مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة 32 - الجزء الثاني (أول مارس 1987 - 30 سبتمبر 1987) - صـ 1108

(168)
جلسة 11 من إبريل سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وفاروق عبد الرحيم غنيم والسيد السيد عمر المستشارين.

الطعن رقم 3253 لسنة 32 القضائية

تراخيص محال تجارية وصناعية - إلغاء الترخيص - خمور.
المادة (16) من القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة معدلاً بالقانون رقم 359 لسنة 1956.
يلغى ترخيص المحال التي أصبح في استمراره خطر داهم على الصحة العامة أو الأمن العام وكان هذا الخطر يتعذر تداركه - أساس ذلك: الفقرة (6) من المادة 16 من القانون 453 لسنة 1954 معدلاً بالقانون رقم 359 لسنة 1956 - أجهزة الأمن هي التي تقدر الخطورة الناشئة عن الحالة الواقعية التي تجيز لها التدخل لمواجهتها بالإجراء الضبطي المناسب. يشترط أن يكون لهذه الحالة وجود حقيقي بأن تكون ثمة وقائع محددة من شأنها أن تنبئ في التقدير المنطقي للأمور عن وجود خطر يهدد الأمن العام - أساس ذلك: أن إجراءات الضبط الإداري تنطوي على مساس بحريات الأفراد الأمر الذي يقضي بثبوت الحالة الواقعية المبررة لاتخاذها - تطبيق في شأن إلغاء ترخيص إضافة خمور إلى رخصة محل.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 4 من أغسطس سنة 1986 أودع الأستاذ منصف نجيب سليمان المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/ سليمان قلدس محفوظ، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 3253 لسنة 32 قضائية عليا وذلك عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 19 من يونيه سنة 1986 في الدعوى رقم 169 لسنة 39 ق المقامة من الطاعن ضد السادة محافظ أسوان ووزير الحكم المحلي ورئيس مجلس مدينة كوم امبو ورئيس الوحدة المحلية لمدينة ومركز كوم امبو، والقاضي برفض الدعوى وإلزام الطاعن المصروفات. وطلب الطاعن - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - الأمر بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم والقرار المطعون عليه، والحكم بإلغاء الحكم المطعون عليه والقرار رقم 5 لسنة 1984 المشار إليه بأسباب الطعن، مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات. تم إعلان صحيفة الطعن قانوناً إلى المطعون ضدهم وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه بشقيه العاجل والموضوعي وإلزام الطاعن المصروفات، وعين لنظر الطعن جلسة أول من ديسمبر سنة 1986 أمام دائرة فحص الطعون وتداول نظره أمامها على الوجه المبين بالمحاضر حتى قررت بجلسة 2 من مارس سنة 1987 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات) وحددت لنظره جلسة 21 من مارس سنة 1987 وبهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعن على الثابت بالمحضر وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعة الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الحكم المطعون فيها وسائر الأوراق - في أن الطاعن أقام دعواه بصحيفة أودعها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 11 من أكتوبر سنة 1984 طالباً الحكم بوقف تنفيذه ثم إلغاء قرار رئيس الوحدة المحلية لمدينة كوم امبو رقم 5 الصادر في 12 من سبتمبر 1984 بإلغاء نشاط بيع الخمور من الرخصة رقم 3532 الخاصة بمحل بيع البقالة الذي يديره الطاعن. وبجلسة 4 من إبريل سنة 1985 قضت المحكمة برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه. وبجلسة 19 من يونيه سنة 1986 حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت الطاعن المصروفات واستندت المحكمة إلى أن المادة 16 من قانون المحال الصناعية والتجارية رقم 453 لسنة 1954 توجب إلغاء الترخيص إذا كان في استمراره خطر داهم على الصحة العامة أو الأمن العام يتعذر تداركه وإذ ثبت من تقرير وحدة البحث الجنائي المختص بمراقبة الأمن العام إن في ممارسة الطاعن لنشاط بيع الكحول داخل المحل خطر يهدد الأمن العام وفقاً لما ثبت لديها من تحريات لاعتياد ابن الطاعن تقديم الكحول في زجاجات مفتوحة للمترددين على المحل الذي