مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 228

(21)
جلسة 14 من ديسمبر 1963

برياسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس وعضوية السادة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1315 لسنة 7 القضائية

قرار إداري - رقابة القضاء الإداري - اعتقال - صدور قرار باعتقال شخص لخطورته على الأمن العام - صحة هذا القرار ما دام قد بني على وقائع ثابتة تحمله وتبرر إصداره - عدم صدور حكم جنائي في الوقائع المنسوبة إليه لا يعدم ركن السبب في القرار ولا ينهض دليلاً ينفي سوء السلوك والسيرة والخطورة على الأمن العام ما دام ليس ثمت إساءة لاستعمال السلطة - أساس ذلك.
إن رقابة القضاء الإداري لصحة الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب في القرار الإداري تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار في هذا الشأن مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة في الأوراق تنتجها مادياً أو قانوناً أم لا. فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً لا يؤدي إلى النتيجة التي يتطلبها القانون كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع مخالفاً للقانون أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانوناً فإن القرار يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون.
ولما كانت الوقائع التي قام عليها قرار الاعتقال المطعون فيه والتي تكون ركن السبب في هذا القرار لها - حسبما تقدم - أصل ثابت في الأوراق والتحريات والاستدلالات التي تضافرت على استجماع عناصرها وتأييد صحتها أجهزة الأمن المتخصصة وهي المباحث الجنائية بمصلحة الأمن العام والمباحث الجنائية العسكرية (فرع البوليس الحربي - شعبة التنظيم والإدارة) والقسم الفني بإدارة المباحث الجنائية بحكمدارية شرطة القاهرة. وقد تضمنت التقارير المقدمة من هذه الجهات بيانات ووقائع محددة مفصلة قدرت خطورتها على الأمن واستتبابه لجنة شئون الخطرين بوزارة الداخلية وأقر هذه الخطورة وزير الداخلية بوصفه المسئول عن الأمن العام في ربوع الجمهورية والمنوط به اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لصونه بمقتضى الأمر العسكري رقم 17 الصادر في 19 من ديسمبر سنة 1956 والمعدل بالأمر العسكري رقم 34 الصادر في 12 من أغسطس سنة 1958 بتخويل وزير الداخلية بعض السلطات في مناطق معينة والذي نصت المادة الأولى منه على أن "يعهد إلى وزير الداخلية السلطات الآتية: ( أ )..... (ب) الأمر بالقبض على المتشردين والمشتبه فيهم ومن يقتضي صون الأمن العام القبض عليهم وحجزهم في مكان أمين.. وذلك في المناطق الآتية: (1) محافظة القاهرة..." وقد استخلص مصدر القرار النتيجة التي انتهى إليها فيه من الوقائع والأدلة آنفة الذكر استخلاصاً سائغاً يبرر هذه النتيجة مادياً وقانوناً بعد إذ خوله المشرع بصفة استثنائية في سبيل حماية الأمن العام وصونه سلطة الأمر بالقبض على المتشردين والمشتبه فيهم بالمعنى القانوني فحسب بل على أي شخص سواهم يقدر أن صون الأمن العام يقتضي القبض عليه وإيداعه في مكان أمين لدرء شره عن المجتمع ومنعه من العبث بالأمن والاسترسال في تهديده له ولو لم يسبق صدوره حكم جنائي عليه وبعد إذ ارتأى فيما سجلته أجهزة المباحث المختلفة على المدعي من نشاط إجرامي ساقت الدليل الكافي عليه ما أقنع عقيدته بسوء سيرة هذا الشخص وانحراف سلوكه مما يشكل خطراً على الأمن العام ويدخله في عداد من انصرف إليهم قصد الشارع في الأمر العسكري المتقدم ذكره فأصدر بناء على هذه الأسباب قراره المطعون فيه بالقبض على المذكور وحجزه في مكان أمين لضرورة حماية الأمن والنظام من عبئه بوصف هذا التدبير هو الوسيلة الوحيدة لدفع خطره بعد إذ حال حرصه ودهاؤه وتفننه وإرهابه وماله دون تمكن يد العدالة من الوصول إليه. وقد توخى بهذا القرار الذي لم يقم دليل على اتسامه بعيب إساءة استعمال السلطة وجه المصلحة العامة ولا حجة فيما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من التشكيك في جدية الأسباب التي بني عليها القرار المذكور بمقولة إن القضايا التي أشارت مذكرة المباحث الجنائية إلى اتهام المدعي فيها لا صلة له بها إذ أن هذا القول لا يطابق الواقع الذي تشهد به سجلات مكتب المباحث الجنائية العسكرية والبطاقة المقدمة صورتها بمحافظة مستندات الحكومة وهي الخاصة بالمدعي والموجودة بالمكتب الفني بالمباحث الجنائية بمحافظة القاهرة فضلاً عن أن عدم تقديم هذا الأخير للمحاكمة في هذه القضايا بسبب ما عرف عنه من شدة البأس وفرط الحرص وكثرة الأعوان ووفرة المال وبراعة التقنن في أساليب الخلاص لا ينهض دليلاً ينفي عنه سوء السلوك والسيرة أو يغض من خطورته على الأمن إزاء ما هو معزو إليه من نشاط إجرامي ثابت في نواح أخرى متعددة وهو نشاط يكفي في ذاته سبباً مبرراً لحمل القرار المطعون فيه وتأييد مشروعيته حتى مع استبعاد الاتهامات موضوع تلك القضايا أما منحه ترخيصاً لحمل سلاح فلا يدفع عنه ما علق بسلوكه من مآخذ تجعل منه عنصراً خطراً يهدد الأمن العام بعد الذي ثبت من الظروف التي كشفت عنها المباحث من أن هذا الترخيص إنما كان وليد عدم الدقة في التحري وثمرة المساومة بينه وبين بعض رجال المباحث بمحافظة القاهرة الذين عقد معهم صلات صداقة استغلها في جعلهم يعاونونه في الحصول على الترخيص بطريق غير مشروع ويتغاضون عن نشاطه الإجرامي والذين قامت وزارة الداخلية فيما بعد بإقصائهم. ومن ثم فإن القرار المطعون فيه الصادر في 14 من مارس سنة 1960 من السيد وزير الداخلية بالقبض على المدعي وحجزه في مكان أمين يكون لما تقدم من أسباب صحيحاً سليماً قائماً على سببه المبرر له ومطابقاً للقانون.


