبر سنة 1963 لتسمع هذه المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم (75) لسنة 12 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري - هيئة منازعات الأفراد والهيئات - بعريضة أودعها سكرتيرية تلك المحكمة في 5 من إبريل سنة 1958 طلب فيها الحكم، بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء القرار المذكور - المبلغ إلى المدعي في 3 من مارس سنة 1958 بإلغاء ترخيص السلاح الصادر إليه وسحبه منه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام وزارة الداخلية بالمصروفات ومقابل الأتعاب. وقال شرحاً لدعواه إنه كان قد رخص له في أكتوبر سنة 1956 بإحراز مسدس. وفي يناير سنة 1957 وافقت مديرية الدقهلية على التجديد لمدة سنة ثم جعل ميعاد التجديد، شهر نوفمبر من كل عام وأن المدعي قدم الرخصة إلى المديرية في ذلك الشهر فوافقت على التجديد إلى نهاية عام 1958 ثم فوجئ في 3 من مارس سنة 1958 باستدعاء ضابط نقطة (رأس الخليج) وأطلعه على إشارة واردة بسحب السلاح المرخص به إليه لصدور أمر من وزير الداخلية بإلغاء الترخيص لعدم تمرنه على استعماله. وتهديده لأهله بالمسدس وينعى المدعي على هذا القرار أنه لم يهدد أهله ولا غيرهم كما أنه يتحدى الوزارة أن تقدم دليلاً على ذلك. فأما عن عدم التمرين على استعمال السلاح، فإنه ليس له مظهر خارجي يمكن أن تستند إليه الوزارة في ادعائها مع أن السلاح في حيازته منذ الترخيص له بحمله في أكتوبر سنة 1956 وأن إلغاء الترخيص لا يقوم على سبب صحيح فيكون القرار مخالفاً للقانون كما أنه لا يمت للمحافظة على الأمن بصلة فهو مشوب بعيب إساءة استعمال السلطة وأنه لما كان السلاح لازماً له للمحافظة على حياته لتجواله بالزراعات الخاصة به وبوالده ليلاً ونهاراً فإنه يطلب بصفة مستعجلة وقف تنفيذ القرار، وفي 10 من يونيه سنة 1958 أودعت وزارة الداخلية مذكرة بدفاعها في الدعوى قالت إنه في 29 من أغسطس سنة 1956 رخص للمدعي بحمل وإحراز مسدس بمقتضى الترخيص رقم (33984). ثم طرأ على المدعي ما يجعل بقاء السلاح في يده غير مأمون العواقب إذ ثبت من التحريات التي أجريت عنه ومن معلومات المباحث الجنائية أنه شخص شاذ في تصرفاته مع الغير غليظ الطباع حتى مع أقرب الأشخاص إليه مثل والده، وأن المدعي كثيراً ما يعتدي على أبيه بالضرب ويهدده بالانتحار بقصد ابتزاز المال منه على الرغم من أن والده وهبه ثلاثين فداناً. ومعروف عن المدعي أنه كثيراً ما يشهر سلاحه مهدداً به الغير لأتفه الأسباب - وأن الأهالي يحجمون عن التبليغ عن تصرفاته التي لا تصدر من شخص متزن خشية رعونته، وحرصاً على مركز والده الذي يستأجر أكثر أطيانهم. ومن أجل ذلك سحب الترخيص من المدعي وأودع المسدس في مخزن بوليس شربين رقم (26) في 4 من مارس سنة 1958 وخلص دفاع وزارة الداخلية إلى أن هذه الوقائع المحددة تؤدي إلى صحة القرار بسحب ترخيص السلاح من المدعي وطلبت الوزارة رفض الدعوى.
وفي 15 من يوليو سنة 1958 حكمت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. فأودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في 18 من أغسطس سنة 1958 طعناً في الحكم بوقف التنفيذ، فقضت المحكمة الإدارية العليا بجلستها المنعقدة في 13 من ديسمبر سنة 1958 بقبول طعن الحكومة شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف التنفيذ وألزمت المدعي بمصروفات الطلب.
