مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 316

(28)
جلسة 28 من ديسمبر سنة 1963

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 732 لسنة 8 القضائية

موظف - تأديب - معاش - القانون رقم 50 لسنة 1963 الخاص بالتأمينات والمعاشات - النص في هذا القانون على عدم جواز حرمان المنتفع أو صاحب المعاش من المعاش أو المكافأة إلا بحكم تأديبي وفي حدود الربع - سريان هذا الحكم على جميع الموجودين في الخدمة وقت العمل به - مقتضى ذلك إعماله بالنسبة للموظف المحكوم تأديبياً بعزله مع حرمانه من المعاش أو المكافأة قبل نفاذ القانون متى كان هذا الحكم قد طعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا - أساس ذلك - أثره تعديل الحكم المطعون فيه وقصر الحرمان على الربع فقط.
إنه وإن كان الحكم التأديبي المطعون فيه قد أصاب وجه الحق فيما انتهى إليه بجلسة 26 من ديسمبر سنة 1961 من أن المتهم ما برح سادراً في غيه وأصم أذنيه عن نداء المصلحة العامة، ومن ثم كان لزاماً استئصاله من جسم الجهاز الحكومي بعد إذ أضحى غير أهل للبقاء في وظيفته، مع حرمانه مما قد يستحقه من معاش أو مكافأة، ولكن صدر ونشر بعد ذلك القانون رقم 50 لسنة 1963 الخاص بالتأمينات والمعاشات، ونص في المادة 36 منه على أنه لا يجوز حرمان المنتفع أو صاحب المعاش من المعاش أو المكافأة إلا بحكم تأديبي وفي حدود الربع.... كما نص في المادة 3 منه على سريان الأحكام الواردة في بعض مواده ومنها المادة 36 على جميع الموجودين في الخدمة وقت العمل بهذا القانون أي اعتبار من 2 من مايو سنة 1963. وإذا كان الحكم المطعون فيه قد صدر بجلسة 26 من ديسمبر سنة 1961 بمجازاة الطاعن بالعزل من الوظيفة، مع حرمانه من المعاش أو المكافأة قبل صدور ونشر القانون رقم 50 لسنة 1963 فغني عن البيان أن هذا الحكم وقد طعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا، لم يكتسب بعد حصانة الحكم النهائي ذي الحجية القانونية القاطعة. فإلى أن يفصل في الطعن الراهن بصدور هذا الحكم يظل أمر الطاعن معلقاً في خصوص صفته بالوظيفة العامة التي لم تنقطع بعد بحكم نهائي، ومن ثم فإن أحكام القانون الجديد رقم 50 لسنة 1963 تسري على حالته بأثر حال مباشر يترتب عليه تعديل الفقرة الأخيرة وحدها من منطوق الحكم المطعون فيه فيما قضى به من حرمان الطاعن من المعاش أو المكافأة، وقصر هذا الحرمان على الربع فقط.