إجراءات الطعن

في يوم 15 من يونيه سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن السيد وزير الداخلية التنفيذي سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1315 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "هيئة منازعات الأفراد والهيئات" بجلسة 18 من إبريل سنة 1961 في الدعوى رقم 869 لسنة 14 القضائية المقامة من: محمد سليمان عثمان ضد وزارة الداخلية القاضي "بإلغاء قرار وزير الداخلية الصادر في 14 مارس سنة 1960 باعتقال المدعي وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش أتعاب للمحاماة" وطلب السيد الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون ليسمع المطعون ضده الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا كما تقضي بإلغاء الحكم والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 22 من يونيه سنة 1961 وعقب عليه هيئة مفوضي الدولة بمذكرة بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيها لما أبدت بها من أسباب إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً، وإلزام الحكومة الطاعنة المصروفات". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 11 من مايو سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في أول إبريل سنة 1963. وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 16 من نوفمبر سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 17 من يوليه سنة 1963. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 869 لسنة 14 القضائية ضد السيد وزير الداخلية أمام محكمة القضاء الإداري "هيئة منازعات الأفراد والهيئات" بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 17 من مارس سنة 1960 ذكر فيها أنه تاجر حديد ومتعهد مشتري المواد والأدوات والمخلفات التي تعرضها مصالح الحكومة ومن ضمن ما يشتري أجزاء من الأسلحة وأجزاء من البنادق التالفة القديمة التي تعرضها مخازن البوليس للبيع باعتبارها من المستهلكات غير الصالحة للعمل. وقد حدث في يوم 14 من فبراير سنة 1960 أن هاجم محله بعض أفراد المباحث الجنائية بحجة وجود أسلحة لديه وقاموا بتفتيش محلاته ومخازنه فأسفر التفتيش عن عدم وجود ممنوعات لديه. ومع ذلك فقد قبضت عليه القوة المنوطة بالتفتيش وحجزته ثم أودعته السجن المركزي التابع لشرطة قسم الموسكي. وقد نما إلى علمه أن قراراً إدارياً صدر في 15 من مارس سنة 1960 باعتقاله وترحيله إلى أحد أماكن الاعتقال مع أنه لم يرتكب أمراً يستوجب هذا الاعتقال إذ أن صحيفة سوابقه بيضاء والأصل أن الاعتقال إنما يكون للشخص الخطر على الأمن أو الذي يرتكب أمراً من الأمور المستوجبة للعقوبة أو الذي يحكم عليه بعقوبات مقيدة للحرية أو لشروعه في ارتكاب جنايات أو جنح. ولما كان هذا الموجب غير متوافر في المدعي فإن من حقه والحالة هذه أن يطعن في القرار الصادر باعتقاله بطلب إلغائه لصدوره بصفة تعسفية مخالفاً للقوانين واللوائح ومشوباً بإساءة استعمال السلطة، كما أن من حقه أن يطلب وقف تنفيذ هذا القرار لحين الفصل في الطعن موضوعاً لأن في تنفيذ أمر الاعتقال إيقاع ضرر به يستحيل تداركه. ومن ثم فإنه يطلب أولاً: الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون عليه والصادر باعتقال الطالب وترحيله لإحدى الجهات المخصصة للاعتقال. ثانياً: وفي الموضوع الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن مع إلزام المعلن إليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة".
