مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 70

(9)
جلسة 23 من نوفمبر سنة 1963

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس وعضوية السادة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 587 لسنة 7 القضائية

( أ ) موظف - جريمة تأديبية - انقطاع الموظف عن عمله، دون ترخيص سابق أو عذر مقبول، يعد إخلالاً بواجبات الوظيفة مبرراً لمساءلته تأديبياً - أساس ذلك.
(ب) موظف - استقالة حكمية - المادة 112 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - قيامها على قرينة قانونية هي اعتبار الموظف مستقيلاً إذا انقطع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية، انتفاء هذه القرينة إذا ما أبدى الموظف العذر من أول يوم انقطع فيه عن العمل حتى ولو تبين أن الأعذار التي تذرع بها كانت غير صحيحة - أثر ذلك عدم تطبيق نص المادة 112 سالف الذكر، وجواز مؤاخذة الموظف تأديبياً في هذه الحالة.
(جـ) قانون - تأمين ومعاشات - قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1963 - نص المادة 26 منه على عدم جواز الحرمان من المعاش أو المكافأة إلا بحكم تأديبي وفي حدود الربع - إفادة الطاعن في الحكم التأديبي الصادر بحرمانه من نصف مكافأته، من هذا النص المستحدث، والذي لحق طعنه قبل الفصل فيه - أساس ذلك.
1) لا وجه للطعن بمقولة إن قانون نظام موظفي الدولة لم يعتبر أن في انقطاع الموظف عن عمله إخلالاً بواجبات الوظيفة وبمقولة إن هذه الواجبات محددة تفصيلاً وعلى سبيل الحصر في الفصل السادس من الباب الأول من قانون التوظف - هذا الوجه الأول من الطعن لا سند له من القانون ذلك أن القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة لم ينتهج مسلك قانون العقوبات والقوانين الجنائية الأخرى في حصر الأفعال المؤثمة، وتحديد أركانها ونوع ومقدار العقوبة المقررة لكل فعل منها وإنما سرد قانون التوظف في الفصل السادس من الباب الأول عدة أمثلة من واجبات الموظفين والأعمال المحرمة عليهم فقال إن على الموظف أن يقوم بنفسه بالعمل المنوط به، وأن يؤديه بدقة وأمانة وعليه أن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته. وقال إن على الموظف أن يقيم بالجهة التي بها مقر وظيفته وقال إنه لا يجوز للموظف أن يفضي بمعلومات عن المسائل التي ينبغي أن تظل سرية بطبيعتها كما لا يجوز له أن يحتفظ لنفسه بأصل أية ورقة من الأوراق الرسمية وكذلك نهى القانون عن انتماء الموظف إلى حزب سياسي كما نهاه عن أداء أعمال للغير بمرتب أو بمكافأة ولو في غير أوقات العمل الرسمية.. إلى غير ذلك من الأفعال والأعمال المحرمة على موظفي الدولة. وقضى هذا القانون في المادة 83 منه بأن (كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته يعاقب تأديبياً...) ونظم الفصل السابع من القانون تأديب الموظفين فأدرجت المادة 84 منه الجزاءات التي يجوز توقيعها عن المخالفات المالية والإدارية التي تقع من الموظف وتبدأ بالإنذار وتنتهي بالعزل من الوظيفة. ومفاد ذلك كله أن الأفعال المكونة للذنب الإداري ليست إذن على خلاف ما ذهب إليه وجه هذا الطعن. محددة حصراً ونوعاً، وإنما مردها بوجه عام إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها.
2) إن مقتضى حكم المادة 112 التي تنص على أنه "إذا لم يقدم الموظف أسباباً تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب، ورفضت اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل" - مقتضاه قيام قرينة قانونية هي اعتبار الموظف مستقيلاً إذا انقطع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً متتالية ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية "فإذا ما أبدى الموظف العذر من أول يوم انقطع فيه عن العمل فقد انتفى القول بأن انقطاعه كان للاستقالة وبالتالي تنتفي القرينة القانونية التي رتبها القانون على هذا الانقطاع حتى لو تبين فيما بعد أن الأعذار التي تذرع بها كانت غير صحيحة. وعندئذ قد يكون مثل هذا الموظف محلاً للمؤاخذة التأديبية بغير إنهاء الخدمة المنصوص عليها في المادة 112 من قانون التوظف.
