مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة 32 - الجزء الثاني (أول مارس 1987 - 30 سبتمبر 1987) - صـ 1328

(200)
جلسة 23 من مايو سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد المهدي مليحي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد أمين المهدي وحسن حسنين علي وفاروق عبد الرحيم غنيم والسيد السيد عمر - المستشارين.

الطعن رقم 400 لسنة 33 القضائية

أحكام عرفية - محاكم أمن الدولة الجزئية والعليا - تشكيلها.
قانون حالة الطوارئ الصادر بالقانون رقم 162 لسنة 1958.
عقد المشرع لمحاكم أمن الدولة (طوارئ) اختصاصاً أصيلاً وثابتاً هو الفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم بالتطبيق لقانون الطوارئ - أجاز المشرع أن يناط بتلك المحاكم اختصاصات أخرى بالفصل في الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام - هذه الاختصاصات تختلف وتتغير حسب تقدير السلطة المختصة بإحالة تلك الجرائم - حدد المشرع قواعد توزيع الاختصاص النوعي بين دوائر محاكم أمن الدولة الجزئية والعليا وبين تشكيل تلك الدوائر فجعله بصفه أصلية مكوناً من أحد قضاة المحكمة الابتدائية بالنسبة لدائرة أمن الدولة الجزئية التي تشكل في نطاقها - يكون التشكيل من ثلاثة مستشارين بالنسبة لدائرة أمن الدولة العليا التي تشكل في نطاق كل محكمة استئناف - استثنى المشرع من التشكيل السابق فأجاز لرئيس الجمهورية أن يأمر بتشكيل المحكمة الجزئية من قاض واثنين من ضباط القوات المسلحة من رتبة نقيب أو ما يعادلها على الأقل أو ثلاثة مستشارين وضابطين من القادة بالنسبة لدائرة أمن الدولة العليا - هذا التشكيل يمثل استثناء خاصاً لا يمس الاختصاص المخول لتلك المحاكم - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 29 من ديسمبر سنة 1986 أودع الأستاذ/ محمود كامل المستشار بهيئة قضايا الدولة نائباً عن السيد رئيس الجمهورية بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 400 لسنة 33 قضائية عليا، ضد كل من السادة صلاح الدين محمد حسن حجازي وطه أحمد السيد السماوي وعبد الرحمن محمد لطفي وذلك عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلستها المعقدة بتاريخ 23 من ديسمبر سنة 1986 في الدعوى رقم 6085 لسنة 40 قضائية المقامة من المطعون ضدهم ضد الطاعن والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الطلب المستعجل بوقف تنفيذ أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1986 المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب، وطلبت الجهة الطاعنة - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بصفه عاجله، والحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض طلب وقف التنفيذ مع إلزام المطعون ضدهم بالمصروفات.
وتم إعلان الطعن إلى المطعون ضدهم على محلهم المختار، وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه بشقيه العاجل والموضوعي وإلزام الطاعن بصفته المصروفات، وعين لنظر الطعن جلسة 19 من يناير سنة 1987 أمام دائرة فحص الطعون، وبجلسة 2 من مارس سنة 1987 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" حيث تدوول نظره أمامها على الوجه المبين بالمحاضر، وبجلسة 9 من مايو سنة 1987 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - في أن المطعون ضدهم - وهم متهمون على ذمة القضية رقم 412 لسنة 1986 حصر أمن دولة - أقاموا دعواهم بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 30 من سبتمبر سنة 1986 طلبوا في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1986، وفي الموضوع بإلغائه مع إلزامه بالمصروفات والنفاذ المعجل. وبجلسة 23 من ديسمبر سنة 1986 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وفي الطلب المستعجل بوقف تنفيذ أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1986 المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب، واستندت المحكمة في قضائها إلى أنه صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 560 لسنة 1981 بإعلان حالة الطوارئ بالبلاد، وقد تم مدها بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 167 لسنة 1986، وبناء على ذلك صدر أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1986 بإحالة بعض الجرائم إلى محاكم أمن الدولة طوارئ وناط بالنيابة العامة سلطة تحويل الجرائم التي ورد حصرها في البنود من أولاً إلى خامساً من المادة الأولى، وإن نظام الطوارئ أو الأحكام العرفية كأصل عام ليس نظاماً طبيعياً وإنما محض نظام استثنائي لا يسوغ التوسع في تطبيقاته وتتحدد السلطات المنبثقة عنه بصريح النص المقرر لها ترتبط بدائرته وحدها كاستثناء ينأى عن التفسير الواسع ويلتزم في استلهام قواعده دائرة التفسير الضيق. وانطلاقاً من ذلك فإن المستفاد من نصوص المواد 7 و8 و9 من القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ المشار إليها أن محاكم أمن الدولة الجزئية والعليا (طوارئ) تختص كأصل عام بالفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية إعمالاً لحكم المادة (3) من القانون المذكور وعلى الوجه الوارد في الأوامر المبينة بهذه المادة، ثم بين المشرع في المادة (7) كيفية تشكيل هذه المحاكم فجعل تشكيلها كأصل عام بالنسبة لكل دائرة من دوائر محكمة أمن الدولة الجزئية (طوارئ) من أحد قضاة المحكمة الابتدائية، وبالنسبة لمحكمة أمن الدولة العليا (طوارئ) من ثلاثة مستشارين بمحكمة الاستئناف، وأجاز المشرع لرئيس الجمهورية على سبيل الاستثناء أن يأمر بتشكيل دائرة أمن الدولة الجزئية من قاضي واثنين من ضباط القوات المسلحة من رتبة نقيب على الأقل وبتشكيل دائرة أمن الدولة العليا من ثلاثة مستشارين ومن ضابطين من الضباط القادة، ويلاحظ أن المشرع أبرز في الفقرة الرابعة من المادة (7) أن إضافة ضباط إلى تشكيل دائرة أمن الدولة (طوارئ) هو استثناء من الأصل العام في تشكيل هذه الدوائر من عناصر قضائية خالصة - ثم أجاز المشرع أيضاً لرئيس الجمهورية في المادة (8) استثناء من ذلك بالنسبة للمناطق التي تخضع لنظام قضائي خاص أو (بالنسبة لقضايا معينة) أن يأمر بتشكيل دوائر أمن الدولة المنصوص عليها في المادة (7) من ضباط فقط، وفي هذه الحالة تطبق الإجراءات التي ينص عليها في أمر تشكيلها ومقتضى الإحالة إلى دوائر أمن الدولة طوارئ المنصوص عليها في المادة (7) يقطع بأن اختصاصها هو ذات اختصاص المحاكم المحال إليها، وهي الفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة لقانون الطوارئ خاصة وأن تشكيل هذه الدوائر من ضباط فقط وعدم تطبيق الإجراءات الجنائية وتطبيق الإجراءات التي ينص عليها في أمر تشكيلها هو أمر استثنائي محض، واستطردت المحكمة أن الأصل أن محاكم أمن الدولة (طوارئ) تختص بالفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية والمنصوص عليها في المادة (3) من قانون الطوارئ المشار إليه، وأن المشرع وإن كان قد خول رئيس الجمهورية استثناء سلطة تشكيل دوائر أمن الدولة (طوارئ) من القضاة والمستشارين والضباط، إلا أنه لم يغير من اختصاصات هذه الدوائر، ثم جاء المشرع في المادة (8) ومنح رئيس الجمهورية سلطة تشكيل دوائر أمن الدولة (طوارئ) من ضباط فقط وذلك بالنسبة للمناطق التي تخضع لنظام قضائي خاص أو بالنسبة لقضايا معينة على سبيل الاستثناء المحض، فإن المقصود بعبارة (قضايا معينة) هو بعض القضايا الناتجة عن ارتكاب الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية المشار إليها في المادة (3)، ومن ناحية أخرى فإن المشرع أجاز لرئيس الجمهورية في المادة (9) أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة (طوارئ) الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام، مما يقطع دابر كل شك في أن المقصود من عبارة "قضايا معينة" هي التي تكون من بين الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية، إذ لو أن المشرع يقصد بغير ذلك لما كان في حاجة إلى نص المادة (9) بحسبان أن عبارة