مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 145

(16)
جلسة 30 من نوفمبر سنة 1963

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس وعضوية السادة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1029 لسنة 7 القضائية

( أ ) موظف - تأديب - ولاية التعقيب على القرارات التأديبية النهائية - معقودة لقضاء الإلغاء وحده دون قضاء التأديب - وظيفة قضاء التأديب - هي أحكام الرقابة على الموظفين في قيامهم على تنفيذ القوانين وأداء واجبات وظائفهم.
(ب) موظف - تأديب - واجبات الموظف - طاعة الموظف لرئيسه من أهم هذه الواجبات - مثال.
(جـ) موظف - تأديب - امتناع الموظف عن تنفيذ واجبات وظيفته بالانقطاع عن العمل دون مسوغ - عدم إمكان إجباره على القيام بهذا العمل - إقصاء مثل هذا الموظف المتمرد عن الوظيفة العامة.
(د) موظف - تأديب - امتناع أحد المهندسين عن تنفيذ قرار صدر بنقله إلى أسوان وتقديمه استقالته من الخدمة مخالفاً بذلك أحكام القانون رقم 296 لسنة 1956 - جواز معاقبة هذا المهندس بالعزل، ولا تحول دون ذلك الحكمة المقصودة من هذا القانون - أساس ذلك.
(هـ) موظف - تأديب - عقوبة العزل مع الحرمان من المعاش أو المكافأة - النص في المادة 36 من القانون رقم 50 لسنة 1963 بإصدار قانون التأمين والمعاشات لموظفي الدولة ومستخدميها وعمالها المدنيين على عدم جواز حرمان المنتفع أو صاحب المعاش من المعاش أو المكافأة إلا بحكم تأديبي وفي حدود الربع - تطبيق هذا النص بأثر حال مباشر على واقعة الدعوى بحسبانه القانون الأصلح وأخذاً بالحكمة التشريعية التي صدر عنها - تعديل حكم المحكمة التأديبية بالعزل مع الحرمان من نصف المعاش أو المكافأة بقصر الحرمان على ربع المعاش أو المكافأة.
1 - من المقرر أن ولاية التعقيب على القرارات الإدارية النهائية هي لقضاء الإلغاء إذ هو القضاء الذي شرعه القانون للفصل في الطعن في القرارات الإدارية، أما قضاء التأديب فولايته أحكام الرقابة على الموظفين في قيامهم على تنفيذ القوانين وأداء واجبات وظائفهم على نحو يكفل تحقيق الصالح العام وأخذ المقصر من هؤلاء الموظفين بجرمه تأكيداً لاحترام القانون واستهدافاً لإصلاح أداة الحكم وتأميناً لانتظام المرافق العامة وحسن سيرها.
وترتيبا على ذلك يكون لكل من القضاءين مجاله واختصاصه ولكل نطاقه وولايته، فلا حجة في الاعتراض على امتناع المحكمة التأديبية عن التعقيب على القرار الصادر بنقل الطاعن، طالما لم يلغ هذا القرار من قضاء الإلغاء صاحب الاختصاص في ذلك ما دام الطاعن قد فوت على نفسه فرصة الطعن في قرار نقله في الميعاد القانوني لاستصدار حكم بإلغائه، إن كان يرى وجهاً لذلك، فأصبح القرار والحالة هذه حصيناً من الإلغاء واجب الاحترام أمام قضاء التأديب، إلا إذا قام بالقرار وجه من أوجه انعدام القرار الإداري.
2 - إن من أهم واجبات الوظيفة أن يصدع الموظف بالأمر الصادر إليه من رئيسه وأن ينفذه فوراً بلا عقبة، لا أن يمتنع عن تنفيذه بحجة عدم ملاءمة المكان المحدد لعمله أو عجزه عن القيام بالعمل الموكول إليه، ذلك أن الذي يقوم بتوزيع الأعمال ويحدد مكان عمل كل موظف، هو الرئيس بحسب التدرج الإداري وهو المسئول عن حسن سير العمل فترك الأمر للموظف يختار ما يشاء من الأعمال ويفضل ما يختار من الجهات أو المناطق ويقبل منها ما يرتاح إليه ويرفض ما لا تهواه نفسه يؤدي إلى الإخلال بالنظام الوظيفي ويعرض المصلحة العامة للخطر فتقاعس الطاعن عن استلام العمل بأسوان يكون المخالفة الإدارية وهي الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها.
3 - إن الموظف إذا امتنع عن تنفيذ واجبات وظيفته بأن انقطع عن عمله بدون مسوغ فلا سبيل للدولة عليه إذ لا يمكن إجباره على القيام بالعمل المنوط به، لأن الإجبار غير منتج معه وفيه إلزام بفعل شيء يتعارض مع حريته الشخصية.
ومن حيث إنه فضلاً عن ذلك فإن الموظف الكاره لوظيفته الراغب عن عمله لا ينتظر منه خير أو إنتاج أو غيرة على المصلحة العامة، ومن ثم يكون حتماً لا مناص من تسريح مثل هذا الموظف ولو كان مهندساً على الرغم من حاجة الدولة إلى العديد من المهندسين لزيادة المشروعات الإنتاجية في البلاد بزيادة كبيرة مطردة. كأثر من آثار النهضة الإصلاحية، مما يستلزم زيادة عدد المهندسين لتنفيذ هذه المشروعات، وفي إقصاء مثل هذا الموظف المتمرد عن الوظيفة العامة ردع له وزجر لغيره أكثر جدوى للمصلحة العامة من جدوى الإبقاء عليه، الأمر الذي يعتبر تأثيماً للسلوك المنحرف ومؤاخذة تأديبية بالتطبيق لحكم المادتين 83، 84 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 والمادة 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية.
