مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 324

(29)
جلسة 28/ 12/ 1963

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس، وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1109 لسنة 8 القضائية

( أ ) عقد إداري - المنازعة في شأن القرار الصادر استناداً إلى عقد إداري - اختصاص محكمة القضاء الإداري دون غيرها بالفصل في المنازعة المذكورة اختصاص شامل مطلق لأصل تلك المنازعة وما يتفرع عنها - يستوي في ذلك ما يتخذ منها صورة قرار إداري وما لا يتخذ هذه الصورة طالما توافرت في المنازعة حقيقة التعاقد الإداري - مقتضى ذلك أن القضاء الإداري يفصل في الوجه المستعجل من هذه المنازعة لأعلى اعتبار أنه من طلبات وقف التنفيذ المتفرعة من طلبات الإلغاء بل على اعتبار أنه من الطلبات الفرعية المستعجلة التي تعرض على قاضي العقد - شروط إجابة هذا الطلب المستعجل - أساس ذلك.
(ب) عقد إداري - منازعة مستعجلة - شطب اسم المتعهد من عداد المتعهدين المقبولين لدى الإدارة - ليس مما يترتب عليه نتائج يتعذر تداركها - أساس ذلك.
(جـ) عقد إداري - فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب اسم المتعهد من سجل المتعهدين المقبولين لدى الإدارة - جزاءات تملك الإدارة توقيعها في حالة تخلفه عن الوفاء بالتزاماته أو استعماله الغش أو التلاعب في معاملته معها - لا وجه لاتخاذ أي إجراء يحول دون استعمال الإدارة هذا الحق مهما يكن من أمر ما يدعيه المتعهد - أساس ذلك - اتصاله بمبدأ عدم توازي المصلحة الفردية مع المصلحة العامة في مجال روابط القانون المتعلقة بتسيير المرافق العامة، ومدى سلطة الدولة الضابطة لهذه المرافق ومسئوليتها عن إدارتها بانتظام واطراد.
(د) حكم - حجية - أثر الحكم الجنائي بالبراءة على القضاء الإداري - تقيده بما أثبته الحكم الجنائي من وقائع كان فصله فيها لازماً دون التقيد بالتكييف القانوني لهذه الوقائع.
(هـ) عقد إداري - تنفيذه - قيام المتعاقد به بنفسه - عدم جواز التنازل للغير أو التعاقد معه من الباطن في هذا الشأن، إلا بموافقة الإدارة - مخالفة ذلك تؤدي إلى اعتبار التنازل باطلاً، فلا يحتج به في مواجهتها بل يبقى المتعاقد الأصلي مسئولاً شخصياً عن تنفيذ العقد أمامها - أساس ذلك - هو أن التزامات المتعاقد مع الإدارة شخصية، وقد نص على ذلك صراحة في المادة 83 من قرار وزير المالية رقم 542 لسنة 1957 الصادر بلائحة المناقصات والمزايدات.
1) إذا كان الظاهر من الأوراق أن القرار مثار النزاع قد صدر من منطقة بور سعيد الطبية وأكدته وزارة الصحة استناداً إلى المادة 27 من الاشتراطات العامة الخاصة بالمناقصات والتوريدات الملحقة بالعقد المبرم بين المنطقة والمدعي، ومن ثم فإن المنازعة في شأن هذا القرار تدخل في منطقة العقد الإداري فهي منازعة حقوقية وتكون محلاً للطعن على أساس استعداد ولاية القضاء الكامل لمحكمة القضاء الإداري دون ولاية قضاء الإلغاء فتفصل المحكمة فيما يطرح عليها من منازعات أصلية أو منازعات متفرعة عنها اعتباراً بأن محكمة القضاء الإداري أصبحت بمقتضى المادة العاشرة من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة هي وحدها دون غيرها المحكمة المختصة بالمنازعات الخاصة بالعقود الإدارية ولم تعد هناك جهة قضائية أخرى تختص بالفصل في هذه المنازعات سواء أكانت أصلية أو فرعية واختصاص محكمة القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المذكورة اختصاص شامل مطلق لأصل تلك المنازعات وما يتفرع عنها ويستوي في ذلك ما يتخذ منها صورة قرار إداري وما لا يتخذ هذه الصورة طالما توافرت في المنازعة حقيقة التعاقد الإداري وعلى مقتضى ذلك يفصل القضاء الإداري في الوجه المستعجل من المنازعة الموضوعية المستندة إلى العقد الإداري لا على اعتبار أنه من طلبات وقف التنفيذ المتفرعة من طلبات الإلغاء بل على اعتبار أنه من الطلبات الفرعية المستعجلة التي تعرض على قاضي العقد لاتخاذ إجراءات وقتية أو تحفظية لا تحتمل التأخير وتدعو إليها الضرورة لدفع خطر أو نتائج يتعذر تداركها وحماية للحق إلى أن يفصل في موضوعه ولا يهم في هذا الصدد أن يصف صاحب الشأن طلبه بأنه وقف تنفيذ إذ العبرة في وصف الطلب بحقيقته وجوهره وهدفه حسبما يظهر من أوراق الدعوى وعلى حسب التصوير القانوني الصحيح المستفاد من وقائعها.
وإذا كان المدعي يقصد مما سماه طلب وقف تنفيذ إلى النظر في اتخاذ إجراء عاجل مؤقت لدفع الأضرار والنتائج المترتبة على قرار المنطقة الطبية بشأن فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب اسمه من بين المتعهدين وعدم السماح له بالدخول في مناقصات حكومية وهذا الطلب متفرع عن النزاع الموضوعي بالجانب الجاد، ومن ثم فإن القضاء الإداري يفصل في هذا الطلب بناء على قاعدة أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع وفي الحدود والضوابط المقررة في الطلبات المستعجلة فتنظر المحكمة أولاً في توافر الاستعجال على حسب الحالة المعروضة والحق المطالب به بأن تستظهر الأمور التي يخشى عليها من فوات الوقت أو النتائج التي يتعذر تداركها أو الضرر المحدق بالحق المطلوب المحافظة عليه، ثم تستظهر بعد ذلك جدية الأسباب أو عدم جديتها بالنسبة إليها في ظاهرها فتحكم على مقتضى هذا النظر حكمها المؤقت في الوجه المستعجل للنزاع باتخاذ الإجراء المطلوب أو رفضه دون المساس بأصل الحق المتنازع فيه أي دون المساس بالناحية الموضوعية للنزاع وهي التي تفصل فيها المحكمة بعد ذلك فصلاً نهائياً على مقتضى ما تبينته من دلائل موضوعية يقدمها كل من طرفي الخصومة.
2) إنه لا خوف على المدعي من غل نشاطه في اتجاه التوريد للمصالح الحكومية وله أن يولي نشاطه شطر أي جانب اقتصادي آخر ولا يقصره على التوريد لجهات الإدارة فلا يخشى على مثله والحالة هذه من مصادرة موارد رزقه أو قعوده عاطلاً بدون عمل لأن التوريد ليس احتكاراً له ولا يترتب على شطب اسمه بهذه المثابة نتائج يتعذر تداركها.
