مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 243

(22)
جلسة 21 من ديسمبر سنة 1963

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1022 لسنة 7 القضائية

( أ ) ترخيص - سحبه - قرار وزير التموين بحرمان أحد الأفراد من توزيع المواد التموينية بإحدى المناطق - هو قرار صادر في حدود اختصاصه - سبق صدور ترخيص له بذلك لا يمنع وزير التموين من سحبه إذا توافرت الأسباب المبررة لذلك - أساس ذلك اختلاف الترخيص عن القرار الإداري وجواز سحب الترخيص في أي وقت.
(ب) ترخيص - سحبه - نص المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين - أجازته لوزير التموين الأمر بوقف التاجر المخالف عن مزاولة تجارة السلعة أو السلع موضوع الجريمة التموينية لحين صدور حكم من القضاء الجنائي - مؤداه تقييد سلطة الإدارة في حالات الجرائم التموينية المنصوص عليها وعدم جواز الحرمان من التجارة طالما لا يزال الأمر أمام القضاء - حرية الإدارة في سحب الترخيص هي الأصل العام الذي يجب الرجوع إليه فيما عدا هذه الحالات - أساس ذلك.
1) إن القرار القاضي بسحب عملية توزيع المواد التموينية من المدعي ومنعه من الاتجار في هذه المواد قد صدر من السيد وزير التموين في حدود اختصاصه المقرر بمقتضى القوانين والقرارات الوزارية الخاصة بشئون التموين التي خولته فرض قيود على إنتاج المواد الغذائية وغيرها من مواد الحاجيات الأولية وخامات الصناعة والبناء وعلى تداولها واستهلاكها بما في ذلك توزيعها بموجب بطاقات أو تراخيص تصدرها وزارة التموين لهذا الغرض وذلك لضمان تموين البلاد بهذه المواد ولتحقيق العدالة في توزيعها والتي قضت بأن تخصص الوزارة لكل تاجر تجزئة ولكل جمعية تعاونية عدداً من المستهلكين لا يجوز للتاجر أو للجمعية التصرف في مواد التموين لغيرهم في حدود التقارير المقررة لكل منهم وبذلك خضعت المواد التموينية لسيطرة الإدارة وفقاً للقيود التي نصت عليها ومنها عدم جواز تعامل التجار في هذه المواد إلا بترخيص خاص يصدر من وزارة التموين لهذا الغرض. وقد أسندت الوزارة إلى المدعي عملية توزيع المواد التموينية على أهالي منطقة القسيمة ومنحته بهذا ترخيصاً في تصريفها. وهذا الترخيص هو بطبيعته تصرف إداري يتم بالقرار الصادر بمنحه وهو تصرف مؤقت بحكم كونه لا يرتب حقاً ثابتاً نهائياً كحق الملكية بل يخول المرخص له مجرد مزية وقتية يرتبط حقه في التمتع بها وجوداً وعدماً بأوضاع وظروف وشروط وقيود يترتب على تغيرها أو انقضائها أو الإخلال بها أو مخالفتها جواز تعديل أوصاف هذه المزية أو سقوط الحق فيها بتخلف شرط الصلاحية للاستمرار في الانتفاع بها أو زوال سبب منحها أو انقضاء الأجل المحدد لها أو تتطلب المصلحة العامة إنهائها، وهو بهذا يفترق عن القرار الإداري الذي يكتسب ولو خاطئاً حصانة تعصمه من السحب أو الإلغاء متى صار نهائياً بمضي وقت معلوم واستقر به مركز قانوني أصبح غير جائز الرجوع فيه أو المساس به.
2) وإذا كانت الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين قد أجازت لوزير التموين أن يأمر إلى حين صدور حكم من القضاء الجنائي بوقف التاجر المخالف عن مزاولة تجارة السلعة أو السلع موضوع الجريمة التموينية ومنع الصانع المخالف من استخدامها في صناعته، وكان مقتضى هذا استلزام ارتكاب التاجر أو الصانع لإحدى الجرائم التي يعينها وزير التموين بقرار يصدره بموافقة لجنة التموين العليا على نحو ما ورد بالفقرة الأولى من هذه المادة وأن يكون قد قدم بسببها إلى المحكمة الجنائية إذا كانت المخالفة قد ارتكبت بالنسبة إلى سلعة من السلع الواردة في الجدول رقم 1 المرافق لقرار وزير التموين رقم 65 لسنة 1954 في شأن المنع من الاتجار في بعض السلع واستخدامها في الصناعة والمعاقب عليها بإحدى العقوبات المبينة في الجدول رقم 2 الملحق بهذا القرار إلا أن مجال تطبيق هذا الحكم بشروطه وقيوده وآثاره هو أن تكون ثمة جريمة من الجرائم التموينية المخصصة من نوع ما سلفت الإشارة إليه مقررة لها عقوبة جنائية قد ارتكبت من التاجر أو الصانع فلا يجازى بالحرمان التام إلا إذا ثبتت إدانته بسببها نهائياً بحكم من القضاء، وما دام الأمر لا يزال مطروحاً على القضاء ليقول كلمته بالبراءة أو الإدانة فليس لوزير التموين إلا أن يأمر بوقف التاجر أو الصانع المقدم للمحاكمة وقفاً مؤقتاً إلى حين صدور حكم قضائي في حقه حتى لا يصادر العدالة التي بيدها الأمر على رأيها أو يؤثر عليها فيه. أما إذا تعلق الأمر بمسلك لا تتوافر فيه أركان الفعل المؤثم جنائياً ولا يدخل في عداد الجرائم التموينية المنصوص عليها قانوناً ولكنه مع ذلك يكون في حد ذاته عملاً غير مشروع يضر بالمجموع ويسيء إلى مصلحة عليا للبلاد أو يشكل خطراً أبلغ وأشد من الجريمة العادية على أمنها وسلامة مواردها وأقوات أهلها فإن هذا العمل غير المشروع الذي يتعارض مع المصلحة العامة يرتد أثر عدم مشروعيته إلى الترخيص الذي سوغ ارتكابه فيجعل بقاء هذا الترخيص بدوره غير مشروع كذلك ولا يمكن أن تغل يد الجهة الإدارية مانحة الترخيص عن سحبه بسلطتها التقديرية ما دام قد تحقق وجه عدم مشروعيته وإضراره بالصالح العام لمجرد تقييد سلطتها في حالة الجرائم التموينية المسماة بأوضاع معينة اقتضتها طبيعة هذه الجرائم إذ الأصل هو حق الإدارة في السحب متى قامت أسبابه وتحققت مبرراته المادية والقانونية وانتفت شبهة إساءة استعمال السلطة والاستثناء هو القيد الوارد على هذا الحق بمقتضى القوانين والقرارات الخاصة بشئون التموين بحيث يتعين الارتداد إلى هذا الأصل وأعماله متى خرج الأمر من نطاق ذلك القيد.


إجراءات الطعن

في 29 من مارس سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن السيد وزير التموين سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1022 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "هيئة منازعات الأفراد والهيئات" بجلسة 31 من يناير سنة 1961 في الدعوى رقم 515 لسنة 14 القضائية المقامة من: عبد الحافظ الشريف ضد السيد وزير التموين بصفته القاضي "بإلغاء القرار الصادر من وزير التموين في 10 نوفمبر سنة 1959 بحرمان المدعي من توزيع المواد التموينية بمنطقة القسمية وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلب السيد الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه "إحالة الطعن إلى دائرة فحص الطعون لتقرير إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً وإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من وقف التنفيذ ورفض هذا الطلب مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات والأتعاب". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 5 من إبريل سنة 1961 وعقبت عليه هيئة مفوضي الدولة بمذكرة بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيها لما أبدته بها من أسباب إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الحكومة الطاعنة المصروفات". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 22 من يونيه سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في أول يونيه سنة 1963 وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 23 من نوفمبر سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 18 من يوليه سنة 1963. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 515 لسنة 14 القضائية ضد السيد وزير التموين بصفته أمام محكمة القضاء الإداري "هيئة منازعات الأفراد والهيئات" بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 21 من ديسمبر سنة 1959 ذكر فيها أنه وهو من أهالي محافظة سيناء كان يقوم على توزيع مواد التموين على المستهلكين من أهالي القسيمية في سيناء بترخيص من وزارة التموين وذلك منذ أكثر من عشر سنوات وفي نوفمبر سنة 1958 منع من نقل مواد التموين إلى القسيمية وفي 23 من سبتمبر سنة 1959 أصدرت إدارة الشئون القانونية لوزارة التموين فتوى بوجوب إعادة التموين إليه ليقوم بمزاولة التوزيع وفي 10 من نوفمبر سنة 1959 صدر قرار وزاري من وزارة التموين برفع التموين منه بدون سبب قانوني مع أنه يزاول توزيع مواد التموين لمنطقة القسيمية منذ أكثر من عشر سنوات ولم تصدر منه مخالفات قانونية أو أية أعمال تضر بالصالح العام أو بمصالح المستهلكين ولذا فإنه يطلب "الحكم بإلغاء القرار الإداري القاضي برفع التموين عن الطالب الصادر في 10 من نوفمبر سنة 1959 وإعادة صرف التموين إليه وقيامه بتوزيعه في منطقة القسيمية وإلزام المدعى عليه بصرفه وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة ومع حفظ كافة حقوق الطالب الأخرى بجميع أنواعها حالاً ومستقبلاً".
وقد ردت وزارة التموين على هذه الدعوى بمذكرة قالت فيها أنها رخصت للمدعي القيام بتوزيع المواد التموينية على أهالي منطقة القسيمية إلا أن قسم الشيخ زويد بمحافظة سيناء طلب وقف إسناد عملية تموين القسيمية إلى المذكور نظراً لما أثبتته التحريات من عدم صلاحيته للقيام بهذه المهمة واقترح إسناد هذه العملية إلى تاجرين آخرين. بيد أن الوزارة لم تأخذ برأي قسم الشيخ زويد على إطلاقه واكتفت في بداية الأمر بإسناد العملية إلى المدعي وإلى التاجرين الآخرين اللذين رشحهما القسم على أن يتولى المدعي توزيع ثلث المخصصات التموينية بالمنطقة وقد راعت الوزارة وهي بصدد هذا التقسيم الثلاثي أن تخصه بتوزيع المواد التموينية المتعلقة ببعض الأعراب الذين يقيمون في بلدة القسيمية ذاتها حتى تفوت عليه فرصة إعادة تعامله مع أهالي إسرائيل ومع الأعراب الذين يتجرون مع إسرائيل. ومع ذلك فقد ثبت من التحريات التي قامت بها المباحث والمخابرات العامة أنه على اتصال وثيق بإسرائيل وأن نشاطه في ذلك قد زاد عما كان وجاوز الحصار المفروض عليه وباتت المواد التموينية المرخص له في توزيعها على أهالي منطقة القسيمة محل تجارة بينه وبين أهالي إسرائيل المتاخمين للحدود أي محل تعامل غير مشروع يتعارض مع المصلحة العامة مع أنها ضرورية لحياة أهالي القسيمة وإزاء هذا طلب مكتب مخابرات سيناء سحب ترخيص توزيع المواد التموينية من المذكور لاعتبارات أمن المنطقة المتاخمة لحدود إسرائيل وصالحها. وأوضحت مباحث محافظة سيناء أن له نشاطاً خطيراً في المنطقة علاوة على أن أخاه على اتصال بإسرائيل وأنه مبعد من منطقة القسيمة لهذا السبب ونظراً لهذه الاعتبارات التي تمس المصلحة العليا للبلاد وتهدد سلامة منطقة الحدود المتاخمة للأعداء وأمنها قرر السيد وزير التموين رفع عملية توزيع المواد التموينية من المدعي وإسنادها إلى التاجرين الآخرين ولا جدال في أن قرار السيد وزير التموين بإسناد عملية توزيع المواد التموينية إلى شخص ما هو بمثابة ترخيص يجوز للإدارة سحبه والعدول عنه إذا ما اقتضت المصلحة العامة ذلك إذ أن الترخيص هو تصرف إداري يتم بالقرار الصادر بمنحه وهذا التصرف مؤقت بطبيعته وقابل للسحب والتعديل وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة فإذا جدت بعد منح الترخيص أسباب مردها إلى المصلحة العامة رؤى معها سحب هذا الترخيص فإن الإدارة تكون قد تصرفت في حدود السلطة المخولة لها. هذا إلى أن المدعي من جانبه لم يقدم ما يبت أن الإدارة أساءت استعمال سلطتها في إصدار القرار المطعون فيه. ومن ثم فإن هذا القرار يكون سليماً مطابقاً لحكم القانون ومنزها من جميع عيوب المشروعية وخلصت وزارة التموين من هذا إلى طلب "الحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته به من أسباب إلى أنها ترى "الحكم بقبول هذه الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الإدارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وبجلسة 31 من يناير سنة 1961 قضت محكمة القضاء الإداري "بإلغاء القرار الصادر من وزير التموين في 10 نوفمبر سنة 1959 بحرمان المدعي من توزيع المواد التموينية بمنطقة القسيمة وألزمت الحكومة بالمصروفات وبمبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أنه يبين من ملف الموضوع أن الإدارة قد ألغت في نوفمبر سنة 1959 الترخيص الصادر للمدعي في صرف المواد التموينية فتظلم من هذا القرار كما أن كثيرين من المستهلكين طلبوا الإبقاء على تعاملهم معه ولما عرض الأمر على مراقبة الشئون القانونية بالوزارة ارتأت أنه لم يرتكب أية مخالفة تموينية ولم يقدم للمحاكمة الجنائية وبذا لا يكون هنالك محل لحرمانه من الاتجار في المواد التموينية وإسنادها إلى غيره. وعندما تساءلت السلطات المركزية عن أسباب سحب الترخيص أفادت محافظة سيناء لأول مرة بأن المدعي وبعض الأعراب يقومون بالتجارة مع إسرائيل. وإزاء هذا أصدرت الوزارة في 10 من نوفمبر سنة 1959 قرارها المطعون فيه. وليس من شك في المواد التموينية أصبحت