مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 12

(2)
جلسة 9 من نوفمبر سنة 1963

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس وعضوية السادة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضيتان رقما 1311 و1679 لسنة 8 القضائية

( أ ) تكليف - تفويض - تفويض الوزير لأحد وكلاء الوزارة في التعيين بأحد وظائف الكادر الفني العالي - شمول مثل هذا التفويض لشغل الوظيفة العامة بطريق التكليف - أساس ذلك أن التكليف والتعيين صنوان في خصوص الأثر القانوني لشغل الوظيفة العامة.
(ب) تكليف - تكليف أحد الموظفين للعمل مدرساً بإحدى مدارس وزارة التربية والتعليم طبقاً لأحكام القانون رقم 296 لسنة 1956 واستدعاؤه للعمل بوزارة الحربية في ذات الوقت طبقاً لأحكام القانون رقم 185 لسنة 1956 - الاستدعاء الأخير لا يجب التكليف، لأن لكل من هذين القانونين مجاله المستقل عن الآخر، ولهذا تظل مدد كل من الاستدعاءين مستقلة في حسابها عن الأخرى.
(جـ) تكليف - حجية الحكم الجنائي الصادرة ببراءة أحد المكلفين من تهمة الامتناع عن تنفيذ قرار صادر بتكليفه - حجيته أمام كل من القضاء المدني والقضاء الإداري - تطبيق حكم المادة 406 من القانون المدني بالنسبة للحجية أمام القاضي المدني، وعدم تقيد القضاء الإداري بالحكم الجنائي الذي مس في أسبابه شرعية تجديد التكليف إذ تقتصر حجيته على الجريمة دون غيرها - أساس ذلك.
1 - إذا كان قرار التفويض لوزير التربية والتعليم قد فوض وكيل الوزارة في التعيين في وظائف الكادر الفني العالي فإن التكليف والتعيين صنوان في خصوص الأثر القانوني لشغل الوظيفة العامة إذ متى تم شغل المكلف للوظيفة العامة يصبح شأنه شأن المعين فيها موظفاً عاماً ملتزماً بأعباء الوظيفة وواجباتها مستفيداً من مزاياها طوال مدة التكليف، ومن ثم فإن القرار الإداري الصادر في 3 من ديسمبر سنة 1960 من وكيل الوزارة للتعليم الفني بتجديد تكليف المدعي عن المدة من 6 من ديسمبر سنة 1960 إلى 5 من ديسمبر سنة 1962 قرار صادر ممن يملكه.
2 - إنه لا يجوز اعتبار المدعي طليقاً من قيد التكليف عند انتهاء مدة التكليف الأولى في 5 من ديسمبر سنة 1958 بحيث لا يجوز تكليفه مدة أخرى ذلك أنه لم يكن قد استكمل بعد أداء الخدمة العامة المفروضة عليه بحكم التكليف المقرر بمقتضى القانون رقم 296 لسنة 1956، فهو قد استدعي للعمل بوزارة الحربية في 10 من مايو سنة 1958 بمقتضى قانون آخر هو القانون رقم 185 لسنة 1956 أي قبل انتهاء مدة تكليفه الأولى بحوالي سبعة شهور ولبث يعمل بوزارة الحربية بحكم هذا الاستدعاء منذ ذلك التاريخ حتى 10 من مايو سنة 1960. وواضح أن استدعاءه للعمل بوزارة الحربية بمقتضى القانون رقم 185 لسنة 1956 لا يجب تكليفه بوزارة التربية والتعليم بمقتضى القانون رقم 296 لسنة 1956 إذ لم ينص القانون رقم 185 لسنة 1956 على ذلك ولكل قانون من هذين القانونين مجاله المستقل عن مجال القانون الآخر بالنسبة لنوع الخدمة التي يفرضها. فلا يجوز اعتبار القيام بالخدمة العامة التي يفرضها أحد القانونين أداء للخدمة العامة التي يفرضها القانون الآخر. ومتى كان المدعي عند انتهاء مدة التكليف الأولى بل وطوال مدة استدعائه للعمل بوزارة الحربية، لا يزال مديناً بحوالي سبعة شهور من الخدمة العامة التي فرضها التكليف. وأفصحت وزارة التربية والتعليم بالقرار رقم 357 في 6 من مارس سنة 1960 قبل انتهاء مدة الاستدعاء عن إرادتها في تجديد تكليفه بها فإن هذا القرار يكون سليماً ومطابقاً للقانون فهو يعتبر كأنما قد صدر قبل أن تنتهي مدة التكليف الأولى بحوالي سبعة أشهر.