4 - ما كان ينبغي للمهندس المتهم، بعد أن صدر قرار بنقله إلى أسوان ولم ينفذه أن يقدم استقالته بطلب الإحالة إلى المعاش، إذ بذلك يكون قد خالف أحكام القانون رقم 296 لسنة 1956 في شأن أوامر التكليف للمهندسين المصريين والقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة بأن أخل بواجبات وظيفته وخرج على مقتضى الواجب في أعمالها مع أنه من فئة المهندسين المحظور عليهم الامتناع عن تأدية أعمال وظائفهم والذين لا يعتد باستقالتهم صريحة كانت أو ضمنية. ومن ثم فإنه يتعين إدانة سلوكه ومؤاخذته تأديبياً على الذنب الإداري الذي ارتكبه بالتطبيق لحكم المادتين 83، 84 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة والمادة 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية. ولا تحول حكمة التشريع التي قام عليها القانون رقم 296 لسنة 1956 دون القضاء بعزله من وظيفته ما دامت المادة الخامسة من هذا القانون التي حظرت على المهندسين بالوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها الامتناع عن تأدية أعمال وظائفهم ما لم تنته خدمتهم بأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 لم تعطل بالنسبة إلى هؤلاء المهندسين من أحكام هذا القانون سوى ما تعلق بالاستقالة الصريحة والضمنية وأبقت حكم انتهاء الخدمة بأحد الأسباب المبينة في المادة 107 من القانون المذكور ومنها "العزل أو الإحالة إلى المعاش بقرار تأديبي".
5 - إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1963 بإصدار قانون التأمين والمعاشات لموظفي الدولة ومستخدميها وعمالها المدنيين الصادر في 28 من إبريل سنة 1963 والمنشور بالجريدة الرسمية بالعدد 100 بتاريخ 2 من مايو سنة 1963 والمعمول به اعتباراً من أول الشهر التالي لتاريخ نشره طبقاً لنص مادته الثامنة من قانون الإصدار ويقضي في المادة 36 منه بأن "استثناء من القوانين والقرارات المقررة لقواعد الحرمان من المعاش أو المكافأة لا يجوز حرمان المنتفع أو صاحب المعاش من المعاش أو المكافأة إلا بحكم تأديبي وفي حدود الربع".
ومن حيث إنه ولئن كان المجال الزمني الحقيقي لتطبيق القانون الجديد لا يبدأ إلا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية أو بعد فوات ميعاد محدد من هذا النشر، غير أنه لما كان القانون رقم 50 لسنة 1963 الخاص بالتأمين والمعاشات المشار إليه، قد صدر وعمل به قبل الحكم نهائياً فيما نسب إلى الطاعن وتضمن حكماً فيه مزية للمتهم في المادة 36 كما يتضح من نصها السالف البيان لذلك يتعين تطبيق مضمون هذه المادة على واقعة هذه الدعوى إعمالاً للأثر الحال والمباشر لذلك القانون وللنتيجة الفورية المترتبة عليه، تنفيذاً لمضمونه ومقتضاه، وقد توافرت له قوته الملزمة بحسبانه القانون الأصلح واهتداء بالحكمة التشريعية التي صدر عنها وللغاية التي يهدف إليها ولا سيما أن أمر تقرير بقاء الطاعن في الخدمة أو انقطاع رابطة التوظف بينه وبين الدولة وقت العمل بهذا القانون كان لا يزال بيد القضاء.
ومن حيث إنه وإن أصبح للطاعن بصدور القانون رقم 50 لسنة 1963 الخاص بالتأمين والمعاشات، حق ثابت في عدم الحرمان من المعاش أو المكافأة إلا بحكم تأديبي وفي حدود الربع، إلا أن طعنه قد قام على أساس الأسباب الموضحة آنفاً. ومن ثم يكون طعنه بحالته التي عرض بها غير مستند إلى أساس سليم مما يتعين معه القضاء بتعديل الحكم المطعون فيه في خصوص ما قضى به من حرمانه من نصف معاشه أو مكافأته بقصر الحرمان على ربع المعاش أو المكافأة.. وذلك بالتطبيق لأحكام القانون رقم 50 لسنة 1963 مع تأييد الحكم فيما عدا ذلك وإلزام الطاعن بالمصروفات.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس 30 من مارس سنة 1961 أودع محامي السيد المهندس حسن محمد ناصر سكرتيرية المحكمة، عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة موظفي وزارة الصحة العمومية والشئون البلدية والقروية والأوقاف بجلسة 31 من يناير سنة 1961 في الدعوى التأديبية المقيدة بالسجل العام برقم 100 للسنة الثانية القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد المهندس حسن محمد ناصر، والقاضي أولاً برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها ثانياً بمجازاة حسن محمد ناصر المهندس بوزارة الشئون البلدية والقروية بالعزل من الوظيفة مع حرمانه من نصف المعاش أو المكافأة وطلب الطاعن من المحكمة الإدارية العليا للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بصفة أصلية - بعدم قبول الدعوى التأديبية، وبصفة احتياطية