مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الأول (من أكتوبر سنة 1963 إلى آخر يناير 1964) - صـ 477

(41)
جلسة 18 من يناير سنة 1964

برئاسة السيد/ مصطفى كامل إسماعيل وكيل المجلس وعضوية السادة/ الدكتور ضياء الدين صالح وعبد المنعم سالم مشهور وحسن السيد أيوب ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1605 لسنة 8 القضائية

( أ ) حكم - بطلان - تسبيب - ضوابط تسبيب الأحكام - الترتيب الوارد بالمادة 34 من قانون المرافعات ليس ترتيباً حتمياً يترتب على الإخلال به البطلان - يكفي لسلامة الحكم أن يكون مقاماً على أسباب تستقيم معه ولا يلزم أن يتعقب حجج الخصوم من جميع مناحي أقوالهم استقلالاً ثم يفندها تفصيلاً الواحدة تلو الأخرى - يكفي أن يورد الحكم مضمون أقوال الشهود ومتى كان ما استخلصه الحكم من أقوال الشهود غير متناقض مع ما هو ثابت بالتحقيقات كان قضاؤه لا غبار عليه.
(ب) موظف - تأديب - أدلة ضرورة تقيد المحكمة التأديبية بقواعد الإثبات عند استخلاص وقائع الاتهام من ملف الدعوى، مع تقدير هذه الوقائع بما يتمشى مع المنطق السليم.
1 - لا يقبل من الطاعن وجه الطعن القائم على أن المحكمة التأديبية لم تذكر في أسباب حكمها ولا في وقائع الدعوى شيئاً عن دفاعه ودفوعه ليخلص من ذلك إلى أن الحكم باطل لمخالفته لنص المادة (349) من قانون المرافعات وأنه قد شابه قصور في التسبيب، إذ أن هذا الوجه مردود بما جرت عليه ضوابط تسبيب الأحكام من أن الترتيب الوارد بالمادة التي يستند إليها هذا الطعن، ليس ترتيباً حتمياً يترتب على الإخلال به البطلان فيجوز أن تورد المحكمة الأدلة الواقعية والحجج القانونية التي استند إليها الخصوم في ثنايا أسباب الحكم التي تكفلت بالرد عليها. كما أنه يكفي لسلامة الحكم أن يكون مقاماً على أسباب يستقيم معها، ولا يلزم أن يتعقب حجج الخصوم في جميع مناحي أقوالهم استقلالاً ثم يفندها تفصيلاً الواحدة تلو الأخرى، كما لا يعيب الحكم عدم ذكر أسماء الشهود في تحقيق تضمنت القضية أوراقه، وعدم إيراده نصوص أقوالهم وعبارتها. وحسب الحكم السديد أن يورد مضمون هذه الأقوال ومتى كان ما استخلصه الحكم من أقوال الشهود غير متناقض مع ما هو ثابت بالتحقيقات كان قضاؤه لا غبار عليه.
2 - إن المحكمة التأديبية لها مطلق الحرية في أن تستخلص قضاءها من واقع ما في ملف الدعوى من مستندات وعناصر وقرائن أحوال بشرط أن تتقيد بقواعد الإثبات وتأخذها عن القانون أخذاً صحيحاً. كما أنها مقيدة أيضاً عند استخلاصها الوقائع الصحيحة، بتقديرها تقديراً يتمشى مع المنطق السليم. ومتى توافر ذلك يستوي أن تختار المحكمة الاعتماد على شهادة شاهد دون آخر أو تعتمد على قرينة دون أخرى من نفس قوتها.


إجراءات الطعن

في 11 من سبتمبر سنة 1962 أودع الأستاذ المحامي عن السيد/ رشدي سرور حنا أمين مخزن الإدارة العامة للتموين الطبي سكرتيرية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (1605) لسنة 8 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة موظفي وزارات الصحة العمومية والمرافق والإسكان والأوقاف بجلسة 27 من مارس سنة 1962 في الدعوى التأديبية المقيدة بالسجل العام برقم 63 لسنة 4 القضائية ضد:
(1) محمد علي التابعي الكاتب بمنطقة دمياط الطبية.
(2) الطاعن رشدي سرور حنا أمين مخزن بالإدارة العامة للتموين الطبي.
(3) توفيق محمد الصغير مدير المخازن بالإدارة العامة للتموين الطبي.
(4) حسنين صالح ثعلب رئيس أمناء المخازن بالتموين الطبي.