القضايا المعينة يمكن أن تتسع لتشمل أياً من القضايا الناتجة من ارتكاب إحدى الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام ويرى رئيس الجمهورية بسلطته التقديرية تشكيل دائرة أمن دولة من ضباط فقط، وأخيراً فإن المستفاد من نص المادة (10) من القانون رقم 162 لسنة 1958 المشار إليه أن محاكم أمن الدولة (طوارئ) المشكلة وفقاً لحكم المادة (7) من القانون المذكور تطبيق الإجراءات والقواعد المنصوص عليها في المادة (11) وما بعدها وفيما عدا ذلك تطبيق الإجراءات والأحكام المقررة بقانون الإجراءات الجنائية، وهذه الإجراءات تطبق أيضاً بالنسبة للجرائم التي يعاقب عليها القانون العام ويحيلها رئيس الجمهورية إلى محاكم أمن الدولة (طوارئ) والمشرع لم يمنح رئيس الجمهورية الحق في أن يصدر قرارات يمكن أن يترتب عليها حرمان المتهمين في هذه الجرائم من اتباع الإجراءات الواجب مراعاتها عند نظر هذه الجرائم في حين أن دوائر أمن الدولة (طوارئ) التي يأمر رئيس الجمهورية بتشكيلها من ضباط فقط يجوز بقرار من رئيس الجمهورية الصادر بتشكيلها وضع إجراءات خاصة تطبيقها، وعلى ذلك فولاية هذه الدوائر تنحسر عن الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام، وخلصت المحكمة مما تقدم إلى أن البادي من الأوراق أن أمر رئيس الجمهورية رقم (1) لسنة 1986 المطعون فيه قد تضمن في المادة الأولى تشكيل دائرة أمن دولة عليا (طوارئ) جميع أعضائها من ضباط بالقوات المسلحة تختص بالفصل في القضية رقم 412 حصر أمن دولة عليا سنة 1986، وأن البادي من أمر إحالة المتهمين في القضية المذكورة الصادر من المحامي العام لنيابة أمن الدولة العليا في الأول من سبتمبر سنة 1986 أن المتهمين المذكورين بأمر الإحالة ارتكبوا الجنايات والجنح المنصوص عليها بالمواد أرقام 40/ 1 و2 و41 و44 مكرر و45 و46 و48/ 1 و2 و3 و98 أ مكرراً و1 و2 و3 و98 هـ و102 أ و113/ 1 و118 و119 و119 مكرر و352 و317/ 5 و7 و361/ 1 و2 من قانون العقوبات وهي جميعها من الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام وليست من الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية الوارد ذكرها تفصيلاً في المادة (3) من القانون رقم 162 لسنة 1958 المشار إليه، فإن أمر رئيس الجمهورية المشار إليه يكون قد صدر على خلاف المادتين 8 و9 من قانون الطوارئ المشار إليه، ويكون بذلك مرجح الإلغاء لمشوبته بالبطلان مما يجعل ركن الجدية في الطلب المستعجل متحققاً، كما أن ركن الاستعجال متوافر بدوره بالنظر إلى أن أي إخلال بحق المدعين في المثول أمام دائرة مشكلة (على خلاف) أحكام قانون الطوارئ دون سند صحيح من القانون من شأنه أن يتوافر معه دائماً ركن الاستعجال، ولما كان قد تحقق بذلك في الطلب المستعجل كل من الركنين اللازمين لإجابته فإنه يتعين الحكم بوقف تنفيذ الأمر المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه عندما قضى بوقف التنفيذ استناداً إلى أن محاكم أمن الدولة التي تشكل طبقاً للمادة (8) من قانون الطوارئ لا تختص إلا بالجرائم التي تقع بالمخالفة لأوامر رئيس الجمهورية تنفيذاً لهذا القانون، ولا تختص بجرائم القانون العام التي لا يجوز إحالتها إلا إلى محاكم أمن الدولة المشكلة طبقاً للمادة (7) من القانون المذكور، وقد انتهى الحكم إلى ذلك استناداً إلى قواعد التفسير الضيق لنصوص قانون الطوارئ باعتباره نظاماً استثنائياً، وقد جاوز الحكم المطعون فيه بهذا القضاء حد التفسير إلى التأويل، إذ أن التضييق في التفسير لا يعني استبعاد حكم منصوص عليه وإنما عدم جواز القياس بتطبيق هذا الحكم على حالة غير منصوص عليها، ومتى كان النص صريح الدلالة فلا محل للخروج عليه أو تأويله بدعوى الاستهداء بالمحكمة التي أملته أو قصد الشارع، وأن الواضح من نصوص القانون رقم 162 لسنة 1958 أنه أطلق تسمية واحدة هي (محكمة أمن الدولة) على المحاكم التي تختص بالفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أياً كانت طريقة تشكيل هذه المحاكم، وسواء أكانت مشكلة على