ببراءته من التهمة المسندة إليه وإلزام الوزارة بمصروفات هذا الطعن ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد أعلن الطعن للنيابة الإدارية في 5 من إبريل سنة 1961 ولوزارة الشئون البلدية والقروية في 31 من إبريل سنة 1961 وتحدد لنظر الطعن جلسة 26 من يناير سنة 1963 أمام دائرة فحص الطعون وأبلغ الطاعن وإدارة قضايا الحكومة والنيابة الإدارية في 9 من يناير سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة ثم قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وتحدد لذلك جلسة 19 من أكتوبر سنة 1963 وأبلغ ذوو الشأن في 9 من يوليه سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة مذكرة بالرأي القانوني حددت فيها وقائع الدعوى والمسائل القانونية التي أثارها النزاع وأبدت رأيها مسبباً ضمنته أن الحكم المطعون فيه سليم لأسبابه التي قام عليها وأن المطاعن الموجهة إليه لا أساس لها من القانون واجبة الرفض وانتهت إلى القول بأنها ترى قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما استظهرته المحكمة من الأوراق، تتحصل في أنه بتاريخ 27 من إبريل سنة 1960 أودعت النيابة الإدارية سكرتيرية المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة موظفي وزارة الشئون البلدية والقروية، تقرير اتهام أسندت فيه إلى حسن محمد ناصر المهندس من الدرجة الرابعة بالإدارة العامة للقوى الميكانيكية والكهربائية بوزارة الشئون البلدية والقروية أنه في خلال شهر فبراير سنة 1958 صدر أمر إداري بنقله إلى مراقبة أسوان فامتنع عن تنفيذ النقل وطلب بعد ذلك إجازة اعتيادية يحال بعدها إلى المعاش فرفضت الوزارة ذلك ونبهته إلى أحكام القانون 296 لسنة 1956 - إلا أنه بالرغم من ذلك رفض استلام العمل، مما يعتبر خروجاً شديداً على مقتضى الواجب الوظيفي وبناء عليه يكون الموظف المذكور قد ارتكب المخالفة المنصوص عليها في المادة 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ولذلك تطلب النيابة الإدارية محاكمة الموظف المذكور طبقاً للمادة سالفة الذكر والمادة 30 من القانون رقم 117 لسنة 1958.
وبجلسة 31 من يناير سنة 1961. حكمت المحكمة:
أولاً: برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها.
ثانياً: بمجازاة حسن محمد ناصر المهندس بوزارة الشئون البلدية والقروية بالعزل من الوظيفة مع حرمانه من نصف المعاش أو المكافأة، وأقامت المحكمة قضاءها في أنه بتاريخ فبراير سنة 1958 أصدرت وزارة الشئون البلدية والقروية الأمر الإداري رقم 312 سنة 1958 بنقل السيد/ حسن محمد ناصر المهندس بالإدارة العامة للقوى الميكانيكية إلى مراقبة أسوان اعتباراً من 8 مارس سنة 1958 ولما طلبت الإدارة سالفة الذكر من وكيل الوزارة إعادة النظر في هذا الأمر الإداري لصالح العمل رأى سيادته ضرورة التنفيذ وبتاريخ 11 من يونيه سنة 1958 أبلغت الإدارة العامة للقوى الميكانيكية الوزارة أن المهندس المذكور قد أخلى طرفه من الوزارة. اعتباراً من 11 من يونيه سنة 1958 على أن يتسلم عمله بمراقبة أسوان اعتباراً من 12 من يونيه سنة 1958 وأنه تقدم إليها بطلب منحه إجازة اعتيادية لمدة 3 شهور اعتباراً من 14 من يونيه سنة 1958 على أن تسوى حالته بعد ذلك ويحال إلى المعاش، وبتاريخ 27 من يونيه سنة 1958 أجابت الوزارة إدارة القوى الميكانيكية أن القانون رقم 296 لسنة 1956 قد حظر امتناع المهندسين من الدرجة الثانية فما دونها عن تأدية أعمال وظائفهم ما لم تنتهي خدمتهم بأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وذلك فيما عدا الاستقالة سواء كانت صريحة أو ضمنية بأنها تعتبر كأن لم تكن وطلبت منها أي من إدارة القوى إخطار المهندس المذكور استمراره في العمل حتى لا تضطر لإبلاغ أمره للنيابة العامة في حالة انقطاعه ولما لم يمتثل لتنفيذ أمر النقل أجرت إدارة التفتيش بالوزارة بتكليف من وكيل الوزارة في 22 يونيه سنة 1958 مع المتهم تحقيقاً خلصت فيه إلى مسئوليته عن عدم تنفيذ الأمر الإداري رقم 312 لسنة 1958 الصادر بنقله إلى مراقبة أسوان، وبتاريخ أول سبتمبر سنة 1958 أشار وكيل الوزارة بإحالة الأوراق إلى المحاكمة التأديبية وإزاء ذلك أقامت النيابة الإدارية الدعوى طالبة محاكمة المتهم تأديبياً عن المخالفة التي نسبت إليه حسبما جاء بقرار الإحالة وعين لنظر الدعوى جلسة 4 من أكتوبر سنة 1960 وأرجئ نظرها إلى جلسة أول نوفمبر سنة 1960 ثم إلى جلسة 13 من ديسمبر سنة 1960 وفي هذه الجلسة الأخيرة دفع المتهم بعدم قبول الدعوى لأن الدعوى التأديبية رفعت بعد أكثر من سنتين من تركه الخدمة.
