مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ
القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 25
(3)
جلسة 9 من نوفمبر سنة 1963
برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس وعضوية السادة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.
القضية رقم 120 لسنة 9 القضائية
( أ ) موظف - تأديب - الترخيص له في مباشرة مهنته خارج نطاق وظيفته
وفي غير أوقات العمل الرسمية - مقتضاه مزاولة المهنة دون قيد إلا ما ينص عليه صراحة
في القانون - مثال - حظر نص المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 الخاص بالشركات
الجمع بين الوظيفة والعمل في الشركات ولو بصفة عرضية أو على سبيل الاستشارة، وسواء
أكان ذلك بأجر أم بغير أجر - قيام الطبيب الحكومي المصرح له بمزاولة المهنة خارج الوظيفة
بعلاج عمال إحدى شركات المساهمة بعيادته الخارجية بأجر يتقاضاه من الشركة يعتبر من
قبيل الاشتغال بها - اقترافه مخالفة واجبات وظيفته وخروجه على مقتضى الواجب في أعمالها
وفقاً لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 - وجوب عزله من وظيفته إعمالاً للمادة 95 سالفة
الذكر معدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955 - ليس للقضاء تقدير هذه العقوبة.
(ب) موظف - مسئولية - الخطأ في فهم القانون أو الواقع ليس عذراً دافعاً للمسئولية -
أساس ذلك ومثال.
1 - إن الأصل أن للموظف المرخص له من جهة الإدارة المختصة في مباشرة مهنته خارج نطاق
وظيفته وفي غير أوقات العمل الرسمية أن يقوم بمزاولة هذه المهنة دون قيد إلا ما ينص
عليه صراحة في القانون مراعاة لحكمة يستهدفها المشرع.
والمستفاد من حكمة حظر الجمع بين الوظيفة العامة والعمل في شركات المساهمة هي منع توسل
بعض الشركات المذكورة بنفوذ بعض الموظفين العموميين لقضاء مصالحها أو للتأثير في المكتتبين
في رأس مال الشركة عند طرح الأسهم والسندات للاكتتاب مما حدا بالمشرع إلى تحريم العضوية
بمجالس الإدارة أو التوظف بالشركات المذكورة على الموظفين العموميين ولقد نصت المادة
95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 على هذا الحظر بالنسبة لموظفي الحكومة مع التوسع في
نطاقه بجعله مطلقاً يتناول العمل في هذه الشركات ولو بصفة عرضية للحكمة ذاتها ثم جاء
القانون رقم 155 لسنة 1955 معدلاً للمادة سالفة الذكر فأبقى على هذا الحظر ولو كان
مرخصاً للموظف في العمل خارج نطاق وظيفته وقد أوضحت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون
الأخير حكمة هذا الحظر وهي تنزيه الوظيفة العامة.
وحظر الجمع بين الوظيفة العامة وتلك الأعمال المنصوص عليها في البند (1) من المادة
95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 معدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955 هو قيد على أصل مباح
بالنسبة للموظف المرخص له بمزاولة مهنته خارج نطاق وظيفته العامة فينبغي قصر الحظر
على ما ورد في شأنه للحكمة التي تغياها المشرع من هذا الحظر مع مراعاة أن هدف المشرع
من تعديل المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 بالقانون رقم 155 لسنة 1955 وهو حظر
قيام علاقة عمل بين الموظف العام وبين الشركات المساهمة يتحقق ولو كانت هذه العلاقة
بصفة عرضية أو مؤقتة وأن المحظور ليس فقط رابطة التعاقد بل قيام رابطة العمل بمعنى
أن القانون حظر على الموظفين العموميين تأدية أي عمل للشركات المساهمة بدليل ما جاء
بذلك القانون من حظر القيام بأي عمل للشركات ولو بصفة عرضية أو على سبيل الاستشارة.