3 - نصت المادة 406 من القانون المدني على أنه "لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً"، ومفاد ذلك أن المحكمة المدنية تتقيد بما أثبتته المحكمة الجنائية في حكمها من وقائع دون أن تتقيد بالتكييف القانوني لهذه الوقائع فقد يختلف التكييف من الناحية المدنية عنه من الناحية الجنائية. وينبني على ذلك أن حكم القاضي الجنائي بالبراءة أو الإدانة، لأسباب ترجع إلى الوقائع بأن أثبت أن الفعل المسند إلى المتهم لم يحصل أو أثبت حصوله، يقيد القاضي المدني بثبوت الوقائع أو عدم ثبوتها على هذا النحو. أما إذا قام الحكم الجنائي بالبراءة على أسباب ترجع إلى التكييف لم يتقيد القاضي المدني بذلك، كما لو قام الحكم الجنائي على ثبوت رابطة البنوة المانعة من توقيع العقاب في جريمة السرقة لوجود نص يمنع من ذلك، فلا يجوز الحكم الجنائي قوة الأمر المقضي في ثبوت هذه الرابطة الشرعية بصفة مطلقة، كما في دعوى بنوة أو نفقة أو إرث مثلاً إذ ولاية القضاء في ذلك معقودة أصلاً لجهة اختصاص معينة. ولتلك الروابط أوضاعها وإجراءاتها ومقوماتها الخاصة بها أمام تلك الجهات. هذا ما ذهب إليه الفقه والقضاء في المجال المدني مع مراعاة أن القضاء المدني والقضاء الجنائي فرعان يتبعان نظاماً قضائياً واحداً يستقل عنه القضاء الإداري، فمن باب أولى لا يتقيد القضاء الإداري بالحكم الجنائي الذي مس في أسبابه شرعية تجديد التكليف فإن هذا الحكم إذ قضى بالبراءة في جريمة التخلف عن تنفيذ التكليف وانبنى على ما فهمته المحكمة الجنائية من عدم جواز تجديد التكليف بحسب تأويلها للنصوص القانونية في هذا الشأن، أن هذا الحكم وإن حاز قوة الأمر المقضي في تلك الجريمة المعينة إلا أنه لا يحوز هذه القوة في عدم جواز تجديد التكليف. فهذه المسألة تقتضي تأويلاً وتكييفاً قانونياً على مقتضى النصوص القانونية التي تحكمها.


إجراءات الطعن

في 26 من أغسطس سنة 1961. أودعت إدارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة بالنيابة عن السيد/ وزير التربية والتعليم تقرير طعناً في الحكم الصادر بجلسة 27 من يونيه سنة 1961 من محكمة القضاء الإداري في طلب وقف التنفيذ في الدعوى رقم 12 لسنة 15 القضائية المقامة من السيد المهندس/ البرت نعوم مزاوي ضد وزارة التربية والتعليم والذي يقضي بوقف تنفيذ القرار المطعون وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً والقضاء بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون وفي الموضوع بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لكي تقضي بإلغاء الحكم المطعون والقضاء برفض طلب وقف التنفيذ مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقيد الطعن تحت رقم 1679 لسنة 7 القضائية وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون عليه في 3 من سبتمبر سنة 1961 وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 6 من إبريل سنة 1963 وأبلغ الطرفان في 12 من مارس سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة.
وكانت إدارة قضايا الحكومة قد أودعت سكرتيرية هذه المحكمة في 23 من يونيه سنة 1962 بالنيابة عن السيد/ وزير التربية والتعليم تقرير طعن في الحكم الصادر بجلسة 24 من إبريل سنة 1962 من محكمة القضاء الإداري في موضوع الدعوى المشار إليها والذي يقضي برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها. وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 357 في 6 من مارس سنة 1960 بتجديد تكليف المدعي وإلزام الحكومة بالمصروفات وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة وقيد الطعن تحت رقم 1311 لسنة 8 القضائية وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون عليه في 27 من يونيه سنة 1962 وعين لنظر أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 6 من إبريل سنة 1963 وأبلغ الطرفان في 12 من مارس سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة.