وتقول المحكمة إن المتهم قد دفع بعدم قبول الدعوى قبله بمقولة إنه انقطع عن العمل اعتباراً من 12 يونيه سنة 1958 وأنه أخطر الجهة الإدارية التي يتبعها بذلك الامتناع وأصر عليه وأن وزارة الشئون البلدية والقروية لم تحرك ساكناً لاستبقائه للعمل بإدارة القوى الميكانيكية والكهربائية إلى أن أرسلت كتابها المؤرخ 27 من يوليه سنة 1958 تخطره فيه بضرورة استمراره في العمل وإلا طبقت ضده أحكام القانون رقم 296 لسنة 1956 برفع الدعوى العمومية ضده ومؤدى ذلك أن علاقته بالوظيفة قد انتهت لانقضاء أكثر من 45 يوماً على انقطاعه دون أن تتخذ ضده إجراءات التأديب وذلك بالتطبيق لنص المادة 112 من القانون رقم 210 لسنة 1951 التي تقضي في فقرتها الأخيرة بأنه لا يجوز اعتبار الموظف مستقيلاً إذا كانت قد اتخذت ضده إجراءات تأديبية خلال الشهر التالي لتركه العمل، وأضاف المتهم أنه لا محل للقول بأن أحكام القانون رقم 296 لسنة 1956 في شأن أوامر التكليف بالنسبة للمهندس تحول دون انفصام العلاقة الوظيفية بحكم القانون، ذلك أن المشرع لن يعدل أو ينسخ أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بالقانون رقم 296 لسنة 1956 إذ لو شاء المشرع تعديل أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 لنص على ذلك صراحة وأن تعديل التشريع لا يكون إلا صريحاً ولا يستفاد ضمنياً.
وتذكر المحكمة أنه يبين من مطالعة الأوراق أن إدارة القوى الميكانيكية والكهربائية التي كان يعمل بها المتهم قد أخلت طرفه اعتباراً من 11 يونيه سنة 1958 تنفيذاً للأمر الإداري الصادر في شهر فبراير سنة 1958 بنقله إلى مراقبة أسوان على أن يتسلم عمله بهذه المراقبة اعتباراً من 12 من يونيه سنة 1958 إلا أنه لم يمتثل لتنفيذ هذا الأمر متعللاً بظروفه العائلية التي تمنعه من الابتعاد عن القاهرة.
وتستطرد المحكمة قائلة بأنه وإن كان القانون رقم 210 لسنة 1951 بوصفه القانون الأصيل الذي ينظم الوظيفة العامة من حيث بيان شروط التعيين فيها وأسباب إنهاء الخدمة قد اعترف صراحة في المادة 107 فيه بالاستقالة كسبب من أسباب انتهاء خدمة الموظفين المعينين على وظائف دائمة كما أن المادة 112 من هذا القانون قد اعترفت بالاستقالة الضمنية وذلك في حالة ما إذا انقطع الموظف عن عمله بدون إذن خمسة عشر يوماً متتالية ولم يقدم خلال الخمسة عشر يوماً التالية ما يثبت أن انقطاعه لعذر، إلا أن المحكمة لا تؤيد ما ذهب إليه المتهم من أن الفقرة الأخيرة من تلك المادة تمنع محاكمته تأديبياً ما لم تتخذ ضده الإجراءات التأديبية خلال الشهر التالي لتركه العمل، لا تؤيد المحكمة هذا الذي ذهب إليه المتهم لأن الفقرة الأخيرة من المادة 112 من القانون 210 لسنة 1951 إذ تنص على أنه لا يجوز اعتبار الموظف مستقيلاً في جميع الأحوال إذا كانت قد اتخذت ضده إجراءات تأديبية خلال الشهر التالي لتركه العمل إنما هي تقرر حكماً سلبياً مقتضاه تقرير عدم انتهاء خدمة الموظف بالاستقالة الضمنية المستفادة من انقطاعه عن العمل بدون إذن إذا كانت قد اتخذت ضده إجراءات تأديبية خلال الشهر التالي لتركه العمل - والحكمة من هذا النص واضحة وهي الحيلولة دون هروب الموظفين المنحرفين سيئ النية من المحاكمة التأديبية وذلك بتعمدهم إنهاء العلاقة الوظيفية من جانبهم بانقطاعهم عن العمل وبالتالي فرارهم من المحاكمة والعقاب. فنصت على عدم جواز اعتبارهم مستقيلين إذا كانت قد اتخذت ضدهم إجراءات تأديبية خلال الشهر التالي لتركهم العمل، ومن ثم لا يستساغ القول بأن هذه الفقرة إنما تقصد عدم جواز محاكمة الموظف المستقيل تأديبياً إلا في خلال الشهر التالي لتركه العمل، وعلى كل حال فالثابت من الأوراق أن إدارة القوى الميكانيكية والكهربائية قد أخلت طرف المتهم في 11 من يونيه سنة 1958 وبدئ في اتخاذ الإجراءات التأديبية حياله بالتحقيق الذي أشار وكيل الوزارة في 22 من يونيه سنة 1958 بإجرائه معه.
وإنه فضلاً عما تقدم فإن المادة 102 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 المضافة بالقرار بقانون رقم 73 لسنة 1957 صريحة في جواز ملاحقة الموظف بالدعوى التأديبية بما عساه أن يكون قد ارتكبه من مخالفات وذلك في خلال الخمس سنوات التالية لتركه الخدمة بأي سبب من الأسباب ومن ثم يكون هذا الوجه من الدفع غير مستند إلى أساس صحيح من القانون.
