مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 376

(34)
جلسة 4 من يناير سنة 1964

برياسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس وعضوية السادة: حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي. المستشارين.

القضية رقم 970 لسنة 7 القضائية

عقود إدارية - عقد توريد - تنفيذه - وجوب انطوائه على حسن النية، فلا يعوق عن التنفيذ أو يبرر الإخلال بشروط العقد، أو التحلل من الالتزامات الناشئة عنه - انطوائه مجرد الخلاف على بعض الأمور أو على تفسير بعض الشروط إذا كان الخلاف يدور حول فروق مالية - مثال: تأخر استصدار إذن الاستيراد لا يبرر فسخ العقد من جانب المتعهد، سيما إذا قامت الإدارة بواجب التسهيل وصدر الإذن فعلاً - هذا الفسخ يجعل التأمين المدفوع من تلقاء نفسه من حق الإدارة طبقاً لنصوص العقد.
يتضح من أوراق المناقصة موضوع النزاع أن العطاء مقوم بالعملة المصرية وأن المطعون ضده قد حدد في عطائه للتوريد والتركيب والتسليم مدة ثمانية أشهر من تاريخ منحه إذن الاستيراد اللازم بالعملة الرسمية وقد حرصت هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية في إخطار المتعهد بالقبول سواء بالبرقية أو بالخطاب أن تبين أن مدة التوريد ثمانية شهور من تاريخ حصوله على الترخيص بالاستيراد دون ذكر أو الإشارة إلى الكيفية التي يصدر بها الترخيص بالعملة الرسمية أو بالعملة الحرة فهو أمر لا شأن للهيئة به وخارج عن التعاقد الذي تم على أساس العملة المصرية وهي من جانبها قد سعت وساعدت المدعي في الحصول على إذن الاستيراد في فبراير سنة 1956، فلما تقاعس عن استعمال هذا الإذن بحجة أنه لم يصدر بالعملة الرسمية كما اشترط ذلك في عطائه، سايرت الهيئة المدعي في هذا رغبة منها في إنهاء العملية لشدة لزومها وطلبت منه بياناً بثمن الآلات التي سيستوردها من أمريكا وقد أمهلته طويلاً إلا أنه لم يوافها بالبيان المطلوب بل بادرها بإنذار يعلن فيه عدم تنفيذه العملية ولما كان تنفيذ العقود يجب أن ينطوي على حسن النية فإنه كان على المدعي وقد صدر له إذن الاستيراد في فبراير سنة 1956 أن يقوم بتنفيذ العملية في الميعاد الذي حدده هو في عطائه ضماناً لحسن سير المرفق خدمة للصالح العام وأنه لمما يتنافى وحسن النية أن يستمر المدعي في الجدل والنقاش زهاء ثلاث سنوات دون أن يبدي أي جدية في التنفيذ وقد كان بيده إذن استيراد في مقدوره أن يستورد به الآلات اللازمة للمشروع، وليس في ذلك أية مضيعة لحق يدعيه إن كان قائماً على وجه من المصلحة، وكان يتعين عليه تبعاً لذلك أن يمضي في التنفيذ احتراماً لشروط العقد وللالتزامات المترتبة في ذمته بمقتضاه وقد صبرت الهيئة المدعى عليها على المدعي وعاونته أكثر مما ينبغي ولم ترد أن تتخذ من جانبها أي إجراء يفسخ التعاقد مما حدا به إلى التغالي في طلباته بتعديل قيمة العطاء ذاته بحجة أن أثمان الآلات في الخارج قد ارتفعت فلما طولب ببيان ثمن هذه الآلات تراخى في ذلك إلى أن حصلت الأزمة في النقد الأجنبي مما دعا وزارة المالية لإصدار تعليمات بأن يكون التعامل بسبب ظروف هذه الأزمة بالعملة المصرية وقد كان من الممكن أن يكون ذلك محل تقدير من الهيئة المدعى عليها لو قام المدعي بالتنفيذ أو حتى مجرد الشروع فيه ولكنه بادر هو بفسخ العقد من جانبه الأمر الذي يصبح معه التأمين المدفوع من تلقاء نفسه من حق الهيئة المذكورة. ومجرد الخلاف على بعض النقاط أو على تفسير بعض شروط العقد لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال عائقاً عن التنفيذ أو مبرراً للإخلال بشروط العقد أن للتحلل من الالتزامات الناشئة عنه إذا كان الخلاف كله يدور حول فروق مالية وهو الأمر الذي يمكن تداركه دائماً حالاً أو مستقبلاً ولا سيما أن الهيئة المدعى عليها ليست هي التي بدأت بالفسخ لتأخر المدعي في التنفيذ، خصوصاً بعد حصوله على إذن الاستيراد في سنة 1956.