3) إن للجهة الإدارية الحق في فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب الاسم وهذه ليست إلا جزاءات تملك توقيعها على المتعاقد معها إذا تخلف عن الوفاء بما يفرضه عليه العقد أو إذا استعمل العش أو التلاعب في معلوماته معها، ولما كان توقيع هذه الجزاءات إنما يهدف أساساً إلى حسن تنفيذ العقد المتصل بسير المرفق العام وضمان استمراره وانتظامه تحقيقاً للمصلحة العامة ومن حق جهة الإدارة توقيعها دون انتظار لحكم من القضاء، فإنه لا وجه لاتخاذ أي إجراء يحول دون استعمال الجهة الإدارية لهذا الحق بأية صورة من الصور مهما يكن من أمر ما يدعيه المدعي في هذا الشأن عند نظر أصل الموضوع ذلك أن المصلحة العامة والمصلحة الفردية لا تتوازيان في مجال الروابط القانونية التي تنشأ بين الأفراد والإدارة بل يجب أن تعلو المصلحة العامة في مثل هذا الأمر الذي يتعلق أساساً بتسيير مرفق عام وإنما تتحول المصلحة الفردية إلى تعويض إذا كان لذلك أساس من القانون، ذلك أنه مما يجب التنبيه إليه بادئ ذي بدء كأصل ثابت أصيل لا يقبل الجدل وبالقدر اللازم للفصل في الطلب المستعجل مع عدم المساس بأصل الحق 10 ن من القواعد المسلمة في القانون الإداري أن الدولة هي المكلفة أصلاً بإدارة المرافق العامة فإذا ما عهدت إلى غيرها بأمر القيام بذلك لم يخرج المتعاقد مع الدولة في إدارته عن أن يكون معاوناً لها ونائباً عنها في أمر هو من أخص وظيفتها وخصائصها، وهذا النوع من التعاقد وبعبارة أخرى هذه الطريقة غير المباشرة لإدارة المرفق العام لا تعتبر تنازلاً أو تخلياً من الدولة عن المرفق العام بل تظل ضامنة له ومسئولة عن إدارته واستغلاله وهي في سبيل القيام بهذا الواجب تتدخل في شئون المرفق وتعدل أركان تنظيمه وقواعد إدارته كلما اقتضت المصلحة العامة ذلك وهي في هذا لا تستند إلى العقد الإداري بل إلى سلطتها الضابطة للمرافق العامة، وتحقيقاً لغايات هذه السلطة وأهدافها تتمتع الدولة بامتياز وسلطان ينتفي معهما كل طابع تعاقدي ضماناً لحسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد واستغلالها وإدارتها على الوجه الأكمل وكفالة ذلك محققة بما لها من حقوق الإشراف والتدخل والتعديل حسبما تمليه المصلحة العامة وهي حقوق لا تملك جهة الإدارة التنازل عنها كما أنها وهي تستعمل هذه الحقوق لا يمكن أن تحتاج بأنها تمس الحق الأعلى أو تخل بشروط عقدية لأن الإجراءات التي تتخذها في هذا الشأن إنما تتناول نظاماً قانونياً خاصاً لأنه متعلق بمرفق عام فهي تملك تعديل أركان تنظيم المرفق العام وقواعد إدارته بل إن لها أن تنهي العقد نفسه قبل الأوان متى اقتضت المصلحة العامة ذلك أيضاً.
ومن حيث إن تدخل المنطقة الطبية ووزارة الصحة في شئون العقد المبرم مع المدعي لم يكن إلا بقصد القيام بما التزم به المدعي تنفيذاً للعقد وبقصد الوفاء بحاجة المنتفعين بالمرفق أي أن الجهة الإدارية استعملت حقاً من حقوقها المستمدة من طبيعة المرفق العام وعملاً بالقواعد الأصولية في العقود الإدارية التي تقضي بها طبيعة العقود الإدارية وأهدافها وقيامها على فكرة حسن استمرار المرافق العامة كما أن استعمال هذا الحق هو في الحدود المنصوص عليها في عقد التوريد في المادة 27 من الاشتراطات العامة الخاصة بالمناقصات والتوريدات السابق الإشارة إليها.
4) لا وجه للتحدي بالحكم الجنائي بالبراءة الصادر من محكمة جنح الشرق في جريمة غش اللبن إذ أنه قام على شهادة صيدلي المستشفى من أن اللبن سليم من ناحية المواد الدسمة والمواد الصلبة واللون والرائحة فحسب ولم يقم على نفي أو ثبوت إضافة المادة الحافظة وهذا الحكم وإن حاز قوة الأمر المقضى به في تلك الجريمة من زاوية المواد الدسمة والمواد الصلبة واللون والرائحة إلا أنه لا يحوز هذه القوة في ثبوت سلامة اللبن بصفة مطلقة، فالقضاء الإداري لا يرتبط بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً أي أن القضاء الإداري يتقيد بما أثبته القضاء الجنائي في حكمه من وقائع كان فصله فيها لازماً دون أن يتقيد بالتكييف القانوني لهذه الوقائع فقد يختلف التكييف من الناحية الإدارية عنه من الناحية الجنائية.
5) إنه من المسلمات أن يقوم المتعاقد بنفسه بالتنفيذ فالتزامات المتعاقد مع الإدارة التزامات شخصية لا يجوز له أن يحل غيره فيها أو أن يتعاقد بشأنها مع الغير من الباطن إلا بموافقة الإدارة فإذا حصل التنازل عن العقد بدون موافقة الإدارة، كما هو الحاصل في هذه المنازعة فإن التنازل يعتبر باطلاً ولا يحتج به في مواجهة الإدارة فلا تنشأ بين المتعاقد من الباطن وبين الإدارة أي علاقة - ويبقى المتعاقد الأصلي مسئولاً في مواجهة الإدارة في كلتا الحالتين.
وفضلاً عن هذا فإن ذلك منصوص عليه تشريعاً في لائحة المناقصات والمزايدات الصادرة بقرار وزير المالية رقم 542 لسنة 1957 إذ ورد النص على ذلك صراحة في المادة 83 التي تقول "لا يجوز للمتعهد أو المقاول النزول عن العقد أو عن المبالغ المستحقة له كلها أو بعضها إلا بعد أخذ موافقة السلاح أو المصلحة المختصة كتابة ويجب أن يكون مصدقاً على التوقيعات الواردة فيه من مكتب التوثيق المختص، ويبقى المتعهد أو المقاول مسئولاً بطريق التضامن مع المتنازل إليه عن تنفيذ العقد ولا يحل قبول نزوله عن المبالغ المستحقة له بما يكون للمصلحة قبله من حقوق".
ويخلص من ذلك أن المدعي مسئول مسئولية شخصية في تنفيذ التزاماته التي تضمنها العقد.


