مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 280

(25)
جلسة 28 من ديسمبر سنة 1963

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 784 لسنة 7 القضائية

عقد إداري - الجزاءات التي تملك الإدارة توقيعها على المتعاقد معها الذي أخل بالتزاماته قبلها - التفرقة بين مصادرة التأمين والمطالبة بالتعويض الكامل - مناط جواز الجمع بينهما - هو بحسب الشروط المنصوص عليها في العقد وعدم انصراف نية المتعاقدين إلى اعتبار المصادرة تعويضاً أو جزءاً منه - مثال بالنسبة لعقد استغلال مقصف.
يبين من الاطلاع على بنود العقد المبرم بين محافظة القنال والمطعون عليه وفي نطاق مواد الشروط الخاصة بمزايدة استغلال المقصف المذكور ألا تثريب على الوزارة الطاعنة إذا استعملت حقها الذي خولتها إياه بنود العقد وشروط المزايدة فألغت العقد وصادرت التأمين وراحت أيضاً تطالب بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بها من جراء إخلال المتعاقد معها بالشروط المتفق عليها فمصادرة مبلغ التأمين في الحالة الراهنة هي بمثابة جزاء من الجزاءات التي تملك محافظة القنال المتعاقدة توقيعها على الطرف المتعاقد معها عندما يخل بالتزاماته وذلك بمقتضى المادة 21 من شروط العقد المبرم بينها وبين المدعى عليه بسبب وقوع هذا الإخلال في ذاته أما المطالبة بالتعويض فيقصد بها مواجهة الأضرار التي لحقت بالإدارة من جراء خطأ المتعاقد معها وقد نصت المادة 21 من شروط الاستغلال على أن لجهة الإدارة أن تعتبر هذا العقد ملغي وأنه يترتب على هذا الإلغاء اعتبار التأمين المودع من حق البلوكات وذلك كله دون مساس بحقها في الرجوع على المتعهد بالتعويض عن الأضرار التي تلحقها نتيجة لإخلال المتعهد بتعهداته إذا كان لذلك وجه فليس ثمة - في الخصوصية المعروضة - ما يمنع من الجمع بين هذا الجزاء والتعويض في العقد الإداري المبرم بين الطرفين فلكل منهما سببه ومبرراته ولا تعارض بين هذا الجزاء والتعويض ولا بين أيهما وبين فسخ العقد.
ولا وجه للقياس بين ما سبق أن قضت به هذه المحكمة في الطعن رقم 1156 لسنة 5 القضائية من عدم جواز الجمع بين تعويضين في وقت واحد وبين واقع الحال في خصوصية الدعوى المطروحة لاختلاف وقائع النزاع وشروط التعاقد وطبيعة المبالغ المطالب بها في كل منهما فالمنازعة الراهنة إنما يحكم وقائعها ما تخصص بالنص في شروط التعاقد وهي شروط صحيحة ومشروعة وفي مجال العقد الإداري يتعين إعمالها وتقضي هذه الشروط باستقلال مصادرة مبلغ التأمين عن المطالبة بالتعويض الكامل المستحق عن الأضرار الناتجة عن إخلال المتعهد بتنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد إذ يؤخذ منها أن نية المتعاقدين لم تنصرف إلى اعتبار مصادرة التأمين تعويضاً أو جزاء عن التعويض المستحق عن هذه الأضرار الأمر الذي لا تقوم معه فكرة الجمع بين تعويضين.