إجراءات الطعن

بتاريخ 15 من مارس سنة 1961 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 22 من يناير سنة 1961 في القضية رقم 893 لسنة 12 القضائية المرفوعة من السيد/ ألفريد جاد ضد هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية ووزارة المواصلات والقاضي "بإلزام الهيئة المدعى عليها بأن تدفع للمدعي مبلغ 234.158 مجـ والمصروفات المناسبة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات "وطلب السيد الطاعن للأسباب التي أوردها في عريضة طعنه "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزام الهيئة الطاعنة بأن تدفع للمطعون ضده مبلغ 234.158 مجـ والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد والحكم برفض هذا الطلب مع إلزام المطعون ضده بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة" وبعد إعلان هذا الطعن لذوي الشأن، نظر أمام دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا التي بعد أن سمعت ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن أرجأت النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعة الدعوى حسبما يبين من أوراقها تتحصل في أن المدعي المطعون ضده أقام الدعوى رقم 893 لسنة 12 القضائية في 2 من مايو سنة 1958 ضد وزارة المواصلات وهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية طالباً الحكم "باعتبار العقد رقم 1/ 8/ 3 ب مخازن بتاريخ 30 من أكتوبر سنة 1954 بين المدعي ومصلحة التليفونات (هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية) مفسوخاً بتقصير المصلحة وعلى مسئوليتها وإلزام المدعى عليهما بأن يردا للمدعي مبلغ 234.158 مجـ مع الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية لحين تمام الوفاء ومبلغ 864.255 مجـ على سبيل التعويض مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة." وقال المدعي شرحاً لطلباته إن هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية (مصلحة التليفونات والتلغرافات) طرحت في مناقصة عامة توريد وتركيب أجهزة تكييف هواء لسنترالي مصر الجديدة وشبين الكوم وحددت لإجراء المناقصة يوم 31 من مايو سنة 1954 - وقد تقدم في هذه المناقصة بعطاء نص فيه صراحة كشرط أساسي من شروط العطاء أن تكون مدة التوريد والتسليم هي حوالي ثمانية أشهر من تاريخ منحه إذن الاستيراد اللازم بالعملة الرسمية وفي 30 من أكتوبر سنة 1954 تلقى برقية من المصلحة تخطره فيها برسو العطاء عليه وأن يكون التوريد والتسليم خلال ثمانية أشهر من تاريخ إذن الاستيراد وبناء عليه في 9 من نوفمبر سنة 1954 وجه المدعي إلى المصلحة كتاباً منطوياً على خطاب الضمان النهائي بمبلغ 234.158 مجـ وطلب فيه موافاته بخطاب لمراقبة الاستيراد لمنحه إذن الاستيراد الخاص بأجهزة هذه العملية بالعملة الرسمية للبلد المستوردة منه. ثم كتب إلى المصلحة في 9 من ديسمبر سنة 1954 يذكرها بما طلبه في خطابه المؤرخ 9 من نوفمبر سنة 1954 ويرجو أن توافى مراقبة الاستيراد بالموافقة المطلوبة حتى يتمكن من الحصول على الترخيص اللازم لاستيراد الأجهزة لمباشرة تنفيذ العملية إلا أن المصلحة لم تحرك ساكناً وكان أن عادت مراقبة الاستيراد فكتبت له في 4 من يناير سنة 1955 تشير إلى الطلب المقدم منه والذي لا يزال معلقاً وتطلب منه سرعة موافاتها بموافقة إدارة الشئون المالية والاقتصادية كما سبق أن طلبت ذلك منه بكتابها المؤرخ 30 من نوفمبر سنة 1954 وإلا ستضطر لاستخراج الترخيص خصماً من حسابات حق الاستيراد وقد عاود المدعي الكتابة إلى المصلحة في 6 من يناير سنة 1955 راجياً سرعة موافاة مراقبة الاستيراد بالمطلوب فكتبت المصلحة إلى مراقبة الاستيراد في 30 من يناير سنة 1955 بأنها تعاقدت مع المدعي على توريد وتركيب أجهزة تكييف لسنترالي مصر الجديدة وشبين الكوم بثمن إجمالي قدره 2341.580 مجـ للتسليم بمنطقة العمل المورد على إذن الاستيراد على أن يتم دفع الثمن إليه بالعملة المصرية ولما كانت المهمات ستستورد من أمريكا كإخطار المورد فإنها ترجو اتخاذ اللازم إذا كان ذلك لا يتعارض مع القوانين المالية وقد بادر المدعي بالكتابة إلى المصلحة في 8 من فبراير سنة 1955 مبيناً في كتابة نصوص التعاقد ومنبهاً إلى أن مراقبة الاستيراد قد رفضت منحه الترخيص اللازم بالعملة الرسمية لأن المصلحة لم تذكر في كتابها الشروط الواردة بعطائه.. وحمل المصلحة مسئولية التأخير في منحه ترخيص الاستيراد إذا ما ارتفعت الأسعار في الخارج وبعد مكاتبات متعددة تلقي كتاباً من المصلحة يفيد بأنها حررت لمراقبة الاستيراد ولتسهيل المأمورية وأنه ليس في استطاعتها القيام بعمل آخر. ثم حصل بعد ذلك أن كتبت إليه المصلحة في 2 من نوفمبر سنة 1955 تستحثه على سرعة توريد الأصناف المتعاقد عليها في أقرب فرصة مع تحميله مسئولية التأخير. وقد رد عليها بأنه إلى اليوم لم يحصل على ترخيص الاستيراد بالعملة الرسمية للبلد التي ستستورد منها الأجهزة وأن مدة التوريد والتركيب تحتسب من تاريخ منحه ترخيص الاستيراد المطلوب وأخيراً وبعد ما يقرب من السنتين كتبت إليه المصلحة في 24 من سبتمبر سنة 1956 بأنه بالإحالة إلى كتابه المؤرخ 2 من أغسطس سنة 1956 الذي أشار فيه إلى أن المبلغ المطلوب تحويله للخارج ثمناً للأجهزة المستوردة يعادل 6545 دولاراً قد فحص الموضوع على أساس خطابيه المؤرخين 4 و17 من مارس سنة 1955 الموجهين إلى مراقبة الاستيراد بصدد طلبه تدبير مبلغ 2877 دولاراً وهو القيمة الفعلية التي طلب تحويلها للخارج. ولما كانت الزيادة المطلوبة التي أشار إليها في خطابه المؤرخ 2 من أغسطس سنة 1956 بالنسبة لزيادة أسعار الخامات هي 570 جم فيتضح أن القيمة الفعلية الواجب إضافتها على مبلغه السابق طلبه من مراقبة الاستيراد هي 730.13 دولاراً بالنسبة للتقدير السابق فيكون الإجمالي الواجب تحويله للخارج 3607.23 دولاراً وليس 6445 وبناء على هذا طلب منه إعادة النظر والإفادة عن السبب الذي حدا به إلى طلب تحويل مبلغ 6445 دولاراً للخارج وقد رد المدعي على المصلحة موضحاً في كتابه لها المؤرخ 5 من أكتوبر 1956 ما طلبته من بيانات - فردت عليه في 12 من أكتوبر سنة 1956 بأن أسعار العطاء ثابتة لا تخضع للتعديل - وقد رد المدعي على المصلحة في 29 من أكتوبر سنة 1956 بأن هذه الزيادة نجمت عن التأخير في منحه إذن الاستيراد بالعملة الرسمية ما يزيد على سنتين. وفي 12 من نوفمبر سنة 1956 كتبت المصلحة إلى المدعي تطلب منه موافاتها ببيان يشتمل على ثمن المهمات التي ستستورد من أمريكا وما تساويه هذه القيمة بالدولارات أي المبلغ الذي يتحول فعلاً إلى أمريكا وذلك على أساس السعر المقدم منه في العطاء عن قيمة أجور التركيب وتفصيلات الزيادة المطلوبة وقدرها 570 جم وهل ستحول بأكملها للخارج أم يدخل ضمنها جزء لأجور التركيب يدفع بالعملة المصرية مع العلم بأن التأخير في الإجراءات نتج عن عدم إيضاح تفصيلات العطاء إلا أنه في 2 من فبراير سنة 1957 كتبت المصلحة إلى المذكور بأنه نظراً للظروف الحاضرة وتعذر توفير الدولارات الأمريكية نرجو الإفادة عما إذا كنتم تقبلون دفع قيمة الأجهزة التي ستستورد من الخارج بالعملة المصرية وقد رد المدعي عليها بخطاب مؤرخ 7 من مارس 1957 بأن هذا الطلب هو تغيير لأساس التعاقد.. ولما كان العرض بتغيير أساس التعاقد يعتبر بمثابة عدول عنه وفسخ له فإنه من جانبه لا يوافق على الأساس الجديد المقترح هذا إلى أن عدم تنفيذ العملية وفسخها قد سبب له خسارة قدرها 364.255 مجـ. وبتاريخ 4 من أغسطس سنة 1957 أنذر المدعي المصلحة رسمياً مطالباً بسداد مبلغ 364.255 مجـ قيمة الخسارة التي لحقته وما ضاع عليه من ربح وبرد خطاب الضمان "وفي 24 من نوفمبر سنة 1957 أرسلت المصلحة إليه خطاباً تقول فيه إن مهمتها كانت قاصرة على تسهيل مهمته في الحصول على إذن الاستيراد. وإنها كتبت لمراقبة الاستيراد في 30 من يناير سنة 1957 لتسهيل مأموريته وكان أن منح إذن استيراد بمبلغ 2877 دولاراً غير أنه رفض الاستفادة منه بحجة أنه يطلب ترخيصاً بالعملة الرسمية وأنها مسايرة منها له طلبت منه موافاتها بالقيمة الفعلية الواجبة التحويل ولكنه عجز كما عجز عن القيام بالعمل وبذلك استحق مصادرة التأمين ومطالبته بالتعويضات والزيادة التي قدم تنجم عن مشتري هذه الأجهزة من آخرين. وقد اعترض المدعي على هذه الادعاءات إلا أن المصلحة أصرت على موقفها وأخطرته بتاريخ 19 من فبراير سنة 1958 بإلغاء العقد ومصادرة التأمين وينتهي المدعي من سرد الوقائع المتقدمة إلى بيان للمبلغ المطلوب وهو:

مليم جنيه  
158 234 قيمة خطاب الضمان الذي حصلته المصلحة من البنك.