النحو المنصوص عليه في المادة (7) من قاض أو ثلاثة مستشارين فقط، أو قاض واثنين من ضباط القوات المسلحة، أو ثلاثة مستشارين وضابطين، أم كانت هذه المحاكم مشكله على النحو المنصوص عليه في المادة (8) من الضباط، فإذا جاءت بعد ذلك مباشرة المادة (9) وأجازت لرئيس الجمهورية أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام، فإن ذلك يكون قاطعاً في أن هذه المحاكم هي المحاكم المشكلة طبقاً للمادتين السابقتين مباشرة على هذه المادة، لأن هذه المحاكم أياً كانت طريقة تشكيلها هي محاكم أمن دولة مما يجوز لرئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أن يحيل إليها الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام، وبذلك يكون أمر رئيس الجمهورية بإحالة الجرائم المتهم فيها المطعون ضدهم إلى محكمة أمن الدولة المشكلة وفقاً للمادة (8) من القانون المذكور، صحيحاً قانوناً - واستطردت الجهة الطاعنة إلى أن الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب في تفسير نص المادة (10) من القانون حيث انتهى إلى أن هذه المادة تؤكد أن المشرع لم يمنح رئيس الجمهورية حق حرمان المتهمين من اتباع الإجراءات الواجب مراعاتها طبقاً لقانون الإجراءات الجنائية في الحالة التي تشكل فيها المحكمة طبقاً للمادة (8)، وذلك في حالة إحالة بعض الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام إلى محاكم أمن الدولة، وأن ما انتهت إليه المحكمة في هذا الشأن يخالف نص المادة (10) حيث جاء عاماً يشمل الجرائم المشار إليها في المادة (3) وجرائم القانون العام، وأن العام يؤخذ على عمومه، بل إن نص المادة (10) المذكورة حيث جرى بأنه "فيما عدا ما هو منصوص عليه من إجراءات وقواعد في المواد التالية أو في الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية، تطبيق أحكام القوانين المعمول بها..." فإنه قاطع الدلالة بعكس ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، حيث أشار إلى الإجراءات والقواعد الواردة في الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية وأوجب العمل بها، وهذه الإجراءات والقواعد لم يرد النص عليها إلا في المادة (8) التي تجيز تشكيل دوائر أمن الدولة بالنسبة لقضايا معينة من الضباط - والأمر الصادر من رئيس الجمهورية والمطعون فيه لم ينص على إجراءات خاصة، وبالتالي فإن ما يطبق من إجراءات هو المنصوص عليه في قانون الطوارئ وأحكام القوانين المعمول بها.
ومن حيث إن الجهة الطاعنة أودعت مذكرة بتاريخ 8 من مايو سنة 1987 ناقشت فيها ما جاء بتقرير هيئة مفوضي الدولة وأوردت فيها أن الأمر الصادر من رئيس الجمهورية موضوع الطعن لم يصدر بالقياس على نص استثنائي، وإنما جاء تطبيقاً لنص المادة (8) من القانون رقم 162 لسنة 1958 الذي يقضي بأن "يجوز لرئيس الجمهورية في المناطق التي تخضع لنظام قضائي خاص أو بالنسبة لقضايا معينة أن يأمر بتشكيل دوائر أمن الدولة المنصوص عليها في المادة السابقة من الضباط..." ولا يجوز القول بأن عبارة قضايا معينة تقتصر على القضايا المتعلقة بمخالفة الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية بالتطبيق لأحكام المادة (3) من القانون المشار إليه، ذلك أن هذه العبارة وردت عامة ومطلقة بحيث لا يجوز تخصيصها بقضية دون أخرى، وبالتالي فإنها تشمل الجرائم التي تقع بالمخالفة لأوامر رئيس الجمهورية كما تشمل أيضاً جرائم القانون العام، وتقدير ما إذا كانت الجريمة تجيز تشكيل محكمة من الضباط أمر يترخص فيه رئيس الجمهورية، ومن جهة أخرى فلا مجال للقول بأن التفسير الذي تذهب إليه الجهة الطاعنة للمادة (8) بحيث تشمل عبارة "قضايا معينة" تلك التي تنطوي على مخالفة لأوامر رئيس الجمهورية الصادرة بناء على القانون رقم 162 لسنة 1958 أو مخالفة النصوص العقابية في القانون العام، من شأنه أن يصبح نص المادة (9) تزيداً ولا جدوى منه، وهو النص الذي يجيز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام، ذلك أن نص المادة (9) المشار إليها