وبجلسة 18 من نوفمبر سنة 1960 قضت محكمة القضاء الإداري في دعوى الإلغاء (بإلغاء القرار الصادر من وزارة الداخلية في 3 من مارس سنة 1958 بإلغاء الترخيص للمدعي بحمل السلاح وألزمت الحكومة المصروفات) وأقامت قضاءها هذا على أن الوزارة كانت قد أجابت المدعي إلى طلبه وصرحت له بحمل السلاح بعد أن استوفت جميع الإجراءات التي نص عليها القانون كما ثبت من التحريات التي أجرتها الداخلية، قبل منح الترخيص أن المدعي مهندس زراعي يملك ثلاثين فداناً ويقوم بزراعتها بنفسه وأنه حسن السير والسلوك. ثم بعد ذلك في يناير سنة 1957 وافقت المديرية على تجديد الرخصة لمدة سنة فلما جعل ميعاد التجديد شهر نوفمبر من كل عام قدم المدعي الرخصة إلى المديرية لتجديدها في الشهر المذكور من سنة 1957 فوافقت على تجديدها إلى نهاية عام 1958 ثم فوجئ المدعي بعد ذلك في 3 من مارس سنة 1958 باستدعائه إلى نقطة رأس الخليج وإطلاعه على إشارة واردة بسحب السلاح المرخص به إليه بناء على أمر صدر من وزير الداخلية بإلغاء الرخصة ثم استطرد الحكم المطعون فيه قائلاً إن المحكمة طلبت إلى الجهة الإدارية أن تبين أسباب سحب الرخصة من المدعي فقدمت مذكرة من المباحث الجنائية لوزارة الداخلية بعد أن رفع المدعي دعواه وتضمنت المذكرة أن التحريات قد دلت على أن المدعي شاذ في تصرفاته مع الغير غليظ الطباع حتى مع أقرب الناس إليه وأنه كثيراً ما يعتدي على والده بالضرب ويهدده بالانتحار بقصد امتصاص المال منه... وقال الحكم المطعون فيه إن المحكمة طالبت الجهة الإدارية ببيان الوقائع التي استندت إليها مذكرة المباحث الجنائية. فأفادت بأن (ما جاء بالمذكرة مستقى من مصادر سرية ليس من الصالح العام إعلانها). وانتهى الحكم المطعون فيه إلى أن ملف الرخصة الصادرة إلى المدعي مليء بالتحريات لصالح المدعي، ومن ثم يكون عدم تعويل الجهة الإدارية عليها هو من قبيل التعسف في تقدير الدليل على الواقعة التي قام عليها القرار المطعون فيه، ويتعين لذلك إجابة المدعي إلى طلب إلغاء ذلك القرار..
وفي 5 من يناير سنة 1961 طعنت وزارة الداخلية في حكم الإلغاء لأنه جاء مخالفاً للقانون تطبيقاً وتأويلاً. ذلك أن للجهة الإدارية سلطة تقديرية واسعة النطاق في الترخيص، وعدم الترخيص في حمل السلاح وكذا سحب أو عدم سحب السلاح المرخص في حمله حسبما يتراءى لها من ظروف الحال وملابساته بما يكفل وقاية المجتمع وحماية الأمن. فإذا طرأ على المطعون عليه ما يجعل بقاء السلاح في يده غير مأمون العاقبة فإن جهة الإدارة عندما تستعمل سلطتها التقديرية في سحب الترخيص السابق منحه فإنها لا تكون متعسفة إنما يكون قرارها قد قام على سببه، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ويكون خليقاً بالإلغاء. وطلبت الحكومة القضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون عليه المصروفات.
