مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة 32 - الجزء الثاني (أول مارس 1987 - 30 سبتمبر 1987) - صـ 1316

(198)
جلسة 23 من مايو سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عادل عبد العزيز بسيوني نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور محمد جودت الملط وصلاح عبد الفتاح سلامة وثروت عبد الله أحمد والدكتور عبد الرحمن عزوز - المستشارين.

الطعن رقم 3597 لسنة 32 القضائية

قضاء إداري - اختصاص - المحكمة الإدارية العليا - الدائرة المشكلة طبقاً لنص المادة (54) مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984.
الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا سواء بحسم النزاع في موضوع برمته أو في شق منه أو في مسألة قانونية أو واقعية متعلقة به كمسألة الاختصاص هو حكم قطعي يحوز حجية الشيء المحكوم فيه كقرينة قانونية حاسمة بصحته - يعتبر هذا الحكم باتاً غير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن - لا يغير من هذه الحجية صدور حكم لاحق مغاير من ذات المحكمة بالهيئة المشكلة طبقاً للمادة (54) مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 - أساس ذلك: أن اختصاص هذه الهيئة يقتصر على الطعون التي تحال إليها من دوائر المحكمة الإدارية العليا لترسي فيها مبدأ يستقر عليه - مؤدى ذلك: أن الأحكام الصادرة من تلك الهيئة لا تنسحب على الأحكام السابق صدورها بما حازته من حجية ولا يجردها من حجيتها أو ينزع عنها قوتها - نتيجة ذلك: الأحكام الصادرة من الهيئة المشكلة وفقاً للمادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 لا تنال من حجية أو قوة الأحكام السابق صدورها من دوائر المحكمة الإدارية العليا ولا تمس ما حسمته هذه الأحكام الباتة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم 19 من يناير سنة 1983، أودع الأستاذ علي محمد رضوان المحامي، بصفته وكيلاً عن السيد/ ....... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 416 لسنة 29 القضائية، في الحكم الصادر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية بجلسة 25 من نوفمبر سنة 1982 في الدعوى رقم 9 لسنة 1982 تأديب شمال القاهرة المقامة ضد الطاعن، والقاضي بمجازاته بالخفض إلى وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة مع خفض أجره على القدر الذي كان عليه قبل الترقية.
وقضت المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الثالثة" بجلسة 22 من مايو سنة 1984 بعدم اختصاصها بنظر الطعن رقم 416 لسنة 29 القضائية المشار إليه وبإحالته إلى المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة العدل في القاهرة، حيث قيد الطعن برقم 9 لسنة 19 القضائية.
وقضت المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة العدل في القاهرة بجلسة 28 من يونيه سنة 1986 بعدم اختصاصها بنظر الطعن رقم 9 لسنة 19 القضائية وإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا للاختصاص، وقيد الطعن في جدول هذه المحكمة تحت رقم 3597 لسنة 32 القضائية.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة، تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن الماثل، ارتأت فيه القضاء بإلغاء الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة العدل فيما قضى به من إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا وتعديله ليقتصر على ما قضى به من عدم اختصاصها بنظر الطعن دون تطرق للإحالة.
