مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة 32 - الجزء الثاني (أول مارس 1987 - 30 سبتمبر 1987) - صـ 1020

(155)
جلسة 28 من مارس سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي والسيد السيد عمر ومحمود صفوت عثمان - المستشارين.

الطعن رقم 318 لسنة 33 القضائية

آثار - ثبوت صفة الأثرية للعقار أو المنقول.
القانون رقم 117 لسنة 1983 بإصدار قانون حماية الآثار.
صفة الأثرية تثبت للعقار أو المنقول متى كانت له قيمة أو أهمية تاريخية باعتباره مظهراً من مظاهر الحضارات التي قامت على أرض مصر حتى ما قبل مائة عام - تختص هيئة الآثار بلجانها الفنية والأدبية بإثبات صفة الأثرية - متى قدرت الهيئة المذكورة أن للدولة مصلحة قومية في حفظ عقار أو منقول توافرت له صفات الأثر فإنه يخرج من نطاق الحد الزمني المشار إليه - تقدير صفة الأثرية في هذه الحالة يكون بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض وزير الثقافة - متى ثبتت صفة الأثرية لعقار أو منقول فإنه يتعين تسجيل هذا الأثر بالإجراءات والقواعد المقررة بالمادة (12) من القانون رقم 117 لسنة 1983 - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 25/ 12/ 1986 أودعت الأستاذة..... المحامية نيابة عن الأستاذ عصمت رزق المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها العام تحت رقم 318 لسنة 33 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري دائرة منازعات الأفراد والهيئات بجلسة 27/ 11/ 1986 في الدعوى رقم 2737 لسنة 40 ق فيما قضى به من وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات، وطلب الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لخطورة الوضع الناتج عن تنفيذ هذا الحكم والذي يتمثل في هدم العقار الأثري محل النزاع، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده بالمصروفات. وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقرير مسبباً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء هذا الحكم وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه. ونظرت دائرة فحص الطعون الطعن على الوجه الثابت بمحاضر الجلسة حتى قررت بجلسة 2/ 3/ 1978 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) وحددت لنظره أمامها جلسة 14/ 3/ 1987 وأمرت بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه. وفي هذه الجلسة الأخيرة نظرت المحكمة الطعن على الوجه المبين بالمحضر وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم 28/ 3/ 1987 وصرحت لمن يشاء بتقديم مذكرات خلال أسبوع. وفي 21/ 3/ 1987 أودع الحاضر عن المطعون ضده حافظة مستندات تضمنت صورة ضوئية من كتاب صادر من الإدارة العامة للإيرادات بمحافظة القاهرة يفيد أن العقار محل النزاع متخرب جميعه ولا تتضح له أي معالم أو أوصاف، بل هو عبارة عن حوائط متهدمة كلياً. وبالجلسة المحددة صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع المنازعة تخلص على ما يبين من أوراق الطعن في أن المطعون ضده كان قد أقام دعوى رقم 2737 لسنة 40 ق أمام محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار وزير الثقافة رقم 290 الصادر بتاريخ 18/ 11/ 1985 باعتبار العقار المملوك له مقيداً ضمن الآثار الإسلامية مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقال شارحاً لدعواه أنه يمتلك العقار رقم 16 بشارع الشرايبي بالغورية بقسم الدرب الأحمر بمحافظة القاهرة بعقود مسجلة عامي 1971 و1983 دون اعتراض من الشهر العقاري أو أية جهة أخرى. ولمجرد كون هذا العقار حماماً قديماً فوق بعض الغرف وآيل للسقوط فإن بعض العاملين في هيئة الآثار هدم العقار حتى سطح الأرض فوراً لخطورته. وبذلك أصبح في وضع خطير: إذ تحمله الجهات البلدية المسئولية عن تنفيذ قرار الهدم الذي أصبح نهائياً. كما أن هيئة الآثار تنذره وتطلب منه الحفاظ على العقار بحالته الخطيرة التي تعرض الأرواح للخطر. وقد أمرت الهيئة عمالها بدخول العقار وتحطيم الكثير من أجزائه لإعادة بنائه. واستولت على أموال مملوكة له رغم حظر الدستور المساس بالملكية