والذي قضى: (بمجازاة (1) محمد علي التابعي، بخفض درجته الحالية إلى الدرجة السابقة عليها، مع خفض مرتبه فيها إلى خمسة عشر جنيهاً شهرياً. (2) رشدي سرور حنا بخفض درجته الحالية إلى الدرجة السابقة عليها مع خفض مرتبه فيها إلى آخر مربوطها. (3) توفيق محمد الصغير بالخصم من مرتبه لمدة شهر. (4) حسنين صالح ثعلب بالخصم من مرتبه لمدة عشرين يوما). وطلب الأستاذ محامي الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه: قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، فيما تضمنه بالتنبيه للطاعن، والقضاء بإلغاء الجزاء المحكوم عليه به، وبراءته مما نسب إليه مع إلزام الوزارة المطعون عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة). وقد أعلن هذا الطعن إلى كل من وزارة الصحة في 17 من سبتمبر سنة 1962 ومن النيابة الإدارية في 19 منه وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 29 من يونيه سنة 1963 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 14 من ديسمبر سنة 1963 حيث سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم. وفي 22 من ديسمبر سنة 1963 قدم الطاعن مذكرة تكميلية بدفاعه صمم فيها على الطلبات الواردة في تقرير هذا الطعن.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 27 من مارس سنة 1962، وأن الطاعن تقدم إلى لجنة المساعدة القضائية في 26 من مايو سنة 1962 أي في ميعاد ستين يوماً بطلب إعفائه من رسوم هذا الطعن وأن اللجنة قررت بجلسة 14 من يوليه سنة 1962 رفض طلبه فرفع طعنه الحالي بإيداع عريضة سكرتيرية هذه المحكمة في 11 من سبتمبر سنة 1962 أي في الميعاد القانوني وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة في شأن أثر طلب الإعفاء في قطع ميعاد الطعن.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن النيابة الإدارية أودعت في 28 من يناير سنة 1962 أوراق الدعوى التأديبية رقم 63 لسنة 4 القضائية وقرار اتهام السادة: (1) محمد علي التابعي (2) رشدي سرور حنا أمين مخزن بالإدارة العامة للتموين الطبي (3) توفيق محمد الصغير (4) حسنين صالح ثعلب سكرتيرية المحكمة التأديبية المختصة بمحاكمة موظفي وزارات الصحة العمومية والمرافق والإسكان والأوقاف، لمحاكمتهم تأديبياً عن المخالفات المسندة إلى كل منهم بقرار الاتهام المودع والتي تتحصل في أنهم خلال عامي 1959، 1960 بصفتهم موظفين بالإدارة العامة للتموين الطبي: الأول والثاني لم يؤديا عملهما بدقة وأمانة وخرجا على مقتضى الواجب الوظيفي فأهملا إهمالاً شديداً بعدم تنفيذ التعليمات المخزنية وعدم المحافظة على عهدتهما مما ترتب عليه وجود عجز قدره (991.580 مجـ) على النحو المبين تفصيلاً بالأوراق، الأمر الذي كان من شأنه المساس بأموال الدولة وأن الثالث منهم بصفته مدير المخازن لم يؤد عمله بدقة فأهمل في الإشراف على عملية تسليم المخزن بين الأول والثاني حيث تم ذلك بعد عملية صورية لم تبين حقيقة الحالة التي عليها العهدة وقت التسليم. وأن الرابع منهم بصفته رئيس أمناء المخازن لم يؤد عمله بدقة وأمانة إذ قام بتسوية عهدة مخزن ثالث عقب جرد هذا المخزن وتم إجراء التسوية بالمخالفة للتعليمات المخزنية وذلك على التفصيل الوارد بأوراق التحقيق.
وبجلسة 27 من مارس سنة 1962 قضت المحكمة التأديبية المختصة بمجازاة الأول: بخفض درجته الحالية إلى الدرجة السابقة عليها مع خفض مرتبه فيها إلى خمسة عشر جنيهاً شهرياً. والثاني: رشدي سرور حنا الطاعن بخفض درجته الحالية إلى الدرجة السابقة عليها مع خفض مرتبه فيها إلى آخر مربوطها. والثالث: بالخصم من مرتبه لمدة شهر والرابع: بالخصم من مرتبه لمدة عشرين يوماً. وأقامت قضاءها هذا على أنه بمناسبة صدور قرار تنظيم وزارة الصحة وإنشاء المناطق الطبية تقرر نقل التابعي المتهم الأول: أمين مخزن المستديم ثالث بالإدارة العامة للتموين الطبي إلى منطقة دمياط الطبية على أن يتسلم منه عهدة هذا المخزن المتهم الثاني: السيد/ رشدي سرور حنا وتمت عملية التسليم والتسلم بينهما. إلا أنه في آخر يوم من هذه العملية تقدم المتهم الثاني رشدي سرور حنا بمذكرة تضمنت حدوث تلاعب في محتويات إحدى غرف المخزن. فتقرر تشكيل لجنة برياسة عزيز مرقص الموظف بالإدارة العامة للتموين الطبي لجرد محتويات الغرفة المذكورة. ثم شكلت لجنة أخرى برياسة السيد خليل وعضوية (عثمان ونصر الدين) لجرد المخزن جميعه حيث قدمت تقريراً نتيجة لجردها في 12 من إبريل سنة 1960 مرفقاً به الاستمارات (121ع. ح، 122 ع. ح.) التي اشتملت على كثير من أصناف العجز والزيادة ولذلك أحالت الإدارة العامة للتموين الطبي أوراق الموضوع إلى النيابة الإدارية لتحقيقه وبعد أن باشرت التحقيق انتهت إلى مساءلة المتهمين عن المخالفات الواردة بقرار الاتهام وقد بان للمحكمة التأديبية من الاطلاع على تقرير اللجنة التي باشرت جرد المخزن في 12 من إبريل سنة 1960 وعلى مذكرة الإدارة العامة المؤرخة 16 من فبراير سنة 1961 أن العجز الذي كشفت عنه اللجنة وأثبتته بكشوف الجرد 121 ع. ح واستمارات العجز والزيادة 122 ع. ح بلغ مقداره 991.580 مليمجـ وتضمنت مذكرة الإدارة العامة للتموين الطبي أن مستندات جرد التسليم والتسلم حررها المتهمان الأول والثاني التابعي وسرور وأن قوائم الجرد 121 ينقصها الكشف رقم 21 مسلسل فضلاً عن إغفال إدراج كثير من الأصناف باستمارات التسليم والتسلم مما دعا اللجنة إلى إثباتها بثلاث استمارات موضحة ما وجد بهذه الأصناف من عجز وزيادة بالإضافة إلى أن استمارات العجز والزيادة التي حررها المتهم الأول (التابعي) والثاني (سرور) لم تشتمل هي الأخرى على كل العجز والزيادة اللذين كان واجب إثباتهما بها طبقاً لما هو وارد بكشوف الجرد 121 التي حررها المتهمان المذكوران فقامت اللجنة بإعادة تحرير الاستمارات 122 بهذا العجز وهذه الزيادة وانتهت في تقريرها إلى مساءلة المتهم الأول والثاني عن العجز الذي ظهر بالكشوف التي حررها هذان المتهمان ومساءلتهما بالتضامن عن الأصناف التي لم تدرج بكشوف التسليم والتسلم لأنهما تعمدا إغفال إثبات هذه الأصناف بالكشوف المذكورة في حين أنها مقيدة بدفاتر العهدة 118 ع. ح وموجود أغلبها فعلاً بالمخزن إلا ما اتضح وجود عجز فيه مما ينم عن تقصيرهما تقصيراً بالغاً في تأدية واجبهما أثناء عملية التسليم والتسلم فضلاً عن مساءلة المتهم الثاني (رشدي سرور حنا) عن الأصناف التي ظهرت عجزاً بعد استنزال العجز الثابت بكشوف التسليم والتسلم المسئول عنها المتهم الأول التابعي. وقالت المحكمة التأديبية أنه متى كان الأمر كذلك فإن المخالفة المسندة إلى المتهمين التابعي ورشدي تكون ثابتة في حقهما ثبوتاً يرتب مساءلتهما الإدارية عنها، ولا يقدح في ذلك ما ساقه المتهمان من مبررات لا يجوز التعويل عليها في المذكرتين اللتين قدماها بدفاعهما خلال نظر الدعوى. وبعد أن استعرضت المحكمة وقائع الاتهام الموجه إلى المتهم الثالث والرابع وخلصت إلى ثبوته في حقهما لأنهما خالفا أحكام القانون واللوائح وخرجا على مقتضى الواجب الوظيفي شأنهما في ذلك شأن المتهمان الأول والثاني انتهت إلى أنها وهي بصدد تقدير الجزاء بالنسبة إلى كل من المتهمين الأربعة قد راعت جسامة المخالفة المسندة إلى كل من المتهم الأول والثاني التابعي وسرور وما انطوت عليه من شبهة اختلاسهما الأصناف التي تبين عجزها في عهدتهما، الأمر الذي كان يدعو إلى عزلهما من الوظيفة إلا أنها رأت أن تحجم هذه المرة عن إنزال هذه العقوبة الشديدة بهما لتتيح لهما فرصة أخرى ليسلكا الطريق القويم ويصلحا من شأنهما وفي الوقت نفسه رعاية منها لمصلحة من يعولان من أولاد أو أسرة وحتى لا يلحقهم التشرد والفاقة نتيجة تصرفهما، ومن ثم فقد رأت مجازاتهما بخفض درجتهما الحالية إلى الدرجة السابقة عليها مع خفض في المرتب.
