مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة 32 - الجزء الثاني (أول مارس 1987 - 30 سبتمبر 1987) - صـ 918

(139)
جلسة 14 من مارس سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ/ المستشار عادل عبد العزيز بسيوني نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ علي فؤاد الخادم والدكتور محمد جودت الملط وصلاح عبد الفتاح سلامة والدكتور عبد الرحمن عزوز المستشارين.

الطعن رقم 1024 لسنة 30 القضائية

( أ ) المادة (13) من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية.
لكي يباشر الجهاز المركزي للمحاسبات اختصاصه في تقدير مدى ملاءمة الجزاء فلا بد أن تخطره جهة الإدارة بقرار الجزاء وكل ما يتعلق به من أوراق - لم يحدد المشروع مشتملات القرار التي يجب إخطار الجهاز بها - تحديد ما يلزم من أوراق وبيانات هو من المسائل الموضوعية التي تختلف باختلاف ظروف وملابسات كل مخالفة على حده - فوات الميعاد المنصوص عليه في المادة (13) من القانون رقم 117 لسنة 1958 دون أن يطاب الجهاز جهة الإدارة باستكمال ما ينقص من أوراق والتحقيقات يعد قرينة على اكتفاء الجهاز بما تحت يده من أوراق ومستندات - ترتفع هذه القرينة إذا بادر الجهاز خلال الميعاد المذكور بطلب ما ينقص من الأوراق والبيانات التي يراها لازمه لإعمال اختصاصه في تقدير الجزاء - في الحالة الأخيرة يحسب الميعاد من يوم ورود كل ما طلبه الجهاز على وجه التحديد - تطبيق.
(ب) أموال الدولة العامة - أموال النذور - طبيعتها.
أموال النذور تفقد صفتها كأموال خاصة بمجرد إيداعها صناديق النذور وتصبح في هذه الحالة أموالاً مخصصة للنفع العام - الدعوى التأديبية المقامة بشأنها لا تعتبر مقامة من الجهاز المركزي للمحاسبات ولكن من النيابة الإدارية على الوجه المقرر قانوناً - أساساً ذلك: أن دور الجهاز في هذه الحالة هو مجرد ممارسة لاختصاصه المنصوص عليه بالمادة (13) من القانون رقم 117 لسنة 1958 عندما طلب إقامة الدعوى التأديبية لثبوت وجسامة المخالفة المنسوبة للمحال في الدعوى وهي اختلاس أموال سلمت بحكم وظيفته - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 21 من فبراير سنة 1984 أودع الأستاذ...... نائباً عن الأستاذ السيد الجوهري المحامي، بصفته وكيلاً عن......، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1024/ 30 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم بجلسة 26 من ديسمبر سنة 1983 في الدعوى رقم 92/ 25 القضائية المرفوعة من النيابة الإدارية ضد الطاعن، والقاضي بمجازاته بخفض وظيفته إلى وظيفة في الدرجة الأدنى مباشرة.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء:
أولاً: بعدم قبول الدعوى التأديبية لعدم اعتراض الجهاز المركزي للمحاسبات في الميعاد المنصوص عليه في المادة (13) من القانون رقم 117/ 1958.
ثانياً: الحكم بعدم قبول الدعوى التأديبية رقم 92 لسنة 25 القضائية لإقامتها ممن لا صفه له في إقامتها.