255 364 قيمة التعويض المستحق له عما لحقه من خسارة وما ضاع عليه من ربح.
  500 تعويض أدبي
413 1098  

وقد أجابت الحكومة عن الدعوى بأن هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية أشهرت مناقصة عامة لتوريد وتركيب أجهزة تكييف هواء لسنترالي مصر الجديدة وشبين الكوم وتحديد يوم 31 من مايو سنة 1954 لفتح المظاريف وقد تقدم المدعي بعطاء مؤرخ 31 من مايو سنة 1954 جاء به أن إجمالي سعر العملية عن توريد وتركيب الأجهزة وصيانتها لمدة سنة عن عملية سنترال شبين الكوم هو مبلغ 2414 جنيه وقد جاء بهذا العطاء تحت بند مدة التوريد والتسليم أن هذه المدة هي حوالي ثمانية شهور من تاريخ منحه إذن الاستيراد بالعملة الرسمية وأخيراً وافق المدعي على خصم 3% من قيمة العطاء وقد تم فتح المظاريف في 31 من مايو سنة 1954 على العطاءات السبعة التي وردت وفي 28 من أغسطس سنة 1954 أوصت اللجنة المختصة بقبول العطاء المقدم من المدعي بالنسبة لتوريد وتركيب أجهزة تكييف هواء سنترال شبين الكوم. وفي 30 من أكتوبر سنة 1954 تم التعاقد مع المدعي على أساس ثمن إجمالي قدره 2341.580 مجـ على أن يتم التسليم خلال ثمانية أشهر من تاريخ إذن الاستيراد وقد قام المدعي بتقديم خطاب ضمان نهائي بمبلغ 234.158 مجـ في 9 من نوفمبر سنة 1954 ويستند المذكور في دعواه إلى عبارة وردت في عطائه تحت بند مدة التوريد والتسليم إذ جعل هذه المدة ثمانية شهور من تاريخ منحه إذن الاستيراد اللازم بالعملة الرسمية - وهذه العبارة لا تفيد التزام الهيئة بالحصول على هذا الإذن وتسليمه للمتعاقد وكل ما تفيده هو أن المدعي أراد أن يعلق مدة التوريد والتسليم على حصوله هو على إذن الاستيراد من الجهة المختصة بحيث لا يؤاخذ عن مدة التأخير التي قد تنشأ عن بط إجراءات الحصول على الإذن المذكور ولو أن المدعي كان يقصد ما يقصده الآن لأورد هذه العبارة تحت بند الدفع لأن معنى ما يقصده الآن هو أن تتحمل الحكومة الفرق بين سعر الدولار الرسمي وسعره في حسابات الاستيراد أي أن تتحمل الحكومة مبالغ غير تلك التي تم عليها التعاقد إذ المتفق عليه أن يتم الدفع بالعملة المصرية لا بالعملة الأجنبية وأن يتم دفع مبلغ معين غير قابل للزيادة. وهذا دليل قاطع على أن المدعي لم يقصد عند التعاقد أن تلتزم الهيئة بتوفير الدولار بالسعر الرسمي ولا الهيئة قصدت إليه إلا كان عطاء المدعي مرتفعاً عن غيره وما كان يجوز قبوله وقد أكدت المصلحة هذا المعنى الواضح بكتاب القبول المؤرخ 21 من نوفمبر سنة 1954 إذ جاء فيه أن مدة التوريد حوالي ثمانية شهور من تاريخ حصوله على إذن الاستيراد اللازم. وهذا هو ترديد لما جاء بالعطاء على لسان المدعي ولم يرد في قبول المصلحة ما يفيد التزامها بمنح إذن الاستيراد لا بالعملة الرسمية ولا بغيرها وهذا بديهي لأن ذلك ليس من اختصاصها. وقد قام المدعي بسداد قيمة التأمين بعد استلامه البرقية والكتاب المؤيد لها وبذلك ظهرت نيته في تنفيذ العقد على هذا الأساس الواضح. وأما ما يزعمه من أن الهيئة سلمت تسليماً ضمنياً بالتزامها بإعطائه إذن الاستيراد بالعملة الرسمية فإن ما يستند إليه في هذا الزعم مما ورد في بعض المكاتبات التي يشير إليها لا يدل على التسليم بهذا الالتزام فكتاب الهيئة المؤرخ 28 من سبتمبر سنة 1956 ليس إلا استفساراً عن الفرق الذي يدعيه المدعي في ثمن الأجهزة والفرق الذي يطالب به إذ بينما كان يطالب بزيادة السعر بمقدار 570 جنيه إذا به يطلب زيادة الدولارات من مبلغ 2877 دولاراً والذي كان قد طلبه في بادئ الأمر إلى 6445 دولاراً أي بما يزيد على الضعف - أما عن كتاب الهيئة المؤرخ 12 من نوفمبر سنة 1956 فإنه يدل على أن الهيئة كانت في مسيس الحاجة إلى الأجهزة المتعاقد عليها حتى أنها طلبت من المدعي بعض البيانات وإيفاد مندوب عنه لعلها تصل معه إلى تسوية الموضوع والوصول إلى نتيجة حاسمة وليس في ذلك تسليم بأي التزام من أي نوع كان وإنما كل ما في الأمر هو محاولة للوصول إلى نتيجة حاسمة للموضوع ولم تكلل هذه المحاولة بالنجاح ومع أن الهيئة لم تكن ملزمة حسب التعاقد بأي التزام يتعلق بحصول المدعي على إذن الاستيراد إلا أنها قامت من جانبها بتسهيل مهمته في الحصول على هذا الإذن وقد حصل عليه المدعي فعلاً في 2 من فبراير سنة 1955 إذ منحته مراقبة الاستيراد الترخيص بالقيمة التي كان قد طلبها بالدولار الأمريكي خصماً من حسابات حق الاستيراد. ولكن المدعي تراخى في استخدام هذا الإذن متعللاً بأن من حقه الحصول على إذن بالعملة الرسمية وبذلك لم يقبل إذن الاستيراد بالرغم من صدوره. ولما كانت المدة المتفق عليها في العقد هي ثمانية شهور من تاريخ حصول المدعي على إذن الاستيراد اللازم ولما كان هذا الأخير قد حصل على إذن الاستيراد في 2 من فبراير سنة 1955 فقد كان يتعين عليه إتمام العملية في مدة أقصاها 2 من أكتوبر سنة 1955 ومع ذلك أمهلته الهيئة وسكتت عليه إلى أن أظهر نيته الصريحة في عدم تنفيذ التزامه وإصراره على ذلك فأرسلت إليه كتاباً مؤرخاً 19 من فبراير سنة 