3) إنه ولئن كان الحكم التأديبي المطعون فيه قد صدر بجلسة 22 من نوفمبر سنة 1960 إلا أنه قد جد بعد ذلك جديد في أحكام القانون من شأنه أن يؤثر فيما قضى به الحكم المطعون فيه في خصوص حرمان زين الدين زين العابدين من نصف مكافأته، ذلك أنه قد صدر ونشر في 28 من إبريل سنة 1963 قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1963 بإصدار قانون التأمين والمعاشات لموظفي الدولة ومستخدميها وعمالها المدنيين. وقد نص في المادة 36 من هذا القانون على أنه (استثناء من القوانين والقرارات المقررة لقواعد الحرمان من المعاش أو المكافأة لا يجوز حرمان المنتفع أو صاحب المعاش من المعاش أو المكافأة إلا بحكم تأديبي وفي حدود الربع..) كما تنص المادة الثالثة من قانون إصداره على سريان أحكام مواد معينة منها المادة 36 سالفة الذكر على جميع الموجودين في الخدمة وقت العمل بهذا القانون رقم 50 لسنة 1963 المعاملين بأحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 والمرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 وتأسيساً على ذلك يفيد الطاعن من هذا النص المستحدث والذي لحق طعنه قبل الفصل فيه فأصبح لا يجوز حرمانه من نصف مكافأته، على النحو الذي قضى به الحكم التأديبي المطعون فيه وصار الحرمان لا يمكن أن يجري إلا في حدود الربع وحده. ومن ثم يتعين الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص على مقتضى ما تقدم.


إجراءات الطعن

في 16 من يناير سنة 1961 أودع السيد محامي الطاعن زين الدين زين العابدين سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 587 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة الموظفين من الدرجة الثانية فما دونها في وزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف بجلسة 22 من نوفمبر سنة 1960 في الدعوى التأديبية المقيدة بالسجل العام برقم 19 لسنة 2 القضائية المقامة من: النيابة الإدارية ضد السيد/ زين الدين زين العابدين الموظف بمصلحة الصحة الوقائية من الدرجة الثامنة والذي قضى (بعزل زين الدين زين العابدين الموظف بوزارة الصحة العمومية من وظيفته مع حرمانه من نصف مكافأته). وطلب السيد محامي الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه (قبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من حرمان الطاعن من نصف مكافأته وباعتبار الطاعن مستقيلاً بمضي خمسة عشر يوماً من 28/ 5/ 1959 مع أحقيته في كامل المكافأة عن مدة خدمته مع إلزام الإدارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة). وقد أعلن هذا الطعن إلى النيابة الإدارية في 18 من يناير سنة 1961 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 29 من يونيو سنة 1963 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 19 من أكتوبر سنة 1963 حيث سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية المقيدة بالسجل العام برقم 19 لسنة 2 القضائية ضد الطاعن أمام المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة الموظفين من الدرجة الثانية فما دونها في وزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف طالبة فيها محاكمته عن المخالفات المسندة إليه وفقاً لوصفها الوارد في قرار الإحالة والتي تتحصل في أن الطاعن وهو موظف بمصلحة الصحة الوقائية من الدرجة الثامنة انقطع عن عمله في 3 من إبريل سنة 1959 ثم أحيل إلى القومسيون الطبي في 15 من إبريل سنة 1959. وحددت له جلسة 25 من الشهر ذاته وفي 5 من مايو سنة 