ثالثاً: الحكم ببراءة الطاعن لعدم صحة ما أسند إليه في الحكم المطعون فيه. وبعد أن تم إعلان تقرير الطعن إلى ذوي الشأن على النحو المبين بالأوراق، قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً، ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 11 من يونيه سنة 1986 وبجلسة 2 من يوليو سنة 1986، قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" لنظره بجلسة الأول من نوفمبر سنة 1986، وبجلسة 17 من يناير سنة 1987 استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن ثم قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه النازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 11 من ديسمبر سنة 1982 أقامت النيابة الإدارية الدعوى رقم 92 لسنة 25 القضائية أمام المحكمة التأديبية للعاملين بالتربية والتعليم والأوقاف، ضد رئيس خزانة وزارة الأوقاف سابقاً وحالياً إدارة المحفوظات، من الدرجة الثانية، لأنه خلال المدة من 1/ 8/ 1978 حتى 15/ 10/ 1978 خرج على مقتضى واجب الأمانة في أداء أعمال وظيفته وأتى ما من شأنه المساس بأموال الدولة بأن اختلس مبالغ النذور من العملات الأجنبية المسلمة إليه بحكم وظيفته وأخفى كشوف التسليم المسلمة إليه لتغطية هذا الاختلاس وبذلك يكون قد ارتكب المخالفة المالية المنصوص عليها بالمواد 52/ 1، 53/ 1 - 3، 55/ 1 من القانون رقم 58/ 1971 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة و76/ 1، 77/ 1 - 3، 78/ 1 من القانون رقم 47/ 1978 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة وطلبت محاكمته بالمواد المذكورة والمادتين 80، 82/ 4 من القانون رقم 47/ 1978 المشار إليه والمواد أرقام 13، 29/ 3 من القانون رقم 117/ 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المعدل بقانون رقم 171/ 1981 والمادتين 15/ 1، 19/ 1 من قانون رقم 47/ 1972 بشأن مجلس الدولة.
وبجلسة 26 من ديسمبر سنة 1983 قضت المحكمة بمجازاة..... بخفض وظيفته إلى وظيفة في الدرجة الأدنى مباشرة، وأقامت قضاءها على أن ما نسب إليه بتقرير الاتهام ثابت في حقه ثبوتاً يقينياً على نحو ما شهد به الشهود في تحقيقات النيابة الإدارية والنيابة العامة وإقرار المتهم، وأن اعتراض الجهاز المركزي للمحاسبات على الجزاء السابق توقيعه على المتهم وطلبه إحالته إلى المحكمة التأديبية تم في الموعد المنصوص عليه في المادة (13) من القانون رقم 117/ 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، بعد ورود كافة المستندات إليه.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله لما يأتي:
أولاً: أن الدفع بعدم قبول الدعوى التأديبية لانقضاء ميعاد الخمسة عشر يوماً المنصوص عليه في المادة (13) من القانون رقم 117/ 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، دون قيام الجهاز المركزي للمحاسبات بالاعتراض، يعد دفعاً صحيحاً ويعتبر به قانوناً، على نحو يؤدي إلى بطلان الحكم المطعون فيه، لأن هذا الميعاد ميعاد سقوط يترتب على مخالفته عدم قبول الدعوى، ولا حجه لما ورد بالحكم المطعون فيه من أن الجهاز طلب موافاته بكافة التحقيقات الجنائية بتاريخ 26 / 4/ 1982.
ثانياً: - عدم صحة الواقعة المنسوبة إلى الطاعن.
ثالثاً: - القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال.
رابعاً: - براءة الطاعن بتوقيع الجزاء المنصوص عليه قانوناً في حالة تأخيره عن التوريد أو وجود عجز في عهدته، فقد قام الطاعن بتوريد العجز وسداد غرامة التأخير مما يجعل معاقبة بجزاء أخر ازدواجاً في العقاب.
خامساً: - عدم قبول الدعوى التأديبية لأنها مقامة ممن لا صفة له في إقامتها، لأن الجهاز المركزي للمحاسبات ليست له صفة قانونية تخوله حتى الاعتراض أو طلب إقامة الدعوى التأديبية بشأن أموال صندوق النذور لأنها أموال خاصة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق والتحقيقات التي أجريت بشأن هذه الواقعة أن مراقب عام حسابات وزارة الأوقاف تقدم بمذكرة مؤرخة 1/ 10/ 1978 ضمنها أن علي محمد شحاتة رئيس خزانة الوزارة، لم يقم بإيداع العملات الأجنبية إلى حساب النذور وذلك منذ سنوات عديدة، وبناء على ذلك قرر وكيل أول الوزارة - رئيس مجلس صناديق النذور - تشكيل لجنة بتاريخ 1/ 10/ 1978 وحصر العملات الأجنبية الموجودة بخزينة الوزارة المسلمة من صناديق النذور إلى المذكور، وعندما طلبت منه اللجنة موافاتها بصور كشوف تلك العملات التي وردت إليه من مديرية أوقاف القاهرة، أفاد بعدم وجود كشوف لديه، فقامت اللجنة بجرد محتويات الخزينة وإثبات حالتها وتشجيعها وضمنها بخاتم مكتب الأمن، وقدمت الإدارة العامة للشئون المالية والإدارية بالوزارة مذكرة مؤرخة 16/ 10/ 1978 اقترحت فيها ما يأتي: -
أولاً: تشكيل لجنة تكون مهمتها الرجوع إلى مديرية أوقاف القاهرة والمساجد التابعة لها وبها صناديق نذور، لحصر العملات الأجنبية من تاريخ استلام العمل بالخزانة، وذلك بمراجعة صور هذه الكشوف على النقدية الواردة ببيان الحصر الذي أعدته اللجنة السابقة.
ثانياً: - إحالة الموضوع إلى النيابة الإدارية. وقد وافق وكيل أول الوزارة على ذلك فصدر القرار رقم 6/ 1978 بتشكيل اللجنة المقترحة وأحيل الموضوع إلى النيابة الإدارية بالأوقاف.
بتاريخ 25/ 10/ 1978.
وقد أثبتت هذه اللجنة وجود عجز لدى المذكور عبارة عن 83 دولار أمريكي، 361 ريال سعودي، وعشرة فرنك فرنسي وجنيه واحد سوداني، مع وجود زيادات في عملات أجنبية أخرى. واستمعت هذه اللجنة إلى أقوال بعض المتصلين بعملية فتح صناديق النذور حيث تبين معاون الإدارة بمديرية أوقاف القاهرة بتسليم ألف وواحد دولار أمريكي من فتحة صندوق نذور مسجد الإمام حسين يوم 4/ 4/ 1977 ضمن عملات أجنبية أخرى، كما قرر نجدي صالح إمام وخطيب مسجد الحسين أنه قد تم تسلم من علي شحاتة مبلغ 141.14 جنيه يعادل نسبة 20% من قيمة هذه الدولارات نصيب العاملين في المسجد لما تضمن تقرير هذه اللجنة ثبوت مخالفة للتعليمات التي يقضي بها القرار الوزاري رقم 22/ 1971 في شأن اللائحة التنفيذية لصناديق النذور، والتي توجب بمجرد استلام حصيلة العملات الأجنبية واتخاذ إجراءات استبدالها بعملة مصرية وإضافة قيمتها لحساب صندوق النذور العام. وأحيل تقرير هذه اللجنة إلى النيابة الإدارية التي أجرت تحقيقاً في الموضوع أعدت بشأنه مذكرة مؤرخة 38/ 6/ 1979 جاء بها أنه بمواجهة المذكور بما نسب إليه من عدم إيداع العملات الأجنبية الخاصة بصناديق النذور بالبنك، علل ذلك بعدم درايته بالتعليمات الخاصة بهذا الشأن طوال مدة عملة كرئيس للخزينة من 1/ 8/ 1976 حتى تم إيداع هذه المبالغ بالبنك في 15/ 10/ 1978 ورأت النيابة الإدارية أنه نظراً لأن الواقعة تشكل عدة جرائم جنائية ومالية، إبلاغ النيابة العامة وإخطار الجهاز المركزي للمحاسبات. فأحيل الموضوع إلى النيابة العامة حيث قيد برقم 5977/ 79 إداري عابدين (171/ 1979 حصر تحقيق عابدين) وخلال ذلك صدر قرار وكيل أول الوزراء رقم 1493/ 1980 بتشكيل لجنة أخرى لفحص أعمال بالمذكور طوال مدة خدمته تطبيقاً للمادة (79) من اللائحة المالية للميزانية والحسابات وقدمت هذه اللجنة تقريراً انتهت فيه إلى الإلزام بتوريد بالعجز الذي ظهر بعهدته في العملات الأجنبية المختلفة التي استلمها من بعض فتحات صناديق النذور بالمساجد والبالغ عددها 2036 من العملات الأجنبية المختلفة، وتحصيل غرامة تأخير بواقع 10% من قيمة العجز المشار إليه طبقاً لكتاب دوري وزارة المالية رقم 61/ 1978، وقدرت المراقبة العامة للحسابات قيمة هذه العملات بمبلغ 734.351 جنيهاً يضاف إليها مبلغ 73.436 جنيه قيمة غرامة التأخير المشار إليها.
وبتاريخ 15/ 7/ 1981 أصدرت النيابة العامة قراراً بتشكيل لجنة في القضية رقم 5977/ 1979 إداري عابدين لجرد عهدة المذكور، وتم تشكيل هذه اللجنة من نفس أعضاء اللجنة التي شكلت بالقرار رقم 1493/ 1981، وقدمت تقريرها بتاريخ 25/ 11/ 1981 أحالت فيه إلى ما ثبته اللجنة المشكلة بالقرار رقم 6/ 1978 من وجود عجز لدى المذكور في العملات الأجنبية قام بتوريدها للبنك في 27/ 2/ 1979، كما أحالت إلى ما يثبت بتقرير اللجنة المشكلة بالقرار رقم 1493/ 1980 من ظهور عجز في العملات الأجنبية المسلمة إليه والذي قدرته المراقبة العامة للحسابات بمبلغ 807.790 جنيهاً بما فيه غرامة التأخير، والذي قام المذكور بتوريده أيضاً على دفعات.
وقد أجرت النيابة العامة تحقيقاً في هذا الموضوع انتهت فيه بتاريخ 17/ 4/ 1982 إلى أن الواقعة على هذا النحو، تشكل جناية الاختلاس الواردة بالمواد 112/ 1، 118 مكرراً و119 مكرراً من قانون العقوبات، إلا أنها قدرت أن ظروف الواقعة وملابسات الدعوى تدعو إلى الوقوف بها إلى الحد الذي وصلت إليه دون أن تتعداه، ذلك أن جسامة العقوبة التي قررها الشارع لهذه الجريمة لا تتناسب مع ما اقترفه المتهم من جرم خاصة بالنظر إلى أنة قام بسداد ما عليه من عجز بالسعر التشجيعي الذي يفوق السعر الرسمي بالإضافة إلى 10% غرامه تأخير، فضلاً على أنه نقل من وظيفته - ورأت لذلك الاكتفاء بالجزاء الإداري وبعرض الموضوع على وكيل أول الوزارة قرر بتاريخ 6/ 4/ 1982 مجازاة المذكور بخصم أربعة أيام من راتبه وأخطر الجهاز المركزي للمحاسبات بهذا القرار بتاريخ 17/ 4/ 1982 ونظراً لأن الأوراق المرسلة إلى الجهاز لم تكن كافية لفحص الموضوع فقد طلب بكتابه رقم 1306 بتاريخ 26/ 4/ 1982 موافاته بكافة التحقيقات الجنائية التي تمت في الواقعة، وموافاته بصحيفة جزاءات المخالف المذكور، وقد وردت الأوراق المطلوبة للجهاز بتاريخ 17/ 7/ 1982.
وقد رأى الجهاز المركزي للمحاسبات - بعد فحصه لكافة أوراق الموضوع - أن الجزاء الإداري الموقع على المذكور لا يتناسب مع خطورة المخالفات الثابتة في حقه ولا يحقق الغاية المقصودة من العقاب وهي ردع المتهم، خاصة وأن المال الذي اختلسه هو من صناديق نذور المساجد يتبرع بها المسلمون للصرف منها على أوجه الخير لذلك وافق نائب رئيس الجهاز بتاريخ 1/ 8/ 1982 على إحالة الأوراق إلى النيابة الإدارية لإقامة الدعوى التأديبية ضد المذكور، وإرسال الجهاز كتابة رقم 146 بتاريخ 1/ 8/ 1982 إلى إدارة الدعوة التأديبية بالنيابة الإدارية لإقامة الدعوى التأديبية ضد المذكور وفقاً للمادة (13) من القانون رقم 117/ 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية، كما أرسل كتابة رقم 143 في ذات التاريخ إلى وزارة الأوقاف متضمناً صورة كتابة رقم 142 إلى النيابة الإدارية، وطلب منها سحب القرار الصادر بتاريخ 6/ 4/ 1982 بمجازاة المذكور بخصم أربعة أيام من راتبه.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى التأديبية لاعتراض الجهاز المركزي للمحاسبات على الجزاء، بعد انقضاء الخمسة عشر يوماً المنصوص عليها في المادة (13) من القانون رقم 117/ 1958 المشار إليه، فإن هذه المادة تنص على أنه "يخطر رئيس ديوان المحاسبة بالقرارات الصادرة من الجهة الإدارية في شأن المخالفات المالية المشار إليها في المادة السابقة.
ولرئيس الديوان خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إخطاره بالقرار أن يطلب تقديم الموظف إلى المحكمة التأديبية. وعلى النيابة الإدارية في هذه الحالة مباشرة الدعوى التأديبية خلال الخمسة عشر يوماً التالية".
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه لا يتسنى للجهاز المركزي للمحاسبات بحكم طبائع الأشياء أن يباشر اختصاصاته القانونية وتقدير ملائمته الجزاء أو عدم ملاءمته إلا إذا أخطرته الإدارة عن طريق المرسوم للإخطار بالقرار وكان كل ما يلزم لهذا التقرير من أوراق الموضوع معروضاً عليها فالفقرة الثانية من المادة (13) المذكورة لم تحدد مشتملات هذا القرار الذي يجب أن تخطر به إدارة الجهاز، وتحديد ما يلزم عرضه على الجهاز في هذا الشأن من أوراق وبيانات هو من المسائل الموضوعية التي يختلف ما يلزم عرضه في بعضها عما يلزم في البعض الأخر، بحسب ظروف وملابسات كل مخالفة مالية على حدتها.. والمشرع اعتبر فوات الميعاد، المنصوص عليه في الشق الأول من الفقرة الثانية من المادة (13) بعد إخطار الجهاز بالجزاء دون أن يطالب الجهاز خلال هذه المدة باستكمال ما ينقصه من أوراق وتحقيقات قرينة على أن الجهاز قد اكتفى بما وصل إليه من أوراق وبيانات ليؤدي الجهاز رسالته في فحص الجزاء وتقديره. وترتفع هذه القرينة وتتلاش إذا طلب الجهاز خلال ميعاد الخمسة عشر يوماً من الجهة الإدارية التي أخطرته بالقرار ما ينقصه من أوراق الموضوع وتحقيقاته وبياناته التي يراها لازمة لأعمال تقديره للجزاء وفحصه فلا يجوز أن يحسب الميعاد في هذه الحالة إلا من يوم ورود كل ما طلبه الجهاز على وجه التحديد.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق - على النحو السابق إيضاحه - إن الجهاز المركزي للمحاسبات أخطر بقرار الجزاء بتاريخ 17/ 4/ 1982، وقدر الجهاز أن الأوراق المرسلة إليه لم تكن كافية لفحص الموضوع، فطلب بتاريخ 26/ 4/ 1982 أي قبل انقضاء الخمسة عشر يوماً المذكورة، موافاته بكافة التحقيقات الجنائية التي تمت في الواقعة وصحيفة جزاءات المخالف، واستعجل طلبه هذا بالكتاب رقم 1351 بتاريخ 29/ 4/ 1982، وبالكتاب رقم 1819 بتاريخ 10/ 6/ 1982، ولم تصل إليه الأوراق المطلوبة إلا بتاريخ 17/ 7/ 1982. والثابت أن نائب رئيس الجهاز اعترض على الجزاء الإداري الموقع على المذكور وطلب تقديمه إلى المحاكمة التأديبية بتاريخ 1/ 8/ 1982 أي قبل انقضاء الخمسة عشر يوماً من تاريخ استكمال ورود الأوراق المطلوبة إليه، وقد طلب الجهاز فعلاً من النيابة الإدارية إقامة الدعوى التأديبية ضد هذا الموظف في ذات التاريخ على النحو السابق بيانه، ومن ثم يتعين الالتفات عن هذا الدفع.
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى التأديبية لأنها مقامة من لا صفة له من إقامتها، لأن الجهاز المركزي للمحاسبات ليست له صفة قانونية تخوله حق الاعتراض أو طلب إقامة الدعوى التأديبية بشأن أموال صندوق النذور لأنها أموال خاصة، فإن هذا الدفع لا يقوم على أساس سليم من القانون، لأن أموال النذور بإيداعها الصناديق تفقد صفتها كأموال خاصة، وتصبح أموالاً مخصصة للنفع العام تخضع للنظام القانوني الموضوع لهذا الشأن، وأياً كان الأمر في الطبيعة القانونية لهذه الأموال، فإن الدعوى التأديبية لا تعتبر في هذه الحالة مقامة من الجهاز المركزي للمحاسبات بل مقامة من النيابة الإدارية على النحو المقرر قانوناً، وقد مارس الجهاز المركزي للمحاسبات اختصاصه المنصوص عليه في المادة (31) من القانون رقم 117/ 1958 المشار إليه عندما طلب إقامة الدعوى التأديبية على الموظف المذكور لثبوت ولجسامة المخالفة المنسوبة إليه، وهي اختلاسه أموالاً مسلمة إليه بحكم وظيفته على النحو الوارد بالأوراق، لذلك يتعين الالتفات عن هذا الدفع أيضاً.
ومن حيث إن الثابت من استعراض ما تقدم ثبوت الواقعة المنسوبة إلى الطاعن ثبوتاً يقينياً، وهو ما أثبته الحكم المطعون فيه من أدلة تنتجه في الواقع والقانون، وبالتالي يتعين الالتفات عما ساقه الطاعن من تشكيك في ثبوت هذه الواقعة ضده.
ومن حيث إنه لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه، وقد انتهى إلى إدانة الطاعن في المخالفات المنسوبة إليه وقضى بمجازاته عنها يكون قد أصاب وجه الحق وقام على أساس سليم من الواقع والقانون بما لا مطعن عليه ولا ينال من ذلك ما ذهب إليه الطاعن من أن مجازاته بالعقوبة التي صدر بها الحكم المطعون فيه يعتبر ازدواجاً في العقاب بعد وأن قام بتسليم المبالغ التي أظهرت عجزاً في عهدته وسدد قيمة غرامة التأخير على ما يقضي به كتاب وزارة المالية الدوري رقم 61 لسنة 1978، وذلك أن قيام الطاعن بتوريد العجز وسداد الغرامة لا يعتبر جزاءاً تأديبياً يحول دون توقيع الجزاء التأديبي المناسب على ما ثبت في حقه من مخالفات تشكل إخلالاً بواجبات وظيفته ومقتضياتها.
ومن حيث إنه لما تقدم من أسباب فإنه يتعين الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه.