مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 256

(23)
جلسة 21 من ديسمبر 1963

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1130 لسنة 7 القضائية

اختصاص - تفويض بالاختصاص - تأديب - المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 - اعتبارها في حكم رئيس المصلحة في شأن توقيع الجزاءات من يعينه الوزير بقرار منه من رؤساء الإدارات وغيرهم - عدم جواز انصراف لفظ (وغيرهم) إلى غير موظفي الوزارة المعنية - قرار وزير المالية رقم 543 لسنة 1957 باعتبار المديرين والمحافظين رؤساء مصالح لهم سلطة توقيع العقوبات على موظفي الأموال المقررة في دائرة اختصاص كل منهم - قرار سليم مطابق للقانون - لا يؤثر في ذلك تبعية المديرين والمحافظين لوزارة الداخلية ما داموا بحكم النظام الإداري لمصلحة الأموال المقررة يعتبرون رؤساء لفروع هذه المصلحة في الأقاليم - أساس ذلك.
إن القرار رقم 543 لسنة 1957 الصادر من وزير المالية والاقتصاد بالنيابة بتاريخ 11 من سبتمبر سنة 1957 ينص على أنه "بعد الاطلاع على المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 ولصالح العمل قرر:
مادة 1 - اعتبار السادة المديرين والمحافظين بالمديريات والمحافظات رؤساء مصالح وتخويلهم سلطة توقيع العقوبات بالتطبيق لأحكام المادة 85 آنفة الذكر على موظفي مصلحة الأموال المقررة الذين يعملون في دائرة اختصاص كل منهم. عدا مديري الأقسام المالية ووكلائهم ومأموري المالية. فتستمر سلطة توقيع جزاءات عليهم للمدير العام لمصلحة الأموال المقررة.
مادة 2 - يكون لوزارة المالية والاقتصاد حق الفصل في التظلمات التي تقدم عن هذه الجزاءات.
مادة 3 - يعمل بهذا القرار من تاريخ صدوره".
وتنص المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 المعمول به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية في 4 من إبريل سنة 1957 في فقرتيها الأولى والثانية على ما يأتي:
"لوكيل الوزارة المساعد أو لرئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه توقيع عقوبتي الإنذار أو الخصم من المرتب عن مدة لا تجاوز 45 يوماً في السنة الواحدة بحيث لا تزيد مدة العقوبة الواحدة عن 15 يوماً وذلك بعد سماع أقوال الموظف وتحقيق دفاعه. ويكون قراره في ذلك مسبباً.
ويعتبر في تطبيق الفقرة السابقة رؤساء للمصالح الرؤساء العسكريون للإدارات والأسلحة العسكرية وقواد الفرق والمناطق الذين يصدر بتعيينهم قرار من وزير الحربية كما يعتبر كذلك من يعينه الوزير بقرار منه من رؤساء الإدارات وغيرهم ويشترط في الحالة الأخيرة ألا تقل درجاتهم عن الدرجة الثانية".
وأنه ولئن كان من الوضوح بمكان أن لفظ "وغيرهم" الوارد في نص الفقرة الثانية من المادة 85 المبين آنفاً لا يجوز أن ينصرف بحكم اللزوم إلى غير موظفي الوزارة المعنية إلا أن المديرين والمحافظين - قبل تطبيق نظام الإدارة المحلية - كانوا لا يعتبرون بحسب المفهوم الصريح لأحكام القوانين واللوائح التي كانت سارية من هؤلاء الغير بالنسبة لاختصاصات مصلحة الأموال المقررة في الأقاليم. فقد نص كتاب التعليمات والقوانين والأوامر الخاصة بمصلحة الأموال المقررة الصادر في سنة 1934 والذي جمع شتات القوانين واللوائح الخاصة بالمصلحة المذكورة على ما يأتي تحت عنوان "فروع مصلحة الأموال المقررة في الأقاليم".
"12 - تشمل أعمال مصلحة الأموال المقررة في الأقاليم أعمال أقسام الإيرادات بجميع مديريات القطر المصري والأقسام المالية بجميع المحافظات وكذا دار المحفوظات العمومية بالقلعة بمصر.