وفي 26 من مايو سنة 1962 قدم المحكوم عليه الثاني (رشدي سرور حنا) طلباً إلى لجنة المساعدة القضائية بمجلس الدولة لإعفائه من رسوم الطعن في الحكم التأديبي الذي قضى بمجازاته بخفض درجته الحالية إلى الدرجة السابقة عليها مع خفض مرتبه فيها إلى آخر مربوطها. فقررت اللجنة في 14 من يوليو سنة 1962 رفض طلبه. فأودع في 11 من سبتمبر سنة 1962 تقريره بالطعن في الحكم التأديبي المشار إليه. وأقام طعنه على الأسباب الآتية: (1) أن الطاعن قدم إلى النيابة الإدارية وإلى المحكمة التأديبية مستندات ومذكرات دفع فيها التهمة المنسوبة إليه، ومع ذلك لم تذكر المحكمة في أسباب حكمها ولا في وقائع الدعوى شيئاً من دفاعه ودفوعه مما يجعل حكمها باطلاً لمخالفته لنص المادة 349 من قانون المرافعات فضلاً عن أن الحكم يعتبر مشوباً بالقصور في التسبيب: (2) أن المتهم الأول وحده هو المسئول عن المخالفة أما الطاعن فقد كان مغلوباً على أمره وكان ضحية لتواطؤ المتهمين الآخرين الأول والثالث والرابع - فبدلاً من أن يقوم المتهم الأول التابعي بتسليم المخزن إلى الطاعن ماطل في تنفيذ ذلك. وعند التسليم والتسلم خالف القائمون على إجراءات الجرد وعلى رأسهما المتهمان الثالث والرابع والتعليمات المخزنية التي تنص على المواد (392، 395، 396) من لائحة المخازن والمشتريات فلم يتبع المتهمون الأول والثالث والرابع حكم المادة 392 وهي إجراءات سابقة على التسليم ولا شأن للطاعن بها. ولا يمكن أن يكون الطاعن مسئولاً عن العجز والزيادة التي وجدت في المخزن عند جرده بعد التسليم والتسلم خصوصاً وأن الجرد الحقيقي لم يتم إلا على أثر الشكوى التي قدمها الطاعن لجرد المخزن واستدعاء الأمين السابق لعمل الجرد وهذا يدل على حسن نية الطاعن وسلامة موقفه. ويدل أيضاً على انتفاء التواطؤ بينه وبين المتهم الأول الذي كان يماطل ويتهرب وكل ما يمكن أن يعاب على الطاعن هو أنه وقع استمارات التسليم والتسلم ويشفع له في ذلك أنه كان مكرهاً من رؤسائه وفي مقدمتهم المتهمان الثالث والرابع. وقد حدث أنه عندما امتنع عن السير في عملية التسليم والتسلم قررت الإدارة خصم خمسة أيام من مرتبه بإذن الجزاء الصادر في 30 من يناير سنة 1961. (2) نسبت النيابة الإدارية إلى الطاعن أنه قد تسبب مع المتهم الأول في ضياع الكشف رقم 21 من قوائم الجرد. والحق أنه ليس في الأوراق ما يدل على أن الطاعن قد تسلم هذا الكشف.
(4) اعتبرت النيابة الإدارية الطاعن مسئولاً بالتضامن مع المتهم الأول عن العجز الذي ظهر في محتويات المخزن مع أن العجز كان قائماً قبل أن يتسلم الطاعن عهدة المخزن المذكور. وقد جرى قضاء المحكمة العليا على أن الجزاء يجب أن يكون متناسباً مع الخطأ.
(5) إن عملية الجرد وعملية التسليم والتسلم قد وقعتا بالمخالفة للوائح والقوانين فهما باطلتان من أساسهما. وانتهى تقرير الطعن إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه بالنسبة للطاعن وحده رشدي سرور حنا والقضاء بإلغاء الجزاء المحكوم عليه به وبراءته مما نسب إليه مع إلزام وزارة الصحة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن النيابة الإدارية قدمت إلى المحكمة التأديبية لوزارة الصحة المتهمين الأربعة: -
(1) التابعي أمين مخزن بالإدارة العامة للتموين الطبي سابقاً، وحالياً كاتب بمنطقة دمياط (درجة سابعة).
(2) رشدي سرور حنا الطاعن أمين مخزن بالإدارة العامة للتموين الطبي (درجة ثامنة) ومرتبه الشهري (10.5 جنيهات).
(3) توفيق محمد الصغير مدير المخازن بالإدارة العامة للتموين الطبي (درجة ثالثة).
(4) حسنين صالح ثعلب رئيس أمناء المخازن بالتموين الطبي، (درجة ثالثة) لأنهم خلال عامي (1959، 1960) بصفتهم موظفين بالإدارة العامة للتموين الطبي الأول والثاني التابعي وسرور لم يؤديا عملهما بدقة وأمانة وخرجا على مقتضى الواجب الوظيفي فأهمل إهمالاً شديداً بعدم تنفيذ التعليمات المخزنية وعدم المحافظة على عهدتهما مما تترتب عليه وجود عجز قدره 991.570 مجـ) على النحو المبين تفصيلاً بالأوراق وكان من شأن ذلك المساس بأموال الدولة. والثالث الصغير بصفته مدير المخازن لم يؤد عمله بدقة فأهمل في الإشراف على عملية تسليم المخزنين بين الأول والثاني حيث تم ذلك بعد عملية جرد صورية لم تبين حقيقة الحال التي عليها العهدة وقت التسليم والرابع (ثعلب) بصفته رئيس أمناء المخازن لم يؤد عمله بدقة وأمانة إذ قام بتسوية عهدة مخزن ثالث عقب جرد هذا المخزن وأتم إجراء التسوية بالمخالفة للتعليمات المخزنية، وبذلك يكون المتهمون قد ارتكبوا المخالفات المنصوص عليها في المواد 73، 82 مكرر، 83 من القانون رقم 210 لسنة 1951 والمواد 14، 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958.