وتقول المحكمة إنه بالنسبة للشق الثاني من الدفع وهو أن القانون رقم 296 لسنة 1956 لم يعدل أو ينسخ أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 إذ لو شاء المشرع تعديل هذا الأخير لنص على ذلك صراحة وأن تعديل التشريع لا يكون إلا صريحاً ولا يستفاد ضمنياً فيرد عليه أن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 296 لسنة 1956 في شأن أوامر التكليف للمهندسين المصريين خريجي الجامعات المصرية تضمن نصاً قصد به سلب المهندسين وهو أصلاً فئة من الموظفين الخاضعين للقانون رقم 210 لسنة 1951 حقهم في الاستقالة الضمنية التي فصلت أحكامها المادة 112 منه، إذ نصت المادة الخامسة فيه على أنه "يحظر على مهندسي الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها الامتناع عن تأدية أعمال وظائفهم ما لم تنته خدمتهم بأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه وذلك فيما عدا الاستقالة سواء كانت صريحة أو ضمنية فإنها تعتبر كأن لم تكن". ومن ثم تكون المادة الخامسة من القانون رقم 296 لسنة 1956 قد أهدرت الأخذ باستقالة المهندس سواء كانت صريحة بطلبها كتابة من الجهة المختصة أو ضمنية بانقطاعه عن العمل بدون إذن خمسة عشر يوماً متتالية كسبب من أسباب انتهاء خدمة المهندس باعتباره موظفاً عمومياً وتكون هذه المادة قد عدلت من حكم المادتين 107، 112 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ويكون القانون رقم 296 لسنة 1956 بهذه المثابة قانوناً خاصاً فيما ينظمه من أحكام، والقاعدة القانونية أن القانون الخاص يقيد القانون العام ولا عكس ومن ثم يكون الدفع المبدى من المتهم على غير أساس من القانون ويتعين رفضه.
كما تقول المحكمة إنه لا غناء للمتهم فيما ردده التحقيق من أنه يتعذر عليه النقل إلى أسوان لظروفه العائلية ولا فيما أبداه من رغبته في الإحالة إلى المعاش، ذلك أن نقل الموظف من إدارة إلى أخرى وكذلك الموافقة على إحالته إلى المعاش إنما هي من إطلاقات الإدارة التي تمارسها في حدود سلطتها التقديرية التي لا معقب عليها طالما لم تقسم بإساءة استعمال السلطة.
وتذكر المحكمة أنها ترى فيما أثاره المتهم في دفاعه الموضوعي من أن أمر نقله قد صدر مشوباً بالتعسف ومخالفة القوانين وذلك لاستغلال وكيل الوزارة بإصداره دون لجنة شئون الموظفين ولأن هذا النقل لا يقتضيه دواعي المصلحة العامة - لم يكن ليبرر انقطاعه عن العمل إذ كان حرياً به النزول على أوامر الجهة الإدارية التي يتبعها مع تظلمه في نفس الوقت من قرار نقله وانتظار نتيجة الفصل في هذا التظلم.
وإنه لما كان المستفاد من نص المادة الخامسة من القانون رقم 296 لسنة 1956 في ضوء المذكرة الإيضاحية له أنه لا اعتداد بالاستقالة المقدمة من المتهم سواء كانت صريحة بطلبه بالموافقة على إحالته إلى المعاش أو ضمنية بامتناعه عن تسلم أعمال الوظيفة التي نقل إليها بمراقبة أسوان وبالتالي انقطاعه عن العمل بدون إذن خمسة عشر يوماً متتالية دون أن يقدم خلال الخمسة عشر يوماً التالية ما يثبت أن انقطاعه كان لعذر مقبول إذ أنها تعتبر كأن لم تكن وفقاً للمادة الخامسة من القانون سالف الذكر. فضلاً عن أن الجهة الإدارية قد أفصحت عن عدم قبولها وعلى هذا المقتضى فإن العلاقة الوظيفية التي تربط المتهم بالدولة ما برحت قائمة لا انفصام لها، الأمر الذي يلزمه مباشرة عمله على الوجه المرغوب فيه، متى كان المستفاد ذلك فإن تخلف المتهم عن أداء هذا الواجب بغير عذر مقبول إنما يعتبر ذنباً إدارياً يستأهل المساءلة ويستوجب العقاب.
وتقول المحكمة إنها ترى فيما سلكه المتهم من اعتذاره عن تسلم أعمال وظيفته في مراقبة أسوان وبالتالي امتناعه عن أداء عمله في خدمة الدولة في الوظيفة التي قدرت السلطة المختصة صلاحيته لشغلها على الوجه الذي سلف بيانه يعتبر خروجاً على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته وإخلالاً صارخاً بحق الدولة قبله سيما وأن الدولة تشق طريقها إلى نهضة اجتماعية وصناعية شاملة الأمر الذي يتطلب من المتهم وزملائه المهندسين أن يكرسوا جهودهم للمساهمة التي أخذت الدولة على عاتقها القيام بها وذلك أياً كانت الجهة التي عهد للمتهم بالعمل فيها ذلك أن اختيار الموظف للعمل في محافظة نائبة لا يصح من حيث الأصل - أن يكون مبرراً لتخليه عن مباشرة أعمال وظيفته.