13 - يشرف على أعمال قسم الإيرادات بالمديرية باشكاتبها (تحت رياسة مدير المديرية) وهو أو من يقوم مقامه مدة غيابه المسئول الوحيد عن حسن سير الأعمال المالية بالمديرية وملاحظة الدقة في تنفيذها بالتطبيق للتعليمات والأوامر والمنشورات الصادرة من المصلحة.
وإذا صدر أمر من أحد المديرين في أية مسألة بالمخالفة لتلك التعليمات والأوامر والمنشورات فعلى باشكاتب المديرية أو من يقوم مقامه أن يبين لحضرته وجه المخالفة أو تعذر التنفيذ ليصدر الأمر بالعدول عنه فإذا لم يقتنع بذلك وأصر على تنفيذ ما يريد فعلى الباشكاتب أو يحصل من حضرته على أمر كتابي بذلك وينفذ الأمر كما هو ويخطر المصلحة به لترى رأيها فيه.
21 - يتولى العمل في الأقسام المالية بمحافظة الإسكندرية والقناة السويس ودمياط رئيس القسم المالي (تحت رياسة المحافظ).
ومفاد ما تقدم أن المديرين والمحافظين كانوا يتولون - ليس بحكم تبعيتهم لوزارة الداخلية وإنما بحكم النظام الإداري لمصلحة الأموال المقررة التابعة لوزارة المالية - كانوا يتولون رياسة فروع المصلحة المذكورة في الأقاليم. ولم تكن تلك الرياسة رمزية، وإنما كانت سلطة رياسية فعلية. وآية ذلك أن موظفي هذه الفروع كانوا يلتزمون بالانصياع لأوامر المدير أو المحافظ في أية مسألة حتى ولو كانت أوامر المدير أو المحافظ صادرة بالمخالفة لتعليمات وأوامر ومنشورات المصلحة سالفة الذكر.
ومن ثم فإنه يمتنع - بحسب المفهوم الصريح لأحكام القوانين واللوائح التي كانت سارية قبل تطبيق نظام الإدارة المحلية - اعتبار المديرين أو المحافظين من غير موظفي وزارة المالية بالنسبة لاختصاصات مصلحة الأموال المقررة في الأقاليم وفي مجال تطبيق الفقرة الثانية من المادة 85 المشار إليها وبالتالي يصح تفويضهم من وزير المالية بسلطة تأديب كل أو بعض موظفي فروع المصلحة المذكورة بالأقاليم بالتطبيق لأحكام الفقرة سالفة الذكر.
وينبني على ما تقدم أن القرار الوزاري رقم 543 لسنة 1957 الصادر باعتبار المديرين والمحافظين رؤساء مصالح لهم سلطة توقيع العقوبات على موظفي الأموال المقررة في دائرة اختصاص كل منهم قرار سليم مطابق للقانون، وبالتالي لا يكون القرار الصادر بالجزاء تطبيقاً له مشوباً بعيب عدم الاختصاص.