ومن حيث إنه يبين من أوراق الطعن أنه في النصف الثاني من عام 1959 صدر قرار تنظيم وزارة الصحة وإنشاء المناطق الطبية بالأقاليم، فتقرر نقل (التابعي) أمين مخزن المستديم ثالث بالإدارة العامة للتموين الطبي إلى منطقة دمياط الطبية على أن يسلم هذا المخزن إلى رشدي سرور حنا وبالفعل تمت عملية التسليم والتسلم بينهما بعد أن استغرقت وقتاً طويلاً. وفي أول أكتوبر سنة 1959 وهو آخر يوم لعملية التسليم والتسلم تقدم المتهم الأول التابعي بمذكرة قال فيها إنه يوجد تلاعب في محتويات الغرفة الخاصة بالأصناف الصغيرة. فتقرر تشكيل لجنة برياسة عزيز مرقص لجرد محتوياتها. ولم تستطع هذه اللجنة القيام بمهمتها نظراً لوجود بعض الأصناف في الطرقة الخاصة بهذه الغرفة. ثم بعد ذلك شكلت لجنة ثانية برياسة السيد خليل وعضوية عثمان ونصر الدين لجرد محتويات المخزن جميعه. وقد قدمت هذه اللجنة الثانية تقريراً اتضح منه وجود عجز في كثير من الأصناف وزيادة ملفتة للنظر في بعضها مما أدى إلى إبلاغ الجهات الإدارية المختصة. ونتيجة للارتباك الذي لاحظته الإدارة العامة للتموين الطبي في المخزن المذكور، لعدم كفاية رشدي سرور حنا فقد أسندت أمانة هذا المخزن إلى أمين آخر رؤوف حبيب وشكلت لجنة لحضور عملية التسليم والتسلم وجاء في تقرير اللجنة الثانية المشار إليها أن المخالفات الآتية قد وقعت: -
(1) أن التابعي المتهم الأول لم يمكن السيد/ مفتش المالية من جرد هذا المخزن عند حضوره لعمل الجرد السنوي.
(2) وجود عجز كثير ظهر بكشوف الجرد التي عملت عند تسليم التابعي هذا المخزن إلى الطاعن رشدي سرور حنا.
(3) وجود عجز كثير ظهر في جرد اللجنة التي يرأسها خليل بما في ذلك الأصناف الساقطة.
(4) عدم وجود الكشف رقم 21 من كشوف الجرد في عملية التسليم والتسلم بين التابعي وسرور.
(5) عدم إدراجه كثير من الأصناف الساقطة الوارد ذكرها بكشوف (1، 2، 3) من الملف رقم أربعة.
(6) تلكؤ التابعي في عملية التسليم والتسلم. وقد قدر العجز بمبلغ (991.580 مجـ) حسبما توضح في جرد فبراير سنة 1960. وبسؤال عزيز مرقص فرج قرر أن اللجنة التي شكلت برياسته لإنهاء عملية التسليم والتسلم بين أمينين: التابعي وسرور، واتضح لها أن الجرد قد تم بين المذكورين وأنهما قائمان بإعداد كشوف الجرد، وكشوف الزيادة والعجز، وقد منحتهمها الجهة الإدارية مهلة ووقع كل من التابعي وسرور على كشوف الجرد وما بها من تصويبات. وقام توفيق محمد الصغير رئيس أمناء المخازن ورئيس اللجنة مرقص بتسلم هذه الكشوف من الأمينين التابعي وسرور لإرسالهما لقلم الشطب لمراجعتهما وإبداء الملاحظات عليهما وتثمين العجز والزيادة. وقد حدث قبل توقيع الكشوف أن قرر رشدي سرور حنا أن أصناف أخرى قد وردت بعد جرد الأمينين واتضح عدم وجودها بالمخزن، ولذلك شكلت لجنة من السيد/ توفيق محمد الصغير والسيد/ فؤاد كامل ولكن هذه اللجنة تأخرت في القيام بعملها مما أدى إلى إبلاغ الأمر إلى النيابة الإدارية. وقد جرى التحقيق مع توفيق محمد الصغير ثم ندب السيد خليل لرياسة لجنة لتقوم بجرد جميع محتويات المخزن فقامت برسالتها وقدمت تقريرها عن المخالفات التي كشفت عنها. وبسؤال السيد خليل رئيس اللجنة قرر أن الدفاتر غير مستوفاة، ولم ترحل بواقي عام 1958، 1959 وهناك أذونات صرف وإضافة لم تسدد بالدفاتر. وكان الواجب قطع البواقي قبل عملية التسليم والتسلم بين التابعي وسرور ومراجعة الدفاتر على دفاتر الشطب قبل عملية التسليم والتسلم وذكر أن المسئول عن ذلك هو التابعي كذلك لوحظ أن كشوف التسليم والتسلم مرقمة من واحد لغاية 38 وبنقصها الكشف رقم 21 الذي لم يعثر عليه. وهذه الكشوف لم تراجع بمعرفة إدارة المعهد. كذلك لاحظ أن كشوف التسليم والتسلم لا