مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة 32 - الجزء الثاني (أول مارس 1987 - 30 سبتمبر 1987) - صـ 1143

(174)
جلسة 18 من إبريل سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ/ المستشار الدكتور أحمد يسري عبده رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد المهدي مليحي ومحمد أمين المهدي وحسن حسنين علي فاروق عبد الرحيم غنيم المستشارين.

الطعن رقم 786 لسنة 32 القضائية

استيراد وتصدير - قيوده.
القانون رقم 118 لسنة 1975 بشأن الاستيراد والتصدير ولائحته التنفيذية - قرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 5 لسنة 1985.
الاستيراد والتصدير من المقومات الرئيسية للتجارة الخارجية يهيمن على تنظيمها القانوني أحكام الخطة العامة للدولة في إطار نظامها الاقتصادي وأوضاع الميزانية النقدية السارية - خول المشرع وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية سلطة تحديد القواعد التي تنظم عمليات الاستيراد بما في ذلك من جواز قصر الاستيراد من بلاد معينة أو من القطاع العام أو حظر استيراد سلع معينة أو اشتراط الحصول على موافقة مسبقة من جهات أو لجان تحدد لهذا الغرض - يتعين على المستورد استيفاء القواعد والإجراءات المقررة قبل الاستيراد - تسقط الموافقة الاستيرادية التي تصدرها لجان الترشيد إذا لم يسدد التأمين النقدي لدى البنك عن الرسالة المطلوب استيرادها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الموافقة - هذه الموافقة لا ترتب بذاتها مركزاً قانونياً نهائياً في استيراد السلع الصادرة عنها - يجوز لوزير الاقتصاد تغيير نظم الاستيراد في أي وقت متى تطلبت خطة الدولة ذلك وله إعادة النظر في الموافقات الاستيرادية السابقة أو إيقاف ترتيب أي أثار عليها بعدم السماح بفتح اعتمادات مالية لها، لا محاجة في هذا الصدد بسبق صدور موافقة استيرادية أو الاحتجاج بفكرة الحق المكتسب أو المركز القانوني المستقر طالما أن أحكام التنظيم الجديد واعتباراته اقتضت ذلك - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 8 من فبراير سنة 1986 أودع الأستاذ/ غبريال إبراهيم غبريال المحامي بصفته وكيلاً عن الشركة الطاعنة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 786 لسنة 32 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" بجلسة 10/ 12/ 1985 في الدعوى رقم 2648 لسنة 39 ق والقاضي برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الشركة بالمصروفات وطلبت الطاعنة الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بوقف تنفيذ القرار الطعين مع ما يترتب على ذلك من أثار وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات وقد أعلن الطعن إلى المطعون عليه وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الشركة الطاعنة بالمصروفات.
وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 19/ 5/ 1986 وتدوول بالجلسات على الوجه المبين بالمحضر حتى قررت بجلسة 16/ 3/ 1987 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا "دائرة منازعات الأفراد والهيئات والعقود الإدارية والتعويضات" لنظره بجلسة 4/ 4/ 1987 وبهذه الجلسة نظرت المحكمة الطعن على الوجه الثابت بالمحضر وحجزته للحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم الأتي وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أن الشركة الطاعنة كانت قد أقامت الدعوى رقم 