إجراءات الطعن

في 26 من إبريل سنة 1961 أودع السيد/ رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر بجلسة 26 من فبراير سنة 1961 من المحكمة الإدارية لوزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين في الدعوى رقم 427 لسنة 7 القضائية المقامة من السيد/ أحمد زكي أحمد ضد وزارة الخزانة والذي يقضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الإداري الصادر من السيد/ مدير المنيا في 28 من أغسطس سنة 1959 بمجازاة المدعي بخصم ثلاثة أيام من مرتبه مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
وطلب السيد/ رئيس هيئة المفوضين للأسباب المبينة بعريضة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى مع إلزام المدعي المصروفات. وأعلنت عريضة الطعن إلى وزارة الخزانة في 3 من مايو سنة 1961 وإلى المطعون عليه في 8 من مايو سنة 1961 وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 11 من مايو سنة 1963 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة العليا وحدد لنظره أمامها جلسة 9 من نوفمبر سنة 1963. وأبلغ الطرفان في 14 من يوليه سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم وفيها صدر الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 427 لسنة 7
القضائية ضد وزارة الخزانة بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين في 10 من سبتمبر سنة 1960 بمقتضى قرار صادر من لجنة المساعدة القضائية في 19 يوليه سنة 1960 بناء على طلب مقدم في 26 من ديسمبر سنة 1959. وقال بياناً للدعوى إنه كان يشغل وظيفة رئيس قلم ضريبة المباني بمديرية المنيا. وبتاريخ 3 من سبتمبر سنة 1959 أعلن بقرار صادر من مدير المنيا بتاريخ 28 من أغسطس سنة 1959 بمجازاته بخصم ثلاثة أيام من مرتبه على أثر التحقيق الذي أجرته معه النيابة الإدارية فيما نسب إليه من أنه خرج على مقتضى واجب وظيفته لتسليمه إخطارين للسيد/ صلاح الدين أبو حقة بمحله وإملائه البيانات الخاصة به ولتقديمه مذكرة باتهام لجنة جرد بندر المنيا بعدم ربطها ملك السيدين/ صلاح الدين أبو حقه وأخيه بالعوائد سنة 1957 مع أن المالكين قدما إخطاراً بما يفيد إتمامه عام 1957. فرأت النيابة الإدارية بعد التحقيق معه مساءلته عن التهمة الأولى. وطلبت مصلحة الأموال المقررة توقيع الجزاء المناسب عليه طبقاً للقرار الوزاري رقم 543 لسنة 1957. فرأى مدير القسم المالي مجازاته بخصم يومين. ورأى السكرتير العام للمديرية مجازاته عن التهمتين فقرر مدير المنيا مجازاته بخصم ثلاثة أيام من مرتبه فتظلم من هذا القرار بتاريخي 3، 26 من سبتمبر سنة 1959 لوزير الخزانة ولكنه لم يتلق رداً على تظلمه. ومضى المدعي يعيب القرار المذكور فقال إن التهمة الأولى إن صحت فلا يجوز اعتبارها مخالفة للوائح والقانون لأن الإقرارات مودعة بالمديرية والمراكز والبنادر ولدى الصيارف تحت تصرف الجمهور ويحصل عليها بالمجان. وأن اختصاصه يحتم عليه أن يسلم هذه الإقرارات لمن يطلبها وإملاؤه البيانات الخاصة بملك صلاح الدين أبو حقه لا يخرج عن كونه إرشاد، وعلى كل حال فليس هناك أي دليل على صحة التهمة. ولا يمكن الأخذ بأقوال صلاح الدين أبو حقه لأنه يحقد على المدعي. إذ كان المدعي يرى ربط ما كان
يستحق الربط من أجزاء ملك المذكور ابتداء من أول سنة 1958.
ثم أن الإقرارات المقدمة من الشخص المذكور مكتوبة كلها بخط يده ومتضمنة لبيانات لا يعلمها أي شخص سواه. وما ساقه وكيل النيابة الإدارية من أنه قام بالتأشير على الإقرارين بذات القلم الذي حرر بهما مردود بأن التأشير كان بقلم كوبيا. وأقلام الكوبيا متداولة أما التهمة الثانية فمردودة بأن المذكرة التي تقدم بها للمديرية صادقة في كل ما احتوته، فلجنة الجرد لم تقم بالمرور على الملك المشار إليه ولم تثبت أي شيء عنه. والمدعي بحكم وظيفته مضطر إلى تقديم المذكرة سالفة الذكر وعلى الرغم من أن النيابة الإدارية لم تقرر مساءلة المدعي عن التهمة الثانية إلا أن مدير المنيا ضرب بقرارها عرض الحائط وقرر مجازاته عن هذه التهمة. وخلص المدعي من ذلك إلى أن القرار المطعون فيه صدر مخالفاً للقوانين واللوائح وقد أساء إليه إساءة بالغة وانتهى إلى طلب الحكم بإلغائه مع إلزام وزارة الخزانة بدفع تعويض قدره خمسمائة جنيه مصري وأجابت مصلحة الأموال المقررة على الدعوى بأنه بتاريخ 13 من مارس سنة 1958 قدم مأمور المالية بمديرية المنيا مذكرة أوضح بها أنه بناء على المذكرة التي قدمت من قلم عوائد المباني بتاريخ 27 من فبراير سنة 1958 والتي تضمنت اتهام لجنة الجرد بعدم ربط ملك السيدين/ صلاح الدين ونور الدين أبو حقه بالعوائد رغم أن المالكين قد قدما بإخطار بإتمام هذا الملك أجرت المديرية تحقيقاً تبين منه أن الملك لم يكن قد تم حتى آخر ديسمبر سنة 1957 وقرر صلاح الدين أبو حقه أن المدعي هو الذي أملاه بيانات الإخطار. فأحالت المصلحة بتاريخ 17 من سبتمبر سنة 1959 الموضوع على النيابة الإدارية لتحديد المسئولية فتبين من أقوال رئيس لجنة الجرد وعضوها أن الملك المذكور لم يتم إلا في أوائل سنة 1958 وتبين من أقوال مأمور المالية أنه تأكد أن هذا الملك لم يتم في ديسمبر سنة 1957 وكان إتمامه في أوائل سنة 1958. وتبين من الاطلاع على عقود الإيجار أن مدة الإجارة تبدأ في أوائل سنة 1958 ونبين من أقوال صلاح الدين أبو حقه، أن الذي أحضر له الإخطارين بمحله هو المدعي وأنه هو الذي أملاه بيانات هذين الإخطارين ثم أشر عليهما بخطه بأن أحدهما إخطار عن الحصر العام وأن الآخر إخطار عن المستجدات وأن المدعي قد ساومه هو وأخوه على بعض الطلبات فلما رفضا هدد نور الدين بأنه سيتسبب في إضراره وتبين من أقوال الكاتب المختص لقلم العوائد أنه لا يعرف عن الإخطارين المذكورين شيئاً وأن المدعي هو الذي طلب منه البحث عنهما ضمن باقي الإخطارات فلما قام بالبحث تبين له أنهما مسجلان بوساطة أحد كتبة الجرد غير المعروفين فقام بتسليمهما للمدعي الذي أمر بالتوقيع عليهما وكتابة رقمين مسلسلين عليهما ثم أملاه مذكرة للمديرية عن هذين الإخطارين. وتبين من الاطلاع على الإخطارين أن على كل منهما تأشيرة من المدعي بذات القلم الذي حرر به الإقرار ورأت النيابة الإدارية مساءلة المدعي لخروجه على مقتضى الواجب لتسليمه الإخطارين للسيد/ صلاح الدين أبو حقه بمحله وإملائه البيانات الخاصة بهما. فأرسلت المصلحة لمديرية المنيا تطلب توقيع الجزاء على المدعي فتقرر مجازاته بخصم ثلاثة أيام من مرتبه. وقد عقب المدعي على إجابة مصلحة الأموال المقررة بما سبق أن بسطه في صحيفة الدعوى، وأضاف إلى ذلك اتهام رئيس لجنة الجرد بالتآمر مع أصحاب الملك ضده واتهام مأمور المالية بمجاملة رئيس لجنة الجرد واتهام الكاتب المختص بقلم العوائد بالتهرب من المسئولية وبجلسة 26 من فبراير سنة 1961 قضت المحكمة الإدارية بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الإداري الصادر من السيد مدير المنيا في 28 من أغسطس سنة 1959 بمجازاة المدعي بخصم ثلاثة أيام من مرتبه مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات. وأقامت قضاءها على أنه يبدو أن القرار رقم 543 لسنة 1957 الصادر باعتبار المديرين والمحافظين رؤساء مصالح لهم سلطة توقيع العقوبات على موظفي الأموال المقررة الذين يعملون في دائرة اختصاص كل منهم، قد صدر إعمالاً للفقرة الثالثة من المادة 85 من قانون التوظف التي تعطي للوزير الحق في تعيين من يراه من رؤساء الإدارات وغيرهم لتوقيع عقوبتي الإنذار والخصم وإن ورد لفظ غيرهم عاماً إلا أنه يبدو من سياق النص أن المقصود به هو أي موظف من موظفي الوزارة التي يرأسها. وأنه لذلك يكون القرار المطعون فيه مشوباً بعيب عدم الاختصاص ولا يترتب عليه أي أثر قانوني.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه ظاهر من نص المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 أن المشرع أراد أن يفسح أمام الوزير مجال التطبيق فلم يحصره في رؤساء الإدارات بل شمل غيرهم وجاء في هذه الكلمة من العموم بحيث لا تتحدد بالموظفين التابعين لذات الوزارة بل يمكن أن تتسع إلى غيرهم من الموظفين من خارج الوزارة ما دامت درجاتهم لا تقل عن الدرجة الثانية.