تشمل جميع الأصناف الواجب تسليمها من التابعي إلى سرور كما أنه لم يتخذ بشأن هذه الكشوف أي إجراء إلا في 11 من نوفمبر سنة 1960 وقد اتضح من مراجعة كشوف التسليم والتسلم أن ينقصها حوالي ثلاثمائة صنف لم تدرج بها وكان يتعين عقب انتهاء عملية التسليم والتسلم أن تراجع هذه الكشوف بوساطة قلم الشطب ولو نفذ ذلك لاكتشف أن أكثر من ربع الأصناف بالمخزن لم تسلم. وأضاف السيد خليل أنه بعد أن أتمت اللجنة مهمتها اتضح بمقارنة الزيادة والعجز أن ما ورد بالكشوف لا يطابق الواقع والموجود فعلاً بالمخزن. إذ يوجد في معظم الأصناف زيادة وعجز لم يثبت بكشوف التسليم والتسلم خصوصاً الأصناف التي كانت موجودة بداخل غرفة الفضيات. كما أن كشوف العجز التي حررت بوساطة التسليم والتسلم لم تكن مطابقة لما ورد بتلك الكشوف مما اضطر لجنة تسوية عجز هذا المخزن إلى تحرير (أرانيك رقم 122 ع. ح) بالزيادة والعجز من واقع كشوف التسليم والتسلم التي لم يسبق تحرير (أرانيك) عنها والموضحة بالملف رقم 4 صفحة (5). وأضاف رئيس اللجنة أنه لاحظ أثناء عملية جرد هذا المخزن أن الأصناف لم تكن موحدة، وبعضها تعلوه الأتربة مما يدل على أن المخزن لم يتم جرده فعلاً وقال أن صافي العجز حوالي 1009 جنيهاً خلاف المصاريف الإدارية. وقد قام ثعلب رئيس أمناء المخازن بالاشتراك مع الأمينين التابعي وسرور بتعديل أرصدة الأصناف ووقع ثلاثتهم عليها. ووجه المخالفة في ذلك هو خصم أصناف سلمت إلى أمين المخزن بتخفيض الموجود من واقع الجرد وكان يتعين عدم المساس بخانة الموجود من واقع الجرد أو تعديله. وقد أكد أقوال السيد خليل، ما جاء على لسان محمد عثمان، ونصر الدين عضوي اللجنة التي كان يرأسها والتي قامت بجرد هذا المخزن جرداً تاماً وقد انتهيا إلى نفس النتيجة التي انتهى إليها المذكور. وبسؤال السعيد حسنين السحري، وكيل الإدارة العامة للتموين الطبي وقد كان مشرفاً على أعمال لجنة الجرد النهائي قرر أن التابعي مسئول بالتضامن مع رشدي سرور حنا الطاعن عن العجز الذي ظهر في جرد لجنة فبراير سنة 1960 أما بالنسبة للمتهم رشدي سرور حنا فإنه مسئول عن العجز الذي ظهر في الأصناف المقيدة بالاستمارات رقم 121 وغيرها ومسئول أيضاً عن فقد الاستمارة الضائعة لأنه وقع الكشوف وهو أمين مخزن يدرك معنى التوقيع على كشوف الجرد والتسليم والتسلم وبسؤال محمد إبراهيم كاتب الشطب ذكر أن كشوف التسليم والتسلم بين الأمينين التابعي وسرور وردت من إدارة المخازن فقام بمراجعتها وأبدى ملاحظاته عليها من ناحية عدم التوقيع على بعض الأصناف ووجود البعض الآخر ساقطاً، فوردت له بعد ذلك الكشوف مستوفاة، وقال إنه لم يطلب إلى اللجنة التي قامت بتسوية العجز تعديل الأصناف. وبسؤال حسنين صالح ثعلب رئيس أمناء المخازن قرر أنه قام بتعديل أرصدة الأصناف بالكشوف بناء على رغبة المسلم التابعي والمستلم سرور وبعد مطابقتها على دفاتر الشطب. وبسؤال الطاعن رشدي سرور حنا قرر أنه لا يعلم شيئاً عن عدم وجود الكشف رقم 21 من كشوف الجرد الذي تم بينه وبين زميله التابعي. ونفى معرفته لشيء من الأصناف الكثيرة غير الواردة بالاستمارات والموضحة بالكشوف 1، 2، 3 من الملف رقم (4) وذكر أن الكشوف كانت تستكمل من واقع دفاتر 118 ولم تراجع على الطبيعة. وأضاف الطاعن أن السيد/ توفيق الصغير أفهمه بتوقيع هذه الكشوف لحين حضور زميله التابعي مرة أخرى وتعديلها ولم يتم ذلك فيما بعد. وبالنسبة لأصناف العجز الساقطة فقد قرر الطاعن أنه لا يعلم عنها شيئاً سوى أن الاستمارات (121 ع. ح) قد حررت بوساطة التابعي، ولا يعرف هو ما إذا كان قد أدرج جميع الأصناف بالاستمارات أم لا، وأقر بأنه قد وقع الكشوف بمناسبة ضرورة تنفيذ التابعي نقله إلى دمياط.