وقد ردت وزارة الداخلية على هذه الدعوى بأن المدعي يتجر بالخردة، وأنه سيء السيرة والسمعة ومعروف لدى المباحث الجنائية "مصلحة الأمن العام" وزارة الداخلية بأنه من اللصوص اللذين أثروا من سرقة مهمات الجيش البريطاني وتهريبها إبان الحرب الماضية ثم الاتجار فيها وقد سبق اتهامه في قضايا سرقة ولم يحكم عليه فيها بالإدانة. وقد تقدم عدة مرات للترخيص له بحمل سلاح ولكن طلباته رفضت بسبب سوء سلوكه وسمعته غير أنه استطاع بعد ذلك الحصول على هذه الرخصة بسبب صداقته واتصاله ببعض رجال المباحث الجنائية بالمحافظة وسعيه للإرشاد عن بعض الأسلحة المسروقة من مخازن الشرطة. كما أنه استعان بزميل له هو رجب عبده سيد أحمد ومهنته "توفكجي" كان يعرض عليه أجزاء الأسلحة التي يشتريها فيعيد تركيبها كما كانت في الظاهر ثم يبيعها في الخفاء لراغبي شراء الأسلحة لا سيما أهالي الريف. وهذه الأسلحة غير صالحة للاستعمال فعلاً رغم مظهرها. وقد دلت التحريات الدقيقة على أنه وزميله عمدا أخيراً إلى إجراء صفقات بيع أسلحة لبعض الأهالي وبعد أن يتم قبض الثمن يبلغان عنهم رجال المباحث وبذلك يتم ضبطهم ويؤديان خدمة لهؤلاء الرجال حتى يأمنا جانبهم. كما دلت التحريات على أن قضية الجناية رقم 1345 الدرب الأحمر سنة 1960 التي ضبط فيها محمد محمود جعفر بتهمة إحراز عدة أسلحة قد دبرت بذات الطريقة كما دبرت قضايا أخرى في أنحاء مختلفة في القاهرة بالطريقة عينها. وقد طلب قسم المباحث الجنائية بالوزارة اعتقال المدعي فصدر أمر السيد الوزير في 14 من مارس سنة 1960 بالقبض عليه وحجزه في مكان أمين وذلك بمقتضى السلطة المخولة للوزير بالأمر العسكري رقم 7 الصادر في 19 من ديسمبر سنة 1956 والمعدل بالأمر العسكري رقم 34 الصادر في 22 من أغسطس سنة 1958. وقد صدر هذا الأمر بعد الاطلاع على محضر لجنة شئون الخطرين في 14 من مارس سنة 1960 وتضمنت مذكرة اعتقاله أسباب هذا الاعتقال وهي الآنف ذكرها. وإذا كان المدعي قد حصل على ترخيص بحمل السلاح فإن هذا لا يعتبر تسليماً بحسن سيره وسمعته ذلك أنه كان قد تقدم إلى قسم الخليفة في 22 من ديسمبر سنة 1958 بطلب يلتمس فيه الموافقة على الترخيص له في حمل سلاح وإحرازه للدفاع عن النفس وبرر طلبه بأنه ينتقل في جهات متفرقة وتقتضي طبيعة عمله أن يحمل مبالغ كبيرة من المال في بعض الأحيان وقد وافقت محافظة القاهرة في 21 من نوفمبر سنة 1959 على هذا الطلب إذ كانت صحيفة سوابقه خالية من الأحكام وقتذاك وقد تمت إجراءات الترخيص في وقت معاصر لصلته ببعض رجال مباحث محافظة القاهرة وقيامه بإرشادهم عن بعض الأسلحة التي سرقت من مخازن مهمات الشرطة بالقلعة ومعاونته إياهم في ضبط الأسلحة غير المرخصة وقد ثبت من التحريات لدى قسم المباحث الجنائية بوزارة الداخلية أنه سبق أن تقدم بطلب يلتمس فيه التصريح له بحمل السلاح وأن هذا الطلب قد رفض لسوء سمعته وسلوكه إلا أنه استطاع أخيراً الوصول إلى استخراج الترخيص بطريق غير مشروع نظير إرشاده بعض رجال المباحث بالمحافظة إلى ضبط الأسلحة ومده إياهم بالمعلومات ومن ثم فإن منحه الترخيص لا يعد تسليماً من الجهة الإدارية بحسن سيرته وسمعته إذ أن إجراءات هذا الترخيص قد تمت دون توقي الدقة في التحري من جانب بعض رجال مباحث محافظة القاهرة الذين استبعدتهم الوزارة جزاء لهم على تسترهم عليه وتغاضيهم عن ملاحظة نشاطه الإجرامي، ولا أدل على أنه من الخطرين على الأمن وأنه يباشر نشاطاً غير مشروع في بيع الأسلحة غير المرخصة يعاونه في ذلك بعض أرباب السوابق مستعملاً صلته ببعض رجال المباحث وصداقته لهم مما وصل إلى علم قسم المباحث الجنائية العسكرية "فرع البوليس الحربي" من أنه يتجر في الأسلحة المهربة وغير المرخصة وأنه وضع تحت المراقبة فترة طويلة وأن القسم قد استعان بمرشدين من رجاله استطاعوا الاتصال به وساوموه على شراء أسلحة غير مرخصة وطلقات لها وأعدوا له ولأعوانه كميناً وتمكنوا من ضبطه وإياهم متلبسين أثناء بيع بعض أجزاء البنادق ولم يتم تسليم الأجزاء الباقية لعدم تسلمه باقي الثمن ولعلمه بأمر هذا الكمين وقد اعترف هو وأعوانه بذلك في التحقيق الذي أجري بالمباحث الجنائية العسكرية قبل صدور قرار اعتقاله بوقت قصير. وقد جاء في مذكرة السيد رئيس قسم المباحث أن المدعي سبق