ومن حيث إن القرار رقم 543 لسنة 1957 الصادر من وزير المالية والاقتصاد بالنيابة بتاريخ 11 من سبتمبر سنة 1957 ينص على أنه "بعد الاطلاع على المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة المعدل بالقانون رقم 73 لسنة 1957 ولصالح العمل قرر:
مادة 1 - اعتبار السادة المديرين والمحافظين بالمديريات والمحافظات رؤساء مصالح وتخويلهم سلطة توقيع العقوبات بالتطبيق لأحكام المادة 85 آنفة الذكر على موظفي مصلحة الأموال المقررة الذين يعملون في دائرة اختصاص كل منهم. عدا مديري الأقسام المالية ووكلائهم ومأموري المالية. فتستمر سلطة توقيع جزاءات عليهم للمدير العام لمصلحة الأموال المقررة.
مادة 2 - يكون لوزارة المالية والاقتصاد حق الفصل في التظلمات التي تقدم عن هذه الجزاءات.
مادة 3 - يعمل بهذا القرار من تاريخ صدوره.
وتنص المادة 85 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة المعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 المعمول به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية في 4 من إبريل سنة 1957 في فقرتيها الأولى والثانية على ما يأتي:
"لوكيل الوزارة أو للوكيل المساعد أو لرئيس المصلحة في دائرة اختصاصه توقيع عقوبتي الإنذار والخصم من المرتب عن مدة لا تجاوز 45 يوماً في السنة الواحدة بحيث لا تزيد مدة العقوبة الواحدة عن 15 يوماً وذلك بعد سماع أقوال الموظف وتحقيق دفاعه. يكون قراره في ذلك مسبباً.
ويعتبر في تطبيق الفقرة السابقة رؤساء للمصالح الرؤساء العسكريون للإدارات والأسلحة العسكرية وقواد الفرق والمناطق الذين يصدر بتعيينهم قرار من وزير الحربية كما يعتبر كذلك من يعينه الوزير بقرار منه من رؤساء الإدارات وغيرهم ويشترط في الحالة الأخيرة ألا تقل درجاتهم عن الدرجة الثانية".
وإنه ولئن كان من الوضوح بمكان أن لفظ "وغيرهم" الوارد في نص الفقرة الثانية من المادة 85 المبين آنفاً لا يجوز أن ينصرف بحكم اللزوم إلى غير موظفي الوزارة المعنية إلا أن المديرين والمحافظين - قبل تطبيق نظام الإدارة المحلية - كانوا لا يعتبرون بحسب المفهوم الصريح لأحكام القوانين واللوائح التي كانت سارية من هؤلاء الغير بالنسبة لاختصاصات مصلحة الأموال المقررة في الأقاليم. فقد نص كتاب التعليمات والقوانين والأوامر الخاصة بمصلحة الأموال المقررة الصادر في سنة 1934 والذي جمع شتات القوانين واللوائح الخاصة بالمصلحة المذكورة على ما يأتي تحت عنوان "فروع مصلحة الأموال المقررة في الأقاليم".