أوسع نطاقاً من نص المادة (8) المتعلق بتشكيل المحاكم من الضباط في قضايا معينة. ولا مجال للربط بين عبارة محاكم أمن الدولة الواردة بالمادة (9) والمحاكم المبينة في المادة (7) وذلك لعمومية النص - وانتهت المذكرة إلى أن الأمر الصادر من رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1986 مطابق لنصوص القانون ولا مطعن عليه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن طلب وقف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه يقوم على ركنين: الأول قيام الاستعجال بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، والثاني يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ركن الجدية، فإن البادي من الأوراق أن حالة الطوارئ قد أعلنت بالبلاد بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم 560 لسنة 1981، وصدر أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1981، ونص في مادته الأولى على أن "تحيل النيابة العامة إلى محاكم أمن الدولة طوارئ طبقاً لقانون الطوارئ الجرائم الآتية: أولاً: الجرائم المنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني والثاني مكرر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات "ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 167 لسنة 1989 بمد حالة الطوارئ، وفي ظل القرار الأخير صدر أمر من رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1986 المطعون فيه ويقضي في مادته الأولى بتشكيل محكمة أمن دولة عليا (طوارئ) تختص بالفصل في القضية رقم 412 حصر أمن دولة عليا من ثلاثة ضباط، ونص في مادته الثانية على أن تتولى النيابة العامة مباشرة الدعوى أمام هذه الدائرة وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في قانون الطوارئ، وتنص المادة الثالثة على أن "تعقد دائرة المحكمة في نطاق محكمة استئناف القاهرة وتوجه إليها كافة الطلبات والتظلمات التي تدخل في اختصاصها، أما المادة الرابعة فتقضي بتشكيل دائرة محكمة أمن دولة عليا (طوارئ) في نطاق محكمة استئناف القاهرة، تختص بالفصل في الطعون التي تقدم طبقاً لأحكام المادتين 3 مكرراً و6 من القانون رقم 162 لسنة 1958 المشار إليه بالنسبة للقضية المشار إليها من هذا الأمر، وهذه الدائرة مشكله - بدورها - من ثلاثة ضباط.
ومن حيث إن المادة (3) من قانون حالة الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 تنص على أن "لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام وله على وجه الخصوص..." وعددت هذه المادة بعد ذلك التدابير التي يجوز لرئيس الجمهورية اتخاذها حال إعلان حالة الطوارئ، ونصت المادة (5) على أنه "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد تنص عليها القوانين المعمول بها يعاقب كل من خالف الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه بالعقوبات المنصوص عليها في تلك الأوامر على ألا تزيد هذه العقوبة على الأشغال الشاقة المؤقتة وعلى غرامة قدرها أربعة آلاف جنيه..." وإذا لم تكن الأوامر قد بينت العقوبة على مخالفة أحكامها فيعاقب على مخالفتها بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز خمسين جنيهاً... أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتنص المادة (7) على أن "تفصل محاكم أمن الدولة الجزئية (البدائية) والعليا في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه.
وتشكل كل دائرة من دوائر أمن الدولة الجزئية بالمحكمة الابتدائية من أحد قضاة المحكمة، وتختص بالفصل في الجرائم التي يعاقب عليها بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتشكل دائرة أمن الدولة العليا بمحكمة الاستئناف من ثلاثة مستشارين وتختص بالفصل في الجرائم التي يعاقب عليها بعقوبة الجناية وبالجرائم التي يعينها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أياً كانت العقوبة المقررة لها. ويقوم بمباشرة الدعوى أمام محاكم أمن الدولة عضو من أعضاء النيابة العامة.
