مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 36

(4)
جلسة 16 من نوفمبر سنة 1963

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس وعضوية السادة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1392 لسنة 7 القضائية

موظف - طلب اعتزاله الخدمة وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 - مضي ثلاثين يوماً على تاريخ تقديمه دون إخطار الموظف برفضه - ليس معناه اعتبار الاستقالة مقبولة - العبرة في ذلك بتاريخ قرار الفصل في الطلب خلال الثلاثين يوماً المنصوص عليها في المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 لا بتاريخ تبليغ هذا القرار.
إنه ولئن كان إبلاغ المدعي برفض الموافقة على طلب اعتزاله الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 قد تم بعد مضي أكثر من ثلاثين يوماً على تاريخ تقديمه الطلب بسبب تغيبه في إجازة إلا أن القرار الإداري القاضي برفض هذا الطلب قد صدر في 17 من مايو سنة 1960، أي خلال الثلاثين يوماً المنصوص عليها في المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. ومن ثم فلا حجة فيما يذهب إليه المدعي من أن استقالته قد اعتبرت مقبولة بمضي ثلاثين يوماً دون إخطاره بالقرار الذي بت فيها ذلك أن العبرة إنما هي بتاريخ القرار الصادر بالفصل في طلب الاستقالة، لا بتاريخ تبليغ هذا القرار للموظف صاحب الشأن. وقد صدر هذا القرار من الجهة الإدارية المختصة واستوفى في الميعاد القانوني المقرر.


إجراءات الطعن

في يوم 2 من يوليه سنة 1961 أودع الأستاذ محمود عيسى عبده المحامي المقبول أمام المحكمة الإدارية العليا والمنتدب من لجنة المساعدة القضائية بقرار الإعفاء رقم 299 لسنة 7 القضائية الصادر بجلسة 20 من يونيه سنة 1961 سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1392 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 28 من فبراير سنة 1961 في الدعوى رقم السنة 8 القضائية المقامة من: السيد/ هاشم عامر السيد عامر ضد وزارة العدل، القاضي "برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات" وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "عرض هذا الطعن على هيئة فحص الطعون لتقرر بإحالته إلى المحكمة العليا لتقضي بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار الصادر في 17 مايو سنة 1960 بعدم الموافقة على طلب اعتزاله الخدمة طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أعلن هذا الطعن لوزارة العدل في 10 من إبريل سنة 1961 وعقبت عليه هيئة مفوضي الدولة بتقرير بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته به من أسباب إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن بالمصاريف" وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 9 من مارس سنة 1963 وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 2 من نوفمبر سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 13 من يوليه سنة 1963. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه قد صدر من المحكمة الإدارية بجلسة 28 من فبراير سنة 1961 وأن المدعي تقدم في 23 من إبريل سنة 1961 أي قبل مضي ستين يوماً إلى لجنة المساعدة القضائية بطلب الإعفاء رقم 299 لسنة 7 القضائية لإعفائه من رسوم الطعن الحالي فصدر قرار اللجنة بجلسة 20 من يونيه سنة 1961 بقبول طلبه، وعلى هذا رفع طعنه بإيداع عريضته سكرتيرية هذه المحكمة في 2 من يوليه سنة 1961 أي في خلال ستين يوماً من تاريخ صدور قرار لجنة المساعدة القضائية وبذلك يكون الطعن مرفوعاً في الميعاد القانوني وفقاً لما سبق أن قضت به هذه المحكمة في شأن أثر طلب الإعفاء القاطع لميعاد رفع الطعن.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1 لسنة 8 القضائية ضد وزارة العدل أمام المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في أول أكتوبر سنة 1960 بناء على قرار لجنة المساعدة القضائية الصادر لصالحه بجلسة 10 من أغسطس سنة 1960 في طلب الإعفاء رقم 203 لسنة 7 القضائية، وطلب فيها "الحكم بإلغاء القرار الصادر في 17 من مايو سنة 1960 بعدم الموافقة على طلب الطالب بشأن اعتزال الخدمة وفقاً للقانون 120 لسنة 1960 مع إلزام المدعى عليه بالمصاريف والأتعاب، ومع حفظ كافة الحقوق الأخرى". وذكر بياناً لدعواه إنه كان موظفاً بنيابة استئناف القاهرة ولما صدر القانون رقم 120 لسنة 1960 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظف الدولة تقدم في 21 من إبريل سنة 1960 بطلب إحالته إلى المعاش وفقاً لأحكام هذا القانون مع منحه مزاياه وفي 17 من مايو سنة 1960 أصدت وزارة العدل قرارها بعدم الموافقة على طلبه، وأعلن بهذا القرار في 31 من مايو سنة 1960 وقد جاء القرار المذكور مخالفاً