إجراءات الطعن

في 24 من فبراير سنة 1962 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة بناء على طلب المهندس محمد جمال الدين عبد الفتاح المحكوم بعزله، سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 332 لسنة 8 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة موظفي وزارات الصحة العمومية والإسكان والمرافق والأوقاف، بجلسة 26 من ديسمبر سنة 1961 في الدعوى التأديبية المقيدة بالجدول العام برقم 25 لسنة 4 القضائية ضد المهندس محمد جمال الدين عبد الفتاح بالإدارة العامة للقوى الميكانيكية والكهربائية بوزارة الإسكان والمرافق والذي قضى: (بمجازاة المتهم محمد جمال الدين عبد الفتاح المهندس بالإدارة العامة للقوى الميكانيكية والكهربائية والإسكان والمرافق، بالعزل من الوظيفة مع حرمانه من المعاش أو المكافأة). وطلب السيد/ رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه (قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً) وقد أعلن هذا الطعن إلى ذوى الشأن في 9، 16 من إبريل سنة 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 2 من فبراير سنة 1963 وفيه طلبت الدائرة ضم ملف خدمة المهندس المقدم إلى المحاكمة التأديبية ثم جرى تأجيل النظر في الطعن إلى جلسات 6 من إبريل، 8 من يونيو وبجلسة 26 من أكتوبر سنة 1963 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 30 من نوفمبر سنة 1963 وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة. حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن وزارة الشئون البلدية والقروية - الإدارة العامة، مراقبة المستخدمين والمعاشات أحالت إلى النيابة الإدارية المختصة بكتابها رقم 513371 المؤرخ 18 من إبريل سنة 1961 صورة الكتاب الذي بعثت به إلى السيد الأستاذ النائب العام تفيد أن الإدارة العامة للقوى الميكانيكية والكهربائية أرسلت إليها بكتابها المؤرخ 27 من ديسمبر سنة 1960 الطلب المقدم من المهندس محمد جمال الدين عبد الفتاح المكلف بها اعتباراً من 23 من أكتوبر سنة 1958 والذي عين على الدرجة السادسة بالكادر الفني العالي بالأمر الإداري رقم (245) لسنة 1959 وثبتت صلاحيته طبياً بالأمر الإداري رقم 1044 لسنة 1959، وهو الذي طلب فيه المهندس المذكور إعفاءه من العمل، ونظراً لأنه لم يعد إلى عمله حتى 9 من فبراير سنة 1961 فقد طلبت الوزارة إلى النيابة الإدارية إجراء تحقيق معه فقامت النيابة بالتحقيق في شأن ما ورد ضده بكتاب الوزارة وانتهت إلى إقامة الدعوى التأديبية المعروضة والتي أودعت أوراقها سكرتيرية المحكمة التأديبية المختصة في 30 من أكتوبر سنة 1961 وقد حدد قرار الإحالة في المخالفة المنسوبة إلى المهندس المتهم وحاصلها أنه خلال المدة من أول ديسمبر سنة 1960 حتى الآن، بالإدارة العامة للقوى الميكانيكية والكهربائية، بصفته من المهندسين الكلفين، خرج على مقتضى الواجب في أداء أعمال وظيفته بأن انقطع عن عمله في غير الحدود المسموح فيها لمنح الإجازات ورغم استدعائه بكتاب الوزارة رقم 501848 في 14 من يناير سنة 1961 رفض العودة لاستلام عمله الأمر الذي يعتبر معه امتناعاً عن تأدية أعمال وظيفته بالمخالفة لنص المادتين 2، 5 من القانون رقم 296 لسنة 1956 بشأن أوامر التكليف للمهندسين خريجي الجامعات المصرية ولنص المواد 73، 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له، ولنص المادتين 12، 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بشأن إعادة تنظيم النيابة الإدارية.
وبجلسة 26 من ديسمبر سنة 1961 حكمت المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة موظفي وزارة الصحة العمومية والإسكان والمرافق بالعزل من الوظيفة مع حرمانه من المعاش أو المكافأة) وأقامت قضاءها على أنها ترى أن امتناع المتهم عن أداء عمله في خدمة الدولة التي هيأت له السبيل إلى نيل ماناله من شهادات دراسية تعتبر خروجاً سافراً على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته وإخلالاً صارخاً بحق الدولة قبله ولا سيما في هذه الظروف التي تحتاج فيها الدولة إلى كل جهود أبنائها.