بمقتضى المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1954 الخاص بشئون التموين والقرار الوزاري رقم 504 لسنة 1945 خاضعة لسيطرة جهة الإدارة وفقاً للقيود المقررة والتي من مقتضاها أنه لا يجوز لأي تاجر التعامل في هذه المواد إلا بترخيص ولا يجوز له التصرف فيها إلا للمستهلكين المخصصين له وفقاً للكميات المقررة لكل منهم. وإذا كان الترخيص الممنوح للتاجر لتوزيع المواد المذكورة هو بطبيعته ترخيص مؤقت يجوز الرجوع فيه وسحبه وإلغاؤه وتعديله إلا أن سلطة الإدارة في هذا الشأن ليست سلطة مطلقة بل تحدها ضرورة استناد قرار السحب إلى سبب يبرره وأن يكون مبنياً على وقائع محددة ثابتة في الأوراق ومنتجة في استخلاص النتيجة التي انتهى إليها وإذا كانت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من القانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين قد أجازت لوزير التموين أن يأمر بوقف التاجر المخالف عن مزاولة تجارة السلعة أو السلع موضوع الجريمة ومنع الصانع المخالف من استخدامها في صناعته إلا أن هذه المادة تستلزم لثبوت ارتكاب التاجر أو الصانع لإحدى المخالفات أن يكون قد قدم بسببها إلى المحاكمة وهذا هو مضمون نص المادة الأولى من قرار وزير التموين رقم 65 لسنة 1954. والثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه قد قام على ما أسند إلى المدعي قسم الشيخ زويد ومكتب المخابرات بمحافظة سيناء من أنه يتعامل مع الأعراب الذين يتاجرون مع إسرائيل ويقطنون بالقرب من الحدود الإسرائيلية وأن له نشاطاً خطيراً في المنطقة فضلاً عن أن له أخاً على اتصال بإسرائيل ومبعد من المنطقة لهذا السبب. وهذا الزعم الأخير منبت الصلة بموضوع القرار المطعون فيه سواء بطريقة مباشرة. وغير مباشرة ما دام المدعي شخصياً لم يثبت في حقه قيامه بأي اتصال مريب من هذا القبيل ولو صح هذا لتعرض للمحاكمة الجنائية الأمر الذي لم يقع أما القول بأنه يتعامل في المواد التموينية مع الأعراب الذين يتاجرون مع إسرائيل فلا يعدو أن يكون قولاً مرسلاً مجرداً من الدليل ولا سيما أنه لم ينسب إليه القيام بتوزيع المواد التموينية لغير من خصصت لهم بما يكون الجريمة المنصوص عليها في المادتين 24، 54 من قرار وزير التموين رقم 504 لسنة 1945 ولم تصدر ضده أية أحكام جنائية في مخالفات تموينية من شأنها حرمانه من توزيع المواد التموينية كما لم نوجه إليه أية اتهامات أو تجر معه تحقيقات قضائية أو إدارية من شأنها تأييد ما جاء بتحريات مكتب المخابرات بمحافظة سيناء. ومن ثم فإن القرار المطعون فيه إذ استند إلى هذه التحريات يكون قائماً على واقعة غير صحيحة وبالتالي ينعدم سببه ويقع باطلاً ومخالفاً للقانون. ولما كان قد صدر مسبباً فإنه يخضع لرقابة القضاء الإداري للتحقق من أن الأسباب التي قام عليها حقيقية ومستمدة من أصول ثابتة في الأوراق تؤدي إليه.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 29 من مارس سنة 1961 طعنت وزارة التموين في هذا الحكم طالبة "إحالة الطعن إلى دائرة فحص الطعون لتقرير إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا ليقضي بقبوله شكلاً وإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من وقف التنفيذ ورفض هذا الطلب مع إلزام المطعون ضده بالمصاريف والأتعاب". واستندت في أسباب طعنها إلى أن الحكم المطعون فيه قد أغفل ما هو ثابت من التحريات التي قامت بها الجهات المختصة من مباحث ومخابرات من أن المدعي كان على اتصال وثيق بإسرائيل وأن نشاطه في ذلك قد زاد عما كان بحيث أصبحت المواد التموينية المرخص له في توزيعها على أهالي منطقة القسيمة والتي هي ضرورية لحياة هؤلاء الأهالي محل تجارة غير مشروعة بينه وبين أهالي إسرائيل المتاخمين للحدود مما يتعارض مع المصلحة العامة. وقد طلب قائد مخابرات سيناء سحب ترخيص توزيع المواد التموينية من المدعي لاعتبارات الأمن ولصالح المنطقة المتاخمة لحدود إسرائيل وهذه مصلحة عليا للبلاد لا تستطيع الجهة الإدارية أن تقف مكتوفة