1958 أمهلته فيه بإلغاء العقد ومصادرة التأمين طبقاً للمادة 22 من الشروط.. ومن كل ما تقدم يتضح أن إلغاء العقد كان نتيجة لخطأ المدعي وتقصيره وكان من حق الوزارة مصادرة التأمين، ومن ثم تعتبر الدعوى واجبة الرفض لانهيار أساسها وبجلسة 22 من يناير سنة 1961 قضت محكمة القضاء الإداري بإلزام الهيئة المدعى عليها "بأن تدفع للمدعي مبلغ 234.158 مجـ والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 27 مايو سنة 1958 والمصروفات المناسبة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات" بانية حكمها على أن مناط النزاع في الدعوى هو ما يدعيه مقدم العطاء "المدعي" من تقصير الهيئة المدعى عليها في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحصول على إذن الاستيراد الأمر الذي ترتب عليه تأخره في توريد الأجهزة المتعاقد عليها نظراً لأن التوريد يبدأ من تاريخ الحصول على هذا الإذن وللتحقق من هذا الادعاء يجب التأكد أولاً مما إذا كانت الهيئة ملزمة بالحصول على هذا الإذن وتسليمه للمدعي أم أن دورها قاصر على مجرد التوصية لدى الجهات المختصة لتسهيل مهمته في الحصول عليه، وبالرجوع إلى الشروط التي طرحت على أساسها المناقصة تبين أنها خلو من أي نص يلزم الهيئة بالحصول على هذا الإذن. ولم تقصر الهيئة في اتخاذ إجراءات التوصية ليمكن المدعي من الحصول على إذن الاستيراد.. ومنح الترخيص رقم 500041/ أ في 2 من فبراير سنة 1955 بالدولار الأمريكي خصماً من حسابات حق الاستيراد.. والهيئة وإن كانت في حل من استخراج إذن الاستيراد وتسليمه إلى المدعي إلا أن هذا الأخير كان قد أدخل في اعتباره عند التقدم بعطائه أن إذن الاستيراد الذي سيصرف إليه سيكون بالعملة الرسمية وأنه لذلك وضع أسعاره على هذا الأساس وتقدم بعطائه منصوصاً فيه على هذا التحفظ ولا بد أن النية المشتركة للطرفين في ذلك الحين قد انصرفت إلى قبول العطاء وإبرام العقد على أساس أن مدة التوريد والتسليم تكون حوالي ثمانية أشهر من تاريخ حصول المدعي على إذن الاستيراد اللازم بالعملة الرسمية يؤيد ذلك ما ورد في كتاب السيد/ مدير عام التليفونات إلى السيد/ مراقب عام الاستيراد والتصدير المؤرخ 7 من مارس سنة 1955 من أن "الشركة قد اشترطت أن يتم التوريد في حوالي ثمانية شهور من الحصول على إذن الاستيراد اللازم بالعملة الرسمية والأصناف صناعة أمريكية فنرجو تسهيل مأمورية المورد لإمكان تنفيذ شروط التعاقد" وقد رد السيد مراقب الاستيراد على ذلك بكتابه المؤرخ 13 من مارس سنة 1955 بأنه "واضح من كتابكم الأخير بأنه مطلوب أن يكون الدفع بالدولار الأمريكي بالسعر الرسمي لذلك نرجو التكرم بالاتصال بإدارة الشئون المالية والاقتصادية بوزارة المالية للحصول على موافقتهما وموافاتنا بها حتى يمكن تعديل الترخيص الممنوح للمستورد" كذلك ما ورد بكتاب السيد/ مراقب عام الهيئة المؤرخ 18 من يوليه سنة 1955 إلى السيد مدير مخازن التليفونات "يطلب موافاته بقيمة الدولارات الأمريكية المطلوب تدبيرها بالسعر الرسمي والمعادلة لمبلغ 2342.580 مجـ قيمة العطاء المقدم من الفريد جاد "المدعي" توطئة للاتصال بإدارة الشئون المالية والاقتصادية بوزارة المالية بشأن الارتباط في حدودها إن لم يكن قد وصلت موافقة وزارة المالية حتى الآن وهكذا فقد جرت معظم مكاتبات الهيئة المدعى عليها مع فروعها ومع إدارة الشئون المالية ومع مراقبة الاستيراد على هذا النحو الذي يؤكد أنها قبلت العطاء المقدم من المدعي مشروطاً بهذا الشرط على أنها قامت فوق ذلك بمحاولات عدة لتسهيل حصوله على إذن الاستيراد تحقيقاً لشروطه في عطائه وأن اصطلاح "إذن استيراد بالعملة الرسمية" الوارد في عطاء المدعي طبقاً لرد المخازن والمشتريات هو إذن استيراد بعملة البلد المستوردة منه الآلات وبالسعر الرسمي أي ما يساوي الجنيه المصري بالعملات الأجنبية المختلفة طبقاً للأسعار التي حددها النقد الدولي بنيويورك، وأن هذا المعنى هو الذي فهمته الهيئة المدعى عليها ومراقبة الاستيراد وأن الأمر ما كان يقتضي من الهيئة المذكورة سوى مخابرة إدارة الشئون المالية والاقتصادية بوزارة المالية في هذا الشأن وهو الإجراء الذي ظلت إدارات متعاقبة فيها تتبادل المكاتبات بشأنه فيما بينها وبين مراقبة الاستيراد دون أن تقوم أي إدارة منها بمخابرة إدارة الشئون المالية والاقتصادية المختصة ثم صدر قرار من إدارة النقد في 10 من يناير سنة 1957 بأن يكون التعامل بالجنيه المصري نظراً للظروف الحاضرة وتعذر توفير الدولارات الأمريكية وبذلك استحال على المدعي أن يحصل على إذن الاستيراد بالعملة الرسمية وكان عليه أن يتحمل في سبيل تنفيذ العقد فرق سعر العملة والعلاوات وهو أمر لم يدخل في اعتباره عندما قدم عطاءه فضلاً عن أن فيه إرهاقاً مالياً يصيبه. ومن ثم فإن إلغاء العقد مع مصادرة التأمين يكون إجراء مخالفاً لشروط العقد وقواعد العدالة مما يتعين معه رد التأمين للمدعي وقدره 234.158 مجـ مع فوائده القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد.