1959 وردت نتيجة الكشف عليه متضمنة أنه غير مريض وأن القومسيون الطبي كلفه بالعودة إلى عمله في اليوم التالي مباشرة للكشف عليه أي من 26 من إبريل سنة 1959 وذلك مع عدم احتساب أيام غيابه إجازة مرضية ولكنه لم يعد إلى عمله تنفيذاً لقرار القومسيون بل أرسل برقية في 27/ 4/ 1959 يطلب فيها منحه إجازة لمدة سبعة أيام امتداداً لإجازته المرضية في 4 من مايو سنة 1959 عاد وطلب بإشارة تليفونية التصريح له بإجازة لمدة خمسة أيام اعتباراً من 3 من مايو سنة 1959 ولكن طلبه قد رفض واستدعى للعمل في 7 من مايو سنة 1959 عن طريق قسم شرطة الظاهر فأفاد القسم المذكور أن المتهم غير موجود بعنوانه الموضح بالإشارة المبلغة إليه وفي 8 من مايو سنة 1959 عاد المتهم وأرسل خطاباً عادياً بطلب منحه عشرة أيام إجازة أو إحالته إلى الكشف الطبي إلا أن السيد مدير عام المصلحة لم يوافق على ذلك وأشر بإجراء تحقيق معه عند عودته إلى العمل وفي 19 من مايو سنة 1959 عاد المتهم إلى عمله وأجرت المصلحة معه تحقيقاً لم يستطع فيه أن يبرر إهماله في معرفة ما تم من جانب الإدارة بشأن طلباته المقدمة منه إليها بالبريد والتليفون والبرق كما أن المتهم لم يبد أعذاراً مقبولة لغيابه المتواصل وإن كانت كلها تدور حول مرضه بالكبد وعلاجه لدى أطباء خصوصيين ثم عاد المتهم بعد ذلك إلى الانقطاع عن عمله يومي 24، 25 من مايو سنة 1959 ورجع ليباشر عمله يومي 26، 27 من مايو سنة 1959 وبعد ذلك انقطع نهائياً عن العمل اعتباراً من 28 من مايو سنة 1959 دون إذن ولا اعتذار وقد أوقفت المصلحة صرف مرتبه إليه ابتداء من شهر يونيه سنة 1959 وفي 7 من يونيه سنة 1959 أحالت مصلحة الصحة الوقائية أوراق الموضوع إلى النيابة الإدارية المختصة لتجري بدورها تحقيقاً حاولت فيه عبثاً استدعاء المتهم لسؤاله عما هو منسوب إليه. فقد أفاد قسم شرطة الوايلي التابع له المتهم أنه قد ترك سكنه المعروف عنوانه لدى مصلحة الصحة الوقائية ولا يعلم عنوانه الجديد كما أفادت تلك المصلحة أن المتهم لم يخطرها بعنوان سكنه الجديد وخلصت النيابة الإدارية إلى مساءلة المتهم لما أسفر عنه التحقيق من ارتكابه المخالفات سالفة الذكر وترتيباً على ذلك أقامت النيابة الإدارية الدعوى التأديبية ضده طالبة فيها محاكمة الموظف المذكور "الطاعن" عن المخالفات المسندة إليه والمنصوص عنها في المادتين 57، 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والمادة 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958.
وبجلسة 22 من نوفمبر سنة 1960 حكمت المحكمة التأديبية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف (بعزل زين الدين زين العابدين بوزارة الصحة العمومية من وظيفته مع حرمانه من نصف مكافأته) وأقامت قضاءها هذا على أن المحكمة ترى فيما سلكه المتهم من تغيبه عن مقر عمله بدون إذن في الفترة من 3/ 4/ 1959 إلى 18/ 5/ 1959 متعللاً بمرضه رغم ثبوت خلوه منه، ثم انقطاعه انقطاعاً متواصلاً من يوم 28/ 5/ 1959 حتى الآن، إخلالاً شائناً بما توجبه عليه واجبات الوظيفة العامة التي يتقلدها من ضرورة مباشرته أعمالها مباشرة منتظمة ضماناً لحسن سير المصالح العامة ورعاية لصالح المواطنين التي أنشئت تلك المصالح للسهر عليه، الأمر الذي يرتب مساءلته قانوناً. وأضافت المحكمة التأديبية إلى ذلك أنها وهي بصدد تقدير الجزاء على المتهم تراعى بعين الاعتبار استهتاره الزائد وتحديه لجهته الرئاسية، وسلطات التحقيق المختصة مما يقطع بفساد طويته الأمر الذي يتعين معه استئصاله من الإدارة الحكومية.