الفردية أو الاستيلاء عليها إلا بعد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعويض المالك. ونعى المطعون ضده على القرار المطعون فيه بالانعدام لصدوره من غير مختص بإصداره لأن الاختصاص بتقرير أثرية المال معقود لرئيس الوزراء ولا يجوز لوزير الثقافة أن يصدر قراراً يقيد الأثر في سجلات الآثار بعد صدور قرار رئيس الوزراء باعتبار المال أثراً. كما صدر القرار المطعون فيه بالمخالفة للأحكام الواردة في قرار وزير الثقافة رقم 194 لسنة 1984 في شأن بعض الأحكام المنفذة لقانون الآثار الذي استوجب عرض الأمر على لجنة من العلماء والمختصين في الآثار. لإبداء الرأي فيما إذا كان مال معين يعتبر أثراً في حكم المادة الأولى من قانون الآثار. والثابت أن الموضوع لم يعرض على اللجنة المشار إليها، وبالتالي جاء العرض على اللجنة الدائمة بعد ذلك قاصراً ومخالفاً لأحكام القانون. والثابت أن العقار موضوع النزاع لا يعد أثراً لخلوه من العناصر التي حددها المشرع لاعتبار العقار أثراً طبقاً للمادة الأولى من القانون. فهو لا يرتبط بحضارة معينة أو بعصر من العصور ولا ينطوي على أي وجه من وجوه الفن أو الجمال. فضلاً عن أنه عقار متهالك متداع للسقوط صدر بشأنه قرار هدم حتى سطح الأرض تفادياً للخطر على الأموال والأرواح. وليس صحيحاً ما تدعيه هيئة الآثار من اشتمال البند 25 من توصيات لجنة الحرم على هذا العقار. ويبين من الاطلاع على صورة هذا البند أن الحرم المقترح لوكالة الشرايبي المسجلة كأثر برقم 460 هو: من الجهة الشرقية يعتبر شارع الشرايبي حرماً، ومن الجهة الغربية يؤخذ مقدار 12 متر حرماً، ومن الجهة الشمالية 12.5 متراً حرماً وعلى ذلك فلا صلة بهذا البند بعقار النزاع، فهو لا يشمله باعتباره حرماً، ومن غير المقبول أن يكون الأثر ذاته هو واجهة وكالة الشرايبي في حدود ثلاثة أو أربع أمتار، ويخصص له حرم هو عقار النزاع ومساحته 660 متراً ولم تمتد يد هيئة الآثار إلى العقار إلا في أواخر عام 1983 بينما اعتبرت وكالة الشرايبي من الآثار منذ عشرات السنين. ولم تدخل هيئة الآثار عقار النزاع في حسابها، ولن تدع في أي وقت من قبل أنه من الآثار. فضلاً عما هو ثابت من تكرار التعامل وصدور قرارات رخصت باستخدامه حماماً طبقاً للقوانين واللوائح. ولو كان أثراً لما صدرت هذه القرارات بالترخيص. وأخيراً فقد قامت جهات البلدية المختصة بمعاينة العقار فوجدته عبارة عن عدد من الغرف القديمة الآيلة للسقوط بشكل خطير مقامة فوق الحمام فأصدرت القرار رقم 156 لسنة 1983 بهدمه.
ومن حيث إن الجهة الإدارية قد ردت على الدعوى بمذكرة دفعت فيها بعدم قبول الدعوى شكلاً لإقامتها بعد المواعيد المقررة لإقامة دعوى الإلغاء، كما دفعت بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمدعى عليه الثاني (محافظ القاهرة) لرفعها على غير ذي صفة: تأسيساً على أن القرار المطعون فيه قد صدر من وزير الثقافة، وتنحصر طلبات المدعي (المطعون ضده) في وقف تنفيذ وإلغاء هذا القرار وبالتالي فلا محل لاختصام محافظ القاهرة. كما طلبت الجهة الإدارية رفض طلب وقف التنفيذ تأسيساً على أن القرار المطعون فيه قد تم تنفيذه بالفعل، حيث قامت هيئة الآثار بتسلم المبنى وملحقاته فعلاً، واتخذت كافة الإجراءات اللازمة للمحافظة عليه وتسجيله ضمن الآثار الإسلامية، وبالتالي لا يقوم ركن الاستعجال في هذا الطلب. كما لا يتوفر أيضاً ركن الجدية لأن الثابت أن القرار قد صدر من مختص بإصداره، وهو وزير الثقافة الذي ينعقد له الاختصاص ابتداء بقيد العقار ضمن الآثار الإسلامية، ولم ينص على اعتباره أثراً مما يختص به رئيس مجلس الوزراء. وهو قرار صادر وفقاً للإجراءات المقررة وفي ضوء ما نصت عليه المادة 12 من القانون رقم 117 لسنة 1983 التي لم تشترط لصدور هذا القرار بقيد وتسجيل الأثر سوى أن يكون بناء على اقتراح مجلس إدارة هيئة الآثار، كما صدر القرار بعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار السلامية والقبطية بعد أن ثبت من المعاينة أنه أثر له قيمة حضارية وفنية يتعين الحفاظ عليها. ومن ثم يكون طلب وقف التنفيذ قد افتقد أيضاً شرط الجدية مما يتعين معه رفض الطلب.