وفي الجلسة المذكورة قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى المحكمة العليا وحدد لنظرهما أمامها جلسة 25 من مايو سنة 1963 وأبلغ الطرفان في 20 من إبريل سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت المحكمة ضم الطعن رقم 1679 لسنة 7 القضائية إلى الطعن رقم 1311 لسنة 8 القضائية ليصدر فيهما حكم واحد والتأجيل لجلسة 5 من أكتوبر سنة 1963 لتقديم مستندات وفي جلسة 5 من أكتوبر سنة 1963 حضر الطرفان وسمعت المحكمة منهما ما رأت لزوم سماعه من الإيضاحات وقررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع إيضاحات ذوي الشأن، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 521 لسنة 15 القضائية ضد وزارة التربية والتعليم بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري بتاريخ 15 من مارس سنة 1961. وقال بياناً للدعوى إنه بتاريخ 5 من مارس سنة 1961 تظلم من قرار السيد/ وكيل وزارة التربية والتعليم الذي قضى بتجديد مدة تكليفه من 6 من ديسمبر سنة 1960 إلى 5 من ديسمبر سنة 1962. وكان قد علم بصدور هذا القرار من خطاب المدرسة الثانوية الزراعية بالمنصورة الذي استلمه في 2 من فبراير سنة 1961. ونعى على القرار المذكور انعدامه ومخالفته للقانون لأنه صدر من وكيل الوزارة على حين أن القانون رقم 286 لسنة 1956 قد منح السلطة للوزير أو لمن ينوب عنه ولم يثبت أن الوزير أناب وكيل الوزارة في هذا الخصوص ولأن أمر التكليف الذي صدر للمدعي كان لمدة سنتين من 6 من ديسمبر سنة 1956 إلى 5 من ديسمبر سنة 1958. ولم تجدد مدة التكليف إلا بموجب القرار رقم 357 في 6 من مارس سنة 1960 لمدة سنتين من 6 من ديسمبر سنة 1958 إلى 5 من ديسمبر سنة 1960. فهو قرار باطل لأنه كان يجب أن يصدر قبل نهاية مدة التكليف. وإذ استند إليه القرار المطعون فيه فإنه يكون هو الآخر قراراً باطلاً. وانتهى المدعي إلى طلب الحكم. أولاً: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. ثانياً - بإلغاء القرار المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وأجابت الوزارة على الدعوى بأنه استناداً إلى القانون رقم 296 لسنة 1956 صدر أمر التكليف رقم 397 لسنة 1956 في 6 من ديسمبر سنة 1956 متضمناً تكليف المدعي للعمل بالتعليم الزراعي لمدة سنتين من 6 من ديسمبر سنة 1956 إلى 5 من ديسمبر سنة 1958 قابلتين للتجديد وقبل انتهاء مدة التكليف وعلى وجه التحديد في أوائل مايو سنة 1958 واستناداً إلى قانون التعبئة العامة رقم 158 لسنة 1956 الذي يعطي الحق لوزير الحربية في استدعاء أي موظف أو مستخدم أو عامل في الحكومة للعمل بوزارة الحربية أو فروعها أو القوات المسلحة لمدة سنتين أصدر السيد/ وزير الحربية قراراً في 8 من مايو سنة 1958 متضمناً استدعاء المدعي لمدة سنتين. وقد قطع هذا القرار مدة تكليف المدعي بوزارة التربية والتعليم وصار ملزماً بعد انتهاء استدعائه بتقديم نفسه لوزارة التربية والتعليم لتكملة مدة تكليفه بالنسبة للفترة من 10 من مايو سنة 1958 إلى 6 من ديسمبر سنة 1958. وذلك بالعمل فيها فترة مماثلة من 10 من مايو سنة 1960 إلى 6 من ديسمبر سنة 1960. وقد أعلنت وزارة التربية والتعليم بنيتها في ذلك بإصدارها القرار رقم 357 في 6 من مارس سنة 1960 بتجديد تكليف المدعي لمدة سنتين آخريين من تاريخ انتهاء مدة تكليفه الأولى. ولما كانت مدة تكليفه الأولى الصادر بها أمر التكليف رقم 397 لسنة 1956 هي سنتين قابلة للتجديد وكانت هذه المدة الأولى تنتهي في 6 من ديسمبر سنة 1960 بسبب قطع المدة الحاصل بالاستدعاء فإن مدة التجديد تنتهي في 6 من ديسمبر سنة 1962 وقد صدر قرار التجديد قبل انتهاء المدة الأولى ثم إن المدعي لم يعترض على القرار رقم 357 الصادر في 6 من مارس سنة 1960 بل قام فعلاً بتنفيذه وتسلم عمله تنفيذاً له وبذلك تحصن هذا القرار وسقطت حجة المدعي في الاعتراض عليه. ولما كان مفاد القرار رقم 357 الصادر في 6 من مارس سنة 1960 هو تجديد مدة تكليف المدعي سنتين آخريين طبقاً للقانون ابتداء من 6 من ديسمبر سنة 1960 تاريخ استكماله لمدة السنتين المكلف خلالهما بالأمر رقم 397 لسنة 1956 فقد رأت الوزارة تأكيداً للقرار رقم 357 أن تخطر المدعي بمضمونه عن طريق المدرسة الزراعية الثانوية بالمنصورة التي يعمل بها فأفادت المدرسة بأنه نظراً لقيامه بإجازة مرضية فقد