وتذكر المحكمة أنها تراعي بعين الاعتبار، وهي بصدد تقدير الجزاء، ودون التعرض للقرار الصادر بنقل الموظف العمومي من محافظة إلى أخرى وبحث مدى مشروعية هذا القرار لخروج ذلك عن اختصاصها كأصل عام تراعي بعين الاعتبار الظروف والملابسات التي صاحبت نقل المتهم من القاهرة إلى أسوان وخصوصاً ما أبدته الإدارة العاملة للقوى الميكانيكية والكهربائية من تمسكها به لكفاءته وأهمية الأعمال التي كان يضطلع بها كما تراعي المحكمة أيضاً بصرف النظر عن هذه الظروف والملابسات أن المتهم ما فتئ منقطعاً عن مباشرة أعمال وظيفته التي نقل إليها، ومن ثم كان لزاماً استئصاله من جسم الجهاز الحكومي إذ أضحى غير أهل للبقاء في وظيفته.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وذلك في تفسيره للفقرة الأخيرة من المادة 112 من القانون 210 لسنة 1951 حيث خلط بين الأثر المترتب على الاستقالة الضمنية وعدم اتخاذ إجراءات تأديبية ضد الموظف المستقيل خلال الشهر التالي لانقطاعه عن مباشرة أعمال وظيفته، من اعتبار خدمته منتهية وبين جواز ملاحقته بالدعوى التأديبية وأصر الطاعن على أن الدفع الذي أبداه بعدم قبول الدعوى التأديبية كما ذكر أن اعتبار القانون رقم 296 لسنة 1956 معدلاً لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 في نصوصه المتعلقة بحق الموظفين في الاستقالة من أعمالهم نظر يحتاج إلى تمحيص وأضاف أنه يجب إعمال الرقابة القضائية كاملة للتثبت من مشروعية قرار النقل فالقاضي التأديبي من حقه بل من واجبه قبل أن يجازي الموظف عن امتناعه عن تنفيذ قرار إداري أن ينظر في مشروعية هذا القرار، كما وصم الطاعن الحكم بسوء التقدير.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن وكيل وزارة الشئون البلدية والقروية أصدر القرار رقم 322 لسنة 1958 في 24 من فبراير سنة 1958 بنقل حسن محمد ناصر المهندس من الدرجة الرابعة بالكادر الفني المتوسط (القسم الميكانيكي) بالإدارة العامة للقوى الميكانيكية والكهربائية إلى مراقبة أسوان وذلك اعتباراً من 8 من مارس سنة 1958، وطلبت تلك الإدارة في 9 من مارس سنة 1958 من وكيل الوزارة إعادة النظر في قرار النقل وإبقاء المهندس المذكور بالإدارة حرصاً على صالح العمل، فرأى وكيل الوزارة في 2 من يونيه سنة 1958 ضرورة التنفيذ، مستند رقم 18 ملف رقم 1/ 1/ 718 - مستخدمون - كما قرر وكيل الوزارة الواقعة على صرف ماهيته عن شهر مايو سنة 1958 فقط ثم يوقف صرف ماهيته نهائياً بعد ذلك لحين استلامه العمل كما أمر وكيل الوزارة بإحالة المهندس المذكور على التحقيق وطلب عرض نتيجة التحقيق عليه وذلك كله في 22 من يونيه سنة 1958. المستند رقم 20 من ذات الملف - وأبلغت الإدارة العامة للقوى الميكانيكية الوزارة أن المهندس المذكور قد أخلى طرفه من الإدارة العامة بتاريخ 11 من يونيه سنة 1958 وأنها نبهت عليه بالتواجد في مقر عمله الجديد اعتباراً من 12 من يونيه سنة 1958، فتقدم سيادته إلى الإدارة العامة في 11 من يونيه سنة 1958، أي في ذات اليوم الذي أخلى فيه طرفه، بطلب إحالته إلى المعاش واعتباره في إجازة معاش اعتيادية قدرها ثلاثة شهور ابتداء من يوم 14 من يوليه سنة 1958 تسوى بعدها حالته، بإحالته إلى المعاش وذلك لظروفه العائلية ومرض والدته، البالغة من العمر 75 عاماً والتي لا يمكنها الحركة لتشنج دائم في ساقيها - وبتاريخ 22 من يونيه سنة 1958 أجابت الوزارة الإدارة العامة للقوى الميكانيكية بأن المادة الخامسة من القانون رقم 296 لسنة 1956 قد حظرت على المهندسين بالوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها، الامتناع عن تأدية أعمال وظائفهم ما لم تنته خدمتهم بأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 وذلك فيما عدا الاستقالة سواء كانت صريحة أو ضمنية فإنها تعتبر كأن لم تكن وطلبت الوزارة من إدارة القوى الميكانيكية استمراره في العمل، محذرة بأنها في حالة انقطاعه ستقوم بإبلاغ أمره للنيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية ضده - ولما لم ينفذ أمر النقل أجرت في 19 من أغسطس سنة 1958 إدارة التفتيش بالوزارة بناء على التكليف الصادر من وكيل الوزارة في 22 من يونيه سنة 1958، مع المهندس المذكور تحقيقاً انتهت فيه إلى مسئوليته عن عدم تنفيذ أمر النقل لأسوان مستند 42 فأمر وكيل الوزارة في أول سبتمبر سنة 1958 بإحالته إلى المحاكمة التأديبية.
ومن حيث إن حكم المحكمة التأديبية المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من رفض الدفع بعدم قبول الدعوى وقبولها للأسباب التي قام عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة.