ومن حيث إنه قد فات الحكم المطعون فيه أن للجهة الإدارية المختصة سلطة تقديرية واسعة النطاق في إصدار مثل القرار المطعون فيه. وهذا الأصل مقتضاه حفظ الأمن العام، ووجوب العمل على مكافحة وسائل الإجرام. فالأسلحة هي في طليعة الوسائل الفعالة لاقتراف الجرائم وقد حرص المشرع المصري على وضع قواعد لتنظيم حمل السلاح وإحرازه منذ صدور أول تشريع في ذلك. فإن القانون رقم (16) في 28 نوفمبر سنة 1904 الذي ألغي بالقانون رقم (8) الصادر في 17 من مايو سنة 1917 الخاص بإحراز وحمل السلاح نص في مادته الأولى على تحريم حمل أو إحراز السلاح على وجه العموم في مختلف أنحاء البلاد ولا يسري هذا التحريم على رجال القوات العامة ونص في مادته الثانية على أنه، استثناء من أحكام المادة الأولى لوزير الداخلية أو لمن ينيبه في ذلك، أن يمنح التراخيص لإحراز أو حمل السلاح، وقضت المادة الثالثة من قانون سنة 1917 بأن "لوزير الداخلية أن يمنح أو يرفض الترخيص وله أن يقصر مدته أو يقصره على أنواع معينة من الأسلحة وله أن يقيده بأي شرط أو قيد يرى من المصلحة تقييده به كما أن له أن يسحبه في وقت.." ثم صدر بعد ذلك القانون رقم (58) بشأن الأسلحة وذخائرها في 10 من مايو سنة 1949 بعد أن كشفت التجربة ودلت الحوادث، وبخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية على قصور أحكام قانون سنة 1917 عن علاج الحالة التي خلفتها تلك الحرب، ولم تزل بزوالها فقد تسربت الأسلحة في كثرة ظاهرة إلى أيدي الجمهور وخاصة طوائف العابثين بالأمن - فحظرت المادة الأولى من قانون مايو سنة 1949 إحراز الأسلحة النارية بجميع أنواعها وحيازتها والاتجار بها وصنعها واستيرادها بغير ترخيص. ونصت المادة الثانية منه على أن كل ترخيص في حمل وإحراز السلاح ينتهي مفعوله لمدة غايتها 31 من ديسمبر الثاني لتاريخ منحه وذلك لتستطيع الحكومة حصر كمية السلاح المرخص به، وليتم تجديد التراخيص كلها في وقت واحد توحيداً للعمل وبسطاً لرقابة الدولة أولاً بأول. وخولت المادة الثالثة من هذا القانون (سنة 1949) وزير الداخلية - باعتباره المسئول الأول من عن الأمن في البلاد - الحق في منح التراخيص أو رفضها أو تقصير مدتها أو قصرها على أنواع معينة من السلاح أو تقييدها بأي قيد أو شرط أو سحبها حسبما تمليه المصلحة العامة ومع ذلك فقد تبين من الحوادث التي تلت صدور هذا القانون أيضاً (سنة 1949) أنه ليس وافياً بالغرض منه من ذلك مثلاً أنه أجاز حمل السلاح لبعض أشخاص لدواعي معينة دون أن يحدد عدد الأسلحة المصرح بها لأي منهم... فصدر القانون رقم (394) في 8 من يوليه سنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر وقد روعي فيه سد النقص الواضح في التشريعات السالفة الذكر بما يتفق وصالح الأمن العام والنظام فنصت المادة الأولى منه على أنه (يحظر بغير ترخيص من وزير الداخلية أو من ينيبه عنه حيازة أو إحراز الأسلحة النارية...) وتنص المادة الرابعة من قانون سنة 1954 على أن (لوزير الداخلية أو من ينيبه عنه رفض الترخيص، أو تقصير مدته أو قصره على أنواع معينة من الأسلحة أو تقييده بأي شرط يراه. وله سحب الترخيص مؤقتاً أو إلغاؤه، ويكون قرار الوزير برفض منح الترخيص أو سحبه أو إلغاؤه مسبباً). وواضح من إطلاق عبارات هذه المواد وشمولها أن المشرع، منذ أن تصدى لتنظيم حمل السلاح وإحرازه في قانون سنة 1904 وما أعقبه من تشريعات معدلة خول الجهة الإدارية المختصة سلطة تقديرية واسعة النطاق في هذا المجال وجعل من حقها أن ترفض الترخيص أو التجديد وأن تقصر مدته أو تقصره على إحراز أو حمل أنواع معينة من الأسلحة دون سواها وأن تقيد الترخيص بأي شرط تراه كما خولها بغير خلاف أن تسحب الترخيص مؤقتاً أو تلغيه نهائياً وكل أولئك حسبما يتراءى لها من ظروف الحال وملابساته بما يكفل وقاية المجتمع، وحماية الأمن التي يسهر عليها وزير الداخلية المسئول الأول عن الأمن العام في البلاد، وبما لا معقب على جهة الإدارة من القضاء الإداري ما دامت تلك الجهة المختصة - لم تخالف القانون ولم تتعسف في استعمال سلطتها عند إصدار قرارها. وغني عن البيان أنه ليس معنى "حسبما يتراءى لها من ظروف الحال وملابساته" أن للجهة الإدارية سلطة مطلقة في ذلك بل هي سلطة مقيدة بما أمرها به المشرع على أن يكون القرار الصادر منها في هذا الشأن مسبباً. وقد نصت على ذلك صراحة الفقرة الثانية من المادة الرابعة للقانون رقم (394) لسنة 1954 فقالت (يكون قرار الوزير برفض منح الترخيص أو سحبه أو إلغائه مسبباً). وإذا كان الشارع قد حظر في المادة السادسة من القانون رقم (58) لسنة 1949 ومن بعدها في المادة السابعة من القانون رقم (394) لسنة 1954 منح الترخيص لأشخاص معينين عددهم في كل من المادتين المذكورتين، فإن مثل هذا الحظر لا يعطل سلطة الإدارة التقديرية في منح الترخيص أو منعه، وفي سحبه أو إلغائه بالنسبة إلى غير هؤلاء الأشخاص أو في غير تلك الحالات.