الأيدي قبلها إذ أن المصالح العليا للبلاد تعلوا على المصلحة الشخصية للأفراد. ولهذه الاعتبارات قرر السيد وزير التموين رفع عملية توزيع المواد التموينية من المدعي وإسنادها إلى تاجرين آخرين. ومن ثم فإن قرار السحب له سبب يبرره قائم على وقائع محددة ثابتة بالأوراق. ولما كانت إدارة المباحث والمخابرات تبدي رأيها بحكم اختصاصها وفي حدود هذا الاختصاص. فالمفروض في قراراتها أنها صحيحة صادرة بدافع المصلحة العامة وبعيدة عن الميل أو الهوى وعليه فلا تطالب ببيان كيفية حصولها على هذه التحريات أو بتقديم الدليل على ما انتهت إليه من معلومات. وإذ أطرح الحكم المطعون فيه رأي هذه الجهات فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله. وهذا إلى أن القرار الصادر من السيد وزير التموين بإسناد عملية توزيع المواد التموينية إلى المدعي إنما هو بمثابة ترخيص يجوز للإدارة سحبه والعدول عنه إذا ما اقتضت المصلحة العامة ذلك إذ أنه تصرف إداري يتم بالقرار الصادر بمنحه وهو تصرف مؤقت بطبيعته. كما أن ما نسب إلى المذكور من اتجاره مع إسرائيل ولو بطريقة غير مباشرة وإن كان لا يتدرج ضمن المخالفات التموينية التي نص عليها القانون، إلا أنه يكون في حد ذاته فعلاً خطيراً غير مشروع يمس مصلحة البلاد العليا إذ يترتب عليه تسرب المواد التموينية اللازمة لأفراد الشعب إلى الأعداء. وهذا مبرر قوي وثيق الصلة بقرار السحب المطعون فيه يصلح سبباً لصدوره خلافاً لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه.
وقد عقبت هيئة مفوضي الدولة على هذا الطعن بمذكرة بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيها إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الحكومة الطاعنة بالمصروفات". وأسست رأيها على أنه ولئن كانت إدارة قضايا الحكومة قد طلبت في نهاية عريضة طعنها إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من وقف التنفيذ ورفض هذا الطلب إلا أن المقصود في حقيقة الواقع هو إلغاء الحكم المطعون فيه على ما هو مشار إليه في صدر العريضة لأنه لم يصدر حكم بوقف التنفيذ في هذه الدعوى ولا يعدو الأمر أن يكون خطأ مادياً أما عن موضوع الطعن فليس في الأوراق ما يدل على أن المدعي قد ارتكب مخالفة تموينية أو قدم للمحاكمة الجنائية بسبب ذلك كما أنه ليست هناك وقائع محددة لما نسب إليه من الاتجار مع إسرائيل أما ما نسبه إليه قسم الشيخ زويد ومكتب المخابرات بمحافظة سيناء من تعامله مع الأعراب الذي يتاجرون مع إسرائيل فلا يكفي مبرراً لسحب الترخيص الممنوح له. وكذلك الحال بالنسبة إلى القول بأنه له شقيقاً على اتصال بإسرائيل وأن هذا الشقيق مبعد عن منطقة القسيمية. وقد كان يتعين على جهة الإدارة أن تراقب نشاطه الخطير بالمنطقة وأن تعمل على ضبطه أو أن تقدم على الأقل وقائع وقرائن تقطع بذلك، إذ ليس يكفي في هذا الشأن قولها المرسل العاري من الدليل. وإذا صح أن الترخيص بطبيعته مؤقت وجائز الرجوع فيه وسحبه أو إلغاؤه أو تعديله فإن ذلك لشروط أن تبرره اعتبارات يمليها الصالح العام وسلطة الإدارة في ذلك ليست سلطة مطلقة بل يحدها ضرورة استناد قرار السحب إلى سبب يبرره مبني على وقائع محددة ثابتة في الأوراق ومؤدية إلى استخلاص النتيجة التي انتهى إليها. وقد أصاب الحكم المطعون فيه فيما استخلصه من أن المدعي لم يرتكب أية مخالفة تموينية بالتطبيق لأحكام المرسوم بقانون الخاص بشئون التموين رقم 95 لسنة 1945 والقرار الوزاري رقم 504 لسنة 1945 المنفذ لأحكامه وأنه لم توجه إليه أية اتهامات ولم تجر معه أية تحقيقات قضائية أو إدارية من شأنها تأييد ما جاء بتحريات مكتب المخابرات بمحافظة سيناء وهو استخلاص سليم من حيث الواقع والقانون يجعل القرار المطعون فيه قائماً على وقائع غير صحيحة وبالتالي منعدم السبب ومخالفاً للقانون مما يتعين معه إلغاؤه. وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذه النتيجة فإنه يكون سليماً لأسبابه التي قام عليها ويكون الطعن عليه في غير محله واجب الرفض.