2648 لسنة 39 ق بعريضة أودعتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 20/ 2/ 1985 طلبت في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار وزير الاقتصاد بحظر فتح الاعتمادات المالية عن الموافقات الاستيرادية التي صدرت للشركة من لجنة الترشيد قبل 5 يناير 1985 إلا بعد إعادة العرض على لجنة الترشيد مع ما يترتب على ذلك من أثار منها أحقية الشركة في مهلة الثلاثة أشهر المقررة لفتح الاعتمادات المالية على النحو المفصل بالعريضة وأحقيتها في استرداد أصول الموافقات الاستيرادية السابق تحويلها إلى لجنة الترشيد بناء على القرار المطعون فيه أو الاعتداد بصورها. وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة بالمصروفات. وجاء بعريضة الدعوى أن الشركة حصلت على عدد 18 موافقة استيرادية من لجنة ترشيد الاستيراد عن سلع مختلفة تستورد من اليابان والفلبين وهونج كونج وفرنسا وأسبانيا، وذلك قبل صدور قرار وزير الاقتصاد رقم 5 لسنة 1985 في 5 يناير سنة 1985 الذي عدل النظام القانوني للاستيراد الذي صدرت تلك الموافقات في ظله حيث كان هذا النظام يتيح للمستورد مهلة ثلاثة أشهر من تاريخ صدور الموافقة الاستيرادية لفتح الاعتماد خلالها وإلا سقطت الموافقة وإذا صدرت تلك الموافقات قبل 5 يناير سنة 1985 فإن مركزاً قانونياً قد نشأ للشركة في ظل التنظيم السابق، وحتى لو قيل بسريان القرار الوزاري رقم 5 لسنة 1985 على هذه الموافقات فإن ذلك يكون مقصوراً على طريقة التمويل، إلا أن وزير الاقتصاد قد خرج عن هذا المبدأ القانوني وأرسل خطاباً إلى محافظ البنك المركزي في 3 يناير سنة 1985 متضمناً أن الموافقات الاستيرادية السابق صدورها من لجنة الترشيد قد تقرر عدم قيام الجهاز المصرفي بفتح اعتمادات لها طالما أنها صادرة قبل يوم السبت 5 يناير سنة 1985 ولم يتم فتح اعتماداتها قبل هذا التاريخ وذلك إلا بعد رجوع البنك إلى لجنة الترشيد للنظر في تعديل نسب التأمين المقررة وفقاً للنظام الجديد. وهذا القرار ينطوي على قرار إداري بإهدار الموافقات الاستيرادية السابق إصدارها قبل 5/ 1/ 1985، وهو ما يعيب القرار بعدم المشروعية لأنه قصد إلى تفويت مدة الثلاثة أشهر المتاحة لفتح الاعتماد حتى تسقط هذه الموافقات وذلك بحجة أن إعادة العرض على لجنة الترشيد مقصود بها النظر في تعديل نسب التأمين المقررة وفقاً للنظام الجديد مع أن تعديل نسب التأمين تكفل بإيضاحها القرار الوزاري رقم 5 لسنة 1985 بما يغني عن العرض على اللجنة وقد تحقق فعلاً ما رمى إليه القرار المطعون فيه إذ لم يتم العرض على لجنة الترشيد.
وبجلسة 10/ 12/ 1985 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الشركة المدعية بالمصروفات وأقامت قضاءها على أساس أن تنظيم الاستيراد والتصدير هو أمر تجريه الدولة وفق نظامها الاقتصادي المعمول به وفي ضوء خطتها العامة وما يستتبعه ذلك في وضع ضوابط ومعالم تكفل العمل على تحقيق أهداف هذه الخطة. والبادي من الأوراق أن قرار وزير الاقتصاد المطعون فيه يستند على ما توجبه الإجراءات والقواعد الجديدة التي صدر بها القرار رقم 5 لسنة 1985 بتنظيم عمليات الاستيراد وما يقتضيه ذلك من إعادة النظر في تدبير وتوفير النقد الأجنبي وتحديد نسب التأمين النقدي بسعر الجنية المصري، وذلك كله يرتبط باحتياجات البلاد السلعية في الظروف التي صدر فيها التنظيم الجديد. سيما وأن الأساس الذي قام عليه هذا القرار - حسبما يبدو من الأوراق - هو رغبة الدولة