إجراءات الطعن

في يوم السبت 5 من مايو سنة 1962 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن وزارة الصحة ومنطقة بور سعيد الطبية سكرتيرية المحكمة، عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة العقود والتعويضات) بجلسة 11 من مارس سنة 1962 في الدعوى رقم 168 لسنة 16 القضائية من السيد/ صالح المصيلحي ضد وزارة الصحة ومنطقة بور سعيد الطبية والقاضي "حكمت المحكمة في الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار موضوع الدعوى فيما تضمنه من شطب اسم المدعي من سجل المتعهدين وبرفضه فيما عدا ذلك وأبقت الفصل في المصروفات". وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي استندت إليها في عريضة الطعن إحالة الطعن إلى دائرة فحص الطعون للحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى فيه من وقف تنفيذ القرار موضوع الدعوى فيما تضمنه من شطب اسم المدعي من سجل المتعهدين مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد أعلن هذا الطعن للمدعي في 2 من يونيه سنة 1962. وتحدد لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة أول يونيه سنة 1963 وأخطرت الحكومة والمدعي في 9 من مايو سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وتحدد لذلك جلسة 30 من نوفمبر سنة 1963 فأخطرت الحكومة والمدعي في 19 من أكتوبر سنة 1963 بميعاد هذه الجلسة وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه الموضح بمحضر الجلسة، قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أن المدعي أقام دعواه بعريضة أودعها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 30 من نوفمبر سنة 1961 طالباً الحكم أولاً بإلغاء القرار المبلغ له من المنطقة بتاريخ 4 من أكتوبر سنة 1961 والمؤكد من الوزارة في 16 من نوفمبر سنة 1961 بفسخ العقد المبرم معه وبشطب اسمه من سجل المتعهدين ومصادرة التأمين.
ثانياً - وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المذكور. مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة. وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه يتولى توريد الأغذية منذ سنة 1938 لمختلف وزارات الحكومة ومصالحها ببور سعيد وذلك على نطاق واسع وبمبالغ طائلة وطوال هذه القترة التي تقارب ربع قرن كان محل رضاء وتقدير جميع الجهات التي عمل معها ولم تشب توريداته أية شائبة أو يؤخذ عليه أي مأخذ وقد تعاقد مع منطقة بور سعيد الطبية لتوريد أغذية لوحدتها ببور سعيد عن عام 1961/ 1962 وتبلغ قيمة العقد أكثر من 12 ألف جنيه وبتناول أغذية متنوعة من ألبان وخلافه وبناء على هذا العقد تم الاتفاق في 2 من يوليه سنة 1961 بينه وبين المعلم محمد محمد علي مورد الألبان على القيام بتوريد الألبان اللازمة لمستشفيات بور سعيد وملحقاتها بالكميات والأوصاف المتعاقد عليها وفي المواعيد والساعات اللازمة يومياً ونص في هذا الاتفاق من الباطن على أن يتعهد المورد المذكور بجميع المسئوليات المادية والجنائية المترتبة على مخالفة الشروط الخاصة بالتوريد ويعتبر اللبن في حيازته وملكاً له حتى يقبل بمعرفة المستشفى وأنه إذا ارتأى غش ينفسخ العقد بدون تنبيه رسمي أو إنذار.
ويقول المدعي إنه على أساس هذين الاتفاقين (الأصلي والذي من الباطن) تم توريد الأغذية المتعاقد عليها بانتظام للجهات المتعاقد لصالحها واتخذت الإجراءات الدقيقة المتبعة في الفحص والتحليل والاستلام ثم المحاسبة والصرف وذلك عن الشهور المتتابعة ومنها شهر يوليه محل النزاع الحالي ويتم تسليم الألبان وغيرها من المواد الغذائية الخاصة بجميع الوحدات التابعة لمنطقة بور سعيد الطبية وفق إجراءات دقيقة تتخذ يومياً بوساطة لجنة خاصة مشكلة بمستشفى بور سعيد الأميري من أحد الأطباء ومن صيدلي المستشفى ورئيسة المطبخ ولا يتم الاستلام إلا للأغذية التي تتبين اللجنة مطابقتها للأوصاف والشروط المتعاقد عليها وذلك بعد عدة خطوات من المراجعة والتحليل والرصد ووضع الأختام على النحو التالي وتجمع الألبان الموردة جميعها في وعاء كبير خاص وتؤخذ منها عينة لتحلل بوساطة صيدلي المستشفى الأميري فإن أسفر التحليل عن سلامتها ومطابقتها للمواصفات جرى وزن اللازم من الألبان لكل مستشفى أو وحدة ووضعه في إناء خاص بها وتشمل ست جهات: المستشفى الأميري - مستشفى الرمد - مستشفى الحميات - المصح البحري - مستشفى التضامن - مركز رعاية الطفل، ويختم كل وعاء من هذه الأوعية الستة بخاتم صيدلي المستشفى الذي قام بالتحليل مع عبارة وجد اللبن سليماً ومطابقاً للمواصفات - ويقصد بهذا الخاتم أن يكون لدى كل وحدة (عند استلامها الألبان الخاصة بها) الدليل المادي على أن عملية التحليل أثبتت سلامة اللبن المورد كما يثبت الصيدلي المذكور تلك النتيجة في دفتر خاص بذلك يحفظ لديه، ومن ناحية ثالثة تثبت هذه النتيجة في استمارة طلب الأغذية اليومي كشرط لعملية مراجعة الاستمارة المذكورة ومحاسبة المتعهد في نهاية كل خمسة عشر يوماً على ما استوفى هذه الشروط والإجراءات فيما ورده من أصناف قبل الصرف وترد في نهاية هذه الاستمارة عبارة لا يتم الصرف بدونها، نصها كالآتي: "حلل اللبن ووجد مطابقاً (للمواصفات) واستلم".
ويذكر المدعي أنه هنا تنقطع صلة المتعهد بما ورده وتصبح الإجراءات مستوفاة ليصرف الثمن المتعاقد عليه كل خمسة عشر يوماً. ويقول المدعي أنه قد تمت جميع هذه الإجراءات عن الألبان وغيرها من الأغذية التي وردها على النحو السابق بل وتم صرف جميع مستحقاته عن ذلك الشهر والشهرين التاليين له دون أن تثار أية مشكلة حول سلامة الألبان الموردة في خلال تلك الفترة - ويستطرد قائلاً إنه بعد كل هذه الإجراءات وبرغم استيفاء كل تلك الضمانات منذ يوليه سنة 1961 فوجئ في شهر أكتوبر سنة 1961 بأن اللبن الذي ورده يوم 25 من يوليه سنة 1961 على وجه التحديد والخاص بمستشفى الحميات دون سائر الوحدات الخمس وجد به "حامض بوريك" ويقول إنه لو صح ذلك الزعم لوجب أن يشمل الأمر جميع الوحدات لأنها تأخذ من معين واحد كما ذكر ولكان لزاماً أن يظهر في يوم التسليم بالمستشفى الأميري ذاته وقبل أن ترتفع يد المورد عن اللبن الذي يورده ولأدى حتماً إلى عدم الاستلام بالمستشفى في ذات اليوم وعدم استيفاء سائر الضمانات والإجراءات السابقة على الصرف كما سبق ثم يتساءل عن المصلحة التي تعود على مورد الألبان من خلط الألبان بحامض البوريك وهو أغلى من اللبن دون شك وفوق ذلك كله فإن التوريد الخاص باللبن يقوم به المورد من الباطن المعلم محمد محمد علي الذي لو فرض جدلاً وجود غش في يوم من الأيام فإنما يكون صادراً منه لا من المدعي المتعاقد معه على التزام شروط عقد التوريد ومواصفاته مع مسئوليته المادية والجنائية عن أية مخالفة ويضيف المدعي أنه لهذا عندما أثيرت تهمة الغش لم توجه إليه وإنما إلى المورد المذكور لأنها مسئولية جنائية لا تمتد إلى غير صاحبها إن قيل جدلاً بأنه مسئول ورغم كل ذلك فقد أخطرته المنطقة بكتابها رقم 9125/ 5/ 10 المؤرخ 4 من أكتوبر سنة 1961 بأنها قررت فسخ العقد المبرم بينها وبينه عن توريد الأغذية لوحداتها ببور سعيد عن عام 1961/ 1962 اعتباراً من توريد يوم 5 من أكتوبر سنة 1961 كما صادرت التأمين النهائي له وقدره 1215 جنيهاً وقد تظلم من هذا القرار للوزارة بالشكوى رقم 2613/ 1961 ولكن الوزارة أخطرته في 16 من نوفمبر سنة 1961 بأن المنطقة قد فسخت العقد وشطبت اسمه من سجل المتعهدين وصادرت تأمينه النهائي لأنه قد وجد في اللبن مادة حمض البوريك.