قامت بإخطاره في 3 من ديسمبر سنة 1960 بكتاب مسجل بعلم الوصول على عنوانه بالقاهرة الثابت لديها فتسلمته إحدى قريباته في 5 من ديسمبر سنة 1960 غير أنها كتبت للمدرسة بأن قريبها يقيم بالمنصورة في الوقت الذي كان المدعي قد حرر فيه مذكرة بتاريخ 6 من ديسمبر سنة 1960 يبين فيها أن تكليفه انتهى ويذكر فيها أن عنوانه هو ذات العنوان الذي أبلغته فيه المدرسة كتابها المسجل المشار إليه. وانتهت الوزارة إلى أن المدعي علم بالقرار المطعون فيه في 10 من مايو سنة 1960 بتسلمه العمل تنفيذاً له وعلى أسوأ فرض فقد علم بمضمونه في 3 من ديسمبر سنة 1960. ولما كان قد تظلم في 6 من مارس سنة 1961. فإن تظلمه يكون قد قدم بعد الميعاد. وطلبت الوزارة الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد واحتياطياً الحكم برفض طلب وقف التنفيذ. وعقب المدعي على إجابة الوزارة فقال إن تجديد تكليفه في المدة من 6 من ديسمبر سنة 1960 إلى 5 من ديسمبر سنة 1962 تم بأمر صادر في 29 من ديسمبر سنة 1960 من مراقب عام المستخدمين فهو أمر معدوم لأن مراقب عام المستخدمين لا اختصاص له في هذا الأمر وعلى فرض أنه مختص فإن الأمر قد صدر في 29 من ديسمبر سنة 1860 بعد انتهاء مدة التكليف في 5 من ديسمبر سنة 1960 أما عن تجديد تكليفه من 6 من ديسمبر سنة 1958 إلى 5 من ديسمبر سنة 1960 فقد تم بموجب القرار رقم 357 في 6 من مارس سنة 1960 أي بعد انتهاء مدة التكليف الأولى في 5 من ديسمبر سنة 1958 بأكثر من سنة ونصف فهو قرار باطل ومعدوم. ولا أثر لاستدعائه للعمل بوزارة الحربية على انتهاء مدة تكليفه في 5 من ديسمبر سنة 1958 ويكون قد أصبح طليقاً من 6 من ديسمبر سنة 1958. ويكون في عمله حتى 5 من ديسمبر سنة 1960 غير ملزم بالنفاذ ويكون من حقه أن يترك العمل بالوزارة في أي وقت يشاء. وعلى كل حال فإن مدة التجديد الباطلة قد انتهت في 5 من ديسمبر سنة 1960 ولم يصدر الوزير المختص قراراً بمد مدة التكليف قبل 5 من ديسمبر سنة 1960 ولذلك أصبح طليقاً وبجلسة 27 من يونيه سنة 1961 قضت محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ القرار المطعون. وأقامت قضاءها على أن أمر تكليف المدعي بوزارة التربية والتعليم قد انتهت مدته في 5 من ديسمبر سنة 1958 ولم يجدد قبل انتهاء مدته ويترتب على ذلك سقوطه وعدم جواز تجديده وأنه من ثم فإن القرار المطعون وقد صدر بتجديد التكليف في 6 من مارس سنة 1960 يكون مخالفاً للقانون ولا يؤثر في ذلك أن المدعي كان مكلفاً بالعمل بوزارة الحربية وأن القرار المطعون قد صدر قبل انتهاء مدة تكليفه به لأن تكليف المدعي بالعمل في جهة أخرى لا يعفي وزارة التربية والتعليم من شرط تجديد تكليفه بالعمل بها قبل انتهاء تكليفه الأول إذا أرادت الاحتفاظ به.
ومن حيث إنه بعد تحضير موضوع الدعوى قدمت وزارة التربية والتعليم مذكرة تمسكت فيها بالدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد على الأساس الذي سبق أن بينته في مذكرتها السابقة ثم مضت تقول إن القرار الوزاري رقم 270 بتاريخ 4 من مارس سنة 1958 فوض وكيل الوزارة المساعد المختص في تعيين الموظفين الفنيين بالكادر الفني العالي. وقرار مد أجل تكليف المدعي رقم 357 في 6 من مارس سنة 1960 لا يعدو أن يكون قرار تعيين والمدعي لم يعترض على القرار المذكور بل إنه بعد أن انتهت مدة استدعائه للعمل بوزارة الحربية عاد وتسلم عمله فعلاً بالتعليم الزراعي بالوزارة وظل قائماً بالعمل حتى 5 من ديسمبر سنة 1960 وبجلسة 24 من إبريل سنة 1962. قضت محكمة القضاء الإداري برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 357 في 6 من مارس سنة 1960 بتجديد تكليف المدعي وإلزام الحكومة بالمصروفات. وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالدفع على أن المدعي تقدم في 14 من ديسمبر سنة 1960 يتظلم من القرار المطعون فيه ولما لم يتلق رداً على تظلمه قام برفع هذه الدعوى في 15 من مارس سنة 1961. أي في خلال الستين يوماً التالية. وإذا كان لم يتظلم طبقاً للمادة الرابعة من القانون رقم 296 لسنة 1956 خلال أسبوع من إعلانه فإن نص المادة المذكورة لا يسقط حقه في اتخاذ الطريق القضائي والقول بأن الفصل في هذا التظلم نهائي مقصور به وضع حد لمدارج التظلم الإداري. وأقامت قضاءها فيما يتعلق بالموضوع على ما أقامته عليه في قضائها بوقف التنفيذ.