إجراءات الطعن

في 8 من فبراير سنة 1961 أودع السيد/ محامي الحكومة سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 784 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري - دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض بجلسة 11 من ديسمبر سنة 1960 في الدعوى رقم 44 لسنة 14 القضائية المقامة من وزارة الداخلية ضد السيد/ نزاع ثابت أحمد والذي قضى: بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة المدعية مبلغ 165.30 مجـ والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 10 من أكتوبر سنة 1959 حتى تمام الوفاء والمصروفات وطلب السيد محامي الحكومة للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه: (الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إنقاص المبلغ المحكوم به إلى مبلغ (105.30 مجـ) والحكم بإلزام المطعون عليه بأن يدفع لوزارة الداخلية مبلغ (15.30 مجـ) والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام الوفاء والمصروفات ومقابل الأتعاب). وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 16 من فبراير سنة 1961 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 28 من يناير سنة 1963 وفيها قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 23 من نوفمبر سنة 1963 حيث سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن وزارة الداخلية أقامت الدعوى رقم 44 لسنة 14 القضائية ضد السيد/ نزاع ثابت أحمد بصحيفة أودعتها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري - دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض مع حافظة مستندات في 10 من أكتوبر سنة 1959 وطلبت الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يدفع لها مبلغ (129.30 مجـ) والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء مع المصروفات ومقابل الأتعاب. وقالت وزارة الداخلية شرحاً لدعواها إن قرار استغلال كانتين فرق الأمن بالإسماعيلية التابعة لمحافظة قنال السويس قد رسا على المدعى عليه في المدة من أول يونيو سنة 1957 حتى آخر يونيو سنة 1958 بجعل سنوي قدره مبلغ 240 جنيهاً تحصل على اثنى عشر قسطاً بواقع كل قسط مبلغ 20 جنيهاً شهرياً تدفع مقدماً في أول كل شهر اعتباراً من أول شهر يونيو سنة 1957 وقد حدث في أواخر شهر أكتوبر سنة 1957 أن قدم المدعى عليه شكوى يلتمس فيها تخفيض الإيجار بحجة نقص عدد أفراد الفرقة عما كان عليه وقت العقد وقد رفض طلبه هذا استناداً إلى شروط الترخيص التي لا تسمح للمتعهد بأن يطلب تخفيض الإيجار لأي سبب من الأسباب بيد أنه أصر على موقفه وتوقف عن دفع الإيجار فلم يدفع من إيجار شهر نوفمبر سنة 1957 سوى مبلغ 6.970 جنيهاً وأبدى أنه لا يمكنه الاستمرار في دفع الإيجار بواقع عشرين جنيهاً شهرياً واستمر في استغلال الكانتين حتى آخر مارس سنة 1958 وأضافت الوزارة المدعية أن المدعى عليه قد امتنع عن دفع الأقساط المستحقة ابتداء من شهر نوفمبر سنة 1957 بالمخالفة لشروط الترخيص فقامت المحافظة بإلغاء العقد، ومصادرة التأمين وطرحت العملية في المزاد من جديد فتقدم المدعى عليه في المزاد الجديد بعطاء قدره عشرة جنيهات لم تعتمده المحافظة وأعادت الإعلان من المزايدة فرست على شخص آخر بواقع ثمانية جنيهات شهرياً اعتباراً من شهر إبريل سنة 1958. واستطردت الوزارة تقول إنه ترتب على ذلك أن استحقت للمحافظة قبل المدعى عليه المبالغ (1) مبلغ مائة جنيه قيمة إيجار المدة من نوفمبر سنة 1957 إلى آخر مارس سنة 1958 (2) مبلغ 36 جنيه فرق إيجار الثلاثة الشهور إبريل ومايو ويونيو سنة 1958 بواقع 12 جنيهاً شهرياً فتكون جملة المستحق 136 جنيهاً يستنزل منه مبلغ 6.970 مجـ قيمة ما دفعه المدعى عليه من إيجار شهر نوفمبر سنة 1957 فيكون الباقي المطلوب منه هو 129.30 مجـ. وبجلسة 11 من ديسمبر سنة 1960 حكمت محكمة القضاء الإداري - دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض - بإلزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة المدعية مبلغ 105.30 مجـ والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 10 من أكتوبر سنة 1959 حتى تمام الوفاء والمصروفات). وأقامت قضاءها هذا على أن التفسير الصحيح للفقرة 53 من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها في مجلس الوزراء في 6 من يوليو سنة 1948 والتي تم التعاقد في ظلها هو أنه لا يجوز لجهة الإدارة أن تجمع بين تعويضين عن فعل ضار واحد بمعنى أنه إذا قررت الإدارة مصادرة التأمين وفسخ العقد، والتعاقد من جديد فلا يجوز لها الرجوع على المتعهد السابق بالفروق الناجمة عن السعر السابق والسعر اللاحق وللإدارة أن تستقطع قيمة التأمين من أصل المبالغ المطالب بها بصفة تعويض باحتساب يبين أن حقيقة المبالغ المستحقة للوزارة المدعية قبل المدعى عليه هي فقط أن التأمين يشكل في الواقع التعويض الاتفاقي الذي تعاقد عليه الطرفان في العقد واستطردت المحكمة تقول إنه بتطبيق هذا النظر على موضوع الدعوى 105.30 مجـ عبارة عن مبلغ 93.30 مجـ قيمة المستحق على المدعى عليه في الشهور نوفمبر وديسمبر سنة 1957 ويناير وفبراير ومارس سنة 1958 مضافاً إلى ذلك مبلغ 36 جنيهاً فروق أقساط إبريل ومايو ويونيو سنة 1958 يخصم من جملة ذلك المبلغ وقدره 129.30 مجـ مقدار التأمين - هو التعويض الاتفاقي - وقدره 24 جنيهاً فيكون الباقي بعد الخصم هو 105.30 مجـ وهو ما قضت به المحكمة، وألزمت المدعى عليه بأدائه فقط للوزارة المدعية مع فوائده القانونية.