وفي 24 من فبراير سنة 1962 تقدم المهندس المحكوم بعزله إلى السيد/ رئيس هيئة مفوضي الدولة بطلب الطعن في الحكم المذكور بالتطبيق لحكم المادة 32 من القانون رقم 117 لسنة 1958. فأودع السيد/ رئيس هيئة المفوضين في نفس اليوم الذي تلقى فيه الطلب، تقريراً بالطعن المطلوب ولكنه انتهى فيه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وجاء في مذكرة لاحقة بالتقرير أن طالب الطعن لم يبين في طلبه أي سبب قانوني يمكن الاستناد إليه في تعييب الحكم الذي لم يخالف في نظر هيئة المفوضين وجه القانون في شيء بل جاء مستنداً إلى وقائع صحيحة ثابتة كيفها الحكم تكييفاً قانونياً سليماً واستخلص منها نتيجة سائغة تبرر عزل المهندس طالب الطعن.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أنه في أول ديسمبر سنة 1960 بعث المهندس الطاعن إلى السيد/ المدير العام للإدارة العامة للقوى الميكانيكية والكهربائية بكتاب قال فيه (صدر لي أمر تكليف في هذه الإدارة لمدة عامين، وقد قمت فعلاً بالعمل ابتداء من يوم 23/ 10/ 1958 واستمررت في العمل حتى 30/ 11/ 1960 وحيث إن قوة إبصاري ضعيفة كما حددت بواسطة القومسيون الطبي العام في العين اليمنى بمقدار (صفر/ 60) وقوة الإبصار في العين الأخرى ضعيفة وبما أن قوة الإبصار قد تدهورت في المدة الأخيرة، فقد نصحني أطبائي الخصوصيون بترك هذا العمل الذي ينذر بتدهور قوة إبصاري لهذا أرجو التفضل بإعفائي من العمل اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1960. توقيع محمد جمال الدين عبد الفتاح مهندس بإدارة أقسام المجاري.
وثابت من الأوراق أن المهندس الطاعن قد انقطع بالفعل عن مواصلة عمله الرسمي من تاريخ إرسال خطابه هذا إلى جهة الإدارة المختصة. وفي 11 من يناير سنة 1961 أرسل السيد/ مراقب عام المستخدمين والمعاشات بوزارة الشئون البلدية والقروية إلى السيد المهندس الطاعن الكتاب التالي نصه رقم (501848/ رقم 1/ 1/ 5039)، (بالإحالة إلى الطلب المقدم منك بتاريخ 1/ 12/ 1960 برسم السيد المدير العام للإدارة العامة للقوى الميكانيكية والكهربائية بالتماس إعفائك من العمل اعتباراً من أول ديسمبر سنة 1960 نرجو الإحاطة بأن المادتين الخامسة والسادسة من القانون رقم 296 لسنة 1956 تحظر على مهندسي الوزارة الامتناع عن تأدية أعمال وظائفهم وتعاقب على مخالفة أحكام هذا القانون بالحبس وبالغرامة. لذلك يقتضي عودتك في خلال ثلاثة أيام من تاريخه وإلا سنضطر آسفين إلى إبلاغ النيابة العامة وكذلك النيابة الإدارية لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضدك. وأقبلوا التحية. توقيع المراقب العام). وعلى الرغم من ذلك ومن إقرار المهندس الطاعن بأنه قد تلقى كتاب الإدارة المشار إليه وعلم يقيناً بما فيه من انصراف نية الإدارة عن قبول مطلبه وتصميمها على دعوته إلى الاستمرار في عمله الرسمي، فإنه ظل بعيداً عن عمله منقطعاً عنه. وفي 19 من إبريل سنة 1961 بعث إلى السيد/ وزير الشئون البلدية والقروية بالكتاب الآتي: (إلحاقاً لخطاب الديوان العام الرقيم (512735) بتاريخ 12/ 4/ 1961 الخاص بتكليفنا بالعمل بمصانع الطائرات وذلك إيماء لكتاب السيد/ وزير شئون رئاسة الجمهورية المؤرخ 8/ 4/ 1961 نحيط سيادتكم علماً بأننا سبق أن كلفنا بالعمل بوزارة الشئون البلدية والقروية واعتباراً من 23/ 10/ 1958 لغاية 23/ 10/ 1960 وبانتهاء هذه المدة تقدمت باستقالتي لظروفي الصحية التي لا يمكن معها أن استمر في العمل المحيط بوظيفتي كمهندس ميكانيكي. والذي يحتاج لياقة طبية كاملة وذلك وفقاً لكتاب الاستقالة المقدم مني للإدارة العامة للقوى الميكانيكية والكهربائية بتاريخ 1/ 12/ 1960 والذي انقطعت بعده عن العمل. ولما كانت حالة الإبصار قد ساءت إلى درجة قد أتعرض معها إلى القعود عن العمل نهائياً تبعاً للثابت بتقرير القومسيون الطبي المنضم بملف خدمتي، لذلك وللأسباب المشار إليها نرجو قبول اعتذاري عن تنفيذ ما جاء بالخطاب رقم (512735) المؤرخ 12/ 4/ 1961 والذي أبلغت به في 15/ 4/ 1961. وتفضلوا....).