من حيث إن الطاعن يشغل وظيفة أمين مخزن في الدرجة الثامنة ويتقاضى مرتباً شهرياً قدره عشرة جنيهات ونصف. وقد حددت لائحة المخازن والمشتريات في القسم الثالث من الفصل الثالث فيما يتعلق بموظفي المخازن وواجباتهم، حددت واجبات أمناء المخازن وأرباب العهد في المادة 45 منها فنصت على أن (أمناء المخازن وجميع أرباب العهد مسئولون شخصياً عن الأصناف التي في عهدتم، وعن حفظها والاعتناء بها، وعن صحة وزنها وعددها ومقاسها ونوعها وعن نظافتها وصيانتها من كل ما من شأنه أن يعرضها للتلف أو الفقد، ولا تخلى مسئوليتهم إلا إذا ثبت للمصلحة أن ذلك قد نشأ عن أسباب قهرية أو ظروف خارجة عن إرادتهم، ولم يكن في الإمكان التحوط لها). وقد نصت المادة 46 من اللائحة ذاتها على أنه (يجب على أمناء المخازن أن لا يبقوا في عهدتهم أصنافاً زائدة عن الحاجة وعليهم أن يقدموا عنها كشفاً من وقت لآخر إلى مدير المخازن للتصرف). وتضمن الباب الثالث عشر من اللائحة المذكورة الأحكام التي تنظم عملية جرد المخازن وكشوف الزيادة والعجز فنصت المادة 312 على أنه (في نهاية اليوم السابق لبدء الجرد، تقطع البواقي المدونة بدفاتر الشطب ودفاتر عهدة أمين المخزن مما يتعلق بالأصناف التي سيصير جردها في اليوم التالي وترصد تلك البواقي في محضر الجرد (استمارة 121 حسابات) الذي يحرر من صورتين، ويوقع أمامها الموظف المسئول بإدارة المخازن إقراراً منه بصحتها). كما نصت المادة 393 على أنه: "يجب أن تلاحظ لجان الجرد، أن جرد الأصناف حسب البواقي الواردة بالدفاتر، لهو من أهم واجباتها. وكل تقصير في إثبات ما وجد فعلاً في المخازن على حقيقته في محاضر الجرد يتخذ بشأنه إجراءات تأديبية صارمة نحو المسئولين".
وتكلمت المواد التالية لذلك عن طريقة الجرد وحددتها بالدقة. فنصت على أن تجرد الأصناف صنفاً صنفاً بوزنها أو بمقاسها أو بعددها حسب الوحدة الواردة بالدفاتر، وتثبت اللجنة المقادير التي تجدها فعلاً بمحضر الجرد (استمارة 121 حسابات) وتبين الفرق بين خانتي (المقدار الذي بالعهدة) و(الموجود من واقع الجرد) من زيادة وعجز كل في الخانة المخصصة له. وعن كشوف الزيادة والعجز بينت المادة 398 ما يجب على الأمينين اتباعه فقالت (تستخرج اللجنة كشف الزيادة والعجز - استمارة 122 حسابات - الذي يحرر من صورتين، من واقع محضر الجرد، وتبين به إيضاحات أمين المخزن بشأن الزيادة والعجز في كل صنف..).
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم تكون المسئولية الإدارة قائمة في حق أمين المخزن رشدي سرور حنا - الطاعن - فهو مسئول بإقراره وتوقيعه عن العجز الذي ظهر في الأصناف المقيدة بالاستمارات (121 ع. ح) فيما بينه وبين المتهم الأول - التابعي - كما أنه قد ظهر في جرد فبراير سنة 1960 ولا شك أيضاً في أنه مسئول عن ضياع أو اختفاء الكشف رقم 21 من كشوف الجرد الذي تم بينه وبين التابعي وكذا عن الأصناف الساقطة بعملية الجرد عند تسلمه المخزن من زميله التابعي وهي أصناف غير واردة بكشوف الجرد أرقام (1، 2، 3) بالملف رقم (4). وفي كل هذا يبين أن الطاعن قد خالف نصاً من أحكام اللائحة التي تنظم نشاطه الوظيفي وتحدد واجبات وظيفته. فكل تقصير في إثبات ما وجد فعلاً في المخازن على حقيقته في محاضر الجرد عند تسلمه المخازن من محمد علي التابعي أو في كشوف الزيادة والعجز إنما هو إخلال بواجبات الوظيفة يوجب المؤاخذة التأديبية فإذا كانت الإدارة العامة للتموين الطبي بوزارة الصحة قد قدرت خطورة الأعمال والأفعال التي صدرت من أولئك الموظفين وهم رؤساء وأمناء المخازن بها وعلى رأسهم الطاعن فبادرت بإحالتهم إلى النيابة الإدارية التي أجرت تحقيقاً مستفيضاً سمعت فيه أقوال كل من المتهمين فيما هو منسوب إليه ثم استجوبت رؤساء لجان الجرد والمعاينة وأعضائها وانتهت إلى مساءلتهم جميعاً إدارياً لأن الطاعن وزميله التابعي لم يؤديا عملهما بدقة وأمانة فأهملا في المحافظة على عهدتهما ولم ينفذا التعليمات المخزنية التي نصت عليها أحكام لائحة المخازن والمشتريات فترتب على تقصيرهما وقوع عجز بالغ أصاب خزانة الدولة في مبلغ يقرب من الألف جنيه، ثم