ومن حيث إن الطعنين يقومان على أنه لا ارتباط البتة بين أمر التكليف الصادر من وزارة التربية والتعليم وأمر الاستدعاء الصادر من وزارة الحربية. سواء في سندهما التشريعي أو في طبيعة موضوع كل من القرارين فإذا صادف قرار التكليف أثناء نفاذ أمر باستدعاء الموظف في وزارة الحربية كانت نتيجة صدور هذا الأمر وقف نفاذ أمر التكليف واعتبار الأثر القانوني للالتزام بالعمل معطلاً حتى انتهاء سبب الوقف ثم استكمال المدة الباقية من أمر التكليف بعد زوال الوقف ولذلك فإن القرار رقم 357 لسنة 1960 المقضى بإلغائه لا يعدو أن يكون مقرراً وكاشفاً لواقعة قانونية قائمة فعلاً هي وجوب استئناف أمر التكليف الصادر في 6 من ديسمبر سنة 1956 حتى نهاية باقي مدته بعد زوال الوقف وهي السبعة أشهر المنتهية في 5 من ديسمبر سنة 1960 ولا يكون هذا القرار محلاً للطعن بالإلغاء إذ هو لم ينشئ ولم يعدل من مركز قانوني قائم فعلاً بالأمر الصادر في 6 من ديسمبر سنة 1956 ومع ذلك فإن المدعي لم يتظلم من هذا القرار وهو صادر في 6 من مارس سنة 1960 إلا في 14 من ديسمبر سنة 1960. وبذلك يكون قد تحصن لعدم التظلم منه في الميعاد وإذ تقرر ما تقدم وكان قرار المد الصادر في 3 من ديسمبر سنة 1960 سابقاً على انتهاء مدة أمر التكليف الأصلي في 5 من ديسمبر سنة 1960 وقد أخطر به المطعون ضده في 3 من ديسمبر سنة 1960 فإن هذا القرار يكون سليماً لا شائبة فيه.
ومن حيث إن المدعي أثار في جلسة المرافعة أنه قدم لمحكمة الجنح بتهمة مخالفته أحكام القانون رقم 296 لسنة 1956 لأنه تخلف عن تنفيذ التكليف في المدة من 6 من ديسمبر سنة 1960 إلى 5 من ديسمبر سنة 1962 فصدر الحكم ببراءته على أساس عدم جواز تجديد التكليف عن المدة المذكورة وتحدى بحجية هذا الحكم الجنائي أمام القضاء الإداري.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة ملف المدعي بوزارة التربية والتعليم رقم 1 - 25/ 204 أن وزارة التربية والتعليم أصدرت في 6 من ديسمبر سنة 1956 القرار رقم 397 لسنة 1956 بتكليفه في وظيفة مدرس ميكانيكا بالمدرسة الثانوية الزراعية بالمنصورة (ص 3) معارض في هذا القرار، بتاريخ 9 من ديسمبر سنة 1956 وشفع معارضته بتوصية من شركة صناعات المنتجات المعدنية التي كان يعمل بها بإعفائه من هذا التكليف (ص 4، 5، 6) فلم توافق الوزارة على إعفائه فتسلم العمل بالمدرسة بتاريخ 27 من ديسمبر سنة 1956 (ص 7) وبتاريخ 3 من مايو سنة 1958 أصدرت وزارة الحربية القرار برقم 476 باستدعائه للعمل بالقوات الجوية فتسلم العمل فعلاً بهذه القوات في 10 من مايو سنة 1958 (ص 21) وبتاريخ 6 من مارس سنة 1960 أصدر وكيل وزارة التربية القرار رقم 357 - بمقتضى تفويضه بالقرار الوزاري رقم 270 في 4 من مارس سنة 1958 نص في مادته الأولى على أن "يجدد تكليف السيد المهندس/ البرت نعوم مزاوي (المدعي).... لمدة سنتين آخريين من تاريخ انتهاء المدة الأولى....." (ص 66) وكتب نفس وكيل الوزارة الذي أصدر القرار إلى وزارة الحربية بتاريخ 9 من مارس سنة 1960 بمقولة إنه "لما كانت المادة الأولى من القانون رقم 185 لسنة 1956 تنص على ألا تتجاوز مدة الاستدعاء عامين. وحيث إن استدعاء السيد المذكور (المدعي) قد بدأ في 10 من مايو سنة 1958 وهو تاريخ تسلمه العمل وهذه المدة تنتهي في 9 من مايو سنة 1960 والمعهد العالي الزراعي بمشتهر في مسيس الحاجة إليه مما جعل الوزارة تمد أمر تكليفه لمدة عامين آخرين حتى 6 من ديسمبر سنة 1960.. لذلك فإنا نتشرف بإخطار سيادتكم من الآن بقرب انتهاء مدة الاستدعاء رجاء التنبيه بإخلاء طرف السيد