ومن حيث إن الطعن في هذا الشطر من الحكم وهو المقضى فيه بالإجابة يقوم على أن المحكمة أخطأت في تطبيق القانون إذ جعلت الشرط الوارد بعطاء المطعون ضده والخاص بتعليق مدة التوريد على حصوله على إذن الاستيراد بالعملة الرسمية شرطاً جوهرياً في العقد ذلك أن هذا الإيجاب لم تقبله الهيئة على النحو الذي تقدم به المطعون ضده بل أخطرته بقبول عطائه على أساس أن مدة التوريد ثمانية أشهر من تاريخ حصوله على إذن الاستيراد دون ما نظر إلى ما اشترطه في إيجابه بأن يكون إذن الاستيراد بالعملة الرسمية. ولما كان هذا القبول من جانب الهيئة الطاعنة يعتبر تعديلاً للإيجاب المقدم من المذكور فإنه يعتبر رفضاً لإيجابه ويتضمن إيجاباً جديداً من الإدارة وفقاً لحكم المادة 96 من القانون المدني وقد قبل المطعون ضده هذا الإيجاب الجديد بدليل توقيعه على العقد بعد ذلك وسداده التأمين النهائي. ولا يغير من هذا النظر ما أفصحت عنه الأوراق من قيام الهيئة الطاعنة بالكتابة مراراً لإدارة النقد لتسهيل مهمة المطعون ضده في الحصول على إذن الاستيراد بالعملة الرسمية أو بغيرها إذ اشترطت الهيئة الطاعنة في كتابها المؤرخ 30 من يناير سنة 1955 ألا يكون في حصول المطعون ضده على الإذن المشار إليه مخالفة للقواعد المالية المقررة - يضاف إلى ذلك أن إذن الاستيراد قد صدر للمذكور في 2 من فبراير سنة 1955 وتقاعس عن تنفيذ التزامه حتى اضطرت الهيئة بعد حوالي ثلاث سنوات إلى إعمال البند 22 من الشروط وألغت العقد وصادرت التأمين فلا يسوغ القول بعد ذلك بأن هذا الإجراء مخالف لشروط العقد وقواعد العدالة هذا إلى أن الحكم المطعون فيه خالف قاعدة أساسية جوهرية تسود قواعد تفسير العقود الإدارية هي أن هذه العقود تقوم أولاً وقبل كل شيء على فكرة المصلحة العامة وضمان حسن سير المرافق العامة بانتظام واضطراد فإذا ما دعت الحال إلى الكشف عن النية المشتركة للمتعاقدين فيجب أن يتجه الرأي الأول إلى أن هذه النية ليست إلا تحقيق المصلحة العامة.. وحينما تتعارض المصلحة الشخصية للمتعاقد مع المصلحة العامة فإنه ينبغي أن يكون التفسير إلى جانب المصلحة العامة وقد خالف الحكم المطعون فيه هذه القاعدة إذ غلب المصلحة الشخصية للمتعاقد مع الإدارة على المصلحة العامة التي تتمثل في ضمان حسن سير مرفق سنترال شبين الكوم وأعمل شرطاً وارداً في عطاء المطعون ضده رغم تعديله بكتاب قبول العطاء وتحرير العقد خالياً منه بل ورأى من موقف الهيئة الطاعنة بالنسبة لتسهيل مهمة المطعون ضده في الحصول على إذن الاستيراد ما يفصح عن نيتها في إعمال الشرط الوارد بعطاء المطعون ضده رغم ما في ذلك من مخالفة للقانون وقصور في التسبيب وإهدار للقواعد المقررة في تفسير العقود الإدارية.. "وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة مذكرة برأيها القانوني في الدعوى جاء فيها أنه ولن كانت هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية قد أغفلت في ردها على المطعون ضده الإشارة إلى أن يكون إذن الاستيراد المحسوبة به مدة التوريد من تاريخ الحصول عليه بالعملة الرسمية إلا أن موقفها بعد ذلك يدل على أنها قبلت هذا الشرط ضمنياً ويستفاد ذلك من كتاب مدير عام التليفونات والتلغرافات إلى مراقب عام الاستيراد بتاريخ 7 من مارس سنة 1955 وهو الكتاب الذي أشار لفحواه الحكم المطعون فيه وكذلك من كتاب السيد/ مراقب عام الهيئة بتاريخ 18 من يوليه سنة 1955 إلى السيد/ مدير مخازن التليفونات هذا فضلاً عن المكاتبات الأخرى التي جرت على النحو المتقدم وكلها تفيد قبول الهيئة لعطاء المطعون ضده مشروطاً بهذا الشرط. أما استناد الوزارة في طعنها إلى أن الهيئة قد اشترطت في كتابها المؤرخ 30 من يناير سنة 1955 ألا يكون في حصول المطعون ضده على إذن الاستيراد مخالفة للقواعد المالية فلا وجه له لأن حصول المطعون على إذن الاستيراد بالعملة الرسمية لم يكن فيه أي مخالفة للقواعد المالية المقررة في ذلك الوقت أي قبل صدور الكتاب الدوري للإدارة العامة للنقد في 10 من يناير سنة 1957 بأن يكون التعامل بالجنيه المصري.. وأما القول بأن الحكم المطعون فيه قد خالف القاعدة التي تسود قواعد التفسير في العقود الإدارية فمردود عليه بأنه إذا كانت النتيجة التي انتهت إليها المحكمة تتفق مع وجوب إنصاف المتعاقد فليس معنى ذلك أنها تتعارض مع الصالح العام بل أنها على وجه التأكيد تتفق مع هذا الصالح.