في ضبط احتياجاتها من السلع المستوردة تمشياً مع أحكام خطتها العامة في هذا الصدد، وهذا يجد سنده، من نص المادة الأولى من قانون الاستيراد والتصدير: إذ ناطت بالوزير المختص سلطة تحديد الإجراءات والقواعد التي تنظم عمليات الاستيراد، وكذلك في نصوص وأحكام اللائحة التنفيذية للقانون التي خولت الوزير سلطة تعديل قوائم السلع المستوردة، أو حظر ما يرى حظره من هذه السلع وبناء عليه لا يجوز القول بأن ثمة مركزاً قانونياً تعلق به حق الشركة المدعية في استيراد أصناف معينة من خلال الموافقات الاستيرادية، إذ أنه يجوز - حسبما تراه الدولة محققاً لمصلحتها الاقتصادية - تعديل قوائم السلع المستوردة، وإذا جاز القول بأن هناك حقوقاً ترتبت على الموافقات الاستيرادية السابق صدورها من اللجنة المختصة فهي تلك التي نشأت عن فتح اعتمادات لهذه الموافقات بالبنوك، لما يترتب على فتح هذه الاعتمادات من أثار مالية وتجارية تمتد ليس فقط إلى من حصل على الموافقة الاستيرادية ولكن إلى أطراف أخرى مثل المصدر الأجنبي والبنك الذي قام بفتح الاعتماد. وأضافت المحكمة أنه بالنسبة إلى ركن الاستعجال في طلب وقف التنفيذ، لا يبين من الأوراق أن إعادة الموافقات الاستيرادية إلى لجنة الترشيد يترتب عليه بذاته خطراً جسيماً أو نتائج يتعذر تداركها مما يجعل هذا الركن غير متوافر أيضاً.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ فيما ذهب إليه من أن ترخيص الاستيراد لا ينشئ مركزاً قانونياً لصاحبه، فالواقع أن هذا الترخيص بمجرد صدوره ينشئ مركزاً قانونياً يتمثل في حق المرخص له في فتح الاعتماد لأنه لا يتصور إمكان فتح الاعتماد دون صدور الترخيص يضاف إلى ذلك أنه بمجرد صدور الترخيص يقوم صاحبه بإخطار المصدر ويصدر له أمر التوريد ويقوم المصدر بالإجراءات اللازمة لتشوين البضائع المطلوبة. ومتى كان ترخيص الاستيراد ينشئ مركزاً قانونياً فإنه لا يجوز إلغاؤه إلا تحقيقاً للصالح العام مع عدم الإخلال بحق المرخص له في التعويض، ولكن الوزير تعمد في النزاع الماثل إهدار التراخيص الصادرة للشركة الطاعنة لغير مصلحة عامة: إذ أفصح الوزير عن السبب في إعادة العرض على لجان الترشيد وهو تحديد نسب التأمين النقدي، في حين أن نسب هذا التأمين تكفل بتحديدها، القرار رقم 5 لسنة 1985 المشار إليه.
ومن حيث إن المادة 1 من القانون رقم 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير وتنص على أن "يكون استيراد احتياجات البلاد السلعية عن طريق القطاعين العام والخاص" وذلك وفق أحكام الخطة العامة للدولة وفي حدود الموازنة النقدية السارية وللأفراد حق استيراد احتياجاتهم للاستعمال الشخصي أو الخاص من مواردهم الخاصة، وذلك مباشرة أو عن طريق الغير، ويعد وزير التجارة قراراً بتحديد الإجراءات والقواعد التي تنظم عمليات الاستيراد. ولوزير التجارة أن يقصر الاستيراد من بلاد الاتفاقيات وكذلك استيراد بعض السلع الأساسية على جهات القطاع العام. وتنص المادة 15 من القرار الوزاري رقم 1036 لسنة 1978 باللائحة التنفيذية للقانون على أن يكون استيراد احتياجات البلاد والأفراد السلعية عن طريق القطاعين العام والخاص... وفقاً لأحكام الخطة العامة للدولة وطبقاً للأحكام والقواعد الواردة بهذه اللائحة. ومفاد ذلك أن الاستيراد والتصدير وهما من المقومات الرئيسية للتجارة الخارجية يهيمن على التنظيم القانوني لهما أحكام الخطة العامة للدولة ونظامها الاقتصادي وأوضاع الميزانية النقدية السارية.
ولذلك خول المشرع الوزير المختص - وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية - سلطة واسعة في تحديد الأنظمة والإجراءات والقواعد التي تنظم عمليات الاستيراد بما في ذلك جواز قصر الاستيراد من بلاد الاتفاقيات أو قصره على جهات القطاع العام أو حظر استيراد سلع معينة أو اشترط الحصول على موافقات مسبقة من جهات أو لجان تحددها تلك القواعد. وهذه الموفقات الاستيرادية لا تعدو أن تكون إجراء من بين الإجراءات العديدة التي يتعين على المستورد أن يستوفيها قبل إبرام الاستيراد وفتح الاعتمادات المالية الخاصة بالسلع المستوردة آية ذلك أن الموافقة الاستيرادية. التي تصدرها لجان الترشيد - طبقاً لما تنص عليه قواعد الاستيراد - تسقط إذا لم يتم سداد التأمين النقدي لدى البنك عن الرسالة المطلوبة استيرادها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الموافقة، الأمر الذي يفيد أن هذه الموافقة لا ترتب بذاتها لصاحبها مركزاً قانونياً نهائياً ونافذاً في استيراد السلع الصادرة عنها، وإنما يجوز لوزير الاقتصاد - باعتباره الجهة المختصة التي خولها المشروع تنظيم الاستيراد وتحديد قواعده إذا ما طرأ بعد صدور الموافقة وقبل فتح اعتماداتها تغيير في خطة الدولة الاستيرادية أو في أوضاع الميزانية النقدية من شأنه تغيير أسس نظام الاستيراد وقواعده، يجوز له أن يتخذ ما يراه من قرارات في شأن الموافقات الاستيرادية السابقة في ضوء المتغيرات الجديدة ولما كان قد صدر بتاريخ 3/ 1/ 1985 إقرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية رقم 5 لسنة 1985 وعمل به اعتباراً من 5/ 1/ 1985 مستهدفاً إلغاء نظام الاستيراد بدون تحويل عمله، نص على أن يقوم المستورد بسداد قيمة الاعتمادات الخاصة بالاستيراد وكذلك نسب التأمين النقدي بالجنية المصري بالسعر الذي تحدده اللجنة المختصة بالبنك المركزي، وعدل نسب التأمين وألقى على عاتق الجهاز المصرفي عبء تدبير النقد الأجنبي اللازم لتمويل الاستيراد من الخارج، وألغى الأحكام المخالفة لهذا النظام، وقد تطلب هذا التغيير الجوهري في نظام الاستيراد إعادة النظر في الموافقات الاستيرادية السابق صدورها على تاريخ العمل بالنظام الجديد والتي لم يتم فتح اعتماداتها المالية حتى هذا التاريخ. فصدر القرار المطعون فيه بتاريخ 3/ 1/ 1985 بعدم فتح اعتمادات لهذه الموافقات إلا بعد الرجوع إلى لجنة الترشيد للنظر في تعديل نسب التأمين المقررة وفقاً للنظام الجديد. وأنه ولئن اقتصر هذا القرار في بيان مبرراته على ما ذكره بخصوص إعادة النظر في نسب التأمين المقررة وفقاً للنظام الجديد - إلا أن ذلك - وآياً ما كان الرأي في تفسير المقصود بالقرار وصيغة عباراته - لا يصادر من حيث الأصل سلطة الجهة الإدارية المختصة طبقاً للقانون في إعادة النظر في الموافقات الاستيرادية السابقة، أو إيقاف ترتيب أي أثار عليها، بعدم السماح - مثلاً - بفتح اعتمادات مالية منها دون ما حاجة إلى فكرة الحق المكتسب أو المركز القانوني المستقر - على نحو ما سبق بيانه - طالما أن أحكام التنظيم الجديد واعتباراته قد اقتضت ذلك.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب وجه الحق والقانون فيما قضى به من رفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، ويغدو الطعن في هذا الحكم غير قائم على سبب صحيح خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن لزمته المصروفات عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً وألزمت الطاعنة بالمصروفات.