المهندس في الوقت المحدد قانوناً مع تكليفه تسلم عمله بالمعهد العالي الزراعي بمشتهر في اليوم التالي... (ص 59) وفي 10 من مايو سنة 1960 عاد المدعي من وزارة الحربية وتسلم عمله بالتعليم الزراعي (ص 68) وفي 3 من ديسمبر سنة 1960 قامت المراقبة العامة للمستخدمين (تعيينات) بناء على المذكرة الواردة إليها من مكتب وكيل الوزارة للتعليم الفني في هذا التاريخ بإخطار السيد المهندس المذكور على مدرسته بأن الوزارة تجدد تكليفه لمدة سنتين آخريين ينتهيان في 5 من ديسمبر سنة 1962 ". (ص 86) وفي نفس التاريخ (3 من ديسمبر سنة 1960) كتبت المدرسة الثانوية الزراعية بالمنصورة إلى المدعي بأنه ورد للمدرسة اليوم الإشارة التليفونية الآتية: السيد ناظر مدرسة الزراعة الثانوية بالمنصورة - بالنسبة للسيد المهندس ألبرت نعوم مزاوي نظراً لأن تكليف السيد المهندس المذكور ينتهي في 5 من ديسمبر سنة 1960 وقد قررت الوزارة تجديد تكليفه لمدة سنتين آخريين اعتباراً من 6 من ديسمبر سنة 1960 حتى 5 من ديسمبر سنة 1962 لذلك نرجو إخطاره بذلك والتوقيع منه على هذا بما يفيد العلم. وفي حالة عدم وجوده بالمدرسة يخطر بالموصى عليه على عنوانه المحفوظ لدى المدرسة... "وطلبت المدرسة من المدعي العلم والتوقيع بما يفيد ذلك والتنفيذ (ص 74) وفي 14 من ديسمبر سنة 1960 أرسل المدعي تظلماً أقر فيه بتسلم كتاب المدرسة المرفق به الإشارة التي أرسلها مراقب عام المستخدمين بالوزارة يخطره فيها بتجديد مدة تكليفه لمدة سنتين من 6 من ديسمبر سنة 1960 حتى 5 من ديسمبر سنة 1962. ونعى فيه على قرار التجديد الأخير بالانعدام لأن مراقب المستخدمين غير مختص بهذا القرار ولأن القرار رقم 357 في 6 من مارس سنة 1960 صدر بعد نهاية مدة التكليف التي تنتهي في 5 من ديسمبر سنة 1958 وبعد أن أصبح هو طليقاً لعدم تجديد أمر تكليفه في الميعاد فهو قرار باطل (ص 87).
عن الدفع بعدم قبول الدعوى: -
من حيث إنه ثابت مما تقدم أن القرار رقم 357 الصادر في 6 من مارس سنة 1960 لم يكن يقصد تجديد تكليف المدعي عن المدة من 6 من ديسمبر سنة 1960 إلى 5 من ديسمبر سنة 1962 كما ذهب دفاع الوزارة إلى ذلك في بداية مراحل الدعوى - وإنما كان يقصد - بإقرار وكيل الوزارة بصدر القرار نفسه في كتابه إلى وزارة الحربية - تجديد التكليف حتى 6 من ديسمبر سنة 1960 ولما كان الثابت الذي لا جدال فيه أن المدعي لم يفكر في معارضة تجديد تكليفه عن العاملين اللذين ينتهيان في 5 من ديسمبر سنة 1960 بل قام بتنفيذ التكليف من بعد عودته من وزارة الحربية في 10 من مايو سنة 1960 حتى 5 من ديسمبر سنة 1960. دون شكوى أو اعتراض أو احتجاج. وهو إنما عارض في تجديد تكليفه عن المدة من 6 من ديسمبر سنة 1960 إلى 5 من ديسمبر سنة 1962 لما كان ذلك فإنه يتبين بوضوح أن القرار الإداري المطعون فيه والذي يطلب المدعي القضاء له بوقف تنفيذه وإلغائه - ليس القرار رقم 357 الصادر في 6 من مارس سنة 1960 وإنما هو القرار الإداري الذي قرر تجديد تكليفه عن المدة من 6 من ديسمبر سنة 1960 إلى 5 من ديسمبر سنة 1962، ومن ثم فإنه حتى إذا صح ما تدعيه الوزارة من أن المدعي قد علم بأمر هذا التجديد في 3 من ديسمبر سنة 1960. فإنه قد تظلم منه في 14 من ديسمبر سنة 1960 كما سبق البيان ولم يتلق عن هذا التظلم رداً. فأقام الدعوى في 15 من مارس سنة 1961 فيكون قد قدم تظلمه وأقام دعواه في الميعاد بالتطبيق لأحكام القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة ويكون الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد في غير محله متعينا رفضه.