ومن حيث إنه سبق لهذه المحكمة أن أكدت الأصل المتقدم في حكمها الصادر في الطعن المتعلق بالشق الخاص بوقف تنفيذ هذا القرار المطلوب إلغاؤه فقالت إن الترخيص أو عدم الترخيص في حمل السلاح وكذا سحب أو عدم سحب السلاح المرخص في حمله هي جميعها من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة، وتترخص في ذلك حسبما تراه متفقاً مع صالح الأمن العام بناء على ما تطمئن هي إليه من الاعتبارات التي تزنها والبيانات أو المعلومات التي تتجمع لديها من المصادر المختلفة وقد تكون هذه المصادر سرية ترى الإدارة لصالح الأمن عدم الكشف عنها وتقدير الإدارة في هذا كله لا معقب عليه ما دام مطابقاً للقانون وخالياً من إساءة استعمال السلطة.. وقد بان لهذه المحكمة من استقراء أوراق ملف الموضوع وما تضمنه من مذكرات وتقارير صادرة تارة من المباحث الجنائية بوزارة الداخلية وأخرى من جهة الإدارة الإقليمية (مركز شربين محافظة الدقهلية) أن التحريات المستفاد من أهالي بلدة (رأس الخليج) على مختلف طبقاتهم دلت على أن المطعون عليه معروف عنه أنه غير متزن في تصرفاته سريع الانفعال لدرجة أنه كثيراً ما يهدد والده بالانتحار أو الاعتداء عليه ما لم يحقق له مطالبه المادية وأنه في أغلب الأحيان يهدد الأهالي، ويشهر سلاحه لأتفه الأسباب. فتأسيساً على ذلك ونظراً للاعتبارات والمعلومات التي تجمعت لدى وزارة الداخلية عن طريق جهازها المتخصص، بوصفها الجهة المهيمنة على الأمن في أنحاء البلاد والمسئولة عنه فإن من حقها أن تقدر أن استمرار بقاء السلاح السابق الترخيص به في يد المطعون عليه، بعد الذي طرأ عليه وسجلته تحريات الجهات الرسمية المختلفة أصبح أمراً غير مأمون العواقب، وقد يكون من شأنه أن يعرض حياته شخصياً لجريمة الانتحار الذي يهدد والده به أو يعرض حياة الآخرين للأخطار ويقتضي واجب المحافظة على الأمن توقي أسباب الجريمة والمبادرة إلى تلافيها منعاً لوقوعها، ولا يغير من الأمر شيئياً أن تكون مذكرة المباحث الجنائية قد سطرت بعد رفع الدعوى ما دامت الاعتبارات التي استندت إليها جهة الإدارة والملابسات التي بنت عليها تقديرها وأعملت في شأنها ميزانها كانت يوم صدور القرار قائمة وملحوظة وما المذكرة المشار إليها ألا تسجيل كاشف لما سبق أن طرأ على حالة المدعي من أطوار بعد أن كانت جهة الإدارة قد رخصت له في حمل السلاح وجددت له الترخيص فترة أخرى تبين للإدارة خلالها أنه غير جدير باطمئنانها لإحراز هذا السلاح وحمله، فبات لزاماً عليها، إعمالاً لحكم القانون في نطاق مسئولياتها أن تسارع إلى إلغاء الترخيص وسحب السلاح وليس في الأوراق دليل على تحامل جهة الإدارة على المطعون عليه أو تعنتها معه إذ بادرت إلى إجابة طلبه عند الترخيص وعند التجديد إلى أن طرأ الانحراف على تصرفاته وبانت عليه سرعة الانفعال لأتفه الأسباب وتخلى عنه الاتزان المنشود بعد أن حمل بالفعل السلاح وإذ قام قرارها المطعون فيه على سببه المبرر له قانوناً والمستمد من أصول ثابتة في الأوراق فإنه يكون صحيحاً سليماً بمعصم عن الإلغاء وقد برئ من إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه لما تقدم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المدعي بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.