فإذا كان الثابت بالأوراق أن الموظف المتهم يعمل طبيباً لفرع الرمد بمستشفى الأقصر
المركزي ومرخص له في مزاولة مهنته بعيادته الخاصة وكان يقوم عملاً بهذا الترخيص بعلاج
من يتردد عليه من المرضى ومن بينهم موظفو وعمال شركة السكر والتقطير المصرية بأرمنت
بناء على طلب الشركة وبتكليف منها قياماً بواجبها بتوفير الرعاية الطبية لعمالها المفروض
عليها بمقتضى المادة 65 من القانون رقم 91 لسنة 1959 بإصدار قانون العمل وذلك بالاستعانة
بأطباء أخصائيين في الحالات التي يتطلب علاجها ذلك وبأدائها مقابل نفقات العلاج وفقاً
لنص لتلك المادة وقد كان الطبيب المتهم يتقاضى أتعابه عن علاج المرضى من موظفي وعمال
الشركة بمقتضى إيصال يحرره عن كل حالة يصرف قيمته من خزانة الشركة بأرمنت، فالطبيب
المتهم بهذه المثابة يقوم بعلاج المرضى من موظفي وعمال الشركة بأرمنت بناء على طلب
الشركة وبتكليف منها بوصفهم عمالها وموظفيها مقابل أجر لا يدفعه المريض بل تدفعه الشركة
من خزانتها يقدر على أساس كل حالة على حدة وبالتالي فإن الطبيب المتهم يؤدي خدمة لحساب
الشركة ويشتغل بعمل بأجر للشركة، فصلته بها واضحة وثابتة تندرج تأسيساً على ذلك تحت
حكم المادة 95 المشار إليها. فيكون قيام الطبيب المتهم بعلاج المرضى من موظفي وعمال
الشركة أمراً محظوراً قد اقترفه مخالفاً بذلك نص المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة
1954 معدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955 ويكون بذلك قد خالف واجبات وظيفته وخرج على
مقتضى الواجب في أعمالها وفقاً لما يقضي به قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 وبالتالي
يقع تحت طائلة الجزاء الحتمي الذي لا مناص منه وهو الوارد على سبيل التحديد دون أن
يكون للقضاء سلطة تقدير العقوبة والمنصوص عليه في البند الثاني من المادة 95 آنفة الذكر
وهذا الجزاء هو الفصل من الوظيفة.
2 - إن ما أثاره الطبيب المتهم من وقوعه في خطأ قانوني في تفسير مدلول حظر القيام بعلاج
موظفي وعمال الشركة بعيادته الخاصة، وأن سبب هذا الخطأ ما طالعه من فتاوى في هذا الشأن،
ولا يقدح في قيام مسئوليته ومخالفته نص المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 معدلة
بالقانون رقم 155 لسنة 1955، ذلك أن الخطأ هو واقعة مجردة قائمة بذاتها متى تحققت أوجبت
مسئولية مرتكبها بقطع النظر عن الباعث على الوقوع في هذا الخطأ إذ لا يتبدل تكييف الخطأ
بحسب فهم مرتكبه للقاعدة القانونية وإدراكه فحواها فالخطأ في فهم الواقع أو القانون
ليس عذراً دافعاً للمسئولية.