ومن حيث إنه بجلسة 27/ 11/ 1986 حكم المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وأقامت قضائها على أن المشرع خول وزير الثقافة بمقتضى القانون رقم 117 لسنة 1983 سلطة إصدار القرار بتسجيل العقار كأثر. إلا أن ذلك مشروط بطبيعة الحال بتوافر صفة الأثر في العقار وفقاً للمفهوم الذي حدده المشرع لمعنى الأثر، بأن تكون له قيمة أثرية أو تاريخية باعتباره مظهراً من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على أرض مصر أو لها صلة تاريخية بها، وقد خلت المستندات المقدمة من جهة الإدارة مما يدل على الأهمية الأثرية أو التاريخية المشار إليها للعقار محل النزاع. ومن ثم فإن قرار الجهة الإدارية بتسجيله بوصفه من العقارات الأثرية غير مستند لأصول وأسباب سائغة لما انتهت إليه من نتيجة سواء من ناحية الواقع أو القانون. كما أن العقار محل النزاع في حاله انهيار وتهدم كاملين ولا جدوى من ترميمه لخطورته، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه الصادر من وزير الثقافة بقيد العقار محل النزاع ضمن الآثار الإسلامية وتسجيله كأثر قرار غير مشروع بحيث الظاهر من الأوراق، مما يتوافر معه لطلب وقف التنفيذ ركن الجدية. فضلاً عن توافر ركن الاستعجال لما استبان من الأوراق من خطورة بقاء الحال على ما هو عليه، بكل ما ينطوي عليه ذلك من تهديد للأرواح والأموال مع ما قد يرتبه ذلك من مسئولية المدعي (المطعون ضده). بالإضافة إلى أن تسجيل العقار كأثر لن يترتب عليه سوى غل يد المدعي عن التصرف في العقار واستغلاله بوصفه مالكاً له، ومن ثم فقد انتهت المحكمة إلى إجابة المطعون ضده إلى طلبه وقضت بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه قد صدر باطلاً بطلاناً مطلقاً لمخالفته للنظام العام والقانون: لصدوره في دعوى غير مقبولة شكلاً، ولوقفه تنفيذ قرار صدر صحيحاً وفقاً لأحكام القانون ومن المختص بإصداره، ودون أن تتوفر حالة الاستعجال التي تشكل ركناً في القضاء بوقف التنفيذ. فالثابت أن القرار المطعون فيه وصل إلى علم المطعون ضده فور صدوره في 27/ 2/ 1985. وإذ أقام دعواه في 19/ 3/ 1986 فإنها تكون غير مقبولة شكلاً لإقامتها بعد الميعاد المقرر بحوالي عشرين يوماً. والدفع بعدم القبول شكلاً في مثل هذه الحالة هو دفع متعلق بالنظام العام ويجوز إبداؤه في أية مرحلة من مراحل الدعوى، ولو لأول مرة أمام المحكمة الإدارية العليا. وليس صحيحاً ما قال به الحكم من أن الأوراق قد جاءت خالية مما يثبت أهمية هذا العقار من الناحية الأثرية والتاريخية: ذلك أن محاضر المعاينة التي قامت بها اللجان التي شكلتها الهيئة لهذا الغرض والصور الفوتغرافية الملونة المودعة جميعها حوافظ المستندات المقدمة من الهيئة تكشف بما لا يدع مجالاً للشك أن العقار موضوع المنازعة المعروف باسم حمام الشرايبي يعتبر جزاء لا يتجزأ من وكالة الشرايبي الأثرية المسجلة ضمن الآثار وهو عبارة عن حمام شعبي يرجع بناؤه إلى تاريخ بناء الوكالة الأثرية في العصر العثماني وفي القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي)، ويمتاز من الناحية الأثرية بأنه يمثل طرازاً معمارياً فريداً يعبر عن عصر بنائه. وهو من الناحية التاريخية يمثل نمطاً من أسلوب الحياة الاجتماعية السائدة في مصر في هذا العصر. ولقد جوبهت الهيئة بصدور القرار رقم 156 لسنة 1983 من حي وسط القاهرة بهدم العقار محل المنازعة حتى سطح الأرض وإزالته تماماً فكان من المتعين المحافظة عليه بإخضاعه لقانون الآثار. وهذا حق مكفول للهيئة تجريه بمالها من سلطة تقديرية في هذا الشأن للحفاظ على الأثر وإجراء الترميمات والإصلاحات اللازمة لإعادته إلى أصله حماية للثروة القومية الأثرية. ولقد جانب الحكم المطعون فيه الصواب إذ انتهى إلى توافر ركن الاستعجال استناداً إلى أن العقار محل النزاع في حالة انهيار وتهدم ولا جدوى من ترميمه لخطورته. ذلك أن المعاينة قد أثبتت أن حالة هذا العقار الأثري غير مهددة بالسقوط: فقد تشكلت لجنة هندسية وفنية من مهندس وأثرى الهيئة بتاريخ 26/ 2/ 1984 وانتهت إلى أنه يتعين عدم تنفيذ قرار الهدم الصادر من حي وسط القاهرة لأن حالة الأثر غير خطرة، وأنه يتعين إزالة العشش الحديثة المقامة فوق سطح الأثر، على أن تقوم الهيئة فوراً باتخاذ الإجراءات اللازمة لترميم الأثر جميعه. وإذ جاء الحكم المطعون فيه على خلاف ذلك وقضى بوقف تنفيذ القرار فيكون قد صدر بالمخالفة لحقيقة الوقائع مشوباً بالفساد في الاستدلال، الأمر الذي يتعين معه الحكم بإلغائه والقضاء برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه عن الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى شكلاً لإقامتها بعد الميعاد فالثابت أن القرار المطعون فيه قد نشر في الوقائع المصرية بالعدد رقم 28 بتاريخ 2/ 2/ 1986 وأقام المطعون ضده الدعوى بتاريخ 19/ 3/ 1986 خلال الميعاد القانوني المقرر لإقامة دعوى الإلغاء ولا يغير من ذلك ما قالت به الهيئة الطاعنة من أن المطعون ضده علم بالقرار فور صدوره في 18/ 1/ 1985، وإذ جاءت جميع الأوراق خلواً مما يفيد إعلانه بالقرار أو علمه به علماً يقيناً شاملاً بما يسمح له بتحديد مركزه القانوني إزاءه من حيث الطعن فيه، لأن إجراء المعاينات وقيام العاملين في الهيئة من المهندسين والأثريين بالتردد على الوكالة أو مبادرة المذكور بتقديم شكاوى أو خلافه في إطار المنازعة التي أصبح حي وسط القاهرة طرفاً فيها مؤازرة المطعون ضده ألا يستشف منه قيام هذا العلم اليقيني الشامل، ويتعين في ضوء ذلك الالتفات عن هذا الوجه ومن حيث إن المادة الثانية من القانون رقم 117 لسنة 1983 بإصدار قانون حماية الآثار تنص على أن "يقصد بالهيئة في تطبيق أحكام هذا القانون هيئة الآثار المصرية، كما يقصد باللجنة الدائمة المختصة بالآثار المصرية القديمة وآثار العصور البطلمية والرومانية أو اللجنة المختصة بالآثار الإسلامية والقبطية ومجالس إدارات المتاحف بحسب الأحوال.. كما تنص المادة (1) من القانون على أن "يعتبر أثراً كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى ما قبل مائة عام متى كانت له قيمة وأهمية أثرية أو تاريخية باعتباره مظهراً من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على أرض مصر أو كانت لها صله تاريخية بها.." ونصت المادة الثانية من ذات القانون على أنه "يجوز بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض الوزير المختص بشئون الثقافة أن يعتبر أي عقار أو منقول ذا قيمة تاريخية أو علمية أو دينية أو فنية أو أدبية أثراً متى كانت الدولة مصلحة قومية في حفظه وصيانته وذلك دون التقيد بالحد الزمني الوارد بالمادة السابقة، ويتم تسجيله وفقاً لأحكام هذا القانون..." كما نصت المادة 12 من ذات القانون على أن "يتم تسجيل الأثر بقرار من الوزير المختص بشئون الثقافة بناء على اقتراح مجلس إدارة الهيئة" ويعلن القرار الصادر بتسجيل الأثر العقاري إلى مالكه أو المكلف باسمه بالطريق الإداري، وينشر في الوقائع المصرية، ويؤشر بذلك على هامش تسجيل العقار في الشهر العقاري. ويبين مما تقدم أن صفة الأثرية تثبت للعقار أو المنقول متى كانت له قيمة أثرية أو أهمية تاريخية باعتباره مظهراً من مظاهر الحضارات التي قامت على أرض مصر حتى ما قبل مائة عام. وهذا أمر تقوم عليه هيئة الآثار بلجانها الفنية والأثرية الدائمة التي تقوم بإبداء الرأي في ثبوت هذه الصفة، فإذا ما قدرت الهيئة أن للدولة مصلحة قومية في حفظ عقار أو منقول تتوافر له صفات وعناصر الأثر