اتهامه في سرقة بنزين من الجيش وأنه ضبط بوساطة المباحث الجنائية العسكرية كما أنه متهم في جناية إحراز مخدرات. وقد سبق اتهامه كذلك في قضية حيازة أسلحة غير مرخص بها. وثبت أن له بطاقة رقم 34 بالقسم الفني بحكمدارية شرطة القاهرة يتضح منها أنه سبق ضبطه في القضية رقم 2691 سنة 1951 وهي خاصة بسرقة بنزين من القوات المسلحة وكذا في القضية رقم 4599 سنة 1952 الخاصة بتبديد سيارة وكلتاهما جنح خليفة. وقد كان سبب عدم تقديمه للمحاكمة في هاتين القضيتين راجعاً إلى حرصه وحذره من جهة وإلى إحجام الأهالي عن الشهادة ضده لبطشه من جهة أخرى إلا أنه من الثابت ضبطه في هذه القضايا مما يقطع بسوء سيره وسلوكه وقيامه بنشاطه الإجرامي منذ عام 1951. وعلى هذا يكون القرار المطعون فيه الصادر باعتقاله قراراً سليماً مطابقاً للقانون ومستوفياً أركان المشروعية مما يتعين معه "الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وقد رد المدعي على دفاع وزارة الداخلية في مذكراته التي قدمها سواء عند نظر طلب وقف التنفيذ أو عند نظر الموضوع وقال فيها إنه لم يرتكب أمراً يستوجب اعتقاله إذ أنه رجل محمود السيرة يتجر فيما تبيعه الحكومة من أدوات مستهلكة وغير صالحة للاستعمال في مزاولتها العامة وليس في الأوراق ما يبرر الادعاء الذي يستند إليه القرار الصادر باعتقاله وهو قرار مشوب بالتعسف ومخالفة روح القوانين لقيامه على مجرد الظن وعلى معلومات خاطئة أو مغرضة مستقاة من إشاعات لا ترتكز على أساس من الواقع. بل إن مذكرة المباحث التي اعتمد عليه قرار الاعتقال تشيد بتعضيده للشرطة ومعاونته لها في ابتياع صفقات من مخازنها بالمزاد العلني من بينها أسلحة خردة غير صالحة للغرض الذي صنعت من أجله وغير محرم الاتجار فيها وتعترف بأنه لم يحكم عليه في أية تهمة من التهم التي ألصقت به أما قولها بأن حالته المالية قد تحسنت وأن نفوذه قد زاد وأصبح مرهوب الجانب فإنه دليل على استقامته وأدائه الواجب وإخلاصه في العمل وأما ما ذهبت إليه من أنه سبق رفض طلبه الترخيص له في حمل سلاح بسبب سوء سلوكه وسمعته ثم رخص له فيه بسبب صداقته واتصاله ببعض رجال المباحث بالمحافظة فإنه ينطوي على تناقض من جهة وعلى طعن في رجال المباحث الجنائية من جهة أخرى. ومهما يكن من أمر فإن سلطة الشرطة يجب أن تكون في حدود ضيقة متى تناولت إجراء يتضمن اعتداء على الحرية الفردية وبقدر ما تضيق هذه الحدود بقدر ما تتسع رقابة القضاء الإداري على القرار الذي تتخذه السلطة المذكورة في هذا السبيل والأصل أن الحرية لا تقيد إلا بالقدر الذي يقتضيه الحال. وقد ثبت من كتاب نيابة الدرب الأحمر أن قضية الجناية رقم 1345 سنة 1960 الدرب الأحمر قيدت ضد محمد محمد جعفر بتهمة إحراز سلاح وأن غرفة الاتهام قررت إحالتها إلى محكمة الجنايات وهذا ينفي ما تدعيه الإدارة من أن هذه القضية دبرت بتلفيق من المدعي إذ أن واقعة الاتهام صحيحة، وحق الإبلاغ ولو أن هذا الأخير لا يد له فيه هو حق أباحه القانون ما دام البلاغ غير مكذوب بسوء قصد. والمناط في مشروعية قرار الاعتقال الذي تتخذه الإدارة بالتطبيق لحكم المادة الثانية من القانون رقم 50 لسنة 1950 هو أن يكون الحاكم العسكري قد قصد بتصرفه أن يدفع خطراً جسيماً لصون الأمن والنظام وأن يكون رائده المصلحة العامة وهذا غير متحقق في القرار المطعون فيه الذي فقد مبرراته ووقع باطلاً.
وبجلسة 4 من أكتوبر سنة 1960 قضت محكمة القضاء الإداري في الطلب المستعجل "بوقف تنفيذ القرار المطعون". وقد طعنت وزارة الداخلية في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا وقيد طعنها تحت رقم 274 لسنة 7 القضائية وطلبت عرض الطعن على دائرة فحص الطعون للحكم بقبوله شكلاً والقضاء بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا كما تقضي بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار الصادر في 14 من مارس سنة 1960 بالقبض على المطعون عليه وحجزه في مكان أمين مع إلزام هذا الأخير بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وبجلسة 11 من يونيه سنة 1961 حكمت دائرة فحص الطعون بإجماع الآراء "بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وأمرت بمصادرة الكفالة وألزمت الحكومة بالمصروفات".