إجراءات الطعن
في يوم الاثنين 14 من يناير سنة 1963 أودع السيد الأستاذ رئيس هيئة
مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية المختصة
بمحاكمة موظفي وزارات الصحة العمومية والإسكان والمرافق والأوقاف - جلسة 4 من ديسمبر
سنة 1962 في الدعوى المقامة من: النيابة الإدارية المقيدة برقم 11 للسنة الخامسة القضائية
ضد الدكتور أحمد فتحي محمد طبيب فرع الرمد بمستشفى الأقصر المركزي "درجة خامسة "والقاضي
"بعزل الدكتور أحمد فتحي محمد الطبيب بوزارة الصحة العمومية من الوظيفة مع حفظ حقه
في المعاش أو المكافأة". وطلبت هيئة مفوضي الدولة بناء على طلب صاحب الشأن من المحكمة
الإدارية العليا قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وقد أعلن الطعن
للنيابة الإدارية في 16 يناير سنة 1963 وللموظف المتهم في 21 يناير سنة 1963 وتحدد
لنظر الطعن جلسة 29 من يونيه سنة 1963 أمام دائرة فحص الطعون وأبلغت الحكومة والمدعي
في 22 من يونيه سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة
الإدارية العليا وتحدد لذلك جلسة 12 من أكتوبر سنة 1963 وفيها سمعت المحكمة ما رأت
سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم
إلى جلسة اليوم.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة مذكرة بالرأي القانوني حددت فيها وقائع الدعوى والمسائل القانونية
التي أثارها النزاع وأبدت رأيها مسبباً ضمنته أن الحكم المطعون فيه سليم لأسبابه التي
قام عليها وأن الطعن الموجه إليه لا أساس له من القانون واجب الرفض وانتهت إلى القول
بأنها ترى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما استظهرته المحكمة من الأوراق تتحصل في أنه بتاريخ
18 أكتوبر سنة 1962 أودعت النيابة الإدارية سكرتيرية المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة
موظفي وزارة الصحة تقرير اتهام استندت فيه إلى الدكتور أحمد فتحي محمد طبيب فرع الرمد
بمستشفى الأقصر المركزي "درجة خامسة" وأنه في خلال المدة من 15 ديسمبر سنة 1960 وما
بعدها بدائرة مركز الأقصر بصفته طبيباً حكومياً بمستشفى الأقصر المركزي خرج على مقتضى
الواجب الوظيفي بأن قام بعلاج مرضى شركة السكر والتقطير بأرمنت بعيادته الخاصة في غير
أوقات العمل الرسمية مقابل أجر من الشركة دون الحصول على إذن من الوزير المختص وطلبت
محاكمته لارتكابه المخالفة الإدارية المنصوص عليها في المادتين 78، 83 من القانون رقم
210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له والمادتين 14، 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958.
وبجلسة 4 من ديسمبر سنة 1962 حكمت المحكمة التأديبية بعزل الدكتور أحمد فتحي محمد من
الوظيفة مع حفظ حقه في المعاش أو المكافأة وأقامت قضاءها على أن الثابت من الأوراق
والتحقيقات باعتراف المتهم أن عمال شركة السكر والتقطير بأرمنت يترددون على عيادته
الخاصة للعلاج وأنه يكتب لكل منهم إيصالاً بمصاريف العلاج وأتعابه ثم يرسل هذه الإيصالات
إلى الشركة التي تقوم بسداد قيمتها إليه وفضلاً على ذلك فإن كتاب مدير مصنع إنتاج السكر
بأرمنت المؤرخ 21 من يناير سنة 1962 صريح في أن طبيب الشركة جرى على تحويل بعض الحالات
إلى المتهم بعيادته الخاصة نظير أجر عن كل حالة على حدة وأن عدد الحالات التي حولت
إليه خلال السنة المالية للشركة بلغت 106 حالة، ومن ثم تكون رابطة العمل بين الشركة
والطبيب قائمة لا شك فيها سيما إذا لوحظ في هذا الشأن أن رب العمل ملزم طبقاً للمادة