وفي 8 من فبراير سنة 1961 أودع السيد/ محامي الحكومة تقريراً بالطعن في الحكم المذكور تأسيساً على حكم البند 21 من شروط الترخيص وقالت الحكومة أنه لا مقنع فيما ذهبت إليه المحكمة من أن التأمين يشكل في الواقع التعويض الاتفاقي الذي تعاقد عليه الطرفان ولا يجوز الجمع بين تعويضين عن فعل واحد. لا مقنع في هذا النظر لأن الغرض من التأمين هو ضمان قيام المتعاقد بتنفيذ التزامه بحيث إذا قصر كان لجهة الإدارة مصادرة التأمين بغض النظر عن الأضرار التي تكون قد لحقت بها فضلاً عن أن مصادرة التأمين تتضمن عقوبة على المتعاقد المخل بالتزاماته ولا مانع قانوناً من أن تجمع الإدارة بين أكثر من جزاء طالما تحقق السبب المسوغ لتوقيع كل جزاء وانتهى تقرير طعن الحكومة إلى طلب الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إنقاص المبلغ المحكوم به إلى مبلغ 129.30 مجـ والحكم بإلزام المطعون عليه بأن يدفع للوزارة الطاعنة مبلغ 129.30 مجـ والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن محافظة القنال - وزارة الداخلية - أعلنت في غضون عام 1957 عند قبول عطاءات عن استغلال مقصف بلوكات النظام بالإسماعيلية لمدة سنة تبدأ من أول يوليو سنة 1957 وتنتهي في آخر يونيو سنة 1958 وذلك طبقاً لشروط خاصة بمزايدة استغلال هذا المقصف فتقدم المطعون عليه ورسا عليه العطاء ووقع عقد إيجار استغلال المقصف في 24 من أغسطس سنة 1957 كما وقع صورة الشروط الخاصة بمزايدة استغلاله وقرر في البند الأخير من هذا الشرط أنه يقبل استئجار هذا المقصف بالشروط السالفة الذكر في نظير جعل سنوي قدره 240 جنيهاً وقدم التأمين الابتدائي وقدره 4.800 مجـ بواقع 2% من الجعل السنوي متعهداً بسداد باقي التأمين وتكملته إلى ما يوازي 10% في حالة رسو العطاء عليه وقد جاء في البند الثاني من عقد الإيجار أنه يتعهد بأن يدفع نظير هذا الاستغلال مبلغ 240 جنيهاً عن المدة كلها - من أول يوليو سنة 1957 إلى آخر يونيو سنة 1958 - على أن يسدد هذا المبلغ على اثنى عشر قسطاً بواقع 20 جنيهاً شهرياً تدفع مقدماً في أول كل شهر اعتباراً من أول شهر يوليو سنة 1957 وجاء في البند الثالث من العقد أن هذا الاستغلال يخضع لجميع الشروط التي قدم المطعون عليه عطاءه على أساسها في المزايدة الني نشرتها المحافظة يوم 13 من يونيه سنة 1957 وهو ملزم بتنفيذ كل ما جاء بها ونص في البند الرابع من هذا العقد على أن التأمين النهائي عن هذه العملية هو مبلغ 24 جنيهاً قام الطرف الثاني نزاع ثابت أحمد بسداده كما يلي 4.800 مجـ تأمين مؤقت بموجب حوالة حكومية رقم 7516/ 54 +19.200 مجـ كحالة التأمين النهائي بموجب قسمية رقم 851969 فيكون المجموع 24 جنيهاً وتنص الفقرة الثانية من هذا البند الرابع على ما يأتي: " وهذا التأمين يبقى مودعاً بأمانات المحافظة حتى نهاية العقد ضماناً لقيام الطرف الثاني بتنفيذ جميع بنود هذا العقد وشروط المزايدة الملحقة ولا يرد إليه ما لم يقم بوفاء تعهده على الوجه الأكمل" وتقضي المادة 10 من الشروط الخاصة بالمزايدة بأن على من يرسو عليه المزاد خلال العشرة الأيام التالية لإخطاره بقبول عطائه أن يودع لدى المحافظة مبلغاً يكمل به التأمين الابتدائي