ومن حيث إن هذه المنازعة، تثير بادئ ذي بدء، بحث ولاية قضاء الإلغاء وقضاء التأديب، ومن المقرر أن ولاية التعقيب على القرارات الإدارية النهائية هي لقضاء الإلغاء إذ هو القضاء الذي شرعه القانون للفصل في الطعن في القرارات الإدارية، أما قضاء التأديب فولايته إحكام الرقابة على الموظفين في قيامهم على تنفيذ القوانين وأداء واجبات وظائفهم على نحو يكفل تحقيق الصالح العام وأخذ المقصر من هؤلاء الموظفين بجرمه تأكيداً لاحترام القانون واستهدافاً لإصلاح أداة الحكم وتأميناً لانتظام المرافق العامة وحسن سيرها.
وترتيباً على ذلك يكون لكل من القضائين مجاله واختصاصه ولكل نظامه وولايته، فلا حجة في الافتراض على امتناع المحكمة التأديبية عن التعقيب على القرار الصادر بنقل الطاعن، طالما لم يلغ هذا القرار من قضاء الإلغاء صاحب الاختصاص في ذلك ما دام الطاعن قد فوت على نفسه فرصة الطعن في قرار نقله في الميعاد القانوني لاستصدار حكم بإلغائه، إن كان يرى وجهاً لذلك، فأصبح القرار والحالة هذه حصيناً من الإلغاء واجب الاحترام أمام قضاء التأديب، إلا إذا قام بالقرار وجه من أوجه انعدام القرار الإداري الأمر غير المتوفر في هذه الحالة.
ومن حيث إنه فضلاً عن ذلك، فإن من أهم واجبات الوظيفة أن يصدع الموظف بالأمر الصادر إليه من رئيسه وأن ينفذه فوراً بدقة، لا أن يمتنع عن تنفيذه بحجة عدم ملاءمة المكان المحدد لعمله أو عجزه عن القيام بالعمل الموكول إليه، ذلك أن الذي يقوم بتوزيع الأعمال ويحدد مكان عمل كل موظف، هو الرئيس بحسب التدرج الإداري وهو المسئول عن حسن سير العمل فترك الأمر للموظف يختار ما يشاء من الأعمال ويفضل ما يختار من الجهات أو المناطق ويقبل منها ما يرتاح إليه ويرفض ما لا تهواه نفسه يؤدي إلى الإخلال بالنظام الوظيفي ويعرض المصلحة العامة للخطر، فتعامى الطاعن عن استلام العمل بأسوان يكون المخالفة الإدارية وهي الإخلال بواجبات الوظيفة والخروج على مقتضياتها.
ومن حيث إن المتهم المهندس من الدرجة الرابعة بالكادر الفني المتوسط بالإدارة العامة للقوى الميكانيكية والكهربائية بوزارة الشئون البلدية والقروية فهو بهذه المثابة محظور عليه الامتناع عن تأدية أعمال وظيفته التي يعهد إليه بها ولو كان ذلك عن طريق الاستقالة إلا إذا انتهت مدة خدمته بأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 107 من القانون رقم 210 (فيما عدا الاستقالة سواء كانت صريحة أو ضمنية فإنها تعتبر كأن لم تكن) لسنة 1951 في شأن نظام موظفي الدولة فيما عدا الاستقالة سواء كانت صريحة أو ضمنية فإنها تعتبر كأن لم تكن، وذلك إعمالاً لنص المادة الخامسة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 296 لسنة 1956 في شأن أوامر التكاليف للمهندسين المصريين خريجي الجامعات المصرية.
ومن حيث إن المهندس المتهم كموظف قائم بخدمة عامة وممنوع عليه التخلي عنها، عليه أن يقوم بها بانتظام بلا انقطاع عن عمله وعليه أن يواظب على القيام بواجبه الوظيفي على الوجه الأكمل مؤدياً إياه بما يتمشى مع الاستقامة الواجب توافرها فيه كموظف، وبما يتفق مع واجب الأمانة والثقة والطاعة.
ومن حيث إن المهندس المتهم على الرغم من ذلك فقد انقطع عن عمله عقب إخلاء طرفه من الإدارة العامة للقوى الميكانيكية والكهربائية في 11 من يونيه سنة 1958 ولم يتسلم عمله بأسوان وظل منقطعاً عن مباشرة أعمال وظيفته على الرغم مما أسدى إليه من نصح وما أجرى معه من تحقيق وما صدر إليه من أمر.
ومن حيث إن الموظف إذا امتنع عن تنفيذ واجبات وظيفته بأن انقطع عن عمله بدون مسوغ فلا سبيل للدولة عليه إذ لا يمكن إجباره على القيام بالعمل المنوط به، لأن الإجبار غير منتج معه وفيه إلزام بفعل شيء يتعارض مع حريته الشخصية.
ومن حيث إنه فضلاً عن ذلك فإن الموظف الكاره لوظيفته الراغب عن عمله لا ينتظر منه خير أو إنتاج أو غيرة على المصلحة العامة، ومن ثم يكون حتماً لا مناص من تسريح مثل هذا الموظف ولو كان مهندساً على الرغم من حاجة الدولة إلى العديد من المهندسين لزيادة المشروعات الإنتاجية في البلاد زيادة كبيرة مطردة، كأثر من آثار النهضة الإصلاحية، مما يستلزم زيادة عدد المهندسين لتنفيذ هذه المشروعات، وفي إقصاء مثل هذا الموظف المتمرد عن الوظيفة العامة ردع له وزجر لغيره أكثر جدوى للمصلحة العامة من جدوى الإبقاء عليه، الأمر الذي يعتبر تأثيماً للسلوك المنحرف ومؤاخذة تأديبية بالتطبيق لحكم المادتين 83، 84 من قانون التوظف رقم 210 لسنة 1951 والمادة 30 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد استخلص النتيجة التي انتهى إليها بتأثيم المهندس المتهم للأسباب التي قام عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وفي هذه الأسباب المفصلة بالإضافة لما سبق بيانه كل الغناء للرد على أسباب الطعن.