65 من القانون رقم 91 لسنة 1959 بإصدار قانون العمل على توفير الرعاية الطبية لعماله
ويكون المتهم قد قارف ذنباً إدارياً بمخالفته حكم المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة
1954 بشأن بعض الأحكام الخاصة بشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات
المسئولية المحدودة المعدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955 وتقول المحكمة إنه لا يقدح
في ذلك ما ردده المتهم في دفاعه من أنه لا يوجد ثمة عقد بينه وبين الشركة في هذا الشأن
وأنه كان يعالج هؤلاء العمال في عيادته الخاصة شأنهم في ذلك شأن غيرهم من المرضى الذين
يستقبلهم في عيادته ذلك أنه لا يشترط لقيام المخالفة وجود عقد بين الشركة المساهمة
وبين الموظف العام الذي يعمل فيها فالحظر قائم بصريح نص المادة 95 التي تحرم على الموظف
العام الاشتغال في شركة مساهمة أو أداء خدمة لها أياً كان نوع هذه الخدمة ولو كانت
بصفة عرضية وفضلاً عن ذلك فإن الشركة المذكورة إذ عهدت للطبيب المتهم بعلاج عمالها
وقامت بصرف أتعابه ومصاريف العلاج إليه قد نشأت علاقة العمل بين الشركة وبين المتهم
سيما إذا لوحظ في هذا الشأن أنها ملزمة بمقتضى المادة 65 من القانون رقم 91 لسنة 1959
بتوفير الرعاية الطبية لعمالها كما أنه لا يجديه القول بأنه كان مصرحاً له بمزاولة
المهنة في عيادته الخاصة وأنه كان يعالج عمال شركة السكر شأنهم في ذلك شأن المترددين
على عيادته من سائر المرضى ذلك أنه كان يتقاضى أتعابه ومصاريف علاج هؤلاء العمال من
الشركة رأساً الأمر الذي يدل دلالة قاطعة على قيام علاقة العمل بينه وبين الشركة في
هذا الشأن ومتى كان الأمر ما تقدم تكون شروط انطباق المادة 95 سالفة الذكر متوافرة
في شأن الطبيب المتهم ويتعين إعمال حكمها وإنزال العقوبة المنصوص عليها في هذه المادة
بالمتهم.
ومن حيث إن الموظف المتهم المحكوم بعزله طلب في 10 من يناير سنة 1963 من رئيس هيئة
مفوضي الدولة الطعن في الحكم طبقاً لنص الفقرة الثالثة من المادة 32 من القانون رقم
117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية وأقام طلبه على
أن المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 المعدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955 قد حظرت
على الموظف العام الجمع بين وظيفته وبين الاشتغال بإحدى الشركات فالاشتغال بالشركة
هو عنصر هذه الجريمة وقوامها الأصلي والمقصود به هو الاشتغال بداخل الشركة بحيث يصبح
الموظف العام جامعاً بين وظيفتين.
وأضاف أن الاضطراب شاع في أسباب الحكم لقول المحكمة إنه لا يشترط لقيام المخالفة وجود
عقد بين الشركة المساهمة وبين الموظف العام الذي يعمل فيها فهي بذلك تأخذ بوجهة النظر
القائلة بوجوب عمل الموظف في الشركة حتى تنهض المخالفة ثم تعود بعد ذلك فتعتبر الطبيب
الذي تعرض عليه حالة فردية لعامل مريض في عيادته الخاصة عاملاً بالشركة التي يتبعها
المريض دون دليل إلا ممارسته مهنته على وضع مألوف متعارف عليه.
وإن كافة الصور التي أوردها النص من حيث أداء الخدمة للشركة أياً كان نوع هذه الخدمة
من جانب الموظف العام لشركة ما، هي أن يكون الموظف من العاملين بها بارتباط يحكمه اتفاق
شفوي أو محرر.
كما ذكر أن المحكمة أخطأت حين أسست قضاءها على أنه يكفي أن يتقاضى الطبيب أتعابه عن
علاج المرضى من الشركة ليعتبر عاملاً فيها ذلك أنه لا يجوز في الفهم أن يحرم مريض من
علاجه لدي أخصائي وأن تتولى المؤسسة نفقات علاجه وهي ملزمة به وإلا لاضطرب الحال واستعصى
العلاج وأهدر الواجب الذي كفله القانون لصالح العمال.