وتقول وزارة الصحة رداً على الدعوى بأن المدعي ورد كمية من اللبن الحليب الجاموسي بتاريخ 25 من يوليه سنة 1961 لمستشفى حميات بور سعيد فأخذت المستشفى منه عينة لتحليلها كيماوياً بالمعمل الكيماوي وبتحليل العينة بمعمل السويس الكيماوي تبين من نتيجة التحليل أنها غير مطابقة لقرار الألبان لإضافة مادة حافظة (حمض البوريك أو أملاحه) إلى اللبن المورد وقد حرر عن ذلك محضر جنحة رقم 378 في 12 من أغسطس سنة 1961 ضد المدعي ومندوبه عن هذه العينة.
وإعمالاً لنص المادة 27 من الاشتراطات العامة الخاصة بالمناقصات والتوريدات وباستفتاء مستشار الرأي لوزارة الصحة أفتى بأن تقوم الوزارة بفسخ عقد توريد اللبن المبرم بينها وبين المدعي ومصادرة التأمين النهائي وشطب اسمه من المتعهدين وعدم السماح له بدخول المناقصات الحكومية وإبلاغ أمره إلى النيابة العامة.
وبتاريخ 4 من أكتوبر سنة 1961 أخطرت منطقة بور سعيد الطبية المدعي بقرارها بفسخ العقد المبرم بينها وبينه عن توريد أغذية لوحداتها ببور سعيد عن عام 61/ 1962 وذلك اعتباراً من ذلك التاريخ على أن يصير توقف المدعي عن التوريد اعتباراً من 5 من أكتوبر سنة 1961 مع الاحتفاظ باتخاذ باقي إجراءات العقد.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد قضى "في الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار موضوع الدعوى فيما تضمنه من شطب اسم المدعي من سجل المتعهدين وبرفضه فيما عدا ذلك وأبقت الفصل في المصروفات" وأقامت المحكمة قضاءها على أنه في نطاق الفصل في الطلب المستعجل وبالقدر اللازم للفصل في هذا الطلب دون المساس بالموضوع ذاكرة أن المدعي أقام دعواه الحالية بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ هذا القرار وفي الموضوع بإلغائه استناداً إلى ما يصيبه من أضرار تتمثل في حرمانه من الدخول في أية مناقصة أو عطاء مستقبلاً فضلاً عن مصادرة تأمينه في غير الحالات المقررة قانوناً إذ أن عينة اللبن التي أخذت يوم 25 من يوليه سنة 1961 قد تم تحليلها في نفس اليوم بوساطة اللجنة المختصة في مستشفى بور سعيد الأميري فوجد اللبن مطابقاً للمواصفات وأثبت ذلك في دفتر الصيدلي في اليوم المذكور ولا شأن للمدعي بعد ذلك بما أسفر عنه تحليل المعمل الكيماوي بالسويس لهذه العينة بتاريخ 31 من يوليه سنة 1961 وفي غيبته إذ قد تكون هذه النتيجة الإيجابية بسبب خطأ في العينة التي نسبت إليه أو قد تكون المادة الغريبة (حمض البوريك) سببها الأوعية التي نقل فيها اللبن من المستشفى الأميري إلى مستشفى الحميات.. الخ.
كما يقول الحكم إن الوزارة المدعى عليها دفعت بعدم قبول الدعوى استناداً إلى أن القرار المطعون فيه ليس قراراً إدارياً صادراً من الإدارة استناداً إلى سلطتها الإدارية بل أن حقها المستمد من العقد المبرم بينها وبين المدعي فلا ترد على القرار المذكور دعوى الإلغاء بل يدخل في ولاية القضاء الكامل ولا يقبل طلب وقف تنفيذه لأن طلب وقف التنفيذ متفرع عن طلب الإلغاء ويستمد أصله منه.
ويذكر الحكم أنه سواء كيف الطلب المستعجل على أنه طلب وقف تنفيذ قرار إداري أم كيف على أنه الجانب المستعجل من منازعة عقدية فإن ذلك ليس من شأنه أن يحول بين هذه المحكمة وبين النظر في الطلب المذكور إذ في حالة اعتباره متعلقاً بمنازعة عقدية فإن المحكمة تفصل فيه بما لها من ولاية القضاء الكامل باعتباره طلباً مستعجلاً يهدف به المدعي إلى اتخاذ إجراء مؤقت لدفع الأضرار والنتائج التي تترتب على تنفيذ الجزاء الذي وقعته عليه الإدارة ويستطرد الحكم إلى القول بأن قضاء محكمة القضاء الإداري قد استقر على الفصل في الطلب المستعجل في الحدود والضوابط المقررة للفصل في الطلبات المستعجلة فتنظر المحكمة أولاً في توافر الاستعجال على حسب الحالة المعروضة والحق المطالب به بأن تستظهر الأمور التي يخشى عليها من فوات الوقت أو النتائج التي يتعذر تداركها أوالضرر المحدق بالحق المطلوب المحافظة عليه ثم تستظهر بعد ذلك جدية الأسباب أو عدم جديتها ناظرة إليها في ظاهرها فتحكم على مقتضى هذا النظر حكمها المؤقت في الوجه المستعجل للنزاع باتخاذ الإجراء المطلوب أو رفضه دون المساس بالناحية الموضوعية للنزاع وهو الذي تفصل فيه المحكمة بعد ذلك فصلاً نهائياً على مقتضى ما تتبينه من دلائل موضوعية يقدمها كل من طرفي الخصومة.
ويقول الحكم إنه على هدي ذلك وفي خصوصية هذه الدعوى يبين من ظاهر الأوراق أن الاستعجال ماثل في الطلب المستعجل فيما يتعلق منه بشطب اسم المدعي من سجل المتعهدين ذلك أن صناعته توريد الأغذية لمصالح الحكومة وفي حرمانه من هذا العمل كل الضرر خاصة وأن جريمة غش اللبن قد نسبت إلى غيره ولم يفصل القضاء في أمرها بعد فإذا ما طلب المدعي وقف تنفيذ القرار محل الدعوى واستشفت المحكمة وجه الخطورة في جانبه الخاص بشطب اسمه من سجل المتعهدين كما بان من سياق الوقائع وجدية الأسباب التي قام عليها الطلب المستعجل في هذا الشق منه فإنه يتعين إجابة المدعي إلى وقف تنفيذ هذا القرار فيما تضمنه من شطب اسمه من سجل المتعهدين ورفض طلبه المستعجل فيما عدا ذلك مع إبقاء الفصل في المصروفات.