عن الموضوع: -
من حيث إنه ثابت من ملف المدعي كما سبق البيان أن القرار الإداري الذي أفصحت به وزارة التربية والتعليم عن إرادتها الملزمة في تجديد تكليف المدعي عن المدة من 6 من ديسمبر سنة 1960 إلى 5 من ديسمبر سنة 1962 صادر من وكيل الوزارة للتعليم الفني بتاريخ 3 من ديسمبر سنة 1960 ولا وجه لادعاء المدعي بأنه صادر من مراقب عاد المستخدمين في 29 من ديسمبر سنة 1960 بمقولة إن الأمر التنفيذي رقم 246 في 29 من ديسمبر سنة 1960 والمسجل تحت رقم 39 بتاريخ 29 من يناير سنة 1961 الذي أبلغ للمدعي بشأن تجديد تكليفه عن المدة من 5 من ديسمبر سنة 1960 إلى 6 من ديسمبر سنة 1962 بمقولة إن الأمر المذكور صادر من مراقب عام المستخدمين في 29 من ديسمبر سنة 1960 لا وجه لهذا الادعاء إذ أنه ثابت من الأمر المشار إليه ذاته أنه تنفيذ للقرار الإداري الصادر من وكيل الوزارة فقد ثبت في عنوانه أنه أمر تنفيذي وثبت في ديباجته أنه صدر بناء على ما أمر به وكيل الوزارة للتعليم الفني من استمرار تكليف المدعي وآخرين وتجديده وبعد الاطلاع على إخطار المراقبة العامة للمستخدمين في 3 من ديسمبر سنة 1960 للمدعي وآخرين بتجديد تكليفهم لمدة سنتين آخريين ثم نص الأمر ليس على تقرير التجديد وإنما على نفاذ هذا التجديد ووكيل الوزارة في إصداره هذا القرار ذو اختصاص بهذا الإصدار بمقتضى قرار التفويض رقم 270 الصادر من الوزير في 4 من مارس سنة 1958.
وإذا كان قرار التفويض من وزير التربية والتعليم قد فوض وكيل الوزارة في التعيين في وظائف الكادر الفني العالي فإن التكليف والتعيين صنوان في خصوص الأثر القانوني لشغل الوظيفة العامة إذ متى ثم شغل المكلف للوظيفة العامة يصبح شأنه شأن المعين فيها موظفاً عاماً ملتزماً بأعباء الوظيفة وواجباتها مستفيداً من مزاياها طوال مدة التكليف.
ومن ثم فإن القرار الإداري الصادر في 3 من ديسمبر سنة 1960 من وكيل الوزارة للتعليم الفني بتجديد تكليف المدعي عن المدة من 6 من ديسمبر سنة 1960 إلى 5 من ديسمبر سنة 1962 قرار صادر ممن يملكه وإذا كان صادراً قبل انتهاء مدة التكليف الثانية فإنه لا شبهة في سلامته ومطابقته للقانون.
ومن حيث إنه لا وجه أيضاً لنعي المدعي على القرار المذكور بأنه استند إلى قرار منعدم هو القرار رقم 357 في 6 من مارس سنة 1960 الذي قرر تجديد التكليف حتى 5 من ديسمبر سنة 1960 بمقولة إن القرار رقم 357 المذكور قد صدر بعد انتهاء مدة التكليف الأولى بحوالي سنة ونصف إذ انتهت مدة التكليف الأولى في 5 من ديسمبر سنة 1958 فيكون القرار رقم 357 المشار إليه قد صدر بعد أن تحرر المدعي وانطلق من قيد التكليف وأصبح لا يجوز تكليفه مدة أخرى لا وجه لهذا النعي. لأن مخالفة القانون التي يعيبها المدعي على القرار رقم 357 آنف الذكر لا تنحدر به إلى حد الانعدام وإنما هي إن قامت فإنما تجعله قابلاً للإلغاء بطريق الطعن القضائي في الميعاد المقرر قانوناً والمدعي لم يطعن في القرار رقم 357 المذكور بالطريق القضائي في الميعاد المقرر قانوناً، بل إنه لم يبد بشأنه أية معارضة عندما علم به العلم اليقين وإنما نفذه دون شكوى أو اعتراض أو احتجاج راضياً مختاراً، فأصبح القرار بذلك حصيناً وعلى كل حال فإنه لا يجوز اعتبار المدعي طليقاً من قيد التكليف عند انتهاء مدة التكليف الأولى في 5 من ديسمبر سنة 1958 بحيث لا يجوز تكليفه مدة أخرى ذلك أنه لم يكن قد استكمل بعد أداء الخدمة العامة المفروضة عليه بحكم التكليف بمقتضى القانون رقم 296 لسنة 1956. فهو قد استدعي للعمل بوزارة الحربية في 10 من مايو سنة 1958 بمقتضى قانون آخر هو القانون رقم 185 لسنة 1956 أي قبل انتهاء مدة