مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة 32 - الجزء الثاني (أول مارس 1987 - 30 سبتمبر 1987) - صـ 1349

(203)
جلسة 24 من مايو سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار نبيل أحمد سعيد نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد يسري زين العابدين وصلاح الدين أبو المعاطي نصير وعادل لطفي عثمان والسيد محمد السيد الطحان - المستشارين.

الطعن رقم 1820 لسنة 30 القضائية

مسئولية - أركانها - ركن الضرر - صورة - الضرر الأدبي.
الضرر الأدبي هو الذي لا يمس المال ولكنه يصيب مصلحة غير مالية للمضرور كأن يصيبه في شعوره أو عاطفته أو كرامته أو شرفه - إذ كان التعويض عن الضرر الأدبي مقرراً بنص القانون فإن التعويض بمعناه الواسع قد يكون تعويضاً عينياً أو تعويضاً بمقابل - التعويض بمقابل قد يكون نقدياً أو غير تقدي - التعويض غير النقدي يستند على القاعدة التي قررها القانون المدني والتي تجيز للقاضي أن يأمر بإعادة الحال إلى ما كانت عليه أو بحكم بأداء معين متصل بالعمل غير المشروع - مؤدى ذلك أن التعويض غير النقدي يجد مجاله في الضرر الأدبي بشرط أن يكون كافياً لجبر هذا الضرر - مثال إلغاء قرار نقل المدعي من مصلحة الجمارك إلى الحكم المحلي بحكم من محكمة القضاء الإداري ونهوض الجهة الإدارية إلى تنفيذ الحكم تنفيذاً كاملاً بإزالة كل ما يترتب على قرار النقل الملغي من آثار - يعتبر ذلك كاف وحده لجبر كافة الأضرار الأدبية التي تكون قد أصابت المدعي بسبب هذا القرار - الأثر المترتب على ذلك: لا وجه لمطالبة بتعويض نقدي عن الضرر الذي تم جبره - أساس ذلك: - التعويض لا بد أن يكون بقدر الضرر حتى لا يثري المضرور على حساب المسئول دون سبب - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 7 من مايو لسنة 1984 أودعت هيئة قضايا الدولة بالنيابة عن وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا طعناً قيد بجدولها تحت رقم 1820 لسنة 30 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 3630 لسنة 36 القضائية المقامة من السادة محمود حمزه وسامي عزيز حنا ومحاسن محمد حسني منسي ضد وزير المالية ومدير عام مصلحة الجمارك، والذي قضى بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمدعى عليه الثاني (مدير عام مصلحة الجمارك) وإلزام المدعى عليه الأول بصفته بأن يدفع لكل من المدعين على حده مبلغ 500 جنيه (خمسمائة جنيه) وإلزام كل من المدعين والمدعى عليه الأول بمصروفات الدعوى مناصفة بينهما.
وطلبت الطاعنة للأسباب الواردة بتقرير الطعن بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء شق الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات عن درجتي التقاضي.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً في الطعن ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة فقررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الثانية" حيث حدد لنظره أمامها جلسة 3/ 5/ 1987، وفيها استمعت المحكمة إلى ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن، وقررت إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أن السادة/ محمود حمزه وسامي عزيز حنا ومحاسن محمد حسن منسي أقاموا بتاريخ 7/ 6/ 1983 الدعوى رقم 3630 لسنة 36 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزير المالية بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك ومدير عام مصلحة الجمارك طلبوا الحكم بإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعها لكل منهم مبلغ 20000 جنيه تعويضاً لهم عن الأضرار التي لحقت بهم من جزاء القرار رقم 79 لسنة 1977 الصادر بنقلهم من مصلحة الجمارك إلى وحدات الحكم المحلي والذي قضى بإلغائه وذلك على سند من القول بأنهم كانوا يعملون بمصلحة الجمارك الأول يشغل وظيفة تحقيقات والثاني يشغل وظيفة مأمور أول تعريفة والثالثة تشغل وظيفة مأمور تعريفة - وفي 4/ 10/ 1977 فاجئوا بصدور القرار رقم 79 لسنة 1977 بنقلهم ضمن قائمة شملت مائة واثني عشر موظفاً من المصلحة إلى وحدات الحكم المحلي، وقد لجأت المصلحة إلى تعيين موظفين جدد عن طريق الإعلان والندب والإعارة من المصالح الحكومية فور إصدار هذا القرار، لتشغل بهم وظائف عمالها الذين تقرر نقلهم، فأقاموا الدعوى رقم 572 لسنة 32 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) التي قضت بجلسة 28/ 6/ 1979 بإلغاء القرار رقم 79 لسنة 1977 المشار إليه فيما تضمنه من نقل المدعي من مصلحة الجمارك وما يترتب على ذلك من آثار، وتأيد هذا الحكم بالحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1311 لسنة 25 القضائية بتاريخ 28/ 4/ 1982. وقرر المدعون أن قرار نقلهم قد ترتب عليه نتائج خطيرة لحقت بهم وأضرتهم ضرراً مادياً وأدبياً إذ حرمهم من مزايا مؤثره في مستقبلهم بنقلهم من وظيفة فنية سلم الترقيات فيها مفتوح حتى وظيفة وكيل وزارة إلى وظيفة محلية كتابية مجال الترقية فيها محدود، كما انطوى القرار على حرمانهم من المزايا المالية التي كانوا يتقاضونها بمصلحة الجمارك من مكافآت استيفاء غرامات زيادة البضائع ومرتب شهر كل ثلاثة شهور وأجر إضافي شهري ومكافآت ضبط محاولات التهريب وعلاج مجاني لهم ولأسرهم وملابس مجانية سنوية لهم صيفاً وشتاء مما يحقق لهم مطالبة المدعى عليهما متضامنين بتعويض قدره 20000 جنيه لكل منهم.
وردت الجهة الإدارية على الدعوى بأنها قامت بتنفيذ الحكم الصادر في الدعوى رقم 572 لسنة 32 القضائية وتم صرف جميع المستحقات المالية للمدعين عدا مكافأة العمل الإضافي وأن إلغاء النقل وإعادتهم إلى عملهم خير تعويض لهم.
وبجلسة 11/ 3/ 1984 حكمت محكمة القضاء الإداري بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمدعى عليه الثاني (مدير عام مصلحة الجمارك) وإلزام المدعى عليه الأول بصفته بأن يدفع لكل من المدعي على حده مبلغ 500 جنيه (خمسمائة جنيه) وإلزام كل من المدعين والمدعى عليه الأول بمصروفات الدعوى مناصفة بينهما.
وأسست المحكمة قضاءها على أن مصلحة الجمارك من مصالح وزارة المالية وأحد فروعها والتي لا تتمتع بالشخصية المستقلة وأن المدعي قد اختصم وزير المالية بصفته، وهو الذي يمثل الوزارة بالنسبة لجميع إدارتها ومصالحها وفروعها التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة ومن بينها مصلحة الجمارك، ومن ثم تعين الحكم بعدم قبول الدعوى بالنسبة للمدعى عليه الثاني بصفته لرفعها على غير ذي صفة. وبالنسبة للموضوع فإنه لا محل لإعادة النظر في استظهار ركن الخطأ في جانب الجهة الإدارية بعد أن ثبت ذلك تأسيساً على ما قضى به بحكم محكمة القضاء الإداري دائرة الجزاءات بجلسة 28/ 6/ 79 في الدعوى رقم 572 لسنة 32 القضائية من أن القرار رقم 79 لسنة 1977 فيما تضمنه من نقل المدعين من وظائفهم بمصلحة الجمارك إلى وظائف أخرى هو قرار باطل وقضت بإلغائه وما يترتب على ذلك من آثار وقد تأيد ذلك الحكم برفض المحكمة الإدارية العليا الطعن فيه بجلسة 28/ 4/ 1982 في الطعن رقم 1311 لسنة 25 القضائية، وقامت الجهة الإدارية بتنفيذ الحكم وأعادت المدعين إلى وظائفهم وصرفت لهم جميع مستحقاتهم عدا الأجر الإضافي الذي لا يستحق بطبيعته إلا عن أداء ساعات عمل إضافية بعد مواعيد العمل الرسمية، ومن ثم تكون الجهة الإدارية قد عوضت المدعين عن الأضرار المادية التي لحقت بهم من جزاء قرار نقلهم، إلا أنه لما كانت قد لحقت بالمدعين أضرار أدبية نتيجة نقلهم خارج المصلحة، فإنه يتعين جبر هذا الضرر والتعويض عنه أخذاً في الاعتبار إن إلغاء قرار النقل يعد في ذاته جبراً لجانب من هذه الضرر الأدبي، ومن ثم اكتفت بتقدير مبلغ 500 جنيه جبراً للضرر الأدبي لكل من المدعين.
ومن حيث إن الطعن يتأسس على أن الحكم خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله إذ أن إلغاء قرار النقل بحكم قضائي وتنفيذ الجهة الإدارية له بصرف جميع مستحقات المدعين بما فيها المكافآت والامتيازات أسوة بزملائهم ممن لم ينقلوا كاف لجبر الضرر الأدبي.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه في مجال تحديد الضرر الأدبي يمكن القول بأنه الضرر الذي لا يمس المال ولكنه يصيب مصلحة غير مالية للمضرور بأن يصيبه في شعوره أو عاطفته أو كرامته أو شرفه وإذا كان التعويض عن الضرر الأدبي أمراً مقرراً بنص القانون، فإن التعويض بمعناه الواسع إما أن يكون تعويضاً عينياً أو تعويضاً بمقابل، والتعويض بمقابل إما أن يكون نقدياً أو غير نقدي، وهذا هو ما قصده القانون المدني بالنص على أن "يقدر التعويض بالنقد على أنه يجوز للقاضي تبعاً للظروف وبناء على طلب المضرور أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه أو يحكم بأداء أمر معين متصل بالعمل غير المشروع وذلك على سبيل التعويض.
ومن حيث إن التعويض غير النقدي مجاله الطبيعي التعويض عن الضرر الأدبي في الحالات التي يكون فيها هذا التعويض كاف لجبر الضرر.
ومن حيث إنه وقد ثبت من الوقائع أن قرار نقل المدعين من مصلحة الجمارك إلى الحكم المحلي ألغى بحكم محكمة القضاء الإداري ونهضت الجهة الإدارية إلى تنفيذ هذا الحكم تنفيذاً كاملاً بإزالة كل ما يترتب على قرار النقل الملغي من آثار، فإن ذلك كاف وحده لجبر كافة الأضرار الأدبية التي تكون قد أصابت المدعين بسبب هذا القرار، وتبعاً لذلك فلا يكون للمدعين أصل حق المطالبة بتعويض نقدي عن مثل هذه الأضرار بعد أن تم جبرها على الوجه المتقدم لأن المقرر قانوناً أن التعويض لا بد وأن يكون بقدر الضرر حتى لا يثري المضرور على حساب المسئول دون سبب.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى بغير هذا النظر يكون قد خالف القانون وأخطأ في تأويله وتطبيق مما يتعين معه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المدعين المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعين المصروفات.