ومن حيث إن إدارة قضايا الحكومة طلبت في ختام تقرير طعنها المرفوع منها نيابة عن السيد وزير التموين "إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من وقف التنفيذ ورفض هذا الطلب مع إلزام المطعون ضده بالمصاريف والأتعاب". ولما كانت الدعوى الصادر فيها الحكم موضوع هذا الطعن لم يطلب فيها وقف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه الذي اقتصر المدعي على طلب الحكم بإلغائه ولم يصدر تبعاً لذلك أي حكم بوقف التنفيذ فإن طلب إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من وقف التنفيذ ورفض هذا الطلب يكون وارداً على غير محل وإذ كان هذا ليس مقصوداً وإنما المراد بداهة كما يؤخذ من سياق عريضة الطعن ومما تضمنته من بيانات هو إلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الطلب الذي قضى به بقطع النظر عن الخطأ في بيان تفاصيل هذا الطلب، وكان تقرير الطعن قد تضمن في صدوره وفي أسبابه تعييناً كافياً صحيحاً للحكم المرفوع عنه الطعن ورقمه وتاريخ صدوره وموضوعه ومنطوقه على وجه ناف للبس أو الجهالة فإن ما ورد بختامه لا يعدو في واقع الأمر إزاء هذا أن يكون من قبيل الخطأ المحصن الذي لا يؤثر في صحة الطعن ولا يغض من مضمون الطلبات التي تناولها وقد بادرت الحكومة إلى تصحيح هذا الخطأ في محضر جلسة 22 من نوفمبر سنة 1963 على النحو الثابت به.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق وبوجه خاص من ملف الموضوع رقم 118/ 4/ 22 الخاص بتموين القسيمية والمقدم من وزارة التموين أن المدعي كان يقوم بعملية توزيع المواد التموينية على أهالي منطقة القسيمة بمحافظة سيناء بناء على ترخيص صادر له بذلك من وزارة التموين إلا أن قسم الشيخ زويد بمحافظة سيناء الذي تتبعه منطقة القسيمة طلب في شهر نوفمبر سنة 1958 وقف إسناد عملية توزيع مواد التموين بالمنطقة إليه ومنعه من مزاولة هذا التوزيع نظراً إلى ما أثبتته التحريات من عدم صلاحيته للقيام بهذه المهمة واقترح إسناد هذه العملية إلى تاجرين آخرين بدلاً منه سماهما لحسن سيرهما وسلوكهما. وقد تظلم المدعي من رفض قسم الشيخ زويد التصريح له بنقل مواد التموين إلى القسيمة واختيار تاجرين آخرين لتولي هذه العملية دونه. فلم تر وزارة التموين الأخذ برأي قسم الشيخ زويد على إطلاقه وحرمان المدعي كلية من الاتجار في السلع التموينية بل وافقت على استمرار قيامه بتوزيع هذه السلع بالاشتراك مع التاجرين الآخرين اللذين رشحهما القسم المذكور على أن يكون ذلك تحت إشراف حكمدار نقطة القسيمة فيما يتعلق بنصيبه. وقد رأى قسم الشيخ زويد أن يحضر له ثلث المواد التموينية المقررة للمنطقة واختار له بعض الأعراب الذين يقيمون في بلدة القسيمة ذاتها حتى لا تتاح له الفرصة لمعاودة تعامله مع الأعراب الذين يقومون بالاتجار مع إسرائيل والذين يقطنون قريباً من الحدود الإسرائيلية. إلا أن المخابرات لاحظت كما جاء بالكتاب السري للسيد محافظ سيناء رقم 80/ م/ 270 في 2395 المؤرخ 2 من نوفمبر سنة 1959 أن نشاط المدعي في هذا النطاق المحدود قد زاد وتعدى الحصار المفروض عليه فطلبت المحافظة في 6 من أكتوبر سنة 1959 أن يعاد إسناد توزيع التموين بالكامل إلى التاجرين المذكورين وأن يستبعد هو من العملية وذلك للصالح العام للمنطقة. غير أن وزارة التموين أمرت بتسليمه مقررات التموين المخصصة كاملة. وتم ذلك في 27 من أكتوبر سنة 1959. وقد تمسك مكتب مخابرات سيناء بطلبه السابق وأعاد الكرة في 2 من نوفمبر سنة 1959 لتنفيذ ما جاء به لاعتبارات الأمن ولصالح المنطقة المتاخمة لحدود إسرائيل. كما نبهت مباحث محافظة سيناء إلى أن لهذا التاجر نشاطاً خطيراً في المنطقة علاوة على أن له أخاً على اتصال بإسرائيل وأن هذا الأخ مبعد من القسيمة لهذا السبب. وبناء على ذلك وافق السيد وزير التموين في 10 من نوفمبر سنة 1959 على رفع المواد التموينية الخاصة بمنطقة القسيمة من المدعي وإسناد توزيعها إلى التاجرين الآخرين لاعتبارات أمن المنطقة وصالحها.