ومن حيث إنه يبين من استقراء محضر تحقيق النيابة الإدارية في 25 من إبريل سنة 1961 أن المهندس الطاعن أجاب على الأسئلة التي وجهتها إليه النيابة ودفع التهمة المنسوبة إليه بقوله: أنه يشغل وظيفة مهندس بالإدارة العامة للقوى الميكانيكية بوزارة الشئون البلدية والقروية بالدرجة السادسة الفنية وأنه بعد تخرجه في 1958 كلف للعمل بخدمة وزارة الشئون البلدية اعتباراً من 23 من أكتوبر سنة 1958 وكشف طبياً بالقومسيون الطبي العام ثلاث مرات وكانت نتيجة كشف النظر صفر على ستين بالنسبة للعين اليمني وستة على اثنى عشر بالنسبة لليسرى. ثم استصدرت الوزارة قراراً وزارياً بإعفائه من الكشف الطبي لضرورة تعيينه على درجة وحتى يمكن تثبيته وبقي في العمل لغاية 23 من أكتوبر سنة 1960 ولم يصله تبليغ بتجديد التكليف، وفي نفس الوقت حالت صحته دون الاستمرار في العمل الأمر الذي اقتضاه ترك العمل من تلقاء نفسه وتقديم استقالته في أول ديسمبر سنة 1960 وقد ردت عليه الوزارة بأن استقالته تعتبر كأن لم تكن، ولا بد من العودة إلى العمل - فقام بالرد على المصلحة بأن حالته الصحية لا تسمع بعودته إلى العمل. وأضاف في التحقيق أنه لم يحول إلى القومسيون الطبي العام للكشف عليه من جديد خلال مدة خدمته - وقال أنه قد تلقى إخطار مراقبة المستخدمين رقم (501848) المؤرخ 12 من يناير سنة 1961 بطلب عودته إلى عمله وقال أنه رد على هذا الإخطار برفض الاستجابة إليه لأن حالته لا تسمح بعودته إلى العمل.
ومن حيث إنه من الاطلاع على ملف خدمة الطاعن (رقم 1/ 1/ 5039 وزارة الشئون البلدية والقروية - الإدارة العامة) أنه كلف للعمل بإدارة القوى الميكانيكية والكهربائية بناء على الأمر الإداري رقم 1237/ 1958 الصادر في 20 من سبتمبر سنة 1958 اعتباراً من 23 أكتوبر سنة 1958. وقد أقر الطاعن بتسلم عمله هذا واستمراره فيه ثم في 25 من أكتوبر سنة 1958 بعث إلى السيد/ وزير الشئون البلدية والقروية قال فيه: (إني أرغب أن أكون ضمن بعثة المهندسين المقرر إيفادها إلى تشيكو سلوفاكيا هذا العام. رجائي من سيادتكم التكرم بالموافقة) وجاء في تقرير القومسيون الطبي العام بشأن الكشف عليه أنه بجلسة 6 من نوفمبر سنة 1958 قد كشف عليه فوجد (أنه لم يحرز درجة اللياقة المقررة للنظر) فلما علم بنتيجة هذا الكشف الطبي أمام القومسيون الطبي العام بادر في 12 من نوفمبر سنة 1958 فكتب إلى السيد/ وزير الشئون البلدية والقروية قائلاً (التمس إعفائي من نتيجة الكشف الطبي الذي تم بجلسة 6/ 11/ 1958 أمام القومسيون الطبي العام حيث إني لم أحصل في كشف النظر على النتيجة المطلوبة بالعين اليمنى، وذلك نتيجة حالة طبيعية بها ولا يمكن علاجها مع الإحاطة بأنني حصلت على (6 من 6) درجات بالعين اليسرى فصدر قرار وزاري بإعفائه من شرط اللياقة الطبية وذلك بعد موافقة ديوان الموظفين بكتابه رقم 190/ 1/ 17 بتاريخ 10 من يناير سنة 1959 وجاء في صلب قرار الإعفاء أن هذا الإجراء قد تم نظراً لأن الوزارة في حاجة شديدة إلى مهندسين ميكانيكيين، وفي 