المودع منه بما يوازي 10% من الجعل السنوي وذلك تأميناً لقيامه بتنفيذ جميع تعهداته ويظل هذا التأمين محفوظاً لدى المحافظة لهذا الغرض إلى نهاية المدة المحددة في المادة الأولى من 1/ 7/ 1957 وتنتهي في 30/ 6/ 1958 وجرت المادة 11 من هذه الشروط بما يأتي: يقوم المتعهد بدفع الجعل السنوي المبين بالعطاء مقدماً عند الإخطار بقبول عطائه ويجوز تقسيطه على اثنى عشر قسطاً تدفع على أقساط شهرية مقدماً في اليوم الأول من كل شهر بمقر الكانتين فإذا تأخر في قسط تحل الأقساط الباقية وليس للمتعهد أن يطالب بتخفيض الجعل الذي حدده في عطائه والذي رسا المزاد على أساسه استناداً إلى ارتفاع التكاليف أو زيادة أجور العمال أو لغير ذلك من الأسباب ولا يقبل منه الاحتجاج بوقوع أي سبب أو خطأ في تحديد قيمة الجعل أو غير ذلك من البيانات التي تضمنها عطاؤه وتجري المادة 21 من هذه الشروط على النحو الآتي: (إذ أخل المتعهد بأي شرط من الشروط أو استغل الكانتين بكيفية ترى البلوكات أنها ماسة بالصحة أو النظام فلها أن تعتبر هذا العقد ملغي ويترتب على هذا الإلغاء اعتبار التأمين المودع من حق البلوكات وذلك دون حاجة إلى إنذار أو تنبيه أو اتخاذ أي إجراء قضائي ودون مساس بحق البلوكات في الرجوع على المتعهد بالتعويض على الأضرار التي تلحقها نتيجة الإخلال بتعهداته إذا كان لذلك وجه).
ومن حيث إن المطعون عليه طلب في شهر أكتوبر سنة 1957 إلى جهة الإدارة تخفيض الجعل المتفق عليه بدعوى نقص عدد أفراد الفرقة عما كان عليه وقت التعاقد ولما كان هذا الطلب مخالفاً لصريح نص المادة 11 من الشروط الخاصة وهي التي تقضي بأنه ليس للمتعهد أن يطالب بتخفيض الجعل الذي حدده في عطائه والذي رسا المزاد على أساسه استناداً إلى ارتفاع التكاليف أو زيادة أجور العمال أو لغير ذلك من الأسباب ولا يقبل منه الاحتجاج بوقوع أي سبب أو خطأ في تحديد قيمة الجعل أو غير ذلك من البيانات التي تضمنها عطاؤه فقد رفضته الإدارة فوراً - وفي شهر نوفمبر سنة 1957 قام المتعهد بتسديد مبلغ 6.170 مجـ فقط من قيمة قسط الشهر المذكور ثم امتنع بعد ذلك عن سداد قيمة الأقساط المتفق عليها حتى آخر شهر مارس سنة 1958 مما حمل جهة الإدارة إلى أن تبعث إليه بالكتاب التالي: "نعلمكم بكتابنا هذا بأنه نظراً لتوقفكم عن استغلال كانتين فرق أمن الإسماعيلية وامتناعكم عن دفع جعل هذا الاستغلال اعتباراً من شهر نوفمبر سنة 1957 فقد اضطرت الحكمدارية إلى تطبيق المادة 11 من شروط الاستغلال وفسخ العقد المبرم وطرح العملية في مزايدة جديدة رست بمبلغ ثمانية جنيهات شهرياً وبما أن التعاقد معكم كان على جعل 240 جنيهاً سنوياً أي بمبلغ عشرين جنيهاً شهرياً فقد أصبحت المبالغ المستحقة عليكم: مائة جنيه إيجار المدة من نوفمبر سنة 1957 إلى آخر مارس سنة 1958 يضاف إلى ذلك مبلغ 36 جنيه فرق إيجار الثلاثة أشهر وهي إبريل ومايو ويونيو سنة 1958 بواقع 12 جنيه الفرق بين الإيجار القديم والجديد فيكون المجموع 136 جنيه يخصم منه ما قمتم بتسديده في شهر نوفمبر سنة 1957 وهو مبلغ 6.970 مجـ فقط فيكون باقي المطلوب 129.30 مجـ فالأمل سداد هذا المبلغ لخزينة قسم بوليس الإسماعيلية في ظرف أسبوع واحد من تاريخه.