ومن حيث إن الطعن يقوم على الأسباب الآتية: -
أولاً - أهدر الحكم المطعون فيه الطبيعة الخاصة للعقود الإدارية التي تقتضي حرية الإدارة في اختيار المتعاقد معها وفي هذه الدعوى قدم المطعون ضده أو نائبه، وهو في الحالتين مسئول أمام جهة الإدارة، لبناً ثبت غشه بتحليل المعمل الكيماوي والقانون يوجب في هذه الحالة فسخ العقد ومصادرة التأمين النهائي وشطب اسم المتعهد من بين المتعهدين ولا يسمح له بالدخول في مناقصات حكومية علاوة على إبلاغ أمره إلى النيابة العامة وذلك إعمالاً لنص المادتين 27/ 1 من الاشتراطات العامة الخاصة بالمناقصات والتوريدات والمادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات.
والمطعون ضده في هذه القضية هو بعينه الشخص غير المرغوب فيه للتعاقد معه والدليل على غشه ما زال قائماً ولم يلغ بحكم نهائي، ومن ثم ينتفي الضرر الذي وقع عليه وهو سواء قبل الحكم المطعون فيه أو بعده شخص غير مرغوب في التعاقد معه.
ولا يوجد استعجال يبرر مبادرة المحكمة إلى إصدار حكمها المطعون فيه حتى تتعجل الأمر وترفع عنه هذا الضرر المزعوم ولا توجد ضرورة ملحة تستدعي إيقاف قرار جهة الإدارة الذي استند إلى أدلة سائغة مستمدة من عيون الأوراق وليست هناك أضرار ونتائج يتعذر تداركها أو أشياء أو معالم يخشى عليها من فوات الوقت أو إجراءات وقتية أو تحفظية يتعين اتخاذها حماية لأصل الحق إلى أن يفصل في موضوعه.
ثانياً - يمتنع على المتعاقد مع الإدارة أن يحل غيره محله في تنفيذ جميع التزاماته التعاقدية أو تنفيذ بعض هذه الالتزامات فالتزامه مادة شخصية ينفذها بنفسه ولو لم ينص على ذلك في العقد وليس له أن يحل غيره محله أو أن يتعاقد بشأنها إلا بموافقة الإدارة ومع بقاء المتعهد مسئولاً بطريق التضامن مع المتنازل إليه عن تنفيذ العقد - وفي هذه الدعوى يقوم المدعي في صحيفة دعواه وفي مذكرته أنه اتفق مع مورد الألبان المعلم محمد محمد علي على القيام بتوريد الألبان المفروض أن يقوم بتوريدها هو ويبني على هذا أن الغش لو فرض وجوده في يوم من الأيام فإنه يكون صادراً من المعلم محمد محمد علي المتعاقد معه من الباطن فهو المسئول شخصياً وهو الذي يشطب اسمه من بين المتعهدين دون المقاول الأصلي.
ويقول الطاعن إن من الغريب أن المحكمة أقرت المحكوم ضده في دفاعه هذا في حكمها المطعون فيه حين قالت "... خاصة وأن جريمة غش اللبن قد نسب إلى غيره ولم يفصل القضاء في أمرها بعد" ويستطرد الطاعن إلى القول وبذلك يكون الحكم قد أهدر مبدأ شخصية التزامات المتعاقد مع الإدارة.
ثالثاً - ذهبت المحكمة إلى حكمها المطعون فيه إلى أنه استبان لها من سياق الوقائع جدية الأسباب التي قام عليها الطلب المستعجل في هذا الشق منه (شطب اسم المطعون ضده) وذلك دون أن تفصح عن ماهية هذه الأسباب إذ أن المطعون ضده لم يطعن على تحليل اللبن المغشوش في ذاته وإنما كلاماً مرسلاً غير مقيد ولا جدي فهو تارة يرجح أن يكون قد حصل خطأ في العينة التي نسبت إليه وأن تكون المادة الغربية من الأوعية التي نقل فيها اللبن وتارة أخرى يجزم بأن عملية التحليل اللازم لتقرير سلامة اللبن وتقرير صلاحيته ومطابقة قد تمت نهائياً بواسطة اللجنة المختصة بالمستشفى مع أنه بالرجوع إلى المواصفات العامة لأصناف الأغذية اللازمة تحت بند اللبن الحليب يبين أنها توجب أن يكون اللبن خالياً من المواد الغريبة والحافظة - وهذه المواد لا يمكن بيانها إلا بواسطة التحليل الكيماوي.
وانتهى الطعن إلى القول بأن الأمر ليس فيه استعجال وليس هناك ما يبرره وأنه لما كان الأمر كذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صدر على خلاف حكم القانون وعلى غير ما استقر عليه القضاء ولا يوجد في الأوراق ما يؤيده وأن قرار الجهة الإدارية قرار سليم مستند إلى أسباب تبرره مستهدفاً وجه الصالح العام وليس هناك مبرر لوقف تنفيذه وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة مذكرة حددت فيها وقائع الدعوى والمسائل القانونية التي أثارها النزاع وأبدت رأيها مسبباً ضمنته أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفض الطعن.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الأوراق أن المدعي أحد متعهدي توريد الأغذية لوحدات بور سعيد الطبية وأنه بتاريخ 25 من يوليه سنة 1961 أخذ مكتب أغذية بور سعيد عينة لبن حليب جاموسي من المورد لمستشفى حميات بور سعيد لتحليلها كيماوياً فاتضح من تحليلها أنها غير مطابقة لقرار الألبان لإضافة مادة حافظة (حمض البوريك) أو أملاحه) إليها كتقرير معمل السويس الكيماوي رقم 1089 في 31 من يوليه سنة 1961.
هذا وحمض البوريك مادة ضارة بصحة الإنسان ممنوع إضافتها إلى المواد الغذائية وإضافة مادة حافظة إلى اللبن الحليب يجعله غير صالح للاستهلاك الآدمي. وتحرر عن الواقعة محضر الجنحة رقم 378 في 13 من أغسطس سنة 1961 ضد المتعهد ومندوبه محمد محمد العشي عن هذه العينة.
وتحليل اللبن بالمستشفى قاصر على المواد الدسمة والمواد الصلبة واللون والرائحة ولا يحلل كيمائياً حتى تظهر المادة الكيماوية الغريبة الموجودة باللبن.
وقد أفتت إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة لوزارة الصحة بأن تقوم الوزارة بفسخ العقد المبرم بينها وبين المدعي ومصادرة التأمين النهائي وشطب اسمه من بين المتعهدين وعدم السماح له بدخول المناقصات الحكومية وإبلاغ أمره للنيابة العامة.
وفي 4 من أكتوبر سنة 1961 أخطرت منطقة بور سعيد الطبية، المدعي بفسخ العقد المبرم معه عن توريد أغذية لوحدات منطقة بور سعيد الطبية عن عام 61/ 1962 وذلك اعتباراً من 4 من أكتوبر سنة 1961 على أن يتوقف التوريدات للوحدات اعتباراً من 5 أكتوبر سنة 1961 مع الاحتفاظ باتخاذ باقي إجراءات التعاقد التي نصت عليها المادة 27 من الاشتراطات العامة الخاصة بالمناقصات والتوريدات.
وفي 16 من نوفمبر سنة 1961 أكدت الوزارة للمدعي فسخ العقد وشطب اسمه من سجل المتعهدين ومصادرة التأمين.