"12 - تشمل أعمال مصلحة الأموال المقررة في الأقاليم أعمال أقسام الإيرادات بجميع مديريات القطر المصري والأقسام المالية بجميع المحافظات وكذا دار المحفوظات العمومية بالقلعة بمصر.
13 - يشرف على أعمال قسم الإيرادات بالمديرية باشكاتبها (تحت رياسة مدير المديرية) وهو أو من يقوم مقامه مدة غيابه المسئول الوحيد عن حسن سير الأعمال المالية بالمديرية وملاحظة الدقة في تنفيذها بالتطبيق للتعليمات والأوامر والمنشورات الصادرة من المصلحة.
وإذا صدر أمر من أحد المديرين في أية مسألة بالمخالفة لتلك التعليمات والأوامر والمنشورات فعلى باشكاتب المديرية أو من يقوم مقامه أن يبين لحضرته وجه المخالفة أو تعذر التنفيذ ليصدر الأمر بالعدول عنه فإذا لم يقتنع بذلك وأصر على تنفيذ ما يريد فعلى الباشكاتب أن يحصل من حضرته على أمر كتابي بذلك وينفذ الأمر كما هو ويخطر المصلحة به لترى رأيها فيه.
21 - يتولى العمل في الأقسام المالية بمحافظات الإسكندرية والقنال والسويس ودمياط رئيس القسم المالي (تحت رياسة المحافظ).
ومفاد ما تقدم أن المديرين والمحافظين كانوا يتولون - ليس بحكم تبعيتهم لوزارة الداخلية وإنما بحكم النظام الإداري لمصلحة الأموال المقررة التابعة لوزارة المالية - كانوا يتولون رياسة فروع المصلحة المذكورة في الأقاليم. ولم تكن تلك الرياسة رمزية، وإنما كانت سلطة رياسية فعلية. وآية ذلك أن موظفي هذه الفروع كانوا يلتزمون بالانصياع لأوامر المدير أو المحافظ في أية مسألة حتى ولو كانت أوامر المدير أو المحافظ صادرة بالمخالفة لتعليمات وأوامر ومنشورات المصلحة سالفة الذكر.
ومن ثم فإنه يمتنع - بحسب المفهوم الصريح لأحكام القوانين واللوائح التي كانت سارية قبل تطبيق نظام الإدارة المحلية - اعتبار المديرين أو المحافظين من غير موظفي وزارة المالية بالنسبة لاختصاصات مصلحة الأموال المقررة في الأقاليم وفي مجال تطبيق الفقرة الثانية من المادة 85 المشار إليها وبالتالي يصح تفويضهم من وزير المالية بسلطة تأديب كل أو بعض موظفي فروع المصلحة المذكورة بالأقاليم بالتطبيق لأحكام الفقرة سالفة الذكر.
وينبني على ما تقدم أن القرار الوزاري رقم 543 لسنة 1957 الصادر باعتبار المديرين والمحافظين رؤساء مصالح لهم سلطة توقيع العقوبات على موظفي الأموال المقررة في دائرة اختصاص كل منهم قرار سليم مطابق للقانون، وبالتالي لا يكون القرار الصادر بالجزاء تطبيقاً له مشوباً بعيب عدم الاختصاص.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن الثابت من الأوراق ومن تحقيقات النيابة الإدارية أن المدعي كان يشغل وظيفة رئيس قلم عوائد المباني بمديرية المنيا وهي وظيفة لا تعادل وظائف مديري الأقسام المالية ووكلائهم ومأموري المالية المستثنين من أحكام القرار الوزاري رقم 543 لسنة 1957 سالف الذكر - وبتاريخ 17 من فبراير سنة 1958 قدم مذكرة اتهم فيها لجنة الجرد برياسة السيد/ زكي جورجي بعدم ربط ملك السيدين/ صلاح الدين أبو حقه ونور الدين أبو حقه الكائن بشارع أحمد ماهر قسم أول بندر المنيا بعدم ربط هذا الملك بالعوائد مع أن المالكين قد تقدما بإخطار بإتمام هذا الملك. فجرى تحقيق إداري فيما جاء بهذه المذكرة. وانتهى التحقيق إلى أن الملك لم يكن قد تم حتى آخر ديسمبر سنة 1957، وإلى أن المدعي هو الذي أملى المالكين بيانات الإقرارين فأحيل الموضوع إلى النيابة الإدارية لتتولى التحقيق وتحدد