ومن حيث إن واقعة الدعوى تخلص فيما أبلغ به الدكتور محمد خليل بصفته رئيس لرابطة الأطباء
الأحرار في 9 ديسمبر سنة 1960 وزارة الصحة متضمناً الشكوى من تعاقد شركة التقطير والسكر
المصرية بأرمنت مع الدكتور المتهم لعلاج موظفيها وعمالها بعيادته بالأقصر مقابل أجر
مما ينطوي على مخالفات خطيرة في حين أن بأرمنت نفسها طبيباً رمدياً حراً هو الدكتور
عبد الفتاح عمار وبسؤال الطبيب المتهم نفى وجود تعاقد بينه وبين الشركة واعترف بأن
بعض موظفي وعمال الشركة بأرمنت يترددون على عيادته بالأقصر للعلاج كمرضى عاديين ويحرر
لكل منهم إيصالاً بالأجر يصرف قيمته من الشركة بأرمنت وأوضح أن نقابة الأطباء البشريين
أجازت للشركة استشارة الأخصائيين من الأطباء الحكوميين وغير الحكوميين بالنسبة لموظفيها
وعمالها على أن تدفع الشركة الأتعاب عن الحالات التي يبدي فيها هؤلاء الأطباء رأيهم
دون أن يكون بين الشركة وبينهم تعاقد بالمعنى المفهوم وقد تضمن تقرير شعبة البحث الجنائي
بمديرية أمن قنا بأنه لم يستدل على صحة ما نسب للدكتور المتهم من تعاقد مع شركة التقطير
والسكر بأرمنت لعلاج موظفيها وعمالها كما قررت الشركة في 21 من يناير سنة 1962 بأنه
ليس هناك تعاقد بينها وبين الدكتور المتهم غير أن طبيب الشركة يقوم بتحويل بعض الحالات
إليه بعيادته الخاصة نظير أجر عن كل حالة على حدة وأن عدد الحالات التي حولت إليه خلال
السنة المالية الماضية بلغ 106 حالة فقط وأن ما دفع إليه خلال الستة شهور هو:
مليم | جنيه | |
يوليه سنة 1961 | 000 | 15 |
أكتوبر سنة 1961 | 500 | 28 |
أكتوبر سنة 1961 "دفعة ثانية" | 000 | 3 |
نوفمبر سنة 1961 | 500 | 25 |
نوفمبر سنة 1961 "دفعة ثانية" | 3 |
وذكرت الشركة أن العادة المتبعة هي تجميع بعض الإيصالات وسدادها
مرة واحدة وذلك لبعد المسافة.
ويبين من الاطلاع على الخطاب الذي يتضمن تحويل المرضى من عمال وموظفي الشركة للطبيب
المتهم أن ذلك الخطاب من مطبوعات الشركة وأن طبيب المصنع والمدير اللذان يقومان بتحويل
المرضى من موظفي وعمال الشركة ويتضمن الكتاب العبارات الآتية: -
شركة السكر والتقطير المصرية
ش. م. م
سجل تجاري القاهرة رقم 93114
أرمنت في / / 196
السيد/ المحترم الدكتور
بعد التحية:
رافعه السيد/......... الموظف/ العامل بمصنعنا.
رجاء التكرم بالكشف عليه وعمل اللازم نحوه وإفادتنا بالنتيجة.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
طبيب المصنع.......... المدير.
ومن حيث إن المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 بشأن بعض الأحكام الخاصة بشركات
المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة معدلة بالقانون رقم
155 لسنة 1955 تنص على أنه: بند (1) لا يجوز الجمع بين وظيفة من الوظائف العامة التي
يتناول صاحبها مرتباً وبين إدارة أو عضوية مجلس إدارة إحدى شركات المساهمة أو الاشتراك
في تأسيسها أو الاشتغال ولو بصفة عرضية بأي عمل فيها ولو على سبيل الاستشارة سواء أكان
ذلك بأجر أم بغير أجر حتى ولو كان حاصلاً من الجهة الإدارية التابع لها على ترخيص يخوله
العمل خارج وظيفته العامة. ومع ذلك يجوز لمجلس الوزراء أن يرخص في الاشتغال بمثل هذه
الأعمال بمقتضى إذن خاص يصدر في كل حالة بذاتها.