أصبح خالياً من مواد البقالة واقتصر على تقديم الكحول بالتجزئة وإذ استندت الإدارة إلى هذا التقرير في إلغاء الترخيص بنشاط بيع الكحول فإن القرار المطعون فيه يكون قائماً على سبب يبرره ويتعين الحكم برفض طلب إلغائه، ولا يغير من ذلك ما ساقه الطاعن من صدور أحكام ببراءة ابنه من تهم تقديم الكحول في زجاجات مفتوحة بالمحل لأن تلك الأحكام التي تناولت وقائع محددة تم ضبطها ليس من شأنها أن تنفي ما أثبتته وحدة البحث الجنائي المختصة من خطورة استمرار هذا النشاط بمحل الطاعن على الأمن العام، لأن تلك الوحدة هي صاحبة التقرير النهائي في هذا الصدد وتختص وحدها بتحديد مدى خطورة النشاط على الأمن ويتعين الأخذ بما تراه طالما لم يثبت الطاعن أن ذلك قد صدر عن دوافع لا تمت للصالح العام.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد اعتبر ما جاء بتقرير وحدة البحث الجنائي عن نشاط محل الطاعن هو ركن السبب في قرار المطعون فيه: ويتضح من هذا التقرير أن وحدة البحث الجنائي قد استندت فيما انتهت إليه بهذا التقرير من أن وجود المحل خطر داهم على الأمن العام ويهدد سكان المنطقة خاصة وأنه يقع في منطقة آهلة بالسكان ويعرضهم للخطر من تعاطي الخمور بالطريق العام وأمام المحل إلى اتهام نجل الطاعن - المدعو فيليب سليمان قلدس محفوظ - في الجنحة رقم 694 لسنة 1984 جنح مركز كوم امبو: ذلك أنه بتاريخ 23 من مارس سنة 1984 تم ضبط المذكور بمعرفة السيد معاون المباحث المركز أثناء سماحه لأحد الأشخاص باحتساء الخمور من زجاجة كانت معه أمام المحل، وبعرض المحضر والمتهم على النيابة العامة قررت إخلاء سبيله بضمان مالي قدره مائة جنيه والتحفظ على المضبوطات على ذمة القضية وضبط أصل الرخصة رقم 3532 الخاصة بالمحل، وكذلك اتهام نجل الطاعن في الجنحة رقم 1087 لسنة 1971 جنح مركز كوم امبو لتقديمه خمور مفتوحة للزبائن بالمحل، ويلاحظ الطاعن على ذلك أنه بجلسة 6 من مارس سنة 1985 قضت محكمة الجنح المستأنفة بأسوان ببراءة نجل الطاعن مما نسب إليه في الجنحة 694 لسنة 1984 واستندت المحكمة في ذلك أنه انطلاقاً من سلطتها الموضوعية في تقدير الدليل، فقد أطرحت ما جاء بشهادة محرر المحضر لعدم اتساقها مع العقل والمنطق. كما حكمت محكمة الجنح المستأنفة بأسوان بجلسة 10 من نوفمبر سنة 1971 ببراءة نجل الطاعن مما نسب إليه في الجنحة رقم 1087 لسنة 1971 المشار إليها، وجاء في أسباب حكمها أن دفاع المتهم قام على أن رخصته تتيح له بيع الخمور في زجاجات مفتوحة، وبسؤال مهندس الرخص أيده في هذا الدفاع، وبذلك يكون قد ثبت بمقتضى أحكام جنائية نهائية براءة نجل الطاعن مما أسنده تقرير وحدة المباحث إليه من اتهامات، وقد طلبت الوحدة - بناء عليها - إلغاء الترخيص، ويتبين بذلك أن القرار المطعون عليه لا يقوم على سبب صحيح.
ومن حيث إن الجهة الإدارية المطعون ضدها ردت على الطعن بأن الترخيص الصادر من جهة الإدارة إنما هو تصرف مؤقت بطبيعته ويقبل السحب أو التعديل في أي وقت متى اقتضت المصلحة العامة ذلك وقد صدر القرار المطعون فيه بالاستناد إلى المادة 16 من القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية التي توجب إلغاء الترخيص إذا كان في استمراره خطر داهم على الصحة العامة أو الأمن العام يتعذر تداركه، وهو الأمر المستفاد من تقرير وحدة البحث الجنائي المختصة بمراقبة الأمن العام بكوم امبو. ولا ينال مما تقدم صدور الأحكام ببراءة نجل الطاعن في الجنحتين المشار إليهما، حيث استندت إلى أن الترخيص الممنوح للطاعن يشكل بيع الخمور في زجاجات مفتوحة. وعلى أية حال فقد أكد الحكم المذكور ممارسة نجل الطاعن لبيع الخمور في زجاجات مفتوحة، وهو ما يخالف شروط بيع الخمور ويهدد الأمن العام، مما يجعل القرار صادراً وفقاً للقانون ويهدف إلى تحقيق المصلحة العامة.
ومن حيث إن المادة 16 من القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة، معدلة بالقانون رقم 359 لسنة 1956 تنص على أن "تلغى رخصة المحل في الأحوال الآتية:..... (6) إذا أصبح المحل غير قابل للتشغيل. أو أصبح في استمرار إدارته خطر داهم على الصحة العامة أو على الأمن العام يتعذر تداركه...".
وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن المناط في اتخاذ الإجراء الضبطي المناسب بالطريق الإداري هو وجود خطر داهم على الصحة العامة أو الأمن العام نابع من إدارة المحل ونتيجة لهذه الإدارة، وأنه وإن كانت أجهزة الأمن تترخص في تقدير الخطورة الناشئة عن الحالة الواقعية التي يصح لها أن تتدخل لمواجهتها بأن تكون ثمة وقائع محددة من شأنها أن تنبئ - في التقدير المنطقي السليم للأمور - بأن ثمة خطراً يهدد الأمن العام، وبأن الاحتياط له يقتضي التدخل من هذه الأجهزة بالإجراء الضبطي الذي تم، وقد أكدت المادتان 12 و16 من القانون رقم 453 لسنة 1954 في شأن المحال الصناعية والتجارية وغيرها من المحال المقلقة للراحة والمضرة بالصحة والخطرة هذا المعنى حين وصفت الخطر الذي يسمح بإيقاف إدارة أي محل من هذه المحلات أو إلغاء رخصته بأن يكون خطراً داهماً يتعذر تداركه، تقديراً من الشارع لما ينطوي عليه هذا الإجراء من مساس مباشر بحريات الأفراد والقائمين على إدارة واستغلال المحلات المذكورة الأمر الذي يقتضي بالضرورة ثبوت الحالة الواقعية المبررة للتدخل بإجراءات الضبط الإداري ثبوتاً مقنعاً في جدية الإجراء ولزومه.
ومن حيث إنه بالاطلاع على تقرير وحدة البحث الجنائي بمركز شرطة كوم امبو بشأن إلغاء ترخيص إضافة الخمور على الرخصة الخاصة بالطاعن يقوم على أساس تحريات بأن نجل الطاعن الذي يدير المحل المرخص به يقوم بفتح زجاجات الخمور لزبائنه المترددين عليه وأن بعض الأشخاص يشربون الخمر بداخل المحل بالمخالفة لشروط الترخيص، وأنه بتاريخ 23 من مارس 1984 تم ضبط المذكور أثناء سماحه لأحد الأشخاص بشرب الخمر من زجاجة كانت معه أمام المحل وذلك في القضية رقم 694 جنح مركز كوم امبو سنة 1984.... وبتاريخ 5 من إبريل سنة 1984 داهمت قوة المحل المذكور فتبين عدم وجود الترخيص بالمحل فقيدت ضده القضية رقم 1104 جنح كوم امبو ووجهت له النيابة تهمة بيع الخمور بغير ترخيص. وبالبحث بأرشيف وحدة المباحث تبين أن المذكور سبق ضبطه في القضية رقم 1087 لسنة 1970 جنح كوم امبو لتقديمه خموراً مفتوحة للزبائن. وخلصت وحدة البحث الجنائي من ذلك إلى أن وجود المحل بهذه الحالة خطر داهم على الأمن ويهدد سكان المنطقة.
ومن حيث إن الطاعن قدم أحكاماً نهائية تفيد براءة نجله في القضايا الثلاث المشار إليها وبذلك فإنه أياً كان وجه الرأي حول أسباب الحكم بالبراءة فإن الأساس الواقعي الذي استندت إلية جهة الإدارة للقول بوجود خطر داهم على الأمن العام يصبح غير ثابت وبصفة خاصة فإن تقدير حالة الخطر الداهم على الأمن العام ووقف إلغاء الترخيص في عام 1984 لا يصلح دليلاً على مخالفة منسوبة إلى نجل الطاعن الذي يدير المحل في عام 1971 وهي مخالفة حكم كذلك ببراءته منها. وإذا كان حكم البراءة قد استند إلى ما شهد به - بحق أو بغير حق - مهندس الرخص من أن رخصة المحل تسمح ببيع الخمر في زجاجات مفتوحة، فإن هذه الواقعة برمتها لا تصلح أساساً لتقدير مدى تأثيرها على حالة الأمن خارج النطاق الزمني الذي وقعت فيه ولا يسوغ أن يمتد أثرها إلى ما بعد وقوعها بأكثر من اثني عشر سنة ومن حيث إنه بذلك يكون القرار الصادر بإلغاء نشاط بيع الخمور من الرخصة رقم 3532 الخاصة بمحل البقالة الذي يملكه الطاعن بكوم امبو غير مستند على أساس سليم من الواقع، ويتعين الحكم بإلغائه ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بغير ذلك قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، ويتعين - من ثم - القضاء بإلغائه. ومن حيث إن من يخسر دعواه يلزم بمصروفاتها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء قرار رئيس الوحدة المحلية لمدينة كوم امبو رقم 5 الصادر في 12 سبتمبر سنة 1984 بإلغاء نشاط بيع الخمور المضاف إلى ترخيص فتح محل البقالة الخاص بالطاعن رقم 3532، وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.