وفي 16 من يناير سنة 1961 أودع السيد محامي الطاعن تقريراً بالطعن في الحكم المذكور وأقامه على وجهين: -
الأول: أن الحكم أخطأ في تطبيق المادتين 57 و83 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 إذ قال أن مجرد انقطاع الموظف عن عمله يعتبر إخلالاً شائناً بما توجبه عليه واجبات الوظيفة العامة التي يتقلدها. ويرى تقرير الطعن أن القانون رقم 210 لسنة 1951 بجميع مواده لم يعتبر أن في انقطاع الموظف عن العمل إخلال بواجبات الوظيفة لأن هذه الواجبات الوظيفية محددة تفصيلاً وعلى سبيل الحصر في الفصل السادس من الباب الأول من قانون نظام موظفي الدولة.
الثاني: أن التطبيق القانوني السليم في حالة الطاعن هو اعتبار خدمته منتهية بمضي خمسة عشر يوماً من تاريخ انقطاعه الذي لم تقبل رئاسته أسبابه وما تلك الأسباب إلا مرض الكبد فالمادة 122 من القانون رقم 210 لسنة 1951 كانت أولى بالتطبيق من المادتين 57، 83 من القانون الأخير وتأسيساً على هذين الوجهين طلب الطاعن إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من حرمانه من نصف مكافأته وباعتباره مستقيلاً بمضي خمسة عشر يوماً من 28/ 5/ 1959 مع أحقيته في كامل مكافأته عن مدة خدمته.
ومن حيث إنه قد بان لهذه المحكمة من استقراء الأوراق أن الطاعن قد دأب منذ بداية عام 1959 على الانقطاع عن العمل بدون إذن ولا مبرر مقبول في أيام متقاربة يكاد لا يعود بعدها إلى عمله إلا لينقطع من جديد غير منتظر لرد جهات الإدارة على طلبات إجازاته المتواصلة ولا مكترث برفضها إياها. فبعد أن استنفذ إجازاته العارضة وقدرها سبعة أيام في السنة استهلكها في الفترة من أول يناير إلى آخر فبراير سنة 1959، تغيب عن العمل بدون إذن في الأيام (1، 2، 22، 23، 29 من شهر مارس سنة 1959) ثم في (3، 4، 5، 6، 7، 12 من شهر إبريل سنة 1959) وفي 13 من إبريل سنة 1959 وصل مصلحة الصحة الوقائية كتابه المؤرخ 12 من إبريل يطلب توقيع الكشف الطبي عليه، وعندما قام القومسيون الطبي العام بالكشف عليه في 25 من إبريل سنة 1959 وجد أن صحته طبيعية ولم يجد به آثار تجزم بسابقة مرضه. فنبه عليه القومسيون بالعودة إلى عمله فوراً من اليوم التالي لتاريخ الكشف عليه ومع ذلك فإن الطاعن لم يمتثل لقرار القومسيون وظل على مسلكه مستمرئاً التخلف عن مباشرة أعمال وظيفته متعللاً بمرض قال القومسيون إنه منه براء. واكتفى الطاعن بأن عاود الاتصال بالمصلحة مرتين للحصول على إجازة: الأولى في 27 من إبريل سنة 1959 طلب فيها برقياً الحصول على إجازة لمدة سبعة أيام والثانية في 4 من مايو سنة 1959 بإشارة تليفونية طلب فيها التصريح له بإجازة لمدة خمسة أيام. ولم يحاول الطاعن الاستعلام من المصلحة عما إذا كانت قد صرحت له بأي من الإجازتين بل انقطع عن مباشرة عمله فور تقديم طلب التصريح بالإجازة ولم يقنع المذكور بهذا المسلك الشاذ من جانبه قبل المصلحة التي يعمل فيها بل عمد إلى تغيير محل إقامته المعروف في عنوانه الثابت بالمصلحة، وتبين بعد ذلك أنه غير محل إقامته من أول مايو سنة 1959 دون مبالاة بإخطار المصلحة بعنوانه الجديد مما استحال معه على النيابة الإدارية التوصل إليه لمواجهته بالتهمة الإدارية المنسوبة إليه.