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة أمام محكمة القضاء الإداري لدى نظرها موضوع طلب الإلغاء وبعد صدور حكمها بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته به من أسباب إلى أنها ترى "الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الحكومة بالمصروفات".
وبجلسة 18 من إبريل سنة 1961 قضت محكمة القضاء الإداري في الموضوع "بإلغاء قرار وزير الداخلية الصادر في 14 من مارس سنة 1960 باعتقال المدعي وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش أتعاب للمحاماة". وأقامت قضاءها على أن كل قرار إداري يجب أن يقوم على سبب يبرر إصداره ويدفع الجهة الإدارية إلى التدخل والعمل وأن هذا الشرط أكثر لزوماً بالنسبة إلى القرارات التي تمس الحريات الشخصية ويتمثل ركن السبب فيها في أن يكون حقيقياً لا وهمياً ولا صورياً وصحيحاً مستخلصاً استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة منتجة وقانونية بأن تتحقق فيه الشروط والصفات الواجب توافرها فيه قانوناً وإذا جاز لجهة الإدارة في الظروف الاستثنائية أن تتخذ من التدابير السريعة ما من شأنه المساس بتلك الحريات على وجه لا يجوز لها مباشرته في الظروف العادية إلا أن التصرف أو التدبير الذي تتخذه في هذا الشأن يلزم أن يكون ضرورياً لمواجهة حالات معينة من دفع خطر جسيم يهدد الأمن والنظام باعتبار هذا التصرف أو التدبير هو الوسيلة الوحيدة لمنع هذا الخطر. ويتضح من مذكرة المباحث الجنائية أن الأسباب التي استندت إليها الجهة الإدارية في إصدار قرار الاعتقال المطعون فيه تقوم على سوء سيرة المدعي وسمعته وخطورته على الأمن بسبب اتهامه في عدة قضايا سرقة واستعانته بالمدعو رجب عبده سيد أحمد في تركيب أجزاء الأسلحة الخردة التي يشتريها من الحكومة وبيعها في الخفاء لأشخاص يوقع بهم لدى رجال المباحث الذين يقومون بضبطهم كما تقوم على اتهامه في القضية رقم 2961 لسنة 1951 جنح الخليفة بسرقة بنزين من القوات المسلحة وفي القضية رقم 4599 لسنة 1952 جنح الخليفة بتبديد سيارة ويبين من تأشيرة السيد وكيل نيابة الخليفة على الطلب المقدم إليه من المدعي باستخراج شهادة بأسماء المتهمين في هاتين القضيتين انه لا صفة للمذكور في القضية الأولى وأن القضية الثانية قيدت تحت رقم 139 لسنة 1953 إداري الإسماعيلية. أما قضية الجناية التي أشارت إليها المباحث فقد أجابت النيابة بأنه صدر قرار بإحالتها إلى محكمة الجنايات وأن المدعي ليس متهماً فيها إذ هي مقيدة ضد محمد محمود جعفر. ومن ثم فإن ما استندت إليه الإدارة من نعت المدعي بالخطورة على الأمر وسوء السيرة والسمعة لا يرتكز على أساس ثابت وبالتالي فإن القرار المطعون فيه الصادر بالقبض عليه وحجزه في مكان أمين لا يقوم على سبب ويتعين الحكم بإلغائه.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 15 من يونيه سنة 1961 طعنت وزارة الداخلية في هذا الحكم طالبة "تحديد أقرب جلسة أمام دائرة فحص الطعون ليسمع المطعون ضده الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا كما تقضي بإلغاء الحكم المطعون والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وأسست طعنها على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله إذ أن منح المدعي ترخيصاً لحمل سلاح وإحرازه لا يعد تسليماً من الجهة الإدارية بحسن سيرته وسلوكه وسمعته ما دامت إجراءات الترخيص قد تمت دون توخي الدقة في التحري. ويسرت بسبب اتصاله ببعض رجال مباحث محافظة القاهرة الذين استبعدتهم الوزارة جزاء لهم على تسترهم عليه وتغاضيهم عن ملاحظة نشاطه الإجرامي ومما يؤيد خطورته على الأمن العام وأنه يباشر نشاطه غير المشروع في بيع الأسلحة غير المرخصة يعاونه في ذلك أعوان من ذوي السوابق مستعملاً في ذلك صلته ببعض رجال المباحث وصداقته لهم ما وصل إلى علم قسم المباحث الجنائية العسكرية "فرع البوليس الحربي" من أنه يتجر في الأسلحة المهربة وغير المرخصة فوضعه تحت المراقبة وبعث إليه بمرشدين من رجاله ساوموه على شراء صفقة من هذه الأسلحة وطلقات لها وأعدوا له كميناً تمكنوا به من ضبطه وبعض أعوانه متلبسين ببيع بعض أجزاء البنادق وقد اعترف بذلك هو وأعوانه في التحقيق الذي أجرته المباحث الجنائية العسكرية وكان ذلك قبل صدور قرار اعتقاله بوقت قصير الأمر الذي دل على خطورته على الأمن العام ودفع الجهة الإدارية إلى إصدار قرارها باعتقاله للحد من نشاطه الإجرامي. ولم تقل الجهة الإدارية بأنه اتهم في قضية الجناية رقم 1345 لسنة 1960 الدرب الأحمر بل أشارت إليها للتدليل على أنه كان يعتمد بوساطة أعوانه إلى إجراء صفقات بيع أسلحة لبعض الأهالي ثم يبلغ عنهم رجال المباحث بعد أن يقبض الثمن وبذلك يتم ضبطهم كما حدث في هذه الجناية التي اتهم فيها محمد جعفر بإحراز أسلحة غير مرخصة. أما قضيتا سرقة بنزين القوات المسلحة وتبديد السيارة فلم يقدم فيهما للمحاكمة بسبب حرصه وحذره من جهة وإحجام الأهالي عن الشهادة ضده خشية بطشه من جهة أخرى إلا أنه من الثابت ضبطه في هاتين القضيتين مما يقطع بسوء سيره وسلوكه وقيامه بنشاطه الإجرامي منذ عام 1951. ومتى كان الأمر كذلك فإن القرار الإداري الصادر باعتقاله يكون صحيحاً ومستخلصاً استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة فإذا ما ذهب الحكم المطعون فيه خلاف هذا المبدأ فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله.