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق المودعة ملف الطعن أنه جرت مناقصة في يوم 31 من مايو سنة 1954 خاصة بتوريد وتركيب أجهزة تكييف الهواء بسنترالي مصر الجديدة وشبين الكوم وقد تقدم المطعون ضده في هذه المناقصة بعطاء عن جهاز تكييف الهواء بسنترال شبين الكوم وكان عطاؤه ثالث عطاء في الرخص بثمن إجمالي قدره 2341.580 مجـ مصري وقد قبل عطاؤه لمطابقته لمواصفات المصلحة وأخطرته المصلحة بذلك ببرقية في 30 من أكتوبر سنة 1954 جاء فيها "أن عطاءكم قبل عن توريد وتركيب الأجهزة التي ستوضح لكم بكتاب العقد عن تكييف الهواء بسنترال شبين الكوم بثمن إجمالي قدره 2341.580 مجـ مصري شاملة لأجرة المهندس المشرف على التركيب للتوريد والتسليم في خلال ثمانية أشهر من تاريخ إذن الاستيراد ادفعوا التأمين النهائي.." وقد رد المطعون ضده على هذه البرقية بخطاب مؤرخ 9 من نوفمبر سنة 1954 ينطوي على خطاب الضمان النهائي بمبلغ 234.158 مجـ على البنك الشرقي بالقاهرة مع رجاء موافاته بخطاب لمراقبة الاستيراد لمنحها إذن الاستيراد الخاص بأجهزة هذه العملية بالعملة الرسمية للبلد المستوردة منه" في 21 من نوفمبر سنة 1954 كتبت المصلحة إليه خطاباً تأييداً لما جاء في البرقية السابق إرسالها إليه مع بعض التفصيلات مرددة أن مدة التوريد والتسليم ثمانية شهور من تاريخ حصوله على إذن الاستيراد اللازم وقد كتب المذكور إلى المصلحة خطاباً في 9 من ديسمبر سنة 1954 يتضمن أنه تقدم لمراقبة الاستيراد لمنحه إذن الاستيراد الخاص بأجهزة عملية تكييف هواء سنترال شبين الكوم بالعملة الرسمية إلا أن الإدارة المذكورة طلبت موافقة إدارة الشئون المالية والاقتصادية بوزارة المالية لاستيراد الأجهزة الموضحة بالطلب بالدولار الأمريكي بالسعر الرسمي. وطلب من المصلحة أن تبعث بالموافقة المطلوبة إلى مراقبة الاستيراد حتى يتمكن من الحصول على الترخيص اللازم لاستيراد الأجهزة لمباشرة تنفيذ العملية. وقد تأشر على هذا الخطاب في 18 من ديسمبر سنة 1954 إلى العقود برجاء الاطلاع على خطاب العقد حيث إن الثمن بالعملة المصرية والإفادة". وفي 18 من يناير سنة 1955 كتب مساعد كبير المهندسين إلى مدير مخازن التليفونات بأن عقد الموضوع الخاص بمناقصة 31 من مايو سنة 1954 مع التاجر الفريد جاد المطعون ضده "ينص على حصوله على إذن الاستيراد لأن أجهزته ستستورد من الخارج (أمريكا) وهو يشكو من أنه أرسل عدة خطابات للمصلحة بهذا الخصوص ولم يتم شيء وحتى لا تتأخر عملية تركيب وتسليم الأجهزة فالرجاء سرعة إجراء اللازم إذ أن العقد ينص على أن يتم التوريد والتسليم بعد ثمانية شهور من تاريخ حصوله على الإذن. وقد كتب المدير العام إلى مراقب عام الاستيراد بأنه "لما كانت المهمات ستستورد من أمريكا كإخطار المورد لنا نرجو اتخاذ اللازم إذا كان ذلك لا يتعارض مع القوانين المالية. ثم عاود مدير عام التلغراف والتليفونات الكتابة إلى مراقب عام الاستيراد والتصدير في 3 من مارس سنة 1955 بشأن تسهيل مأمورية المورد لإمكان تنفيذ شروط التعاقد، وقد اشترطت الشركة الموردة بأن يتم التوريد في حوالي ثمانية شهور من الحصول على إذن الاستيراد اللازم بالعملة الرسمية والأصناف صناعة أمريكية وقد رد مدير عام الاستيراد بخطاب أرسله إلى مدير عام مصلحة التلغراف والتليفونات بتاريخ 13 من مارس سنة 1955 متضمناً أن المورد "المطعون ضده" تقدم بطلب استيراد في 28 من نوفمبر سنة 1954 فطالبته المراقبة بموافاتها بموافقة إدارة الشئون المالية والاقتصادية بوزارة المالية بالتصريح له بأن يكون الدفع بالدولار الأمريكي بالسعر الرسمي ولكنه لم يواف المراقبة بهذه الموافقة ثم ورد إلى المراقبة الكتاب المؤرخ 30 من يناير سنة 1955 ولم يوضح به أن هناك موافقة بأن يكون الدفع بالدولار الأمريكي بالسعر الرسمي وعلى ذلك منح المستورد الترخيص رقم 500041/ 2 في 2 من فبراير سنة 1955 بالدولار الأمريكي خصماً من حسابات حق الاستيراد. وواضح من الكتاب الأخير أنه مطلوب أن يكون الدفع بالدولار الأمريكي بالسعر الرسمي لذلك يرجو الاتصال بإدارة الشئون المالية والاقتصادية بوزارة المالية للحصول على موافقتها حتى يمكن تعديل الترخيص الممنوح للمستورد وقد أخذ المطعون ضده في التحرير إلى المصلحة أكثر من مرة يستحثها على العمل من جانبها لكي يحصل على الترخيص بالاستيراد بالعملة الرسمية ويحملها نتاج التأخير في التوريد خصوصاً وأن الأسعار قد ارتفعت ويحتفظ بحقه في المطالبة بكل زيادة تطرأ في أسعار الأجهزة وبتاريخ 5 من يونيه سنة 1955 كتب مدير المخازن إلى المطعون ضده بأن المصلحة حررت إلى مراقبة الاستيراد في 17 من مارس سنة 1955 لتسهيل مأموريته وليس في استطاعتها القيام بعمل آخر. وفي 19 من يوليه سنة 1955 كتب المراقب المالي للتلغرافات والتليفونات إلى مدير مخازن التليفونات بطلب الإفادة عن قيمة الدولارات الأمريكية المطلوب تدبيرها بالسعر الرسمي والمعادلة لمبلغ 2342.580 مجـ قيمة العطاء المقدم من ألفريد جاد "المطعون ضده" توطئة للاتصال بإدارة الشئون المالية والاقتصادية بوزارة المالية بشأن الارتباط في حدودها إن لم تكن قد وصلت موافقة وزارة المالية حتى الآن. وفي 28 من يوليه سنة 1956 كتب المطعون ضده إلى المصلحة بأنها لم تقم من جانبها بتنفيذ شروط التعاقد الخاص بمنحه ترخيص الاستيراد للأجهزة اللازمة للعملية بالعملة الرسمية وأن أسعار الأجهزة قد ارتفعت لذلك فهو