بالمفهوم السابق ويخرج من نطاق الحد الزمني المقرر في المادة الأولى، فإن تقرير صفة الأثرية هذه الحالة لا يكون إلا بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناء على عرض وزير الثقافة، فإذا ما ثبت صفة الأثرية لعقار أو منقول سواء وفقاً لحكم المادة الأولى أو الثانية من القانون قام الوزير المختص بشئون الثقافة بناء على اقتراح مجلس إدارة الهيئة بتسجيل الأثر العقاري بالإجراءات والقواعد المقررة بنص المادة 12 من القانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن العقار موضوع المنازعة المعروف باسم حمام الشرايبي هو جزء من وكالة الشرايبي المسجلة كأثر برقم 360 بمدينة القاهرة، ويكون معها كتلة معمارية واحدة. ويرجع بناؤه إلى تاريخ الوكالة في العصر العثماني في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي). وهو نموذج نادر من حمامات العصر العثماني يمثل طرازاً معمارياً فريداً: إذ يمتاز بالأعمدة الأثرية والأرضيات الرخامية النادرة المزينة بالفسيفساء الملونة. هذا فضلاً عما به من مغاطس وفسقيات نادرة من الرخام والألباستر والمشغولات الخشبية من مشربيات وأبواب ومقابض وزجاج ملون نادر. وهو يمثل في نهاية الأمر نمطاً من أساليب الحياة الاجتماعية السائدة في ذلك العصر تجعل له قيمة تاريخية يتعين الحفاظ عليها وحمايتها.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه قد صدر بتسجيل العقار محل النزاع كأثر لما ثبت له من قيمة أثرية وتاريخية على التفصيل السابق بيانه، بعد عرض الأمر على اللجنة العلمية الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية التي تضم كبار العلماء والمتخصصين في الآثار الإسلامية وأساتذة هندسة العمارة الإسلامية وانتهت إلى ثبوت أثرية العقار وأنه يتعين الحفاظ علية وترميمه. وقد صدر قرار اللجنة الدائمة المشار إليها بجلسة 16/ 4/ 1984 وتأيد قرارها بالموافقة التي صدرت عن مجلس إدارة الهيئة بتاريخ 20/ 10/ 1986. وبذلك يكون القرار المذكور قد صدر من المختص بإصداره وبعد اتخاذ كافة الإجراءات التي تطلبها القانون لتسجيل الأثر الذي يتم بقرار من وزير الثقافة بناء على اقتراح مجلس إدارة الهيئة. ومتى كان ذلك فإن طلب وقف تنفيذ هذا القرار يكون مفتقداً بحسب الظاهر من الأوراق لركن الجدية الذي يتعين توافره مع ركن الاستعجال للحكم بوقف تنفيذ القرار على ما يجري عليه القضاء الإداري وغني عن البيان أنه لا يغير من الحكم المتقدم ما يقول به المطعون ضده من أن العقار محل النزاع ليس سوى بناء متداعياً آيلاً للسقوط، وأن جهة التنظيم المختصة بمحافظة القاهرة قد أصدرت قراراً بهدم العقار حتى سطح الأرض لما يمثله ذلك من خطر على الأرواح والممتلكات، أو أن مهندسي الهيئة الطاعنة سبق لهم وضع تقرير عن حالة العقار يفيد أنه يلزم إعادة ترميمه بما يعادل 90% من مبانيه وهو ما يؤكد الأسباب التي قام عليها قرار التنظيم بضرورة هدم العقار حتى سطح الأرض. ذلك أن الثابت من الأوراق أن هذا الحمام الأثري قد تمت معاينته من المختصين بالهيئة من الأثريين والمهندسين المختصين في العمارة الإسلامية وخلصوا جميعاً إلى أنه يتعين الحفاظ عليه والقيام بترميمه. وقد شرعت الهيئة فعلاً في إجراء الترميم المطلوب وهذا أمر يدخل في صلاحياتها الفنية والهندسية بلا معقب عليها من جهات إدارية أخرى لا يدخل في صلاحياتها أو اختصاصاتها تقرير مثل هذه الأمور الفنية الدقيقة التي تختص هيئة الآثار الطاعنة وحدها بإجرائه واتخاذ القرار بشأنه. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه على خلاف هذا النظر فيكون قد جانب الصواب ويتعين الحكم بإلغائه ورفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المطعون ضده بالمصروفات.