وقد قدم المدعي شهادة من القلم الجنائي بنيابة ميناء بور سعيد الجزئية محررة في 18 من يناير سنة 1962 تفيد بأنه بالاطلاع على القضية رقم 3465 سنة 1961 جنح الشرق تبين أنها لم تقيد ضد السيد صالح المصيلحي وقيدت ضد آخر لأنه في 25 من يوليه سنة 1961 قام بتوريد ألبان للمستشفى الأميري غير مطابقة لقرار الألبان لاحتوائها على مادة حافظة وقدمت لجلسة 27 من يناير سنة 1962.
وبجلسة 22 من مايو سنة 1963 قضت محكمة جنح الشرق ببور سعيد حضورياً ببراءة المتهم محمد محمد العشي مما أسند إليه بلا مصاريف وأقامت محكمة الجنح قضاءها على أن النيابة قدمت المتهم لتوريده ألباناً إلى مستشفى بور سعيد الأميري غير مطابقة لقرار الألبان لاحتوائها على مادة حافظة وطلبت عقابه بالمواد 1، 2، 12 من القانون رقم 132 لسنة 1952 وأن واقعة الدعوى تخلص فيما أثبته محرر المحضر من أنه انتقل للمستشفى الأميري وأخذ تسع عينات من اللبن وأن التقرير الكيماوي يفيد أن العينة غير مطابقة لقرار الألبان لوجود حامض البوريك بها. وبسؤال المتهم قرر أنه يقوم بتوريد اللبن للمستشفى الأميري ولا يسلم للمستشفى إلا بعد أن يقوم المستشفى بتحليله ويجده سليماً وأنه بسؤال الصيدلي إبراهيم رشاد بالجلسة قرر بأن المستشفى يقوم بتحليل اللبن فور توريده بمعرفة المستشفى وأن اللبن لا يسلم إلا بعد أن يقرر المستشفى أن اللبن سليم بعد التحليل كما يوجد دفتر تثبت فيه هذه الإجراءات.
ويستطرد الحكم قائلاً إن الثابت من أقوال الشاهد صيدلي المستشفى أن اللبن قد أخذت منه عينات وحللت عند استلامه بمعرفة المستشفى وتبين سلامتها، ومن ثم لا يكون المتهم مسئولاً بعد ذلك عما أصاب اللبن ويتعين لذلك براءته.
كما قدم المدعي شهادة رسمية صادرة بتاريخ 25 من نوفمبر سنة 1963 برقم 95 صور سنة 1963 من القلم الجنائي بنيابة الشرق تتضمن أنه بالاطلاع على جدول جنح الشرق تبين أن القضية رقم 3465 لسنة 1961 جنح الشرق مقيدة ضد محمد محمد علي العشي لأنه في 25 من يوليه سنة 1956 بدائرة قسم الشرق ببور سعيد قام بتوريد ألبان إلى المستشفى الأميري ببور سعيد غير مطابقة لقرار الألبان لاحتوائها على مادة حافظة وقد حكم نهائياً بجلسة 22 من مايو سنة 1963 ببراءة المتهم وأصبح الحكم نهائياً ولم يستأنف.
ومن حيث إنه يبين من ظاهر الأوراق أن محمد محمد العشي مندوب المدعي ورد كمية من اللبن الحليب الجاموسي لمستشفى الحميات ببور سعيد وبتحليل عينة من هذا اللبن كيمائياً بمعمل السويس الكيماوي اتضح أنها غير مطابقة لقرار الألبان لإضافة مادة حافظة (حمض البوريك أو أملاحه) وإضافة مادة حافظة إلى اللبن الحليب تجعله غير صالح للاستهلاك الآدمي ذلك لأن حمض البوريك مادة ضارة بصحة الإنسان ولهذا تقرر منع إضافتها إلى المواد الغذائية.
وقد سبق تحليل هذا اللبن بالمستشفى بوساطة صيدلي المستشفى وتحليل اللبن بالمستشفى مقصور على المواد الدسمة والمواد الصلبة واللون والرائحة ولا يحلل اللبن بالمستشفى كيماوياً حتى تظهر المادة الكيمائية الغريبة الموجودة به. وبراءة محمد محمد العشي مندوب المدعي التي كشف عنها الحكم الصادر في الجنحة رقم 3465 سنة 1961 جنح الشرق بتاريخ 22 من مايو سنة 1963 مستندة إلى شهادة الصيدلي إبراهيم رشاد نتيجة للتحليل الذي قام به بالمستشفى فقط كما يبين من ظاهر الأوراق أنه بناء على نتيجة تحليل معمل السويس الكيماوي وبعد أخذ رأي مجلس الدولة قررت منطقة بور سعيد الطبية فسخ العقد وأخطرت المدعي بذلك في 4 من أكتوبر سنة 1961 ثم قررت الوزارة تأكيد فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب اسم المدعي من سجل المتعهدين وأخطرت المذكور بذلك في 16 من نوفمبر سنة 1961 وذلك بالاستناد إلى البند 27 من الاشتراطات العامة الخاصة بالمناقصات والتوريدات ونصه: "يفسخ العقد ويصادر التأمين النهائي وذلك بعد أخذ رأي مجلس الدولة وبدون إخلال بحق المصلحة في المطالبات بالتعويضات المترتبة على ذلك في الحالات الآتية:
1 - إذا استعمل المتعهد الغش والتلاعب في معاملته مع المصلحة أو السلاح وحينئذ يشطب اسمه من بين المتعهدين ولا يسمح له بالدخول في مناقصات حكومية هذا علاوة على إبلاغ أمره للنيابة عند الاقتضاء.
2 -........
ومن حيث إن المدعي يطلب وقف تنفيذ القرار الصادر بفسخ العقد المبرم معه وبشطب اسمه من سجل المتعهدين وبمصادرة التأمين وتدفع الجهة الإدارية طلب وقف التنفيذ هذا بعدم قبوله تأسيساً على أن القرار صدر بالمطابقة لأحكام العقد وأنها لم تهدف من تصرفها إلا حماية المصلحة العامة.
إذا كان الظاهر من الأوراق أن القرار مثار النزاع قد صدر من منطقة بور سعيد الطبية وأكدته وزارة الصحة استناداً إلى المادة 27 من الاشتراطات العامة الخاصة بالمناقصات والتوريدات الملحقة بالعقد المبرم بين المنطقة والمدعي، ومن ثم فإن المنازعة في شأن هذا القرار تدخل في منطقة العقد الإداري فهي منازعة حقوقية وتكون محلاً للطعن على أساس استعداء ولاية القضاء الكامل لمحكمة القضاء الإداري دون ولاية قضاء متفرعة اعتباراً بأن محكمة القضاء الإداري أصبحت بمقتضى المادة العاشرة من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة هي وحدها دون غيرها المحكمة المختصة بالمنازعات الخاصة بالعقود الإدارية ولم تعد هناك جهة قضائية أخرى تختص بالفصل في هذه المنازعات سواء أكانت أصلية أو فرعية واختصاص محكمة القضاء الإداري بالفصل في المنازعات المذكورة اختصاص شامل مطلق لأصل تلك المنازعات وما يتفرع عنها ويستوي في ذلك ما يتخذ منها صورة قرار إداري وما لا يتخذ هذه الصورة طالما توافرت في المنازعة حقيقة التعاقد الإداري وعلى مقتضى ذلك يفصل القضاء الإداري في الوجه المستعجل من المنازعة الموضوعية المستندة إلى العقد الإداري لأعلى اعتبار أنه من طلبات وقف التنفيذ المتفرعة من طلبات الإلغاء بل على اعتبار أنه من الطلبات الفرعية المستعجلة التي تعرض على قاضي العقد لاتخاذ إجراءات وقتية أو تحفظية لا تحتمل التأخير وتدعو إليها الضرورة لدفع خطر أو نتائج يتعذر تداركها وحماية للحق إلى أن يفصل في موضوعه ولا يهم في هذا الصدد أن يصف صاحب الشأن طلبه بأنه وقف تنفيذ إذ العبرة في وصف الطلب بحقيقته وجوهره وهدفه حسبما يظهر من أوراق الدعوى وعلى حسب التصوير القانوني الصحيح المستفاد من وقائعها.