لن يقوم بتنفيذ العملية إلا بعد تعديل قيمة العقد بالزيادة التي تطلبها المصانع بالخارج.. كما ذكر لها في خطاب آخر مؤرخ 2 من أغسطس سنة 1956 أن قيمة الزيادة الناتجة عن تأخيرها في القيام بالتزاماتها هي 570 جنيه وبذلك تصبح القيمة الإجمالية للعطاء بعد هذه الزيادة هي 2911.580 مجـ وبالتالي يكون المبلغ المطلوب إليه 6454 دولاراً قيمة الأجهزة التي ستستورد من أمريكا وذلك بالسعر الرسمي. ورداً على هذا الخطاب كتبت إدارة المخازن إليه مستفسرة عن السبب الذي حدا به إلى طلب 6445 دولاراً مع أن القيمة الفعلية التي كان قد طلبها أولاً هي مبلغ 2877 دولاراً وبإضافة الزيادة التي طلبها بعد ذلك إلى هذا المبلغ يكون جملة المطلوب تحويله للخارج 3607.23 دولاراً. وقد أرسل المطعون ضده إلى المخازن في 5 من أكتوبر سنة 1956 بالإيضاحات المطلوبة. ولم توافق المصلحة على الزيادة التي طلبتها نظراً لارتفاع الأسعار وقد جاء في مذكرة وضعتها المصلحة عن هذا الموضوع (56 من ملف المادة) أن سعر التعاقد كان بالجنيه المصري وأن المورد لم يوضح في عطائه ثمناً معيناً للأجهزة اللازمة للعملية بالرغم من أنه ذكر هذه الأجهزة بالتفصيل وكل ما ذكره في العطاء أن مدة التوريد هي ثمانية شهور من تاريخ حصوله على إذن الاستيراد بالعملة الرسمية فعدم تحديده قيمة هذه الأجهزة لم يمكن لجنة البت من دراسة العروض على أساس العملة الصعبة، ومن المعلوم أن أبسط القواعد التجارية كانت تحتم على مقدم العطاء بيان العملات الصعبة التي يحتاجها إذا أراد أن يكون تدبيرها عن طريق المصلحة لتتمكن من تدبيرها قبل التعاقد. وأما عن الفقرة التي أوردها بهذا الخصوص فلم يدونها أمام بند الدفع. ولكنه ذكرها أمام بند "مدة التوريد" وما دام الأمر كذلك فإن قصده من ذكر هذه العبارة هو مجرد الاحتياط في حالة ما إذا استغرقت الإجراءات المالية بعض الوقت في استخراج التصريح والمصلحة مقيدة بأحكام العقد الصريحة، وحتى لو فرض أن هناك دولارات مطلوبة فإنها تكون عن قيمة الأجهزة فقط الأمر الذي لم يوضح إلى اليوم. وقد أخطرت المصلحة المطعون ضده بعد ذلك بتاريخ 12 من نوفمبر سنة 1956 لبيان ثمن المهمات التي ستستورد من أمريكا وما تساويه بالدولارات أي المبلغ الذي سيحول فعلاً لأمريكا وذلك على أساس السعر المقدم منه في العطاء وسبب طلبه أولاً مبلغ 2877 دولاراً.. وما هي قيمة أجور التركيب وتفصيلات الزيادة المطلوبة وقدرها 570 جنيه وهل ستحول هذه الزيادة بأكملها للخارج أم يدخل جزء منها في أجور التركيب يدفع بالعملة المصرية مع العلم بأن التأخير في الإجراءات نتج عن عدم إيضاح أية تفصيلات في العطاء. وذلك لإمكان النظر في تسوية هذا الموضوع. وقد أجاب المطعون ضده على الخطاب السابق في 14 من نوفمبر سنة 1956 بأنه سيوافي المصلحة بالبيانات المطلوبة بعد وقوفه من المصانع بالخارج على حقيقة الأسعار الحالية للأجهزة اللازمة للعملية. "وقد أفادت المصلحة بكتاب مؤرخ في فبراير سنة 1957 أرسل المطعون ضده مفاده "بأنه نظراً للظروف الحاضرة وتعذر توفير الدولارات الأمريكية نرجو الإفادة عما إذا كان يقبل دفع قيمة الأجهزة التي ستستورد من الخارج بالعملة المصرية" وقد وجه مدير المخازن (ص 84 ملف المادة) إلى مراقب عام الإيرادات والمصروفات كتاباً يطلب فيه الاتصال بإدارة الشئون المالية والاقتصادية بوزارة المالية للحصول على موافقتها بأن يكون الدفع بالدولار الأمريكي بالسعر الرسمي. وبذلك يمكن الاتصال بمراقبة الاستيراد لتعديل الترخيص الممنوح للمورد وبتاريخ 4 من أغسطس سنة 1957 أرسل المطعون ضده إنذاراً إلى المصلحة مضمونه أنها بتغيير أساس التعاقد قد قامت بما يعتبر فسخاً له من جانبها لذلك فهو يطالبها بتعويضات وبرد خطاب الضمان المقدم منه إليها. "وقد ردت المصلحة على هذا الإنذار بعدم أحقيته فيما يطلبه وبتسجيل عجزه عن القيام بالعمل وتمسكت بحقها في مصادرة التأمين طبقاً للعقد وفي 26 من يناير سنة 1958 ألغت المصلحة العقد المبرم بينها وبين المطعون ضده مع مصادرة التأمين وإعلان مناقصة جديدة في ميزانية 1958/ 1959.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن الطعن الحالي ينصب على ما قضت به المحكمة من إلزام الهيئة المدعى عليها بأن تدفع للمدعي مبلغ 234.158 مجـ وهذا المبلغ هو قيمة التأمين المقدم من المذكور بعد قبول عطائه طبقاً لشروط العقد. وقد استند المدعي في المطالبة باسترداد هذا المبلغ إلى أنه تعذر عليه الحصول على إذن الاستيراد بالعملة الرسمية طبقاً لما اشترطه في عطائه وذلك لتهاون المصلحة وتخاذلها في الحصول على موافقة الإدارة المالية والاقتصادية بوزارة المالية ثم مطالبتها له بأن يدفع ثمن الأجهزة المستوردة بالعملة المصرية مما اعتبر معه هذا الطلب بمثابة فسخ للعقد بتغيير الشروط الأساسية التي قام عليها وبالتالي يكون من حقه أن يسترد التأمين المدفوع منه لعدم توافر شروط مصادرته.