ومن حيث إن هذه المحكمة لا ترى محلاً للأخذ بما أبداه الطاعن في التحقيق الإداري الذي أجرته معه المصلحة في 20 من مايو سنة 1959 من أنه انقطع عن عمله ولم يعد إليه حتى بعد أن كلفه القومسيون الطبي العام بالعودة إليه اعتباراً من يوم 26 من إبريل سنة 1959 بحجة أنه كان لا يزال مريضاً وتحت العلاج كما لا ترى محلاً للاعتداد بالأوراق الطبية العرفية التي أودعها الطاعن عن ملف الدعوى تدليلاً منه على مرضه، لا مقنع في ذلك بعد إذ قطع القومسيون الطبي العام، وهو الهيئة الرسمية الطبية التي ناطت بها الدولة مهمة الكشف على المرضى من الموظفين وأوكل إليها وحدها القانون ولاية القول الفصل في هذا الأمر، بخلو الطاعن من مرض يبرر منحه إجازة مرضية أو يشفع لانقطاعاته المتكررة عن العمل مما دفع القومسيون إلى أن يكلفه العودة فوراً إلى مباشرة عمله الوظيفي اعتباراً من اليوم الثاني لتوقيع القومسيون الكشف الطبي عليه بل إن القومسيون قد أفصح عن تقديره عدم موافقته على احتساب مدد الانقطاع عن العمل السابقة على توقيع الكشف الطبي على الطاعن بمثابة إجازات مرضية الأمر الذي يخرج لزاماً الطاعن من عداد المرضى ويدخله بمسلكه هذا في زمرة من يدعي المرضى ليتخلف من واجب الحضور إلى مقر عمله ومباشرة واجبات وظيفته مع أن الأصل هو أن وقت الموظف كله ملك للدولة ولكن مصلحة العمل نفسها تقتضي أن يمنح الموظف أنواعاً من الإجازات حددها القانون ونظمتها اللوائح لتجعله أقدر على العمل وأوفر إنتاجاً. فنظم الفصل الخامس من قانون نظام موظفي الدولة إجازات الموظفين مبتدئاً بالأصل العام المقرر وهو أنه لا يجوز لأي موظف أن ينقطع عن عمله إلا لمدة معينة في الحدود المسموح بها لمنح الإجازات التي حددها القانون بأنها إما عارضة أو اعتيادية أو إجازة مرضية ونصت المادة 2 من المرسوم باللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1951 على أنه "على الرئيس المباشر إخطار قسم المستخدمين المختص بكل انقطاع عن العمل يوم حصوله وبعودة الموظف المنقطع يوم عودته سواء أكان الانقطاع بترخيص سابق أم بدون ترخيص". كما نصت المادة 28 من اللائحة على أنه (إذا انقطع الموظف عن العمل دون ترخيص سابق لمدة تزيد على اليومين يقوم قسم المستخدمين بإبلاغ وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة للنظر في أمر الموظف). كذلك نصت المادة 31 منها على أنه (يتعين على الموظف الذي يطلب مد إجازته أن يبلغ رئيس المصلحة بذلك كتابة قبل انتهاء الإجازة بوقت كاف، فإذا لم يصله الرد بالموافقة وجبت عليه العودة إلى عمله). ونظمت المادة 34 من اللائحة المذكورة حالة الإجازات المرضية فقالت (على الموظف الذي ينقطع عن عمله بسبب المرض أن يبلغ فور انقطاعه رئيس المصلحة التي يتبعها بمرضه ليحيله عن طريق قسم المستخدمين إلى القومسيون الطبي المختص تمهيداً لمنحه الإجازة اللازمة. فإذا انقضت الإجازة دون أن يشفى وجب عليه أن يعيد الإبلاغ عن ذلك في اليوم التالي على الأكثر لانتهائها ليعاد الكشف عليه تمهيداً لامتداد إجازته المرضية ويتكرر الإبلاغ والكشف حتى يعود الموظف إلى عمله. فإذا استنفد الموظف إجازته المرضية المرخص له فيها قانوناً وطلب امتداد الإجازة المرضية طبقاً لما هو وارد في المادة 68 من قانون نظام موظفي الدولة وجب عليه إبلاغ رئيس المصلحة التي يتبعها ليحيله إلى القومسيون الطبي العام). وتنص المادة 62 من قانون نظام موظفي الدولة بأن (كل موظف لا يعود إلى عمله بغير مبرر بعد انتهاء مدة إجازته مباشرة يحرم من مرتبه عن مدة غيابه ابتداء من اليوم التالي لليوم الذي انتهت فيه الإجازة، مع عدم الإخلال بالمحاكمة التأديبية). وهذا الذي رسمه القانون هو ما اتبعته مصلحة الصحة الوقائية مع الطاعن عندما رفض الامتثال لأمر القومسيون الطبي بالعودة إلى عمله اعتباراً من اليوم التالي لتوقيع الكشف الطبي عليه في 25 من إبريل سنة 1959، فأشر