جاءت المحكمة التأديبية المختصة واستعرضت وقائع الاتهام ورجعت إلى الأوراق والتحقيقات واستظهرت منها جدية الاتهام واقتنعت بقيام الإدانة في حق كل من المتهمين لأنهم لم يراعوا الأحكام المالية المعمول بها وخالفوا صريح بنود لائحة المخازن والمشتريات التي نصت المادة الثالثة منها على أنه (يجب على كل من يكلف بعمل من أعمال المخازن أن يلم بجميع أحكام هذه اللائحة وبتعديلاتها، فلا يقبل أي دفع من الموظف أو دفاع عنه لخطأ يرتكبه أو لمسئولية يقع فيها بحجة جهله بأحكام هذه اللائحة أو بتعديلاتها، أو عدم مرانه المران الكافي على العمل المكلف به). إذا كان الأمر كذلك وكانت المحكمة التأديبية قد أشارت في أسباب حكمها إلى أنها لا تعتد بما ساقه الطاعن وزميله التابعي من مبررات في المذكرات المقدمة منهما خلال نظر الدعوى لا يقبل من الطاعن وجه الطعن القائم على أن المحكمة التأديبية لم تذكر في أسباب حكمها ولا في وقائع الدعوى شيئاً عن دفاعه ودفاعه ليخلص من ذلك إلى أن الحكم باطل لمخالفته لنص المادة 341 من قانون المرافعات وأنه قد شابه قصور في التسبيب. إذ أن هذا الوجه مردود بما جرت عليه ضوابط تسبيب الأحكام من أن الترتيب الوارد بالمادة التي يستند إليها هذا الطعن، ليس ترتيباً حتمياً يترتب على الإخلال به البطلان فيجوز أن تورد المحكمة الإدارية الواقعية والحجج القانونية التي استند إليها الخصوم في ثنايا أسباب الحكم التي تكفلت بالرد عليها. كما أنه يكفي لسلامة الحكم أن يكون مقاماً على أسباب تستقيم معه، ولا يلزم أن يتعقب حجج الخصوم في جميع مناحي أقوالهم استقلالاً ثم يفندها تفصيلاً الواحدة تلو الأخرى، كما لا يعيب الحكم عدم ذكر أسماء الشهود في تحقيق تضمنت القضية أوراقه، وعدم إيراده نصوص أقوالهم وعبارتها وحسب الحكم السديد أن يورد مضمون هذه الأقوال ومتى كان ما استخلصه الحكم من أقوال الشهود غير متناقض مع ما هو ثابت بالتحقيقات كان قضاؤه لا غبار عليه. المحكمة التأديبية لها مطلق الحرية في أن تستخلص قضاءها من واقع ملف الدعوى من مستندات وعناصر وقرائن أحوال بشرط أن تتقيد بقواعد الإثبات وتأخذها عن القانون أخذاً صحيحاً. كما أنها مقيدة أيضاً عند استخلاصها الوقائع الصحيحة في أن تقدرها تقديراً يتمشى مع المنطق السليم. ومتى توافر ذلك يستوي أن تختار المحكمة الاعتماد على شهادة شاهد دون آخر أو تعتمد على قرينة دون أخرى من نفس قوتها.
ودفاع الطاعن بأنه قد تسلم المخزن بطريقة صورية من المتهم الأول التابعي قبل أن يتم الجرد بصورة فعلية وقانونية، إنما هو دفاع لو صح لكان دليلاً على إمعان صاحبه في الاستهتار بمسئولية الوظيفة التي يشغلها وبعدم اكتراثه بالأمانة التي يحملها. فليس من طبيعة الأشياء أن يقرر الإنسان أنه تسلم شيئاً وهو في الواقع لم يتسلمه وأن يوقع بالاستلام وهو لا يعرف ما وقع عليه ولا يستساغ منه القول بأنه أكره على التوقيع وأرغم على الاستلام. في حين أنه أمين على مخازن تضم بين جدرانها أموال الدولة وعلاج أفراد الشعب.
ومن حيث إن أوجه الطعن الأخرى لا تخرج في مجموعها عن أنها محاولة من جانب الطاعن للتخلص من الاتهام وإلغاء الذنب الذي يسلم بقيامه، على عاتق زميله المتهم الأول وحده، قولاً منه بأن العجز كان موجوداً قبل أن يتسلم المخزن من زميله المذكور وأن كل ما وقع منه هو أنه وقع بالاستلام دون أن يجرد جرداً فعلياً، مع أن ذلك وحده يكون في ذاته تقصيراً جسيماً يستوجب توقيع الجزاء وإذ انتهت المحكمة التأديبية من مجموع العناصر والأدلة التي طرحت عليها والتي لها أصل ثابت موجود في الأوراق إلى تكوين عقيدتها واقتناعها بأن الطاعن مذنب ومقصر في أداء واجبات وظيفته فلا تثريب عليها فيما قضت به من إدانة سلوكه وتوقيع الجزاء المناسب عليه بخفض درجته الحالية إلى الدرجة السابقة عليها مع خفض مرتبه فيها إلى آخر مربوطها ولا سبيل إلى إعمال الرقابة على ما كونت منه عقيدتها، ومن ثم فإن حكمها يكون سليماً مطابقاً للقانون ويكون الطعن فيه في غير محله متعيناً رفضه مع إلزام الطاعن بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الطاعن بالمصروفات.