ومن حيث إن واقع الأمر أن حرمان المدعي من توزيع المواد التموينية بمنطقة القسيمة إنما تم بقرار صادر من السيد وزير التموين استناداً إلى ما ورد من أسباب واعتبارات في كتاب السيد محافظ سيناء المؤرخ 2 من نوفمبر سنة 1959 آنف الذكر وبعد الاطلاع على مذكرة الإدارة العامة للمناطق التموينية (إدارة شئون المراقبات) المؤرخة 7 من نوفمبر سنة 1959 التي تضمنت سرداً لظروف الحال التي أحاطت بمسلك المدعي في توزيع مقررات التموين بالمنطقة المذكورة وما اتبع معه وحوت ترديداً لما جاء بكتاب محافظة سيناء المشار إليه خاصاً بنشاطه الذي وصف بأنه خطر وضار بأمن المنطقة.
1 - إن القرار القاضي بسحب عملية توزيع المواد التموينية من المدعي ومنعه من الاتجار في هذه المواد قد صدر من السيد وزير التموين في حدود اختصاصه المقرر بمقتضى القوانين والقرارات الوزارية الخاصة بشئون التموين التي خولته فرض قيود على إنتاج المواد الغذائية وغيرها من مواد الحاجيات الأولية وخامات الصناعة والبناء وعلى تداولها واستهلاكها بما في ذلك توزيعها بموجب بطاقات أو تراخيص تصدرها وزارة التموين لهذا الغرض وذلك لضمان تموين البلاد بهذه المواد ولتحقيق العدالة في توزيعها والتي قضت بأن تخصص الوزارة لكل تاجر تجزئة ولكل جمعية تعاونية عدداً من المستهلكين لا يجوز للتاجر أو للجمعية التصرف في مواد التموين لغيرهم في حدود التقارير المقررة لكل منهم وبذلك أخضعت المواد التموينية لسيطرة الإدارة وفقاً للقيود التي نصت عليها ومنها عدم جواز تعامل التجار في هذه المواد إلا بترخيص خاص يصدر من وزارة التموين لهذا الغرض. وقد أسندت الوزارة إلى المدعي عملية توزيع المواد التموينية على أهالي منطقة القسيمة ومنحته بهذا ترخيصاً في تصريفها. وهذا الترخيص هو بطبيعته تصرف إداري يتم بالقرار الصادر بمنحه وهو تصرف مؤقت بحكم كونه لا يرتب حقاً ثابتاً كحق الملكية بل يخول المرخص له مجرد مزية وقتية يرتبط حقه في التمتع بها وجوداً وعدماً بأوضاع وظروف وشروط وقيود يترتب على تغيرها أو انقضائها أو الإخلال بها أو مخالفتها جواز تعديل أوصاف هذه المزية أو سقوط الحق فيها بتخلف شرط الصلاحية للاستمرار في الانتفاع بها أو زوال سبب منحها أو انقضاء الأجل المحدد لها أو بتطلب المصلحة العامة إنهائها وهو بهذا يفترق عن القرار الإداري الذي يكتسب ولو خاطئاً حصانة تعصمه من السحب أو الإلغاء متى صار نهائياً بمضي وقت معلوم واستقر به مركز قانوني أصبح غير جائز الرجوع فيه أو المساس به.
2 - وإذا كانت الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين قد أجازت لوزير التموين أن يأمر إلى حين صدور حكم من القضاء الجنائي بوقف التاجر المخالف عن مزاولة تجارة السلعة أو السلع موضوع الجريمة التموينية ومنع الصانع المخالف من استخدامها في صناعته، وكان مقتضى هذا استلزام ارتكاب التاجر أو الصانع لإحدى الجرائم التي يعينها وزير التموين بقرار يصدره بموافقة لجنة التموين العليا على نحو ما ورد بالفقرة الأولى من هذه المادة وأن يكون قد قدم بسببها إلى المحاكمة الجنائية إذا كانت المخالفة قد ارتكبت بالنسبة إلى سلعة من السلع الواردة في الجدول رقم 1 المرافق لقرار وزير التموين رقم 65 لسنة 1954 في شأن المنع من الاتجار في بعض السلع واستخدامها في الصناعة والمعاقب عليها بإحدى العقوبات المبينة في الجدول رقم 2 الملحق بهذا القرار إلا أن مجال تطبيق هذا الحكم بشروطه وقيوده وآثاره هو أن تكون ثمة جريمة من الجرائم التموينية المخصصة من نوع ما سلفت الإشارة إليه مقررة لها عقوبة جنائية قد ارتكبت من التاجر أو الصانع فلا يجازى بالحرمان التام إلا إذا ثبتت إدانته بسببها نهائياً بحكم من القضاء وما دام الأمر لا يزال مطروحاً على القضاء ليقول كلمته بالبراءة أو الإدانة فليس لوزير التموين إلا أن يأمر بوقف التاجر أو الصانع المقدم للمحاكمة وقفاً مؤقتاً