السيد مدير المصلحة التي يعمل فيها الطاعن، على مذكرة السيد/ المحقق التي انتهى فيها إلى أن الطاعن "قد انقطع عن عمله المدة من 3 من إبريل سنة 1959 إلى 19 من مايو سنة 1959 ومقدارها ستة وأربعون يوماً بدون إذن وأنه لم يقدم عذراً مقبولاً لهذا الانقطاع "أشر المدير في 26 من مايو سنة 1959 بوقف صرف مرتب الطاعن اعتباراً من أول يونيه سنة 1959 مع التقرير بإحالته إلى المحكمة التأديبية التي قضت بعزله من وظيفته مع حرمانه من نصف مكافأته لاستهتاره الزائد وتحديه لجهته الرئاسية ولسلطات التحقيق المختصة مما يقطع بفساد طويته الأمر الذي يتعين معه استئصاله من الإدارة الحكومية.
ومن حيث إنه لا محل للطعن على حكم المحكمة التأديبية بعزل الطاعن من وظيفته للأسباب التي استند إليها الحكم والتي تؤازره فيها هذه المحكمة فلا وجه للطعن بمقولة إن قانون نظام موظفي الدولة لم يعتبر أن في انقطاع الموظف عن عمله إخلالاً بواجبات الوظيفة وبمقولة إن هذه الواجبات محددة تفصيلاً وعلى سبيل الحصر في الفصل السادس من الباب الأول من قانون التوظف هذا الوجه الأول من الطعن لا سند له من القانون ذلك أن القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة لم ينتهج مسلك قانون العقوبات والقوانين الجنائية الأخرى في حصر الأفعال المؤثمة، وتحديد أركانها ونوع ومقدار العقوبة المقررة لكل فعل منها وإنما سرد قانون التوظف في الفصل السادس من الباب الأول على أمثلة من واجبات الموظفين والأعمال المحرمة عليهم فقال إن على الموظف أن يقوم بنفسه بالعمل المنوط به، وأن يؤديه بدقة وأمانة وعليه أن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته. وقال إن على الموظف أن يقيم بالجهة التي بها مقر وظيفته. وقال إنه لا يجوز للموظف أن يفضي بمعلومات عن المسائل التي ينبغي أن تظل سرية بطبيعتها كما لا يجوز له أن يحتفظ لنفسه بأصل أية ورقة من الأوراق الرسمية وكذلك نهى القانون عن انتماء الموظف إلى حزب سياسي كما نهاه عن أداء أعمال للغير بمرتب أو بمكافأة ولو في غير أوقات العمل الرسمية.. إلى غير ذلك من الأفعال والأعمال المحرمة على موظفي الدولة. وقضى هذا القانون في المادة 83 منه بأن (كل موظف يخالف الواجبات المنصوص عليها في هذا القانون أو يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته - يعاقب تأديبياً...) ونظم الفصل السابع من القانون تأديب الموظفين فدرجت المادة 4 منه الجزاءات التي يجوز توقيعها عن المخالفات المالية والإدارية التي تقع من الموظف وتبدأ بالإنذار وتنتهي بالعزل من الوظيفة. ومفاد ذلك كله أن الأفعال المكونة للذنب الإداري ليست إذن، على خلاف ما ذهب إليه وجه هذا الطعن. محددة حصراً ونوعاً، وإنما مردها بوجه عام إلى الإخلال بواجبات الوظيفة أو الخروج على مقتضياتها. كما أنه لا محل للطعن على حكم المحكمة التأديبية بمقولة إن الأولى اعتبار الطاعن مستقيلاً إعمالاً لحكم المادة 112 من قانون التوظف بدلاً من تطبيق حكم المادتين 57، 83 من القانون في حقه فهذا الوجه من الطعن هو أيضاً مردود بأن مقتضى حكم المادة 112 التي تنص على أنه "إذا لم يقدم الموظف أسباباً تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب، ورفضت اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل، مقتضاه قيام قرينة قانونية هي اعتبار الموظف مستقيلاً إذا انقطع عن العمل مدة خمسة عشر يوماً متتالية ولم يقدم أعذاراً مقبولة خلال الخمسة عشر يوماً التالية". فإذا ما أبدى الموظف العذر من أول يوم انقطع فيه عن العمل فقد انتفى القول بأن انقطاعه كان للاستقالة وبالتالي تنتفي القرينة القانونية التي رتبها القانون على هذا الانقطاع حتى لو تبين فيما بعد أن الأعذار التي تذرع بها كانت غير صحيحة وعندئذ قد يكون مثل هذا الموظف محلاً للمؤاخذة التأديبية بغير إنهاء الخدمة المنصوص عليها في المادة 112 من قانون التوظف.