وقد عقبت هيئة مفوضي الدولة على هذا الطعن بمذكرة بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيها إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الحكومة الطاعنة المصروفات". وأسست رأيها على أن الأسباب التي قام عليها الطعن لا تخرج في مجموعها عن ترديد ذات المطاعن التي سبق أن استندت إليها الحكومة في الطعن رقم 274 لسنة 7 القضائية الخاص بطلب وقف التنفيذ والذي قضت هيئة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 11 من يونيه سنة 1961 بإجماع الآراء بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً مع مصادرة الكفالة وإلزام الحكومة بالمصروفات ولما كان الطعن الحالي لم يأت بجديد فإن الحكم المطعون فيه يكون سليماً لأسبابه التي قام عليها، ويكون الطعن واجب الرفض.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه الصادر في 14 من مارس سنة 1960 بالقبض على المدعي وحجزه في مكان أمين من وزير الداخلية بمقتضى السلطة المخولة له بالأمر العسكري رقم 7 الصادر في 19 من ديسمبر سنة 1956 والمعدل بالأمر العسكري رقم 34 الصادر في 12 من أغسطس سنة 1958 استناداً إلى القرار الجمهوري رقم 329 لسنة 1956 بإعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء مصر وإلى القرار رقم 1174 لسنة 1958 باستمرار إعلان حالة الطوارئ في إقليمي الجمهورية وإلى القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ وإلى ما جاء بمحضر لجنة شئون الخطرين بوزارة الداخلية في 14 من مارس سنة 1960 قد بني على ما ورد في مذكرة المباحث الجنائية الخاصة بطلب اعتقال المدعي من أنه سيء السيرة والسمعة وأنه معروف بكونه من اللصوص الذين أثروا من سرقة مهمات الجيش البريطاني في إبان الحرب الماضية وتهريبها والاتجار فيها وقد سبق اتهامه في قضايا سرقة ولم يحكم عليه فيها ولما تحسنت حالته المالية زاد نفوذه في منطقة المحجر وباب الوداع والركبية والخليفة حتى أصبح مرهوب الجانب وتتمثل شهرته الإجرامية في الاتجار بالأسلحة غير المرخصة وإخفاء المسروقات والاتجار فيها تحت ستار اشتغاله بشراء صفقات من مخازن مهمات الشرطة بالقلعة ومن بينها الأسلحة الخردة وقد أخذ ينفق بسخاء في سبيل نشاطه الإجرامي واستعان ببعض أعوانه من أرباب السوابق في إصلاح الأسلحة الخردة وبيعها للغير تحت نظر بعض رجال المباحث الجنائية بمحافظة القاهرة وسمعهم على أن يتم ضبط المشترين بعد دفعهم ثمن هذه الأسلحة له أو لأحد أعوانه وبذلك يحقق ربحاً مؤكداً من عمل غير مشروع ويأمن جانب رجال المباحث الجنائية في الوقت ذاته، وقد سبق له أن تقدم عدة مرات للترخيص له في حمل سلاح ولكن طلباته رفضت مراراً بسبب سوء سلوكه وسمعته غير أنه تمكن بعد ذلك في 21 من يناير سنة 1959 من الحصول على الرخصة بطريق غير مشروع وبإجراءات لم تتوخ فيها الدقة في التحري عن سيره وسلوكه بسبب صداقته واتصاله ببعض رجال المباحث الجنائية بالمحافظة وسعيه لإرشادهم عن بعض الأسلحة التي سرقت مؤخراً من مخازن الشرطة ومهماتها ومدهم ببعض المعلومات وقد ألغي هذا الترخيص وقامت الوزارة باستبعاد رجال المباحث الذين كانوا على اتصال به وتغاضوا عن إثبات نشاطه الإجرامي. وقد استعان بالمدعو رجب عبده سيد أحمد ومهنته توفكجي إذ كان يعرض عليه أجزاء الأسلحة التي يشتريها ويعيد تركيبها كما كانت في الظاهر ثم يبيعها في الخفاء لراغبي شراء الأسلحة ولا سيما أهالي الريف وهي أسلحة غير صالحة للاستعمال على الرغم من مظهرها وقد دلت التحريات على أنه وزميله قد عمدا أخيراً إلى إجراء صفقات بيع أسلحة لبعض الأهالي وبعد أن يتم قبض الثمن يقومان بالوشاية بهم لدى رجال المباحث وبهذا يأمنان جانب هؤلاء