8 من فبراير سنة 1959 صدر الأمر الإداري رقم 245/ 1959 بتعيين الطاعن في وظيفة مهندس ميكانيكي من الدرجة السادسة بالكادر الفني العالي بالباب الأول من ميزانية الوزارة بماهية قدرها 15 جنيهاً مصرياً شهرياً وفي أوائل سبتمبر سنة 1960 طلب الطاعن التصريح له بإجازة اعتيادية. فصرحت جهة الإدارة بإجازة اعتيادية لمدة شهر اعتباراً من 24 من سبتمبر سنة 1960 إلى 23 من أكتوبر سنة 1960 ولم يحضر بعد ذلك لاستئناف عمله بالمصلحة بل أرسل في 25 من أكتوبر سنة 1960 ما يفيد أنه مريض بمنزله. فكلفت الإدارة مفتش صحة العباسية لزيارته فقام الطبيب بإحالته إلى القومسيون الطبي العام لتوقيع الكشف الطبي عليه بجلسة 7 من نوفمبر سنة 1960 ولكن القومسيون الطبي أفاد جهة الإدارة بكتابه المؤرخ 16 من نوفمبر سنة 1960 بأن الطاعن لم يحضر للكشف عليه بالقومسيون الطبي لغاية تاريخه 14/ 11/ 1960 رغم التنبيه عليه). وفي 12 من نوفمبر سنة 1960 بعث الطاعن إلى جهة الإدارة تفيد أنه انتقل بسبب مرضه إلى شبين القناطر قليوبية ويطلب توقيع الكشف الطبي عليه. فحررت جهة الإدارة إلى السيد/ مدير المنطقة الطبية بالقليوبية وإلى السيد/ مفتش صحة شبين القناطر لاتخاذ اللازم نحو توقيع الكشف الطبي عليه والإفادة بالنتيجة ولكن الإدارة لم تتلق رداً يفيد منح الطاعن إجازة مرضية. ودلت تحريات جهة الإدارة الثابتة بالأوراق أن المهندس الطاعن يعمل بشركة رشاد ونش للمقاولات.
ومن حيث إنه باستعراض أحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 296 لسنة 1956 في شأن أوامر التكليف للمهندسين المصريين خريجي الجامعات المصرية الصادر في 31 من يوليو سنة 1956 يبين أنه نص في المادة الثالثة منه على أنه: (يصدر الوزير المختص أو من ينيبه أمر تكليف إلى الخريجين الذين رشحتهم اللجنة للعمل في الوظائف التي عينتها، ويكون هذا الأمر نافذاً لمدة سنتين قابلة للامتداد). كما نص في المادة الخامسة منه على أنه (يحظر على مهندس الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها الامتناع عن تأدية أعمال وظائفهم ما لم تنته خدمتهم بأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه، وذلك فيما عدا الاستقالة سواء كانت صريحة أو ضمنية فإنها تعتبر كأن لم تكن) وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا التشريع أنه كان من آثار نهضتنا الإصلاحية أن زادت المشروعات الإنتاجية في البلاد زيادة كبيرة مضطردة مما استلزم زيادة عدد المهندسين لتنفيذ هذه المشروعات، وقد لوحظ أن عدداً كبيراً في الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة قد رغبوا في التخلي عن وظائفهم مؤثرين العمل في المشروعات الخاصة والأعمال الحرة. ولما كان في ذلك تعريض للمشروعات الحكومية لخطر التوقف وتعويق سير الجهاز الحكومي بوجه عام، فقد صدر أمر الحاكم العسكري العام رقم 125 لسنة 1955 متضمناً جواز إصدار أوامر التكليف إلى خريجي كليات الهندسة الذين ترشحهم لجنة من وكلاء الوزارات التي يعنيها