يبين من الاطلاع على بنود العقد المبرم بين محافظة القنال والمطعون عليه وفي نطاق مواد الشروط الخاصة بمزايدة استغلال المقصف المذكور لا تثريب على الوزارة الطاعنة إذا استعملت حقها الذي خولتها إياه بنود العقد وشروط المزايدة فألغت العقد وصادرت التأمين وراحت أيضاً تطالب بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بها من جراء إخلال المتعاقد معها بالشروط المتفق عليها فمصادرة مبلغ التأمين في الحالة الراهنة هي بمثابة جزاء من الجزاءات التي تملك محافظة القنال المتعاقدة توقيعها على الطرف المتعاقد معها عندما يخل بالتزاماته وذلك بمقتضى المادة 21 من شروط العقد المبرم بينها وبين المدعى عليه بسبب وقوع هذا الإخلال في ذاته أما المطالبة بالتعويض فيقصد بها مواجهة الأضرار التي لحقت بالإدارة من جراء خطأ المتعاقد معها وقد نصت المادة 21 من شروط الاستغلال على أن لجهة الإدارة أن تعتبر هذا العقد ملغي وأنه يترتب على هذا الإلغاء اعتبار التأمين المودع من حق البلوكات وذلك كله دون مساس بحقها في الرجوع على المتعهد بالتعويض عن الأضرار التي تلحقها نتيجة لإخلال المتعهد بتعهداته إذا كان لذلك وجه فليس ثمة - في الخصوصية المعروضة - ما يمنع من الجمع بين هذا الجزاء والتعويض في العقد الإداري المبرم بين الطرفين فلكل منهما سببه ومبرراته ولا تعارض بين هذا الجزاء والتعويض ولا بين أيهما وبين فسخ العقد.
ولا وجه للقياس بين ما سبق أن قضت به هذه المحكمة في الطعن رقم 1156 لسنة 5 القضائية من عدم جواز الجمع بين تعويضين في وقت واحد وبين واقع الحال في خصوصية الدعوى المطروحة لاختلاف وقائع النزاع وشروط التعاقد وطبيعة المبالغ المطالب بها في كل منهما فالمنازعة الراهنة إنما يحكم وقائعها ما تخصص بالنص في شروط التعاقد وهي شروط صحيحة ومشروعة وفي مجال العقد الإداري يتعين إعمالها وتقضي هذه الشروط باستقلال مصادرة مبلغ التأمين عن المطالبة بالتعويض الكامل المستحق عن الأضرار الناتجة عن إخلال المتعهد بتنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد إذ يؤخذ منها أن نية المتعاقدين لم تنصرف إلى اعتبار مصادرة التأمين تعويضاً أو جزءاً من التعويض المستحق عن هذه الأضرار الأمر الذي لا تقوم معه فكرة الجمع بين تعويضين.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه، وإلزام المدعى عليه بأن يدفع لوزارة الداخلية المدعية مبلغ 129.30 مجـ (مائة وتسعة وعشرين جنيهاً مصرياً وثلاثين مليماً) وفوائده القانونية بواقع 4% (أربعة في المائة) سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 10 من أكتوبر سنة 1959 حتى تمام الوفاء والمصروفات.