الأخيرين وقد دبر قضية الجناية رقم 1245 الدرب الأحمر سنة 1960 التي ضبط فيها محمد محمود جعفر بتهمة إحراز عدة أسلحة كما دبر قضايا أخرى في أنحاء مختلفة من القاهرة بالطريقة ذاتها. وقد جاء في مذكرة رئيس مكتب المعتقلين بمصلحة الأمن العام أنه لا أدل على أن المدعي من المجرمين الخطرين على الأمن العام وأنه يباشر نشاطاً إجرامياً في بيع الأسلحة غير المرخصة يعاونه في ذلك أنصار من أرباب السوابق مستغلاً في إجرامه صلته ببعض رجال المباحث وصداقته لهم مما نما إلى علم مكتب المباحث الجنائية العسكرية بالقوات المسلحة من معلومات تدل على خطورته أيدتها التحريات التي أجريت عنه ومراقبته وضبطه هو وأعوانه. وقد أودعت وزارة الداخلية صورة من مذكرة شعبة التنظيم والإدارة فرع البوليس الحربي قسم المباحث الجنائية العسكرية رقم 12/ 2/ 1960/ 1424 المؤرخة 17 من فبراير سنة 1960 أي قبل صدور قرار الاعتقال المطعون فيه بوقت قصير ويبين منها أنه وصل إلى علم قسم المباحث الجنائية العسكرية أن المدعي يقوم هو والمدعو رجب عبده بالاتجار في أسلحة غير مرخص بها يحتمل أن تكون من متعلقات القوات المسلحة وأن المدعو محمد فوزي على علاقة بهما ويريد الإرشاد عنهما وأن المدعي كلفه البحث عن مشترين لهذه الأسلحة وقد قام الرائد عقيل إسماعيل مظهر بإجراء التحريات اللازمة تمهيداً لضبط الواقعة وقد أسفرت هذه التحريات عن وجود اتصالات غير مشروعة للمدعي وعن أنه سبق اتهامه في سرقة بنزين من الجيش وضبطه بوساطة المباحث الجنائية العسكرية كما اتهم في جناية إحراز مخدرات وحيازة أسلحة غير مرخص بها وأنه على علاقة ببعض مخبري محافظة القاهرة وبعض جنود الجيش وقد قام رجال قسم المباحث بإجراء التحريات والمراقبة فترة طويلة حتى تأكدت لهم صحة هذه المعلومات واستعانوا في ذلك بمرشدين من رجالهم استطاعوا الاتصال بالمذكرة وساوموه على شراء أسلحة غير مرخصة وطلقات لها وأعدوا له ولأعوانه كميناً وتمكنوا من ضبطه وبعض هؤلاء الأعوان متلبسين أثناء بيع بعض أجزاء البنادق ولم يتم تسليم الأجزاء الباقية لرفضه ذلك بسبب عدم قبضه باقي الثمن وعلمه بأمر هذا الكمين. وقد اعترف هو وأعوانه بذلك في التحقيق الذي أجرته المباحث الجنائية العسكرية هذا علاوة على وجود بطاقة له تحت رقم 34 بالقسم الفني بمحافظة القاهرة ثابت بها أنه سبق اتهامه في قضيتي سرقة وتبديد في سنتي 1951، 1952 وإن لم يقدم فيهما للمحاكمة بسبب حرصه البالغ وحذره من جهة وإحجام الأهالي عن الشهادة ضده من جهة أخرى لشدة بأسه وبطشه وبسطة نفوذه وكثرة أعوانه ووفرة ماله وتفننه في أساليبه الإجرامية وصلاته غير المشروعة ببعض رجال الجيش والشرطة. وأن إفلات هذا الشقي عدة مرات من وجه العدالة واضطراد نشاطه الإجرامي واتصافه بشدة الحرص وفرط الدهاء مما يبرر ضرورة اعتقاله للحد من نشاطه. وأن هذا النشاط الإجرامي سيتضاعف ويزداد عتواً في حالة الإفراج عنه وسيتخذ من الحكم الصادر لصالحه سنداً كبيراً لفرض نفوذه والتمادي في إجرامه.
ومن حيث إن رقابة القضاء الإداري لصحة الحالة الواقعية أو القانونية التي تكون ركن السبب في القرار الإداري تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار في هذا الشأن مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول ثابتة في الأوراق تنتجها مادياً أو قانوناً أم لا. فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً لا يؤدي إلى النتيجة التي يتطلبها القانون كان القرار فاقداً لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع مخالفاً للقانون أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً فإن القرار يكون قائماً على سببه ومطابقاً للقانون.