بند: (2) ويفصل الموظف الذي يخالف هذا الحظر من وظيفته بقرار من الجهة التابع لها بمجرد
تحققها من ذلك كما يكون باطلاً كل عمل يؤدي بالمخالفة لحكم الفقرة السابقة ويلزم المخالف
بأن يؤدي ما يكون قد قبضه من الشركة لخزانة الدولة.
ومن حيث إنه يحظر طبقاً لهذه المادة الجمع بين وظيفة من الوظائف العامة التي يتناول
صاحبها مرتباً وبين إدارة أو عضوية مجلس إدارة إحدى شركات المساهمة أو الاشتراك في
تأسيسها أو الاشتغال ولو بصفة عرضية بأي عمل أو استشارة فيها سواء أكان ذلك بأجر أم
بغير أجر ولو كان الموظف حاصلاً من الجهة الإدارية على ترخيص بمزاولة العمل خارج الوظيفة
تحقيقاً لغرض الشارع من تنزيه الوظائف العامة.
ومن حيث إن مناط الفصل في هذه الدعوى هو التحقق مما إذا كان قيام الطبيب المتهم بعلاج
موظفي وعمال شركة السكر والتقطير المصرية بأرمنت بعيادته الخاصة بالأقصر على الوجه
المفصل آنفاً يعتبر من قبيل الاشتغال ولو بصفة عرضية بأي عمل فيها ولو على سبيل الاستشارة
أم لا.
ومن حيث إن الأصل أن للموظف المرخص له من جهة الإدارة المختصة في مباشرة مهنته خارج
نطاق وظيفته وفي غير أوقات العمل الرسمية أن يقوم بمزاولة هذه المهنة دون قيد إلا ما
ينص عليه صراحة في القانون مراعاة لحكمة يستهدفها المشرع.
والمستفادة من حكمة حظر الجمع بين الوظيفة العامة والعمل في شركات المساهمة هي منع
توسل بعض الشركات المذكورة بنفوذ بعض الموظفين العموميين لقضاء مصالحها أو للتأثير
في المكتتبين في رأس مال الشركة عند طرح الأسهم والسندات للاكتتاب مما حدا بالمشرع
إلى تحريم العضوية بمجالس الإدارة أو التوظف بالشركات المذكورة على الموظفين العموميين
ولقد نصت المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 على هذا الحظر بالنسبة لموظفي الحكومة
مع التوسع في نطاقه بجعله مطلقاً يتناول العمل في هذه الشركات ولو بصفة عرضية للحكمة
ذاتها ثم جاء القانون رقم 155 لسنة 1955 معدلاً للمادة سالفة الذكر فأبقى على هذا الخطر
ولو كان مرخصاً للموظف في العمل خارج نطاق وظيفته وقد أوضحت المذكرة الإيضاحية لهذا
القانون الأخير حكمة هذا الحظر وهي تنزيه الوظيفة العامة.
وحظر الجمع بين الوظيفة العامة وتلك الأعمال المنصوص عليها في البند (1) من المادة
95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 معدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955 هو قيد على أصل مباح
بالنسبة للموظف المرخص له بمزاولة مهنته خارج نطاق وظيفته العامة فينبغي قصر الحظر
على ما ورد في شأنه للحكمة التي تغياها المشرع من هذا الحظر مع مراعاة أن هدف المشرع
من تعديل المادة 95 من القانون رقم 26 لسنة 1954 بالقانون رقم 155 لسنة 1955 وهو حظر
قيام علاقة عمل بين الموظف العام ويبين الشركات المساهمة يتحقق ولو كانت هذه العلاقة
بصفة عرضية أو مؤقتة وأن المحظور ليس فقط رابطة التعاقد بل قيام رابطة العمل بمعنى
أن القانون حظر على الموظفين العموميين تأدية أي عمل للشركات المساهمة بدليل ما جاء
بذلك القانون من حظر القيام بأي عمل للشركات ولو بصفة عرضية أو على سبيل الاستشارة.