وإذا كان المدعي يقصد مما سماه طلب وقف تنفيذ إلى النظر في اتخاذ إجراء عاجل مؤقت لدفع الأضرار والنتائج المترتبة على قرار المنطقة الطبية بشأن فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب اسمه من بين المتعهدين وعدم السماح له بالدخول في مناقصات حكومية وهذا الطلب متفرع عن النزاع الموضوعي ومتعلق بالجانب الجاد، ومن ثم فإن القضاء الإداري يفصل في هذا الطلب بناء على قاعدة أن قاضي الأصل هو القاضي الفرع وفي الحدود بالضوابط المقررة في الطلبات المستعجلة - فتنظر المحكمة أولاً في توافر الاستعجال على حسب الحالة المعروضة والحق المطالب به بأن تستظهر الأمور التي يخشى عليها من فوات الوقت أو النتائج التي يتعذر تداركها أو الضرر المحدق بالحق المطلوب المحافظة عليه ثم تستظهر بعد ذلك جدية الأسباب أو عدم جديتها بالنسبة إليها في ظاهرها فتحكم على مقتضى هذا النظر حكمها المؤقت في الوجه المستعجل للنزاع باتخاذ الإجراء المطلوب أو رفضه دون المساس بأصل الحق المتنازع فيه أي دون المساس بالناحية الموضوعية للنزاع وهي التي تفصل فيها المحكمة بعد ذلك فصلاً نهائياً على مقتضى ما تبينته من دلائل موضوعية يقدمها كل من طرفي الخصومة.
ومن حيث إنه بالنسبة لموضوع الطلب المستعجل فيما يتعلق بركن الاستعجال فإن المدعي يستند في توافره إلى أن فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب اسمه من بين المتعهدين وعدم السماح له بالدخول في مناقصات الحكومة سيترتب عليه التأثير في كيانه بل في وجوده ذاته بمقولة إنه يقصر نشاطه على التوريد للمصالح الحكومية.
ومن حيث إنه لا خوف على المدعي من غل نشاطه في اتجاه التوريد للمصالح الحكومية وله أن يولي نشاطه شطر أي جانب اقتصادي آخر ولا يقصره على التوريد لجهات الإدارة فلا يخشى على مثله والحالة هذه من مصادرة موارد رزقه أو قعوده عاطلاً بدون عمل لأن التوريد ليس احتكاراً له ولا يترتب على شطب اسمه بهذه المثابة نتائج يتعذر تداركها.
كما أن للجهة الإدارية الحق في فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب الاسم وهذه ليست إلا جزاءات تملك توقيعها على المتعاقد معها إذا تخلف عن الوفاء بما يفرضه عليه العقد أو إذا استعمل الغش أو التلاعب في معاملته معها، ولما كان توقيع هذه الجزاءات إنما يهدف أساساً إلى حسن تنفيذ العقد المتصل بسير المرفق العام وضمان استمراره وانتظامه تحقيقاً للمصلحة العامة، ومن حق جهة الإدارة توقيعها دون انتظار لحكم من القضاء، فإنه لا وجه لاتخاذ أي إجراء يحول دون استعمال الجهة الإدارية لهذا الحق بأية صورة من الصور مهما يكن من أمر ما يدعيه المدعي في هذا الشأن عند نظر أصل الموضوع ذلك أن المصلحة العامة والمصلحة الفردية لا تتوازيان في مجال الروابط القانونية التي تنشأ بين الأفراد والإدارة بل يجب أن تعلو المصلحة العامة في مثل هذا الأمر الذي يتعلق أساساً بتسيير مرفق عام وإنما تتحول المصلحة الفردية إلى تعويض إذا كان لذلك أساس من القانون - ذلك أنه مما يجب التنبيه إليه بادئ ذي بدء كأصل ثابت أصيل لا يقبل الجدل وبالقدر اللازم للفصل في الطلب المستعجل مع عدم المساس بأصل الحق. أن من القواعد المسلمة في القانون الإداري أن الدولة هي المكلفة أصلاً بإدارة المرافق العامة فإذ عهدت إلى غيرها بأمر القيام بذلك لم يخرج المتعاقد مع الدولة في إدارته عن أن يكون معاوناً لها ونائباً عنها في أمر هو من أخص وظيفتها وخصائصها، وهذا النوع من التعاقد وبعبارة أخرى هذه الطريقة غير المباشرة لإدارة المرفق العام لا يعتبر تنازلاً أو تخلياً من الدولة عن المرفق العام بل تظل ضامنة له ومسئولة عن إدارته واستغلاله وهي في سبيل القيام بهذا الواجب تتدخل في شئون المرفق وتعدل أركان تنظيمه وقواعد إدارته كلما اقتضت المصلحة العامة ذلك وهي في هذا لا يستند إلى العقد الإداري بل إلى سلطتها الضابطة للمرافق العامة، وتحقيقاً لغايات هذه السلطة وأهدافها تتمتع الدولة بامتياز وسلطان ينتفي معهما كل طابع تعاقدي ضماناً لحسن سير المرافق العامة بانتظام وإطراد واستغلالها وإدارتها على الوجه الأكمل وكفالة ذلك محققة بما لها من حقوق الإشراف والتدخل والتعديل حسبما تمليه المصلحة العامة وهي حقوق لا تملك جهة الإدارة التنازل عنها كما أنها وهي تستعمل هذه الحقوق لا يمكن أن تحاج بأنها تمس الحق الأعلى أو تخل بشروط عقدية لأن الإجراءات التي تتخذها في هذا الشأن إنما تتناول نظاماً قانونياً خاصاً لأنه متعلق بمرفق عام فهي تملك تعديل أركان تنظيم المرفق العام وقواعد إدارته بل إن لها أن تنهي العقد نفسه قبل الأوان متى اقتضت المصلحة العامة ذلك أيضاً.
ومن حيث إن تدخل المنطقة الطبية ووزارة الصحة في شئون العقد المبرم مع المدعي لم يكن إلا بقصد القيام بما التزم به المدعي تنفيذاً للعقد وبقصد الوفاء بحاجة المنتفعين بالمرفق أي أن الجهة الإدارية استعملت حقاً من حقوقها المستمدة من طبيعة المرفق العام وعملاً بالقواعد الأصولية في العقود الإدارية التي تقضي بها طبيعة العقود الإدارية وأهدافها وقيامها على فكرة حسن استمرار المرافق العامة كما أن استعمال هذا الحق هو في الحدود المنصوص عليها في عقد التوريد في المادة 27 من الاشتراطات العامة الخاصة بالمناقصات والتوريدات السابق الإشارة إليها.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالركن الخاص بجدية الأسباب التي يستند إليها الطلب المستعجل أو عدم جديتها في ظاهرها فإن مثار المنازعة في هذه الأسباب على ما يؤخذ من دفاع أطرافها هو ما إذا كان لمنطقة بور سعيد الطبية ووزارة الصحة حق فسخ العقد المبرم مع المدعي ومصادرة التأمين المودع منه وشطب اسمه لما اتضح من تحليل عينة اللبن المأخوذة يوم 25 من يوليه سنة 1961 من أن عينة اللبن المورد لمستشفى حميات بور سعيد غير مطابقة لقرار الألبان لإضافة مادة حافظة (حمض البوريك) أو أملاحه إليها كتقرير معمل السويس الكيماوي مما يجعل اللبن غير صالح للاستهلاك الآدمي لأن حمض البوريك مادة ضارة بصحة الإنسان ممنوع إضافتها إلى المواد الغذائية وذلك على الرغم من حكم البراءة الصادر في القضية رقم 3465 سنة 1961 جنح الشرق بتاريخ 22 من مايو سنة 1963 والذي أصبح نهائياً ذلك الحكم المستند إلى شهادة الصيدلي إبراهيم رشاد بأن المستشفى يقوم بتحليل اللبن وأن اللبن لا يسلم إلا بعد أن تقرر المستشفى بأن اللبن سليم بعد التحليل.
ومن حيث إنه لا محل للاستناد إلى تحليل الصيدلي للبن بالمستشفى ذلك لأنه كما يبين من ظاهر الأوراق أن تحليل اللبن بالمستشفى كان مقصوراً على المواد الدسمة والمواد الصلبة واللون والرائحة ولم يحلل كيمائياً حتى تظهر المادة الكيمائية الغريبة باللبن - وذلك حسبما يبين من إجابة صيدلي المستشفى بتاريخ 26 من سبتمبر سنة 1961 ما دام قد ثبت من تقرير معمل السويس الكيماوي رقم 1089 وفي 31 من يوليه سنة 1961 إنه اتضح من تحليل عينة اللبن أنها غير مطابقة لقرار الألبان لإضافة مادة حافظة (حمض البوريك أو أملاحه) وأن مفتش صحة بور سعيد أول يقرر بأن إضافة مادة حافظة إلى اللبن تجعله غير صالح للاستهلاك الآدمي وحمض البوريك مادة ضارة بصحة الإنسان ممنوع إضافتها إلى المواد الغذائية.
ومن حيث إنه لا وجه للتحدي بالحكم الجنائي بالبراءة الصادر من محكمة جنح الشرق في جريمة غش اللبن إذ أنه قام على شهادة صيدلي المستشفى من أن اللبن سليم من ناحية المواد الدسمة والمواد الصلبة واللون والرائحة فحسب ولم يقم على نفي أو ثبوت إضافة المادة الحافظة وهذا الحكم وإن حاز قوة الأمر المقضى به في تلك الجريمة من زاوية المواد الدسمة والمواد الصلبة واللون والرائحة إلا أنه لا يحوز هذه القوة في ثبوت سلامة اللبن بصفة مطلقة، فالقضاء الإداري لا يرتبط بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم وكان فصله فيها ضرورياً أي أن القضاء الإداري يتقيد بما أثبته القضاء الجنائي في حكمه من وقائع وكان فصله فيها لازماً دون أن يتقيد بالتكييف القانوني لهذه الوقائع فقد يختلف التكييف من الناحية الإدارية عنه من الناحية الجنائية.
ومن حيث إنه لا محل للمحاجة بدفاع المدعي من أنه اتفق مع مورد الألبان المدعو محمد محمد العشي على القيام بتوريد الألبان وأنه لو فرض جدلاً ووجد غش فإنه يكون صادراً من المتعاقد معه من الباطن ولا بمسايرة الحكم المطعون فيه للمدعي من أن جريمة غش اللبن قد نسبت إلى غير المدعي ذلك أنه بالنظر إلى صلة العقد الإداري الوثيقة بالمرفق العام.
وحيث إنه من المسلمات أن يقوم المتعاقد بنفسه بالتنفيذ، فالتزامات المتعاقد مع الإدارة التزامات شخصية لا يجوز له أن يحل غيره فيها أو أن يتعاقد بشأنها مع الغير من الباطن إلا بموافقة الإدارة، كما هو الحاصل في هذا المنازعة فإن التنازل يعتبر باطلاً ولا يحتج به في مواجهة الإدارة فلا تنشأ بين المتعاقد من الباطن وبين الإدارة أي علاقة - ويبقى المتعاقد الأصلي مسئولاً في مواجهة الإدارة في كلتا الحالتين.
وفضلاً عن هذا فإن ذلك منصوص عليه تشريعياً في لائحة المناقصات والمزايدات الصادرة بقرار وزير المالية رقم 542 لسنة 1957 إذ ورد النص على ذلك صراحة في المادة 83 التي تقول "لا يجوز للمتعهد أو المقاول النزول عن العقد أو عن المبالغ المستحقة له كلها أو بعضها إلا بعد أخذ موافقة السلاح أو المصلحة المختصة كتابة ويجب أن يكون مصدقاً على التوقيعات الواردة فيه من مكتب التوثيق المختص، ويبقى المتعهد أو المقاول مسئولاً بطريق التضامن مع المتنازل إليه عن تنفيذ العقد ولا يحل قبول نزوله عن المبالغ المستحقة له بما يكون للمصلحة قبله من حقوق".
ويخلص من ذلك أن المدعي مسئول مسئولية شخصية في تنفيذ التزاماته التي تضمنها العقد وأن التحليل الكيماوي أثبت بما لا يدع مجالاً للشك في أن اللبن المورد مغشوش وغير مطابق لقرار الألبان لإضافة مادة (حمض البوريك أو أملاحه) إليه.
ومن حيث إن هذا يرشح للاعتقاد بحسب الظاهر من الأوراق بتوافر الأسباب التي قام عليها قرار المنطقة.
ومن حيث إن البند 27 من الاشتراطات العامة يقضي، بأنه في حالة استعمال المتعهد الغش، يؤمر بفسخ العقد ومصادرة التأمين ويشطب اسم المتعهد من كشف الجهة الإدارية فإذا صح ما يذهب إليه المدعي من أن فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب اسمه من كشف المتعهدين، كل أولئك سيلحق به أضراراً مالية فإن حقه إن وجد مكفول بالرجوع على جهة الإدارة بالتعويض عن الأضرار التي تلحق مركزه التعاقدي إن كان هناك وجه حق في هذا التعويض.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أنه ليس ثمة في حدود الظاهر من الأوراق ومع عدم المساس بأصل الموضوع المتنازع عليه ما يزكي الطلب المستعجل، ومن ثم فإن هذا الطلب يكون في غير محله متعيناً رفضه ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بوقف تنفيذ القرار موضوع الدعوى فيما تضمنه من شطب اسم المدعي من سجل المتعهدين، قد بني على خطأ في تأويل القانون وتطبيقه بإجابة الطلب المستعجل في هذا الشطر من الدعوى ويتعين الحكم بإلغائه وبرفض هذا الطلب.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به في الطلب المستعجل من وقف تنفيذ القرار موضوع الدعوى فيما تضمنه من شطب اسم المدعي من سجل المتعهدين، وبرفض هذا الطلب، وألزمت المدعي بالمصروفات الخاصة بالطلب المستعجل.