ولما كانت الوقائع التي قام عليها قرار الاعتقال المطعون فيه والتي تكون ركن السبب في هذا القرار لها - حسبما تقدم - أصل ثابت في الأوراق والتحريات والاستدلالات التي تضافرت على استجماع عناصرها وتأييد صحتها أجهزة الأمن المتخصصة وهي المباحث الجنائية بمصلحة الأمن العام والمباحث الجنائية العسكرية (فرع البوليس الحربي - شعبة التنظيم والإدارة) والقسم الفني بإدارة المباحث الجنائية بحكمدارية شرطة القاهرة وقد تضمنت التقارير المقدمة من هذه الجهات بيانات ووقائع محددة مفصلة قدرت خطورتها على الأمن واستتبابه لجنة شئون الخطرين بوزارة الداخلية وأقر هذه الخطورة وزير الداخلية بوصفه المسئول عن الأمن العام في ربوع الجمهورية والمنوط به اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لصونه بمقتضى الأمر العسكري رقم 17 الصادر في 19 من ديسمبر سنة 1956 والمعدل بالأمر العسكري رقم 34 الصادر في 12 من أغسطس سنة 1958 بتخويل وزير الداخلية بعض السلطات في مناطق معينة والذي نصت المادة الأولى منه على أن "يعهد إلى وزير الداخلية السلطات الآتية: ( أ )...... (ب) الأمر بالقبض على المتشردين والمشتبه فيهم ومن يقتضي صون الأمن العام القبض عليهم وحجزهم في مكان أمين.... وذلك في المناطق الآتية: (1) محافظة القاهرة....". وقد استخلص مصدر القرار النتيجة التي انتهى إليها فيه من الوقائع والأدلة آنفة الذكر استخلاصاً سائغاً يبرر هذه النتيجة مادياً وقانوناً بعد إذ خوله المشرع بصفة استثنائية في سبيل حماية الأمن العام وصونه سلطة الأمر بالقبض على المتشردين والمشتبه فيهم بالمعنى القانوني فحسب بل على أي شخص سواهم يقدر أن صون الأمن العام يقتضي القبض عليه وإيداعه في مكان أمين لدرء شره عن المجتمع ومنعه من العبث بالأمن والاسترسال في تهديده له ولو لم يسبق صدور حكم جنائي عليه وبعد إذ ارتأى فيما سجلته أجهزة المباحث المختلفة على المدعي من نشاط إجرامي ساقت الدليل الكافي عليه ما أقنع عقيدته بسوء سيرة هذا الشخص وانحراف سلوكه بما يشكل خطراً على الأمن العام ويدخله في عداد من انصرف إليهم قصد الشارع في الأمر العسكري المتقدم ذكره فأصدر بناء على هذه الأسباب قراره المطعون فيه بالقبض على المذكور وحجزه في مكان أمين لضرورة حماية الأمن والنظام من عبثه بوصف هذا التدبير هو الوسيلة الوحيدة لدفع خطره بعد إذ حال حرصه ودهاؤه وتفننه وإرهابه وماله دون تمكن يد العدالة من الوصول إليه. وقد توخى بهذا القرار الذي لم يقم دليل على اتسامه بعيب إساءة استعمال السلطة وجه المصلحة العامة ولا حجة فيما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من التشكيك في جدية الأسباب التي بني عليها القرار المذكور بمقولة إن القضايا التي أشارت مذكرة المباحث الجنائية إلى اتهام المدعي فيها لا صلة له بها إذ أن هذا القول لا يطابق الواقع الذي تشهد به سجلات مكتب المباحث الجنائية العسكرية والبطاقة المقدمة صورتها بحافظة مستندات الحكومة وهي الخاصة بالمدعي والموجودة بالمكتب الفني بالمباحث الجنائية بمحافظة القاهرة فضلاً عن أن عدم تقديم هذا الأخير للمحاكمة في هذه القضايا بسبب ما عرف عنه من شدة البأس وفرط الحرص وكثرة الأعوان ووفرة المال وبراعة التفنن في أساليب الخلاص لا ينهض دليلاً ينفى عنه سوء السلوك والسيرة أو يغض من خطورته على الأمن إزاء ما هو معزو إليه من نشاط إجرامي ثابت في نواح أخرى متعددة وهو نشاط يكفي في ذاته سبباً مبرراً لحمل القرار المطعون فيه وتأييد مشروعيته حتى مع استبعاد الاتهامات موضوع تلك القضايا، أما منحه ترخيصاً لحمل سلاح فلا يدفع عنه ما علق بسلوكه من مآخذ تجعل منه عنصراً خطراً يهدد الأمن العام بعد الذي ثبت من الظروف التي كشفت عنها المباحث من أن هذا الترخيص إنما كان وليد عدم الدقة في التحري وثمرة المساومة بينه وبين بعض رجال المباحث بمحافظة القاهرة الذين عقد معهم صلات صداقة استعملها في جعلهم يعاونونه في الحصول على الترخيص بطريق غير مشروع ويتغاضون عن نشاطه الإجرامي والذين قامت وزارة الداخلية فيما بعد بإقصائهم. ومن ثم فإن القرار المطعون فيه الصادر في 14 من مارس سنة 1960 من السيد وزير الداخلية بالقبض على المدعي وحجزه في مكان أمين يكون لما تقدم به من أسباب صحيحاً سليماً قائماً على سببه المبرر له ومطابقاً للقانون.
وتكون الدعوى بطلب إلغائه لا سند لها من القانون حقيقة بالرفض. وإذ قضى حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه بإلغاء هذا القرار فإنه يكون قد جانب الصواب ويتعين والحالة هذه إلغاء هذا الحكم والقضاء برفض الدعوى وبإلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.