إلى حين صدور حكم القضاء في حقه حتى لا يصادر العدالة التي بيدها الأمر على رأيها أو يؤثر عليها فيه. أما إذا تعلق الأمر بمسلك لا تتوافر فيه أركان الفعل المؤثم جنائياً ولا يدخل في عداد الجرائم التموينية المنصوص عليها قانوناً ولكنه مع ذلك يكون في حد ذاته عملاً غير مشروع يضر بالمجموع ويسيء إلى مصلحة عليا للبلاد أو يشكل خطراً أبلغ وأشد من الجريمة العادية على أمنها وسلامة مواردها وأقوات أهلها فإن هذا العمل غير المشروع الذي يتعارض مع المصلحة العامة يرتد أثر عدم مشروعيته إلى الترخيص الذي سوغ ارتكابه فيجعل بقاء هذا الترخيص بدوره غير مشروع كذلك ولا يمكن أن تغل يد الجهة الإدارية مانحة الترخيص عن سحبه بسلطتها التقديرية ما دام قد تحقق وجه عدم مشروعيته وإضراره بالصالح العام لمجرد تقييد سلطتها في حالة الجرائم التموينية المسماة بأوضاع معينة اقتضتها طبيعة هذه الجرائم إذ الأصل هو حق الإدارة في السحب متى قامت أسبابه وتحققت مبرراته المادية والقانونية وانتفت شبهة إساءة استعمال السلطة والاستثناء هو القيد الوارد على هذا الحق بمقتضى القوانين والقرارات الخاصة بشئون التموين بحيث يتعين الارتداد إلى هذا الأصل وإعماله متى خرج الأمر من نطاق ذلك القيد.
وقد بني القرار المطعون فيه الصادر من السيد وزير التموين في 10 من نوفمبر سنة 1959 بحرمان المدعي من القيام بتوزيع المواد التموينية في منطقة القسيمة بمحافظة سيناء على الأسباب المفصلة في مذكرة الإدارة العامة للمناطق التموينية المحررة في 7 من نوفمبر سنة 1959 وعلى ما تضمنه كتاب محافظة سيناء المؤرخ 2 من نوفمبر سنة 1959 من معلومات مستقاة من المخابرات ومن مباحث المحافظة حاصلها أن للمذكور نشاطاً خطيراً متزايداً في التعامل مع الأعراب الذين يقومون بالاتجار مع إسرائيل والذين يقطنون قريباً من الحدود الإسرائيلية وأن هذا النشاط يضر بصالح المنطقة المتاخمة لحدود إسرائيل وبأمنها فضلاً عن أن أخاه على اتصال بإسرائيل وأنه مبعد من المنطقة لهذا السبب. من ثم فإن القرار المطعون فيه يكون قد قام على سببه المبرر له قانوناً وهو سبب له أصل ثابت في الأوراق يقوم على وقائع صحيحة محددة تحققت منها أجهزة المخابرات والمباحث المختصة وأن أجملتها إجمالاً فيه الكفاية للإقناع بالخطورة التي قدرتها السلطات المسئولية عن الأمن في تلك المنطقة البالغة الحساسية. وقد انتهت هذه السلطات مما قام لديها من عناصر استجمعتها من مصادرها المتخصصة إلى أن في استمرار قيام المدعي بتوزيع حصته في المواد التموينية المخصصة لأهالي منطقة القسيمة وهي الحصة التي كانت قد خفضت إلى الثلث ثم أريد إعادتها إليه كاملة إضراراً بالصالح العام بأمن تلك المنطقة المتاخمة لحدود إسرائيل لا يدرأه إلا كف المذكور عن التعامل في هذه المواد. وقد استخلصت النتيجة التي انتهى إليها القرار المطعون فيه استخلاصاً سائغاً من تلك الأصول التي تنتجها مادياً وقانوناً والتي لم ينهض دليل على عدم صحة التحريات التي تضمنتها خلافاً لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه. كما لم يقم دليل على إساءة استعمال الإدارة لسلطتها في إصدار قرار سحب عملية توزيع مواد التموين من المدعي وإسنادها إلى غيره من التجار وهي التي تترخص أصلاً بسلطة حرة في اختيار التجار الذين ترى أن تعهد إليهم بتوزيع هذه المواد على الأهالي. وإذ أخذ حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه بغير هذا النظر وقضى بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير التموين في 10 من نوفمبر سنة 1959 بحرمان المدعي من توزيع المواد التموينية بمنطقة القسيمة فإنه يكون قد جانب الصواب. ولما كان هذا القرار، على ما سلف بيانه صحيحاً سليماً مطابقاً للقانون فإن طلب إلغائه يكون في غير محله ويتعين والحالة هذه القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.