ويجوز استثناء لرئيس الجمهورية أن يأمر بتشكيل دائرة أمن الدولة الجزئية من قاض واثنين من ضباط القوات المسلحة من رتبة نقيب أو ما يعادلها على الأقل، بتشكيل دائرة أمن الدولة العليا من ثلاثة مستشارين ومن ضابطين من الضباط القادة. ويعين رئيس الجمهورية أعضاء محاكم أمن الدولة بعد أخذ رأي وزير العدل بالنسبة إلى القضاة والمستشارين ورأي وزير الحربية بالنسبة إلى الضباط". وتنص المادة (8) على أنه "يجوز لرئيس الجمهورية في المناطق التي تخضع لنظام قضائي خاص أو بالنسبة لقضايا معينة أن يأمر بتشكيل دوائر أمن الدولة المنصوص عليها في المادة السابقة من الضباط، وتطبق المحكمة في هذه الحالة الإجراءات التي ينص عليها رئيس الجمهورية في أمر تشكيلها. وتشكل دائرة أمن الدولة العليا في هذه الحالة من ثلاثة من الضباط القادة، ويقوم أحد الضباط أو أحد أعضاء النيابة بوظيفة النيابة العامة".
وأخيراً فإن المادة (9) تنص على أنه "يجوز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامة أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام".
ومن حيث إن البين من النصوص السابقة أن القانون قد عقد لمحاكم أمن الدولة (طوارئ) اختصاصاً أصيلاً وثابتاً وهو الفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه بالتطبيق لقانون الطوارئ، كما أجاز المشرع أن يناط بتلك المحاكم اختصاصات أخرى بالفصل في الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام، وهذه الاختصاصات تختلف وتتغير بحسب تقدير السلطة المختصة بإحالة تلك الجرائم إلى محاكم أمن الدولة المذكورة، وتنحصر نقطة النزاع فيما إذا كانت محاكم أمن الدولة بكافة صور تشكيلها تختص بالفصل في الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام، أم أن ذلك يقتصر فقط على محاكم أمن الدولة (طوارئ) التي يكون عماد تشكيلها قضاة ومستشارين.
ومن حيث إن البادي من نص المادة (7) المشار إليها أنها وضعت في فقرتها الأولى أساس الاختصاص لمحاكم أمن الدولة (طوارئ) بأن ناطت بها الفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، وبينت الفقرات التالية من تلك المادة توزيع الاختصاص النوعي بين دوائر أمن الدولة الجزئية، ودوائر أمن الدولة العليا، كما حددت تشكيل تلك الدوائر بأن جعلته - بصفة أصلية - مكوناً من أحد قضاة المحكمة الابتدائية بالنسبة لدائرة أمن الدولة الجزئية التي تشكل في نطاقها. ومن ثلاثة مستشارين بالنسبة لدائرة أمن الدولة العليا التي تشكل في نطاق كل محكمة استئناف، وأجازت استثناء من ذلك التشكيل الأصلي أن تشكل دائرة أمن الدولة الجزئية - بأمر من رئيس الجمهورية - من قاض واثنين من ضباط القوات المسلحة من رتبة نقيب أو ما يعادلها على الأقل، وتشكيل دائرة أمن الدولة العليا من ثلاثة مستشارين ومن ضابطين من الضباط القادة، فإذا ما نصت المادة (8) بعد ذلك على أنه "يجوز لرئيس الجمهورية في المناطق التي تخضع لنظام قضائي خاص أو بالنسبة لقضايا معينة أن يأمر بتشكيل دوائر أمن الدولة المنصوص عليها في المادة السابقة من الضباط..." فإنه لا شك في كون هذا التشكيل الذي أفرد له المشرع مادة منفردة ولم يشأ أن يدرجه في صورة التشكيل الواردة بالمادة (7)، تشكيل استثنائي خاص، فهو استثنائي لأنه ليس فقط يتضمن ضابطاً وإنما هو يقتصر على الضباط، كما أنه تشكيل خاص لأنه يتعلق بمناطق مكانية معينة أو قضايا معينة، على أن المشرع وقد حرص في المادة (8) المشار إليها على أن يعرف دوائر أمن الدولة بأنها "المنصوص عليها في المادة السابقة" فإنه يعني بذلك الإشارة إلى أحكام تلك المادة وأخصها الفقرة الأولى منها التي ربطت اختصاص محاكم أمن الدولة بالفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، بالنظر إلى أن حكم المادة (8) وأن تناول بالتعديل تشكيل تلك المحاكم إلا أنه لم يمس جانب الاختصاص المبين "بالمادة السابقة" أي المادة (7)، فهذه الإشارة إلى "دوائر أمن الدولة المنصوص عليها في المادة السابقة" تعني دوائر أمن الدولة المختصة بالفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر المشار إليها، وتشكيل هذه الدوائر من ضباط فقط قد يكون ملحوظاً فيه أن القوات المسلحة التي تشكل من ضباطها تلك الدوائر قد يكون لها شأن بالنسبة لتنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه والتي تقع الجرائم التي تختص بالفصل فيها بالمخالفة لها، ذلك أن المادة (4) من القانون تنص على أن "تتولى قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، وإذا تولت القوات المسلحة هذا التنفيذ يكون لضباطها ولضباط الصف ابتداء من الرتبة التي يعينها وزير الحربية (الدفاع) سلطة تنظيم المحاضر للمخالفات التي تقع لتلك الأوامر..." فضباط القوات المسلحة قد تتصل مهامهم بتنفيذ أوامر رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه الصادرة تنفيذاً لحالة الطوارئ، وفي هذه الحالة تكون لهم بعض سلطات الضبط القضائي بالنسبة للجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكامها حيث ناط بهم القانون تنظيم المحاضر بالنسبة إلى مثل تلك الجرائم، وعلى ذلك يكون مفهوماً وجه الربط بين اختصاص المحاكم المشكلة من ضباط فقط وبين المخالفات والجرائم التي تقع ضد أوامر رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه تنفيذاً لحالة الطوارئ حيث أفرد المشرع لهذا التشكيل الاستثنائي الخاص لمحاكم أمن الدولة (طوارئ) نصاً خاصاً، وحرص على الإشارة إلى المادة السابقة عليه تقصر اختصاص محاكم أمن الدولة على الجرائم التي تقع بالمخالفة لأوامر رئيس الجمهورية المذكورة، وعلى ذلك فإن البادي من تلك النصوص أن تعبير "قضايا معينة" الواردة بالمادة (8) والتي يجوز إحالتها إلى محاكم مشكلة من ضباط فقط، هو بعض من اختصاص ذلك التشكيل الاستثنائي الخاص بالفصل في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر المذكورة، فإذا ما أجازت المادة (9) بعد ذلك لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة (طوارئ) الجرائم التي يعاقب عليها القانون العام، فإن البادي من وضع نصوص المواد 7 و8 و9 المشار إليها أن مقصود المشرع بذلك هو الإحالة إلى الدوائر المشكلة بموجب المادة 7 وليس إلى التشكيل الاستثنائي الخاص الوارد بالمادة 8، ذلك أن مثل هذه الإحالة - لو جاز افتراض صحتها - تتناقض مع المقتضى الذي رعاه الشارع عندما أفرد حكماً خاصاً بهذا التشكيل وأحال في شأنه إلى الاختصاص بنظر الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر الجمهورية على الوجه السابق إيضاحه، فهذا الحكم الخاص الوارد بالمادة (8) يتأبى على أن يضاف إليه اختصاص آخر خارج نطاق المخالفات لأحكام الأوامر الجمهورية المذكورة، وعلى ذلك فلا يجوز استناداً إلى حكم المادة 9 سالفة الذكر - إحالة غير الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التي يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه طبقاً للقانون رقم 162 لسنة 1958 المشار إليه إلى دوائر أمن الدولة (طوارئ) المنصوص عليها في المادة (8) من هذا القانون.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الأمر المطعون فيه الصادر بتشكيل دائرة أمن دولة عليا (طوارئ) للفصل في القضية رقم 412 حصر أمن دولة عليا سنة 1986 من ضباط فقط، حال كون هذه القضية - على ما يبين من الأوراق - تتعلق أساساً باتهام بارتكاب جرائم من جرائم القانون العام، ومن ثم، فلا يجوز إحالتها إلى دائرة أمن دولة عليا (طوارئ) مشكلة من ضباط فقط، طبقاً لحكم المادة (8) من القانون المشار إليه، فيكون الأمر المطعون فيه غير مشروع، مما يتحقق معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه، كما وأن ركن الاستعجال متوافر بالنظر إلى ما يترتب على إحالة متهمين إلى دائرة غير مختصة من آثار يتعذر تداركها لمساسها بحرياتهم وحقوقهم التي يكفلها لهم الدستور والقانون، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى القضاء بوقف تنفيذ أمر رئيس الجمهورية رقم 1 لسنة 1986 المشار إليه، يكون قد أصاب وجه الحق والقانون، ويتعين من ثم رفض الطعن وإلزام الجهة الطاعنة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الطاعنة بالمصروفات.