ومن حيث إن الثابت بالأوراق أن الموظف المتهم يعمل طبيباً لفرع الرمد بمستشفى الأقصر
المركزي ومرخص له في مزاولة مهنته بعيادته الخاصة وكان يقوم عملاً بهذا الترخيص بعلاج
من يتردد عليه من المرضى ومن بينهم موظفو وعمال شركة السكر والتقطير المصرية بأرمنت
بناء على طلب الشركة وبتكليف منها قياماً بواجبها بتوفير الرعاية الطبية لعمالها المفروض
عليها بمقتضى المادة 65 من القانون رقم 91 لسنة 1959 بإصدار قانون العمل وذلك بالاستعانة
بأطباء أخصائيين في الحالات التي يتطلب علاجها ذلك وبأدائها مقابل نفقات العلاج وفقاً
لنص تلك المادة وقد كان الطبيب المتهم يتقاضى أتعابه عن علاج المرضى من موظفي وعمال
الشركة بمقتضى إيصال يحرره عن كل حالة بصرف قيمته من خزانة الشركة بأرمنت.
ومن حيث إنه يتضح أن نموذج الخطاب الذي ترسله الشركة مع كل مريض من موظفيها وعمالها
والجمهور بتوقيع طبيب المصنع (والمدير) على الوجه الموضح آنفاً يحدد نطاق العلاقة بين
الطبيب والمتهم وشركة السكر وعلى هدي من هذا الخطاب يقوم الطبيب بناء على طلب الشركة
ممثلة بطبيب مصنعها بأرمنت وبمديرها بعلاج المرضى من الموظفين والعمال مقابل أجر تدفعه
الشركة عن كل حالة على حدة كما قررت الشركة ذلك وأيدها في هذا الطبيب المتهم باعترافه
وذلك بخطابها المرسل في 21 يناير سنة 1962 للنيابة الإدارية بقنا. فالطبيب المتهم بهذه
المثابة يقوم بعلاج المرضى من موظفي وعمال الشركة بأرمنت بناء على طلب الشركة وبتكليف
منها بوصفهم عمالها وموظفيها مقابل أجر لا يدفعه المريض بل تدفعه الشركة من خزانتها
يقدر على أساس كل حالة على حدة وبالتالي فإن الطبيب المتهم يؤدي خدمة لحساب الشركة
ويشتغل بعمل بأجر للشركة فصلته بها واضحة وثابتة تندرج تأسيساً على ذلك تحت حكم المادة
95 المشار إليها.