وعين لنظر الطعن جلسة 18 من يناير سنة 1987 أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة وقررت الدائرة بجلسة 25 من فبراير سنة 1987 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" لنظره بجلسة 28 من مارس سنة 1987، وفيها استمعت المحكمة إلى ما رأت لزومه من إيضاحات وأرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم، حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة قانوناً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، في أن المستشار رئيس محكمة شمال القاهرة الابتدائية، قرر إحالة السيد/ ........ الموظف بقلم العمال الكلي بالمحكمة، إلى المحاكمة التأديبية، بالدعوى رقم 9 لسنة 1982 تأديب شمال القاهرة، لإتيانه مخالفات في العمل ولانقطاعه عن العمل من 15 من يوليه سنة 1982 وقضى مجلس التأديب في جلسة 25 من نوفمبر سنة 1982 بمجازاته بالخفض إلى وظيفة في الدرجة الأدنى مباشرة مع خفض أجرة إلى القدر الذي كان عليه قبل الترقية. فأقام في 19 من يناير سنة 1983 الطعن رقم 416 لسنة 29 القضائية أمام المحكمة الإدارية العليا. وطلب في تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار مجلس التأديب المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار. وأعلن تقرر الطعن إلى الجهة المطعون ضدها في 12 من فبراير سنة 1983. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار مجلس التأديب المطعون فيه وبإعادة محاكمة الطاعن من هيئة أخرى. وقضت المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الثالثة" في جلسة 22 من مايو سنة 1984 بعدم اختصاصها بنظر الطعن وبإحالته إلى المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة العدل بالقاهرة لاختصاصها بالفصل فيه. وشيدت قضاءها على أن القرار الصادر من مجلس التأديب لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً نهائياً صادراً عن سلطة تأديبية، ولذا فإن نظر الطعن فيه يتعقد للمحكمة التأديبية المختصة طبقاً للبند تاسعاً من المادة 10 وللمادة 15 من قانون مجلس الدولة، ولا ينعقد مباشرة للمحكمة الإدارية العليا التي تختص طبقاً للمادة 22 من ذات القانون بنظر الطعن في أحكام المحاكم التأديبية، وهو ما لا يفوت درجة التقاضي أمام المحكمة التأديبية المختصة. وبإحالة الطعن إلى المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة العدل، قيد بجدولها تحت رقم 9 لسنة 19 القضائية، وقضت فيه المحكمة بجلسة 28 من يونيه سنة 1986 بعدم اختصاصها بنظره وبإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا للاختصاص. وبنت قضاءها على أن الهيئة المشكلة من أحد عشر مستشاراً في المحكمة الإدارية العليا طبقاً للمادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة، قضت بجلسة 15 من ديسمبر سنة 1985 في الطعن رقم 28 لسنة 29 القضائية، بأن قرارات مجالس التأديب التي لا تحتاج إلى تصديق من جهة إدارية عليا يكون الطعن فيها من اختصاص المحكمة الإدارية العليا دون المحاكم التأديبية، كما أن المادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية وإن قضت بإلزام المحكمة أن تنظر الدعوى المحالة إليها، إلا أنها لا تمنعها من معاودة البحث في اختصاصها بناء على سبب قانوني جديد يعقد الاختصاص لغيرها، بالإضافة إلى أن القول بغير هذا يضع الطاعن في مركز أفضل من أقرانه بتحويله درجتين للتقاضي. وتنفيذاً لهذا الحكم أعيد الطعن ثانية إلى المحكمة الإدارية العليا وقيد بجدولها تحت رقم 3597 لسنة 32 القضائية على النحو الماثل.
ومن حيث إنه باستقراء قانوني مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، يبين أنه أورد في المادة 3 المحكمة الإدارية العليا على رأس محاكم القسم القضائي، وخصها في المادة 4 بتشكيل خماسي لكل دائرة من دوائرها بينما حدد تشكيلاً ثلاثياً لسواها، وخولها في المادة 23 الاختصاص بنظر الطعن في الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية وفي الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري سواء بوصفها محكمة أول درجة في الدعوى المختصة بها أو بوصفها محكمة ثاني درجة في الطعون المقامة في أحكام المحاكم الإدارية، ولم يجز ضمن المادة 51 الطعن في أحكامها بالتماس إعادة النظر الذي أجازه في أحكام محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والمحاكم التأديبية، وأجرى في المادة 52 على أحكامها القواعد الخاصة بقوة الشيء المحكوم فيه، ثم نص في المادة 54 مكرراً على أنه "إذا تبين لإحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا عند نظر أحد الطعون أنه صدرت فيها أو من إحدى دوائر المحكمة أحكام سابقة يخالف بعضها البعض أو رأت العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادره من المحكمة الإدارية العليا، يتعين عليها إحالة الطعن إلى هيئة تشكلها الجمعية العامة لتلك المحكمة في كل عام قضائي من أحد عشر مستشاراً برئاسة رئيس المحكمة أو الأقدم من نوابه......".
ومن حيث إنه يؤخذ مما سلف أن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بالفصل في الطعن أمامها، سواء بحسم النزاع في الموضوع برمته أو في شق منه أو في مسألة قانونية أو واقعية متعلقة به كمسألة الاختصاص بنظره، يعد من ناحية حكماً قطعياً يحوز حجية الشيء المحكوم فيه كقرينة قانونية حاسمه بصحته فيما قضى به شأنه شأن سائر الأحكام القطعية، كما يعد من ناحية أخرى حكماً باتاً غير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن، الأمر الذي يفرض الالتزام به احترماً لحجيته القاطعة وتسليماً بقوته الباتة، حتى ولو صدر بعده حكم بمبدأ مغاير من الهيئة المشكلة بالمحكمة الإدارية العليا طبقاً للمادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة، إذ أن اختصاص هذه الهيئة اقتصر على الطعون التي تحال إليها من دوائر المحكمة الإدارية العليا لترسي فيها المبادئ التي تستقر عليها، ولا ينبسط قضاؤها في هذا الشأن إلى الأحكام السابق صدورها بما يجردها من حجيتها أو ينزع عنها قوتها، ومن ثم فإن حكمها لا ينال من حجيتها أو قوة الأحكام السابق صدورها من دوائر المحكمة الإدارية العليا، ولا يمس ما حسمته هذه الأحكام القاطعة الباتة.
ومن حيث إنه بالبناء على ذلك، فإن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بعد اختصاصها بنظر طعن في قرار مجلس تأديب وبانعقاد هذا الاختصاص لإحدى المحاكم التأديبية، يفرض على هذه المحكمة الأدنى أن تصدع به، ويمنعها أن تتحول عنه، وذلك احتراماً لحجيته القاطعة ونزولاً على قوته الباتة، فلا يجوز لها أن تعيد البحث ثانية في اختصاصها أو تتنصل من الإحالة إليها، بمقولة صدور حكم بعدئذ من الهيئة المشكلة طبقاً للمادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة بجلسة 15 من ديسمبر سنة 1985 في الطعن رقم 28 لسنة 29 القضائية باختصاص المحكمة الإدارية العليا دون المحاكم التأديبية بنظر الطعون في قرارات مجلس التأديب التي لا تخضع لتصديق من جهات إدارية، لأن هذا الحكم الأخير لا يمس حجية أو قوة حكم سابق للمحكمة الإدارية العليا على خلافه، ولا ينال مما حسمه من قبل بعقد الاختصاص للمحكمة التأديبية بنظر الطعن، دون ما نظر إلى ما يترتب على هذا من إفساح درجتين في التقاضي للطاعن على قرار مجلس التأديب أمام المحكمة التأديبية ثم أمام المحكمة الإدارية العليا، لأن هذه النتيجة أفضى إليها حكم قاطع بات لا سبيل إلى الإفلات منه باعتباره صادراً من المحكمة الإدارية العليا، وهو أيضاً حكم مقرون بإحالة لا مناص من التقيد بها طبقاً للمادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي ألزمت المحكمة التي تقضي بعدم اختصاصها أن تأمر بإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة كما فرضت على المحكمة التي تحال إليها الدعوى أن تنظرها طالما أن موضوع الدعوى يدخل في الاختصاص الولائي لمحاكم مجلس الدولة.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم، فإن المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة العدل تكون قد خالفت القانون وأخطأت في تطبيقه وتأويله، إذ قضت في جلسة 28 من يونيه سنة 1986 بعدم اختصاصها بنظر الطعن رقم 9 لسنة 19 القضائية وبإحالته إلى المحكمة الإدارية العليا، إذ أنه فضلاً عن عدم جواز الإحالة منها كمحكمة أدنى إلى المحكمة الإدارية العليا مباشرة، فإن حكمها على هذا النحو أهدر حجية وقوة الحكم السابق صدوره من المحكمة الإدارية العليا. "الدائرة الرابعة" في جلسة 22 من مايو سنة 1984 بعدم اختصاصها بنظر الطعن رقم 416 لسنة 29 القضائية وبإحالته إلى المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة العدل، كما أنه لم يلتزم بهذه الإحالة الواجبة الاتباع طبقاً للمادة 110 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، ومن ثم فإنه يتعين القضاء بإلغاء الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة العدل وبإعادة الطعن إليها للفصل فيه مجدداً من هيئة أخرى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بإلغاء الحكم الصادر من المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة العدل بجلسة 28 من يونيه سنة 1986 في الطعن رقم 9 لسنة 19 القضائية، وبإعادة الطعن إليها للفصل فيه مجدداً من هيئة أخرى.