الأمر لمدة لا تتجاوز سنتين ثم صدر أمر الحاكم العسكري رقم 127 لسنة 1955 ناهياً مهندسي الوزارات والهيئات الحكومية من الدرجة الثالثة فما دونها عن الامتناع عن تأدية الأعمال التي يعهد إليهم بها. ولو كان ذلك عن طريق الاستقالة إلا إذا انتهت مدة خدمتهم ببلوغ السن القانونية أو لأسباب صحية يقرها القومسيون الطبي العام..... والمستفاد من أحكام هذا القانون رقم 296 لسنة 1956 في ضوء مذكرته الإيضاحية أن المشرع حظر على مهندسي الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة من الدرجة الثالثة فما دونها الامتناع عن أداء أعمال وظائفهم إلا إذا انتهت خدمتهم بأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة فيما عدا الاستقالة فإنها تعتبر سواء كانت صريحة أو ضمنية كأن لم تكن، ومن ثم فلا اعتداد بالاستقالة التي قدمها الطاعن في أول ديسمبر سنة 1960 ثم عاد يصر عليها في 19 من إبريل سنة 1961 مع أنه كان قد انقطع بالفعل عن العمل منذ التاريخ الأول. فتلك الاستقالة والإصرار عليها، تعتبر وفقاً لأحكام القانون رقم 296 لسنة 1956 كأن لم تكن بل إن جهة الإدارة قد أفصحت في كتبها المتعاقبة للطاعن من عدم قبولها وكلفته بالعودة إلى عمله خلال ثلاثة أيام من إرسالها كتابها الأول إليه في 14 من يناير سنة 1961 وفي ذلك كله توكيد بأن العلاقة القانونية الوظيفية ما برحت قائمة لا انفصام لمداها بين الطاعن والدولة، الأمر الذي يلزمه بمباشرة عمله الرسمي على الوجه المطلوب منه، فإذا هو تخلف أو امتنع أو انقطع عن أداء واجبه الوظيفي لغير عذر مقبول لحقته المساءلة الإدارية وحق عليه العقاب بسبب هذا الفعل السلبي الذي يكون ذنباً إدارياً موجباً للمؤاخذة التأديبية.
ومن حيث إنه لا مقنع فيما أبداه الطاعن في محضر تحقيق النيابة الإدارية أو أمام المحكمة التأديبية من أن سبب انقطاعه عن عمله بمجرد انقضاء المدة الأولى للتكليف التي ختمها بطلب قبول استقالته، وإنما يرجع إلى أن حالته الصحية لا تسمح له بالاستمرار في عمله الوظيفي. ومع التسليم جدلاً بصحة هذا السبب، الذي ينفيه بل ينقضه ما هو ثابت في الأوراق وفي ديباجته قرار تعيين الطاعن في الدرجة السادسة الفنية على النحو الذي سلف تفصيله في أسباب هذا الحكم فإنه كان يتعين على الطاعن أن يطلب إحالته إلى الجهة المختصة التي ناط بها قانون نظام موظفي الدولة الحكم يظل أمر الطاعن معلقاً في خصوص عمله بالوظيفة العامة التي لما تنقطع بعد حكم نهائي، ومن ثم فإن أحكام القانون الجديد رقم 59 لسنة 1963 تسري على حالته بأثر حال مباشر يترتب عليه تعديل الفقرة الأخيرة وحدها من منطوق الحكم المطعون فيه فيما قضى به من حرمان الطاعن من المعاش أو المكافأة، وقصر هذا الحرمان على الربع فقط مع تأييد الحكم فيما عدا ذلك.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه فيما قضى به من حرمان المهندس محمد جمال الدين عبد الفتاح من المعاش أو المكافأة، وبقصر هذا الحرمان على الربع فقط، وبتأييد الحكم فيما عدا ذلك.