المسئولية في هذا الشأن فقامت النيابة الإدارية بالتحقيق فتبين لها من أقوال السيدين/ زكي جورجي رئيس لجنة الجرد ومحمد فهمي محمد محمد عبد المنعم عضو لجنة الجرد أن المالك المذكور لم يتم إلا في أوائل سنة 1958 وتبين لها من أقوال السيد/ فؤاد قلادة جورجي مأمور المالية الذي قام بالتحقيق الإداري أنه تأكد من أن هذا الملك لم يتم في ديسمبر سنة 1957 وكان إتمامه في أوائل سنة 1958 كما تبين لها من الاطلاع على عقود إيجار مستأجري الملك المشار إليه أن مدة الإجارة تبدأ في أوائل سنة 1958 واتضح لها من أقوال السيد/ صلاح الدين أبو حقه أحد المالكين أن الذي أحضر له الإقرارين إلى محله هو المدعي وهو الذي أملاه بياناتهما ثم أشر عليهما بخطه بأن أحدهما إخطار عن الحصر العام والآخر إخطار عن المستجدات وظهر لها من أقوال السيد/ ربيع سعودي حسن الكاتب بقلم العوائد أنه لا يعرف شيئاً عن الإقرارين المقدمين من السيد/ صلاح الدين أبو حقه وذلك عدا أن المدعي طلب منه في أحد الأيام البحث عنهما ضمن باقي الإقرارات فقام بالبحث وعثر عليهما مسجلين بوساطة أحد كتبة الجرد غير المعروفين فسلمهما للمدعي الذي أمره بتوقيعهما، وتدوين رقمين مسلسلين عليهما ثم أملاه مذكرة عنهما للمديرية تتضمن عدم ربط الملك بالعوائد وثبت لها من الاطلاع على الإقرارين أن على كل منهما تأشيرة بخط المدعي بذات القلم الذي استعمل في تحريرهما انتهت النيابة الإدارية إلى مسئولية المدعي لخروجه على مقتضى الواجب لتسليمه الإقرارين للسيد/ صلاح الدين أبو حقه بمحله وإملائه البيانات الخاصة بهما وعرض الموضوع بمراحله وتفصيلاته مع دفاع المدعي ورأي النيابة الإدارية على مدير المنيا في 29 من أغسطس سنة 1959 فقرر مجازاة المدعي بخصم ثلاثة أيام من ماهيته لأنه خرج على مقتضى واجب وظيفته لتسليمه إخطارين للسيد/ صلاح الدين أبو حقه بمحله وإملائه البيانات الخاصة بها واتهامه رئيس لجنة الجرد بأمور ثبت عدم صحتها.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن النتيجة التي انتهى إليها القرار المطعون فيه مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول موجودة تنتجها مادياً وقانوناً. ومن ثم قام القرار على سببه وطابق القانون. أما ما يسوقه المدعي في دفاعه فلا يعدو أن يكون استئنافاً للنظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى مصدر القرار من دلائل وبيانات وقرائن. وهو باعتباره سلطة تأديبية تختص بإصدار هذا القرار - كما سلف البيان - حر في تقدير تلك الدلائل والبيانات وقرائن الأحوال. - وليس للقضاء الإداري أن يحل نفسه محل جهة الإدارة في هذا الصدد فيستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما هو متروك لفهمها أو وزنها أو تقديرها فالقضاء الإداري إنما هو أداة رقابة قانونية لا تعقب على القرارات التأديبية إلا في حدود هذه الرقابة القانونية التي تجد حدها الطبيعي في التحقيق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار التأديبي مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول موجودة تنتجها مادياً أو قانونياً أم لا.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم تكون الدعوى قائمة على غير أساس سليم من القانون وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ويتعين لذلك القضاء بإلغائه ورفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.