وثابت من الأوراق على النحو الذي تقدم أن الطاعن قد انقطع عن العمل بدون إذن في أيام تعاقبه خلال شهري مارس وإبريل سنة 1959 ولما كشف عليه القومسيون الطبي العام بناء على طلبه، في يوم 25 من إبريل قطع القومسيون الطبي بأن صحة الطاعن على ما يرام ولم يتبين به ما ينم عن سابقة مرضه بما يدعوه إلى الانقطاع عن العمل أياماً متواصلة فقرر القومسيون عدم احتساب تلك الأيام في إجازاته المرضية لأنها لم تكن كذلك، ثم أمره القومسيون بالعودة فوراً إلى مقر عمله ومباشرة العمل ولكن الطاعن أعرض عن هذا كله واسترسل في سلوكه المعيب فظل عن العمل منقطعاً. فلا تثريب بعد ذلك على الجهة الإدارية إذا هي أصرت على وقف صرف مرتبه وإحالته إلى المحاكمة التأديبية بجريرة الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها وفي مقدمتها ما نصت عليه صراحة المادة 57 من قانون التوظف (لا يجوز لأي موظف أن ينقطع عن عمله إلا لمدة معينة، في الحدود المسموح بها لمنح الإجازات...) وإذ قضى الحكم التأديبي المطعون فيه بذلك وأنزل حكم المادتين 57، 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 فإنه يكون قد صدر سليماً وجاء متفقاً وحكم القانون الصحيح ويكون الوجه الثاني للطعن فيه على غير سند من القانون.
ومن حيث إنه ولئن كان الحكم التأديبي المطعون فيه قد صدر بجلسة 22 من نوفمبر سنة 1960 إلا أنه قد جد بعد ذلك جديد في أحكام القانون من شأنه أن يؤثر فيما قضى به الحكم المطعون فيه في خصوص حرمان زين الدين زين العابدين من نصف مكافأته، ذلك أنه قد صدر ونشر في 28 من إبريل سنة 1963 قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1963 بإصدار قانون التأمين والمعاشات لموظفي الدولة ومستخدميها وعمالها المدنيين. وقد نص في المادة 36 من هذا القانون على أنه استثناء من القوانين والقرارات المقررة لقواعد الحرمان من المعاش أو المكافأة لا يجوز حرمان المنتفع أو صاحب المعاش من المعاش أو المكافأة إلا بحكم تأديبي وفي حدود الربع...) كما تنص المادة الثالثة من قانون إصداره على سريان أحكام مواد معينة منها المادة 36 سالفة الذكر على جميع الموجودين في الخدمة وقت العمل بهذا القانون رقم 50 لسنة 1963 المعاملين بأحكام القانون رقم 5 لسنة 1909 والمرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 وتأسيساً على ذلك يفيد الطاعن من هذا النص المستحدث والذي لحق طعنه قبل الفصل فيه فأصبح لا يجوز حرمانه من نصف مكافأته، على النحو الذي قضى به الحكم التأديبي المطعون فيه وصار الحرمان لا يمكن أن يجرى إلا في حدود الربع وحده. ومن ثم يتعين تعديل الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص على مقتضى ما تقدم.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه فيما قضى به من حرمان زين الدين زين العابدين من نصف مكافأته وقصر الحرمان على ربعها وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك، وألزمت الطاعن بالمصروفات.