ومن حيث إنه طبقاً للشروط العامة والمواصفات الفنية عن توريد وتركيب أجهزة تكييف الهواء لمبنى سنترالات شبين الكوم ومصر الجديدة وهي الشروط التي تعاقد على أساسها المطعون ضده مع الهيئة الطاعنة وتفرع عنه النزاع الحالي يصادر التأمين في حالة التأخير في الانتهاء والتسليم النهائي المحدد له في العقد مدة يزيد على 12 أسبوعاً أو إذا أفلس المتعهد أو أعطى هدية أو وعد.. أو أخل أو تخلف أي شرط من شروط العقد وعجز عن معالجة أمر هذا الإخلال فللمصلحة في هذه الأحوال إلغاء العقد.. وفي حالة ما إذا أخطر المتعهد المصلحة بأنه لسبب من الأسباب غير قادر على تنفيذ العقد وأنه يريد إلغاءه ففضلاً عن الغرامات التي يحق للمصلحة توقيعها عليه فإن التأمين يصبح من تلقاء نفسه من حق المصلحة.
ومن حيث إنه مما لا نزاع فيه أن المطعون ضده هو الذي ألغى العقد من جانبه أولاً بحجة أن الهيئة المدعى عليها قد أخلت بشروطه وأنه لهذا السبب أصبح غير قادر على تنفيذه، ومن ثم قامت الهيئة إزاء تصرفه هذا بإلغاء العقد المبرم بينها وبينه مع مصادرة التأمين المدفوع منه وإعلان مناقصة جديدة في ميزانية 1958/ 1959.
ومن حيث إنه يتضح من أوراق المناقصة موضوع النزاع أن العطاء مقوم بالعملة المصرية وأن المطعون ضده قد حدد في عطائه للتوريد والتركيب والتسليم مدة ثمانية أشهر من تاريخ منحه إذن الاستيراد اللازم بالعملة الرسمية وبعد أن قبل عطاؤه قامت الهيئة المدعى عليها بإخطاره تلغرافياً بذلك ذاكرة في البرقية أن مدة التوريد ثمانية شهور من تاريخ إذن الاستيراد، وكذلك نص على هذا في الخطاب المرسل إليه من الهيئة بخصوص المناقصة المذكورة إذ ذكر فيه صراحة أن مدة التوريد والتسليم حوالي ثمانية أشهر من تاريخ حصول المتعهد على إذن الاستيراد اللازم...
وقد حرصت هيئة المواصلات السلكية واللاسلكية في إخطار المتعهد بالقبول سواء بالبرقية أو بالخطاب أن تبين أن مدة التوريد ثمانية شهور من تاريخ حصوله على الترخيص بالاستيراد دون ذكر أو الإشارة إلى الكيفية التي يصدر بها الترخيص بالعملة الرسمية أو بالعملة الحرة.. وقد قامت الهيئة فعلاً بإخطار مراقبة الاستيراد والتصدير وبناء على ذلك منحت المدعي إذن استيراد في 2 من فبراير سنة 1955 بالقيمة التي طلبها بالدولار الأمريكي خصماً من حسابات حق الاستيراد إلا أن المدعي أخذ يكتب إلى الهيئة مطالباً بالاتصال بالإدارة المالية والاقتصادية بوزارة المالية للموافقة على أن يكون إذن الاستيراد بالعملة الرسمية أي ما يساويها الجنيه المصري بالدولارات طبقاً للأسعار التي حددها صندوق النقد الدولي بنيويورك وقد ضم ملف المادة مكاتبات عديدة بعضها أشير إليه في هذا الحكم وهذه المكاتبات بين المدعي والهيئة تارة وبين فروع الهيئة نفسها ولما كان تنفيذ العقود يجب أن ينطوي على حسن النية فإنه كان على المدعي وقد صدر له إذن الاستيراد في فبراير سنة 1956 أن يقوم بتنفيذ العملية في الميعاد الذي حدده هو في عطائه ضماناً لحسن سير المرفق خدمة للصالح العام وأنه لمما يتنافى وحسن النية أن يستمر المدعي في الجدل والنقاش زهاء ثلاث سنوات دون أن يبدي أي جدية في التنفيذ وقد كان بيده إذن استيراد في مقدوره أن يستورد به الآلات اللازمة للمشرع، وليس في ذلك أية مغبة لحق يدعيه إن كان قائماً على وجه من الصحة، وكان يتعين عليه تبعاً لذلك أن يمضي في التنفيذ احتراماً لشروط العقد وللالتزامات المترتبة في ذمته بمقتضاه وقد صبرت الهيئة المدعى عليها على المدعي وعاونته أكثر مما ينبغي ولم ترد أن تتخذ من جانبها أي إجراء بفسخ التعاقد مما حدا به إلى التغالي في طلباته بتعديل قيمة العطاء ذاته بحجة أن أثمان الآلات في الخارج قد ارتفعت فلما طولب ببيان ثمن هذه الآلات تراخى في ذلك إلى أن حصلت الأزمة في النقد الأجنبي مما دعا وزارة المالية لإصدار تعليمات بأن يكون التعامل بسبب ظروف هذه الأزمة بالعملة المصرية وقد كان من الممكن أن يكون ذلك محل تقدير من الهيئة المدعى عليها لو قام المدعي بالتنفيذ أو حتى مجرد الشروع فيه ولكنه بادر هو بفسخ العقد من جانبه، الأمر الذي يصبح معه التأمين المدفوع من تلقاء نفسه من حق الهيئة المذكورة.. ومجرد الخلاف على بعض النقاط على أو على تفسير بعض شروط العقد لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال عائقاً عن التنفيذ أم مبرراً للإخلال بشروط العقد أن للتحلل من الالتزامات الناشئة عنه إذا كان الخلاف كله يدور حول فروق مالية وهو الأمر الذي يمكن تداركه دائماً حالاً أو مستقبلاً ولا سيما أن الهيئة المدعى عليها ليست هي التي بدأت بالفسخ لتأخير المدعي في التنفيذ. خصوصاً بعد حصوله على إذن الاستيراد في سنة 1956.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه لم ينسب للهيئة المدعى عليها أي تقصير واقع من جانبها وما علل به أحقية المدعي في استرداد التأمين المدفوع منه لا ينهض دليلاً على عدم صحة مصادرة هذا التأمين، ومن ثم فإنه إذ قضى على خلاف وجهة النظر المتقدمة يكون قد أقام قضاءه على غير أساس سليم من القانون ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.