ومن حيث إنه يخلص من ذلك أن المهندس المتهم، قد أخلى طرفه من الإدارة العامة للقوى الميكانيكية والكهربائية في 11 من يونيه سنة 1958 ونبه عليه بتسلم عمله في مقره الجديد بأسوان، اعتباراً من 12 من يونيه سنة 1958، وقد كان يجب عليه وفقاً لما تقدم، أن ينفذ من تلقاء نفسه أمر النقل رقم 312 لسنة 1958 الصادر إليه من وكيل الوزارة في 24 من فبراير سنة 1958 ولكنه لم يفعل وما كان ينبغي للمهندس المتهم، بعد أن صدر قرار بنقله إلى أسوان أن يقدم استقالته بطلب الإحالة إلى المعاش، إذ بذلك يكون قد خالف أحكام القانون رقم 296 لسنة 1956 في شأن أوامر التكليف للمهندسين المصريين والقانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة بأن أخل بواجبات وظيفته وخرج على مقتضى الواجب في أعمالها مع أنه من فئة المهندسين المحظور عليهم الامتناع عن تأدية أعمال وظائفهم والذين لا يعتد باستقالتهم صريحة كانت أو ضمنية. ومن ثم فإنه يتعين إدانة سلوكه ومؤاخذته تأديبياً على الذنب الإداري الذي ارتكبه بالتطبيق لحكم المادتين 83، 84 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة والمادة 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية. ولا تحول حكمة التشريع التي قام عليها القانون رقم 296 لسنة 1956 دون القضاء بعزله من وظيفته ما دامت المادة الخامسة من هذا القانون التي حظرت على المهندسين بالوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها الامتناع عن تأدية أعمال وظائفهم ما لم تنته خدمتهم بأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 لم تعطل بالنسبة إلى هؤلاء المهندسين من أحكام هذا القانون سوى ما تعلق بالاستقالة الصريحة والضمنية وأبقت حكم انتهاء الخدمة بأحد الأسباب المبينة في المادة 107 من القانون المذكور ومنها "العزل أو الإحالة إلى المعاش بقرار تأديبي".
ومن حيث إن قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 50 لسنة 1963 بإصدار قانون التأمين والمعاشات لموظفي الدولة ومستخدميها وعمالها المدنيين الصادر في 28 من إبريل سنة 1963 والمنشور بالجريدة الرسمية بالعدد 100 بتاريخ 2 من مايو سنة 1963 والمعمول به اعتباراً من أول الشهر التالي لتاريخ نشره طبقاً لنص مادته الثامنة من قانون الإصدار ويقضي في المادة 36 منه بأنه "استثناء من القوانين والقرارات المقررة لقواعد الحرمان من المعاش أو المكافأة لا يجوز حرمان المنتفع أو صاحب المعاش من المعاش أو المكافأة أو بحكم تأديبي وفي حدود الربع".
ومن حيث إنه ولئن كان المجال الزمني الحقيقي لتطبيق القانون الجديد لا يبدأ إلا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية أو بعد فوات ميعاد محدد من هذا النشر، غير أنه لما كان القانون رقم 50 لسنة 1963 الخاص بالتأمين والمعاشات المشار إليه، قد صدر وعمل به من قبل الحكم نهائياً فيما نسب إلى الطاعن وتضمن حكماً فيه مزية للمتهم في المادة 36 كما يتضح من نصها السالف البيان لذلك يتعين تطبيق مضمون هذه المادة على واقعة هذه الدعوى إعمالاً للأثر الحال والمباشر لذلك القانون وللنتيجة الفورية المترتبة عليه، تنفيذاً لمضمونه ومقتضاه وقد توافرت له قوته الملزمة بحسبانه القانون الأصلح واهتداء بالحكمة التشريعية التي صدر عنها وللغاية التي يهدف إليها ولا سيما أن أمر تقرير بقاء الطاعن في الخدمة أو انقطاع رابطة التوظف بينه وبين الدولة وقت العمل بهذا القانون كان لا يزال بيد القضاء.
ومن حيث إنه وإن أصبح للطاعن بصدور القانون رقم 50 لسنة 1963 الخاص بالتأمين والمعاشات، حق ثابت في عدم الحرمان من المعاش أو المكافأة إلا بحكم تأديبي وفي حدود الربع، إلا أن طعنه قد قام على أساس الأسباب الموضحة آنفاً. ومن ثم يكون طعنه بحالته التي عرض بها غير مستند إلى أساس سليم مما يتعين معه القضاء بتعديل الحكم المطعون فيه في خصوص ما قضى به من حرمانه من نصف معاشه أو مكافأته بقصر الحرمان على ربع المعاش أو المكافأة.. وذلك بالتطبيق لأحكام القانون رقم 50 لسنة 1963 مع تأييد الحكم فيما عدا ذلك، وإلزام الطاعن بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه فيما قضى به من حرمان المهندس حسن محمد ناصر من نصف معاشه أو مكافأته ويقصر هذا الحرمان على الربع، وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك، وألزمت الطاعن بالمصروفات.