تكليفه الأولى. بحوالي سبعة شهور ولبث يعمل بوزارة الحربية بحكم هذا الاستدعاء منذ ذلك التاريخ حتى 10 من مايو سنة 1960. وواضح أن استدعاؤه للعمل بوزارة الحربية بمقتضى القانون رقم 185 لسنة 1956 لا يجب تكليفه بوزارة التربية والتعليم بمقتضى القانون رقم 296 لسنة 1956 إذ ينص القانون رقم 185 لسنة 1956 على ذلك ولكل قانون من هذين القانونين مجاله المستقل عن مجال القانون الآخر بالنسبة لنوع الخدمة التي يفرضها. فلا يجوز اعتبار القيام بالخدمة العامة التي يفرضها أحد القانونين أداء للخدمة العامة التي يفرضها القانون الآخر، ومتى كان المدعي عند انتهاء مدة التكليف الأولى وطوال مدة استدعائه للعمل بوزارة الحربية. لا يزال مديناً بحوالي سبعة شهور من الخدمة العامة التي فرضها التكليف. وأفصحت وزارة التربية والتعليم بالقرار رقم 357 في 6 من مارس سنة 1960 قبل انتهاء مدة الاستدعاء عن إرادتها في تجديد تكليفه بها، فإن هذا القرار يكون سليماً ومطابقاً للقانون، فهو يعتبر كأنما قد صدر قبل أن تنتهي مدة التكليف الأولى بحوالي سبعة شهور.
ومن حيث إن التحدي بالحكم الجنائي الصادر بالبراءة لا يجدي في هذا الشأن. نصت المادة 406 من القانون المدني - على أنه "لا يرتبط القاضي المدني بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً" ومفاد ذلك أن المحكمة المدنية تتقيد بما أثبتته المحكمة الجنائية في حكمها من وقائع دون أن يتقيد بالتكليف القانوني لهذه الوقائع فقد يختلف التكييف من الناحية المدنية عنه من الناحية الجنائية. وينبني على ذلك أنه إذا حكم القاضي الجنائي بالبراءة أو الإدانة، لأسباب ترجع إلى الوقائع بأن أثبت أن الفعل المسند إلى المتهم لم يحصل أو أثبت حصوله، تقيد القاضي المدني بثبوت الوقائع أو عدم ثبوتها على هذا النحو. أما إذا قام الحكم الجنائي بالبراءة على أسباب ترجع إلى التكييف لم يتقيد القاضي المدني بذلك. كما قام الحكم الجنائي على ثبوت رابطة البنوة المانعة من توقيع العقاب في جريمة السرقة لوجود نص يمنع من ذلك. فلا يجوز الحكم الجنائي قوة الأمر المقضي في ثبوت هذه الرابطة الشرعية بصفة مطلقة. كما في دعوى بنوة أو نفقة أو إرث مثلاً إذ ولاية القضاء في ذلك معقودة أصلاً لجهة اختصاص معينة. ولتلك الروابط أوضاعها وإجراءاتها ومقوماتها الخاصة بها أمام تلك الجهات. هذا ما ذهب إليه الفقه والقضاء في المجال المدني مع مراعاة أن القضاء المدني والقضاء الجنائي فرعان يتبعان نظاماً قضائياً واحداً يستقل عنه القضاء الإداري فمن باب أولى لا يتقيد القضاء الإداري بالحكم الجنائي الذي مس في أسباب شرعية تجديد التكليف فإن هذا الحكم إذ قضى بالبراءة في جريمة التخلف عن تنفيذ التكليف وانبنى على ما فهمته المحكمة الجنائية من عدم جواز تجديد التكليف بحسب تأويلها للنصوص القانونية في هذا الشأن، أن هذا الحكم وإن حاز قوة الأمر المقضي في تلك الجريمة المعينة إلا أنه لا يحوز هذه القوة في عدم جواز تجديد التكليف فهذه المسألة تقتضي تأويلاً وتكييفاً قانونياً على مقتضى النصوص القانونية التي تحكمها.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم تكون الدعوى بشقيها على غير أساس سليم من القانون وإذ أخذ الحكمان المطعون فيهما بغير هذا النظر فإنهما يكونان قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ويتعين القضاء بإلغائهما ورفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين المضمومين شكلاً، وفي موضوعهما بإلغاء الحكمين المطعون فيهما وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفي موضوعها برفضها بشقيها، وألزمت المدعي بالمصروفات.