ومن حيث إنه ولئن كان الطبيب المتهم يدفع الاتهام بمقولة إن اختياره لعلاج المرضى من
موظفي وعمال الشركة يتم من جانب طبيب الشركة الموظف لديها الذي يقوم بتحويل بعض الحالات
إليه بعيادته الخاصة بحسبانه أخصائياً في الرمد كما يتضح من خطاب الشركة المرسل في
21 من يناير سنة 1962 لرئيس النيابة الإدارية بقنا ولعدم وجود طبيب رمدي أخصائي للشركة
يتم هذا التحويل إليه وهو يقوم بعلاجهم بعيادة بالأقصر كما يستفاد ذلك من مذكرة المفتش
الإداري بمنطقة قنا الطبية المؤرخة 25 من يوليه سنة 1961 بنتيجة التحقيق في شكوى رابطة
الأطباء الأحرار وأن اختياره تؤيده اللجنة النقابية لعمال وموظفي شركة السكر والتقطير
المصرية مصنع أرمنت حسبما يبين من الشهادة المقدمة من تلك اللجنة الموقع عليها من رئيسها
وسكرتيرها وهي المحررة في 25 من إبريل سنة 1963 والممهورة بخاتم النقابة ورغم أن هذه
الشهادة محررة بعد توجيه الاتهام للطبيب إلا أن لها دلالتها في أن اختياره كان يتم
بتلاقي اختيار طبيب المصنع وتحويله هو والمدير للمرضى من موظفي وعمال الشركة لعيادة
الطبيب المتهم بحسبانه أخصائي الرمد وتوجيه النقابة لهؤلاء العمال والموظفين لعلاجهم
بعيادته الخاصة بالأقصر باعتباره الأخصائي الرمدي المشهود له بالكفاءة والنزاهة على
حد ما تضمنته الشهادة المقدمة من اللجنة النقابية ولأنه الأخصائي الوحيد للرمد في مركز
الأقصر كما يتضح من شهادة نقابة الأطباء البشريين الفرعية بقنا بتاريخ 28 من مارس سنة
1963 الموقع عليها من الدكتور جرجس مرقص مدير المجموعة الصحية بقنا لئن كان ذلك من
المبررات التي حدت بالطبيب المتهم للقيام بعلاج المرضى من موظفي وعمال الشركة - فإن
هذه الاعتبارات مجتمعة ترشح لسهولة الحصول على موافقة مجلس الوزراء إذا طلب إليه ذلك
ومجلس الوزراء في مثل هذه الظروف يتصرف بسلطته التقديرية للترخيص بالإذن في الاشتغال
بمثل هذه الأعمال.
ومن حيث إن مجلس الوزراء لم يصدر هذا الترخيص فيكون قيام الطبيب المتهم بعلاج المرضى
من موظفي وعمال الشركة أمراً محظوراً قد اقترفه مخالفاً بذلك نص المادة 15 من القانون
رقم 26 لسنة 1954 معدلة بالقانون رقم 155 لسنة 1955 ويكون بذلك قد خالف واجبات وظيفته
وخرج على مقتضى الواجب في أعمالها وفقاً لما يقضي به قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951
وبالتالي يقع تحت طائلة الجزاء الحتمي الذي لا مناص منه وهو الوارد على سبيل التحديد
دون أن يكون للقضاء سلطة تقدير العقوبة والمنصوص عليه في البند الثاني من المادة 95
آنفة الذكر وهذا الجزاء هو الفصل من الوظيفة.
ومن حيث إنه لا يقدح في ذلك أن ما أثاره الطبيب المتهم من وقوعه في خطأ قانوني في تفسير
مدلول حظر القيام بعلاج موظفي وعمال الشركة بعيادته الخاصة وأن سبب هذا الخطأ ما طالعه
من فتاوى في هذا الشأن، لا يقدح في قيام مسئوليته وبمخالفته نص المادة 95 من القانون
رقم 26 لسنة 1954 معدل بالقانون رقم 155 لسنة 1955، ذلك أن الخطأ هو واقعة مجردة قائمة
بذاتها متى تحققت أوجبت مسئولية مرتكبها بقطع النظر عن الباعث على الوقوع في هذا الخطأ
إذ لا يتبدل تكييف الخطأ بحسب فهم مرتكبه للقاعدة القانونية وإدراكه فحواها فالخطأ
في فهم الواقع أو القانون ليس عذراً دافعاً للمسئولية.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص النتيجة التي انتهى
إليها استخلاصاً سائغاً من أصول موجودة تنتجها للأسباب التي قام عليها والتي تأخذ بها
هذه المحكمة وفي هذه الأسباب المفصلة بالإضافة لما سبق بيانه كل الغناء للرد على الأسباب
التي تقدم بها الطبيب المتهم طالباً من هيئة المفوضين الطعن في هذا الحكم فإن الطعن
يكون والحالة هذه على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً.