مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 52

(6)
جلسة 16 من نوفمبر سنة 1963

برئاسة السيد/ عبد العزيز الببلاوي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف ومحمد تاج الدين يس وعبد الفتاح نصار وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 107 لسنة 9 القضائية

موظف - فصل - مشروعية القرار التأديبي - عدم الملاءمة الظاهرة في الجزاء تخرجه عن حد المشروعية - مثال.
جرى قضاء هذه المحكمة على أن عدم الملاءمة الظاهرة في الجزاء تخرجه عن حد المشروعية وبالتالي تبطله ولما كان الثابت أن لائحة الجزاءات التي عوقب على أساسها المتهم لم تجعل للمجرم الذي ثبت في حقه عقوبة واحدة هي عقوبة الفصل وإنما تدرجت في العقاب من خفض الراتب إلى خفض الدرجة والراتب ثم إلى عقوبة الفصل ولما كان الثابت من الأوراق أن المتهم قد أمضى في خدمة الهيئة حوالي أربعة عشر عاماً ولم يتبين من هذه الأوراق أن جزاء ما قد وقع عليه خلال تلك المدة فإن أخذه بهذه الشدة المتناهية وتوقيع أقصى العقوبات المقررة عليه مما يخرج الجزاء الموقع عن حد المشروعية خصوصاً وفي أوراق التحقيق الانضمامي ما يشير إلى أن هناك زميلين للمتهم هما اللذان سلماه التذاكر موضوع التهمة لبيعها واتخذت الهيئة حيالها إجراء ولم تقدمهما للمحكمة التأديبية لعدم وجود الدليل الكافي للمحاكمة وذلك على حد قولها، هذا إلى أن قيمة المبلغ المختلس 650 مليم، ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه والاكتفاء بمجازاة الطاعن بعقوبة الخفض من الراتب بمقدار جنيه واحد شهرياً وفي هذه العقوبة الردع والزجر الكافيان.


إجراءات الطعن

بتاريخ 10 من يناير سنة 1963 أودع السيد رئيس هيئة المفوضين سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة المواصلات بجلسة 20 من ديسمبر سنة 1962 في الدعوى التأديبية رقم 10 لسنة 4 القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد السيد كامل أحمد كامل شعبان والقاضي "بعزله من الوظيفة مع الاحتفاظ له بما قد يستحقه من معاش أو مكافأة". وقد طلب السيد الطاعن للأسباب الواردة في عريضة الطعن قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إنزال عقوبة الفصل على الطاعن والحكم في الطعن بتوقيع الجزاء المناسب".
أعلن هذا الطعن لذوي الشأن وبعد أن نظرته دائرة فحص الطعون أحالته إلى المحكمة الإدارية العليا التي بعد أن سمعت ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن أرجات النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية ضد الطاعن طالبة مجازاته طبقاً للمواد 5، 44 من القرار الجمهوري رقم 2190 لسنة 1959 بنظام موظفي هيئة سكك حديد مصر، 63، 72/ 5 من القرار رقم 1640 لسنة 1960 باللائحة التنفيذية له، 12، 13 من القانون رقم 117 لسنة 1958، والمواد 45، 46، 48 من القرار الجمهوري 2190 المشار إليه ذلك أنه بتاريخ 19، 20، 3/ 1961 بصفته مكلفاً بعمل تذكرجي بشباك محطة كوبري الليمون للدرجة الثانية خرج على مقتضى الواجب في أداء وظيفته ولم يؤد عمله بدقة وأمانة بأن قام بصرف عدد ستة تذاكر ونصف درجة ثانية من محطة كوبري الليمون إلى الدمرداش ومنشية الصدر وحمامات القبة على قطار/ 5 علماً بأن هذه التذاكر قد سبق صرفها على قطار يوم 19 من مارس سنة 1961 واختلس قيمتها.
وبجلسة 20 من ديسمبر سنة 1962 قضت المحكمة التأديبية لموظفي وزارة المواصلات بإدانة المتهم فيما نسب إليه وبمجازاته عنه بالعزل من وظيفته مع الاحتفاظ له بما قد يستحقه من معاش أو مكافأة - وقررت استحقاقه لمرتبه عن مدة الوقف بصفة نهاية "بانية حكمها على ما استخلصه من التحقيقات من أن المتهم قد باع التذاكر المغشوشة للركاب وأن عدم ثبوت مصدر هذه التذاكر لا يغير من الأمر شيئاً وهو أنها لم تكن في عهدته وأنه قبض ثمنها بغير حساب الهيئة".
ومن حيث إن الطعن في الحكم قد تم بطريق الوجوب بالتطبيق للمادة 32 من القانون رقم 117 لسنة 1958 وذلك بناء على الطلب المقدم من المحكوم عليه والذي بناه على أن الحكم المطعون فيه قد جانبه التوفيق بأن قضى بالإدانة في جريمة لا دليل عليها وبفرض ثبوتها فإن الجزاء جاء غير متناسب مع المخالفة المنسوبة إليه مخالفاً بذلك ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا من وجوب هذا التناسب وقد ردد المتهم هذا الدفاع في المذكرة المقدمة منه أخيراً وساندته هيئة المفوضين في طلبه الاحتياطي فجاء في تقريرها أن لائحة الجزاءات الخاصة بموظفي السكة الحديد والصادر بها قرار رئيس الجمهورية رقم 2190 لسنة 1955 أدرجت المخالفة موضوع الطعن وهي سرقة أو اختلاس أموال الهيئة تحت البند الحادي عشر من مخالفات المجموعة الأولى وتقضي المادة الأولى من اللائحة المذكورة بمعاقبة من يرتكب هذه المخالفة بإحدى العقوبات الآتية: -
1) خفض المرتب.
2) التنزيل إلى مرتبة أدنى.
3) خفض المرتب والتنزيل إلى مرتبة أدنى.
4) العزل من الوظيفة مع حفظ الحق في المعاش أو الحرمان من كل أو بعض المعاش أو المكافأة. - أي أن لائحة العقاب الخاصة بالهيئة والواجب على المحكمة تطبيقها قد أخذت بمنطق التدرج في العقاب بالنسبة للمخالفات الواردة في المجموعة الأولى ومن بينها المخالفة التي ارتكبها الطاعن بمعنى أن هذه المخالفات لو كانت لها درجة الخطورة الواحدة لاكتفى المشرع بأن قرر لها جزاء الفصل، ومن ثم فإن مسلك المشرع في التدرج بالنسبة للفعل الواحد واضح الدلالة على أن هذه المخالفات ليست دائماً في مستوى واحد من التأثيم وعلى ذلك وجب التزام حكمة التدرج بما يتلاءم مع الجرم المرتكب.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى أوراق التحقيقات التي أجريت في هذا الشأن وإلى كافة الأوراق الأخرى المتعلقة بموضوع الطعن يبين أنه ضبط بالقطار رقم 5 القائم من محطة كوبري الليمون بتاريخ 20 من مارس سنة 1961سبع تذاكر درجة ثانية سبق صرفها على قطار 123 بتاريخ 29 من مارس سنة 1961 وقد قرر الركاب الذين ضبطت معهم هذه التذاكر أن المتهم "الطاعن" هو الذي باعها لهم كما قرر معاون محطة كوبري الليمون السيد/ وهيب اسكندر والسيدان/ حسن محمد الصيفي وخليل إبراهيم من كمسارية تنمية أقسام مصر بأن المتهم "الطاعن" اعترف أمامهم بأنه هو الذي باع لهؤلاء الأشخاص التذاكر المضبوطة وأنه طلب التصرف في الموضوع وإنهاؤه ودياً إذا أمكن - فإذا استخلص الحكم المطعون فيه دليل الإدانة من واقع أوراق التحقيقات المودعة ملف الطعن وما انتهى إليه تصرف النيابة العامة في موضوع الاتهام الموجه إلى المتهم وما ارتأته مع ثبوت هذا الاتهام من الاكتفاء بمجازاته إدارياً إذ أن ذلك ادعى للزجر والردع - استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة تؤدي إلى هذه النتيجة فإنه يكون صحيحاً من ناحية ثبوت الجرم على المتهم "الطاعن" وليس فيما أثير من دفاع قدمها الطاعن ما يدحض من قوة أدلة الثبوت التي انبنى عليها الحكم المطعون فيه طالما أن هذا الدفاع التزام جانب الإنكار دون أن يصل إلى نفي الدليل أو حتى مجرد التشكيك فيه، هذا عن الإدانة أما عن تقدير العقوبة فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن عدم الملاءمة الظاهرة في الجزاء تخرجه عن حد المشروعية وبالتالي تبطله. ولما كان الثابت أن لائحة الجزاءات التي عوقب على أساسها المتهم لم تجعل للجرم الذي ثبت في حقه عقوبة واحدة هي عقوبة الفصل وإنما تدرجت في العقاب من خفض الراتب إلى خفض الدرجة والراتب ثم إلى عقوبة الفصل - ولما كان الثابت من الأوراق أن المتهم قد أمضى في خدمة الهيئة حوالي أربعة عشر عاماً ولم يتبين من هذه الأوراق أن جزاء ما قد وقع عليه خلال تلك المدة فإن أخذه بهذه الشدة المتناهية وتوقيع أقصى العقوبات المقررة عليه مما يخرج الجزاء الموقع عن حد المشروعية خصوصاً وفي أوراق التحقيق الانضمامي ما يشير إلى أن هناك زميلين للمتهم هما اللذان سلماه التذاكر موضوع التهمة لبيعها واتخذت الهيئة حيالها إجراء ولم تقدمهما للمحكمة التأديبية لعدم وجود الدليل الكافي للمحاكمة وذلك على حد قولها هذا إلى أن قيمة المبلغ المختلس 650 مليم. ومن ثم يتعين إلغاء الحكم المطعون فيه والاكتفاء بمجازاة الطاعن بعقوبة الخفض من الراتب بمقدار جنيه واحد شهرياً وفي هذه العقوبة الردع والزجر الكافيان.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبمجازاة كامل أحمد كامل شعبان بخفض راتبه بمقدار جنيه واحد شهرياً.