للقانون ومشوباً بإساءة استعمال السلطة، وذلك أن حق اعتزال الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 متروك لتقدير الموظف دون الوزارة متى توافرت الشروط التي حددها هذا القانون، فهي ملزمة بقبول الطلب (ج) متى كان مستوفياً لهذه الشروط، وحكمة ذلك رغبة الشارع في إنصاف الموظفين المنسيين وإفساح المجال لحديثي التخرج في الحلول محلهم في وظائفهم. ولو كانت للإدارة سلطة تقديرية في قبول طلب ترك الخدمة لما تحقق الغرض الذي استهدفه الشارع، ولما كان المدعي من الموظفين المنسيين فإن الوزارة تكون قد خالفت نص القانون رقم 120 لسنة 1960 وروحه برفضها طلب إحالته إلى المعاش وفقاً لأحكامه بل أنها أساءت استعمال سلطتها إذ تذرعت في تبرير رفضها بالمصلحة العامة لأن القانون المذكور لا يستلزم شرط هذه المصلحة وإذا فرض قيام هذا الشرط فإن السيد النائب العام وهو الرئيس المباشر الذي يقدر المصلحة العامة حق قدرها قد وافق على الطلب المقدم من المدعي باعتزاله الخدمة، فضلاً عن أن الوزارة نفسها لم تر أن مصلحة العمل تستدعي بقاءه في الخدمة بدليل أنها لم تمد خدمته بل أحالته إلى المعاش بعد 25 يوماً من تاريخ رفض طلبه ترك الخدمة.
وقد ردت وزارة العدل على هذه الدعوى بمذكرة قالت فيها إنه جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 120 لسنة 1960 أن للموظفين الذين تنطبق عليهم أحكام المادة الأولى منه أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وفي الحدود التي رسمتها مواد قانون نظام موظفي الدولة والقوانين المعدلة له. وبذلك يكون قول المدعي أن حق اعتزال الخدمة متروك تقديره للموظف دون الوزارة قائماً على غير أساس إذ أن للوزارة البت في مثل هذه الطلبات وهي وحدها صاحبة الحق في قبول الطلب أو رفضه في ضوء المصلحة العامة بما لها من سلطة تقديرية في هذا الشأن ولا إلزام عليها بقبول الطلب وقد عرض طلب المدعي على السيد الوزير في 11 من مايو سنة 1960 فلم يوافق عليه، وأبلغت إدارة النيابات بذلك في 17 من مايو سنة 1960، وانتهت الوزارة إلى طلب رفض الدعوى.
وقد قدم المدعي مذكرة فصل فيها دفاعه السابق إبداؤه في صحيفة دعواه وأضاف إليه أنه تقدم في 21 من إبريل سنة 1960 بطلب إحالته إلى المعاش وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 فلم تبلغه الوزارة بعدم موافقتها على طلبه إلا في 31 من مايو سنة 1960. أي بعد فوات أكثر من أربعين يوماً على تاريخ تقديم الطلب. وقد جاء قرارها في هذا الشأن مخالفاً للقانون ومشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة، إذ أنها وافقت على طلبات كثيرة مماثلة قدمت من بعض الموظفين مع أنه أقدم منهم خدمة وأكثرهم غبنا وبذلك تكون قد فضلت بعض الموظفين على بعض بدون مبرر ولم تعامل موظفيها على حد سواء. وإذ كان طلبه يعد بمثابة استقالة فإنها تكون مقبولة بفوات أكثر من ثلاثين يوماً على تاريخ تقديمها ولا عبرة في ذلك بكون قرار الرفض قد صدر من الوزارة في 11 من مايو سنة 1960 أي قبل ثلاثين يوماً، ما دام لم يبلغ إليه إلا في 31 من مايو سنة 1960 واختتم مذكرته بطلب إلغاء القرار الصادر بإحالته إلى المعاش بناء على طلبه لمضي أكثر من30 يوماً على تقديمه لاستقالة مع تسوية معاشه على 45 جنيهاً في الشهر.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة مذكرة بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيها لما أوردته بها من أسباب إلى أنها "ترى الحكم - أصلياً بتسوية حالة المدعي طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 بضم سنتين لمدة خدمته في المعاش ومنحه علاوتين من علاوات الدرجة التي يشغلها. واحتياطياً: بإلغاء القرار الصادر في 18 من مايو سنة 1960 القاضي بعدم قبول طلب ترك خدمته بما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المدعى عليها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد عقب المدعي على تقرير هيئة مفوضي الدولة بمذكرة ردد فيها دفاعه السابق وزاد عليه أن هيئة المفوضين اعتبرت هذه الدعوى دعوى تسوية وليست دعوى إلغاء، والحال أنها دعوى إلغاء، وشأنها شأن الدعوى المتعلقة بقبول الاستقالة أو رفضها، إذ أن طلب ترك الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 لا يخرج عن كونه استقالة. وخلص المدعي من هذا إلى طلب "أولاً - الحكم بإلغاء قرار وزارة العدل الصادر في 11 مايو سنة 1960 القاضي برفض طلب الإحالة إلى المعاش المقدم من المدعي وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 ثانياً - تسوية معاش المدعي وفقاً للقانون 120 لسنة 1960 وذلك بضم سنتين لمدة خدمته ومنحة علاوتين من علاوات الدرجة الرابعة إلى ماهيته التي كان يتقاضاها. ثالثاً - إلزام المدعى عليها بالمصروفات وأتعاب المحاماة مع حفظ كافة الحقوق الأخرى".
وبجلسة 28 من فبراير سنة 1961 قضت المحكمة الإدارية "برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات". أقامت قضاءها على أن المشرع وإن كان قد أجاز لمن عناهم من الموظفين تقديم طلبات ترك الخدمة بالشروط والمزايا التي قررها القانون رقم 120 لسنة 1960، وإلا أنه لم يهدف إلى مصادرة حق جهة الإدارة الأصيل في قبول طلب ترك الخدمة أو عدم قبلوه وفقاً لما يميله الصالح العام. فهو لم يلزم الجهة الإدارية بقبول كل الطلبات المقدمة في هذا الشأن وإنما ترك لها البت في هذه الطلبات تترخص في قبولها أو رفضها وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة بحربة تقديرية واسعة باعتبارها الملزمة قانوناً بتدبير المصرف المالي لشئون موظفيها والمسئولة عن حسن سير العمل بالمرافق العامة. وقرارها في هذا الشأن يجب أن يكون صريحاً ومن ثم فإن مضي ثلاثين يوماً على تقديم الطلب دون أن تصدر قرارها فيه بالقبول أو الرفض لا يعتبر بمثابة قبول ضمني له، إذ أن مثل هذا الطلب لا يعتبر طلباً لا اعتزال الخدمة بطريق الاستقالة العادية، بل هو اعتزال الخدمة من نوع خاص استثناء من قانون التوظف ومن قوانين المعاشات وقرار الإدارة برفض الموافقة عليه يحمل محمل الصحة ولو صدر خلواً من بيان أسبابه ما دام القانون لم يلزمها بتسبيبه وليس للقضاء الإداري التعقيب على القرار الذي تتخذه في هذا الشأن ما دام قد خلا من إساءة استعمال السلطة. ولا يعني هذا أن سلطة الإدارة تحكمية في القبول أو الرفض وإنما هي رخصة جوازية لها وملائمة متروكة لتقديرها تجد حدها الطبيعي في العلة القانونية التي أملتها وهي المصلحة العامة. والمقصود بهذه المصلحة ليست المصلحة الخاصة لقدامى الموظفين فحسب - بل الموازنة والتوفيق بين هذه المصلحة الخاصة من جهة وبين مصالح الخزانة وحسن سير العمل بالمرافق العامة من جهة أخرى ولما كانت الإدارة إنما تصدر في تطبيقها لأحكام المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 عن سلطة تقديرية لا عن سلطة مقيدة فإن لها الخيار المطلق في إجابة المدعي إلى طلبه أو رفض الموافقة عليه، حسبما تراه محققاً للمصلحة العامة دون التقيد بميعاد محدد للبت في هذا الطلب ولا يكفي الادعاء بأن الإدارة قصدت إلى حرمانه من الانتفاع بالمزايا التي قررها القانون المشار إليه للقول بوجود عيب إساءة استعمال السلطة الذي يقع عبء إثباته على من يدعيه. ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر صحيحاً مطابقاً للقانون ومبرءاً من عيب إساءة استعمال السلطة وتكون الدعوى بطلب إلغائه على غير أساس سليم من القانون حقيقة بالرفض.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 2 من يوليه سنة 1961 طعن المدعي في هذا الحكم طالباً "عرض هذا الطعن على هيئة فحص الطعون لتقرر بإحالته إلى المحكمة العليا لتقضي بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء القرار الصادر في 17 مايو سنة 1960 بعدم الموافقة على طلب اعتزاله الخدمة طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وأسس طعنه على ذات الأسانيد التي سبق أن أبداها في صحيفة دعواه وفي مذكراته مع النعي على الحكم المطعون فيه بالقصور والخطأ في التسبيب إذ أن المحكمة لم تبحث حقيقة المصلحة العامة التي ادعت الوزارة أنها كانت رائدها في عدم الموافقة على طلبه اعتزال الخدمة وأغفلت الإشارة في أسباب حكمها إلى دلالة أوراق الدعوى في ضوء دفاع الوزارة.
وقد عقبت هيئة مفوضي الدولة على هذا الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن بالمصاريف" واستندت في أسباب رأيها إلى أن طلب ترك الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 خاضع لتقرير الجهة الإدارية التي لها أن تقبله أو ترفضه خلال ثلاثين يوماً من تقديمه إليها وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة على نحو ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون وقد رفضت وزارة العدل طلب المدعي خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه إليها ولا عبرة بتراخيها في إبلاغه بهذا القرار إلى ما بعد الأجل المذكور والقرار المشار إليه محمول على الصحة ومفترض فيه أنه استهدف الصالح العام وعلى المدعي أن يثبت ما يزعمه من صدوره مشوباً بإساءة استعمال السلطة، وهو ما تسعفه فيه أوراق الدعوى. ولا ينال من سلامة القرار أن الرفض الذي تضمنه كان مرده إلى أن المدة الباقية لبلوغ المدعي سن الستين تقل عن سنه إذ أن الصالح العام يتحقق في المحافظة على أموال الدولة وعدم تبذيرها فيما لا جدوى فيه: ومن التبذير أن تمنح المزايا التي قررها القانون رقم 120 لسنة 1960 لموظف لم يبق له في الخدمة سوى بضعة أشهر يحال بعدها إلى المعاش، وهي مزايا تكبد الخزانة العامة أعباء مالية مستمرة لإغرائه بترك الخدمة قبل انقضاء هذه الأشهر القليلة، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد التزم الصواب إذ قضى برفض طلب إلغاء القرار الإداري الصادر بعدم الموافقة على طلب المدعي ترك الخدمة وفقاً لأحكام المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960.
وقد أودع المدعي في 23 من أكتوبر سنة 1963 مذكرة طلب فيها "أولاً: الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وباستحقاق المدعي لتسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المستحقة اعتباراً من 21 مايو سنة 1960. ثانياً: إلغاء قرار وزارة العدل الصادر في 17 مايو سنة 1960. القاضي برفض طلب تسوية معاش الطاعن. وإلزام الحكومة بالمصروفات" وأبان في هذه المذكرة التي ردد فيها دفاعه السابق أنه كان وقت طلبه الإفادة من أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 يشغل درجة شخصية إذ أنه رقي إلى الدرجة الخامسة في سنة 1953 بصفة شخصية بالقانون رقم 94 لسنة 1953 كما رقي إلى الدرجة الرابعة بالقانون رقم 120 لسنة 1960 بصفة شخصية أيضاً بوصفه منسياً في 26 من مارس سنة 1960 تاريخ صدور القانون المذكور الذي صدر الإنصاف للمنسيين أمثاله وتعويضهم عن الغبن الذي وقع عليهم طوال مدة خدمتهم واستهدف تصفية درجاتهم الشخصية.
ومن حيث إنه يؤخذ من الأوراق أن المدعي تقدم إلى وزارة العدل في 21 من إبريل سنة 1960 بطلب أبدى فيه رغبته في اعتزاله الخدمة على أن تسوى حالته وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وفي 31 من مايو سنة 1960 أبلغ بكتاب السيد مدير إدارة النيابات المؤرخ 23 منه الذي جاء به أن وزارة العدل أخبرت النيابة بكتابها رقم 27/ 26 المؤرخ 17 من مايو سنة 1960 بأنها بحثت الطلب المقدم منه في ضوء المصلحة العامة ورأت عدم الموافقة عليه. وقد تظلم من هذا القرار في 21 من يوليه سنة 1960 ورفضت الوزارة تظلمه في 24 من يوليه سنة 1960.
ومن حيث إنه ولئن كان إبلاغ المدعي برفض الموافقة على طلب اعتزاله الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 قد تم بعد مضي أكثر من ثلاثين يوماً على تاريخ تقديمه الطلب بسبب تغيبه في إجازة إلا أن القرار الإداري القاضي برفض هذا الطلب قد صدر في 17 من مايو سنة 1960 أي خلال الثلاثين يوماً المنصوص عليها في المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، ومن ثم فلا حجة فيما يذهب إليه المدعي من أن استقالته قد اعتبرت مقبولة بمضي ثلاثين يوماً دون إخطاره بالقرار الذي بت فيها ذلك أن العبرة إنما هي بتاريخ القرار الصادر بالفصل في طلب الاستقالة، لا بتاريخ تبليغ هذا القرار للموظف صاحب الشأن. وقد صدر هذا القرار من الجهة الإدارية المختصة واستوفى في الميعاد القانوني المقرر. غير أنه يتبقى بعد ذلك بحث ما إذا كان رفض قبول الاستقالة قد وقع مطابقاً للقانون أم لا.
ومن حيث إنه يبين من استظهار حالة المدعي من واقع ملف خدمته أنه من مواليد 10 من يوليه سنة 1900، وأنه التحق بخدمة الحكومة في 6 من نوفمبر سنة 1921، وكان يشغل الدرجة الخامسة بصفة شخصية من 7 من مارس سنة 1953، وفي 5 من فبراير سنة 1959 صدر القرار الوزاري رقم 114 لسنة 1959 بتسوية حالته بنقله من الدرجة الخامسة الشخصية إلى الدرجة الخامسة الأصلية بماهيته اعتباراًَ من 28 من يناير سنة 1960. ثم صدر القرار الوزاري رقم 681 لسنة 1960 بترقيته إلى الدرجة الرابعة الكتابية بصفة شخصية اعتباراً من 26 من مارس سنة 1960 مع منحه أول مربوطها من أول إبريل سنة 1960. وبذلك يكون وقت تقديمه طلب اعتزاله الخدمة في 21 من إبريل سنة 1960 بالاستناد إلى أحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 من ذوي الدرجات الشخصية.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن رفضت بأن الشارع أورد حكم المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة والقوانين المعدلة له وأخصها ما ورد في المادة 110 منه فيما يتعلق بما نصت عليه فقرتها الأخيرة من اعتبار الاستقالة المقترنة بأي قيد أو المعلقة على شرط كأن لم تكن وأنه جعل طلب اعتزال الخدمة رخصة مباحة للموظف يستعملها بمشيئته متى تحققت فيه شروطها وإذا كان هدفه أصلاً هو علاج وضع الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية بإيجاد وسيلة للتخلص من درجاتهم الشخصية واستهلاكها أو التخفف منها قدر المستطاع، وكانت هذه الحكمة التشريعية إنما تعبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها الشارع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة العامة، فإن ثمة قرينة قانونية قاطعة لا تحتمل إثبات العكس على تحقق المصلحة العامة في ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة لما في ذلك من إلغاء لدرجاتهم الشخصية التي أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها. ولا يسوغ بأداة أدنى من الأداة التشريعية التي صدر بها هذا القانون سن قاعدة تنظيمية للحد من إطلاق حكم المادة الأولى منه فيما يتعلق بالمدة الباقية للموظف لبلوغ سن الإحالة إلى المعاش بإضافة قيد إليها لم يورده المشرع ذاته بل لم يرده بدليل افتراضه في المادة المذكورة أن ضم السنتين لمدة خدمة الموظف وحسابهما في معاشه قد يجاوز به سن الستين إذ أن هذا يكون حكماً تشريعياً جديداً لا تملكه الجهة الإدارية وينطوي على مخالفة لقصد الشارع الذي لم يحدد سناً ما بين الخامسة والخمسين والستين لا تقبل ممن بلغه الرغبة في اعتزال الخدمة. كما لا حجة في التذرع باحتمال اختلال سير العمل بالوزارات والمصالح والهيئات الحكومية بسبب خروج عدد كبير من الموظفين بالتطبيق لأحكام القانون المشار إليه ما دام هذا أمر أباحه المشرع بعد أن قدر مقدماً ما يمكن أن يترتب عليه من نتائج ما كانت لتغيب عنه. ولا وجه في ضوء ما تقدم للتفرقة بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم ينص على هذه التفرقة ولا تقرها أحكامه.
ومن حيث إنه لما تقدم ولما هو ظاهر من الأوراق من أن المدعي كان يشغل درجة شخصية وأنه تقدم بطلب اعتزال خدمة الحكومة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 في الميعاد القانوني المقرر في هذا القانون وأن طلبه قد استوفى الشرائط الشكلية والموضوعية المنصوص عليها فيه، فإنه يكون على حق في دعواه وفي طعنه، ويكون حكم المحكمة الإدارية المطعون فيه، إذ قضى برفض الدعوى قد جانب الصواب. ويتعين والحالة هذه إلغاء هذا الحكم والقضاء باستحقاق المدعي تسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباستحقاق المدعي تسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الحكومة بالمصروفات.