مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة 32 - الجزء الثاني (أول مارس 1987 - 30 سبتمبر 1987) - صـ 1427

(213)
جلسة 20 من يونيه سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عادل عبد العزيز بسيوني نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور محمد جودت الملط وصلاح عبد الفتاح سلامة وثروت عبد الله أحمد وجمال السيد دحروج - المستشارين.

الطعن رقم 720 لسنة 32 القضائية

( أ ) مجلس الدولة - أعضاؤه - حالات عدم الصلاحية.
المادة (146) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
علة عدم الصلاحية في الأحوال المنصوص عليها في البند (5) من المادة (146) المشار إليها هي أن الإفتاء أو المرافعة أو الكتابة في الدعوى تدل على الميل إلى جانب الخصم الذي حصل الإفتاء أو المرافعة أو الكتابة لمصلحته كما أن فيه إظهار لرأي القاضي وقد يأنف من التحرر منه - منع القاضي من نظر الدعوى التي أدلى فيها بشهادته يتماشى مع مبدأ أن القاضي لا يجوز له أن يقضي بناء على معلوماته الشخصية - علة عدم صلاحية القاضي للفصل في الدعوى التي سبق له نظرها وهو قاضي أو خبير أو محكم هي الخشية من أن يلزم رأيه الذي يشف عنه عمله المتقدم ويأنف من التحرر منه فيتأثر قضاؤه - تطبيق.
(ب) دعوى الحكم في الدعوى - الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا - طرق الطعن في الأحكام - دعوى البطلان الأصلية - حصر المشرع طرق الطعن في الأحكام ووضع لها أجالاً محددة وإجراءات معينة - المحكمة الإدارية العليا هي خاتمة المطاف وأعلى محكمة طعن في القضاء الإداري - أحكام هذه المحكمة باتة ولا يقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن - لا سبيل إلى الطعن في أحكام هذه المحكمة إلا استثناء بدعوى البطلان الأصلية - لا يتأتى ذلك إلا عند تجرد الحكم من أركانه الأساسية وفقدانه صفته كحكم.
إذا كان الطاعن يهدف بدعوى البطلان الأصلية إعادة مناقشة ما قام عليه قضاء الحكم المطعون فيه ويؤسسها على أمور كلها تتعلق بتطبيق القانون وتأويله فلا تتوافر شروط دعوى البطلان الأصلية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 3 من فبراير سنة 1986، أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن السيد الدكتور رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بصفته، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن بدعوى بطلان أصلية قيد بجدولها برقم 720 لسنة 32 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) بجلسة 7 من ديسمبر سنة 1985 في الطعن رقم 680 لسنة 31 القضائية المقدم من السيد الدكتور....... في قرار مجلس تأديب العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات والقاضي بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء قرار مجلس التأديب المطعون فيه وببراءة الطاعن مما نسب إليه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - قبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع أصلياً الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه لبطلانه، واحتياطياً الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وفي الموضوع برفض الطعن، ومن باب الاحتياط الكلي إحالة الدعوى إلى الهيئة المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وعين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 10 من مايو سنة 1986 وفيها طلب الحاضر عن الطاعن إحالة الطعن إلى دائرة أخرى طبقاً لنص المادتين 146 و147 من قانون المرافعات، وبجلسة 27 من ديسمبر سنة 1986 ناقشت المحكمة الحاضر عن الطاعن في ماهية الدفع المشار إليه وذلك على النحو الثابت بمحضر الجلسة.
وبجلسة 28 من مارس 1987 استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً للاستماع إليه من إيضاحات ثم أرجأت إصدار الحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الوراق - في أنه بتاريخ 21 من يناير سنة 1985 أودع الأستاذ الدكتور محمد عصفور المحامي بصفته وكيلاً عن السيد الدكتور.......، قلم كتاب هذه المحكمة، تقرير طعن قيد بجدولها برقم 680 لسنة 31 القضائية في القرار الصادر من مجلس تأديب العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات بجلسة 20 من ديسمبر سنة 1984 في الدعوى التأديبية رقم 1 لسنة 4 القضائية والمقامة ضد الطاعن والذي قضى بمجازاة الطاعن بعقوبة الإحالة إلى المعاش.
وقال شرحاً لدعواه أنه في 27/ 8/ 1984 وافق السيد الدكتور رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات على إحالته إلى مجلس تأديب العاملين بالجهاز، لأنه في غضون عام 1984 خرج على مقتضى الواجب الوظيفي وذلك بأن ضمن تظلمه المؤرخ 21/ 6/ 1984 وشكواه المحررة للسيد رئيس الجمهورية بتاريخ 14/ 5/ 1984 عبارات وألفاظ غير لائقة وفيها تجريح وتشهير ومساس بكيان الجهاز ونزاهة القائمين عليه متجاوزاً لحق الدفاع.
وذكر أن تظلمه اقتصر على توجيه مطاعن على القرار المتظلم منه الذي يتسم بعيب إساءة استعمال السلطة. أما ما أورده بالشكوى المشار إليها فقد كان بوصفة مواطناً من حقه وفقاً للدستور مخاطبة السلطات العامة خاصة إذا ما تعرضت سيادة القانون لانتهاك صارخ وخطير وقد كان من حقه ومن واجبه أن يحيط السيد/ رئيس الجمهورية علماً بما جرى داخل الجهاز وهو جهة الرقابة العليا في الدولة.
وبتاريخ 30 من ديسمبر سنة 1984 قرر مجلس التأدب مجازاته بعقوبة الإحالة إلى المعاش.
وبجلسة 7 من ديسمبر سنة 1985 أصدرت هذه المحكمة حكمها بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء قرار مجلس التأديب المطعون فيه وببراءة الطاعن مما نسب إليه وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها بعد أن أشارت إلى وقائع الموضوع إلى أنه بالنسبة للتظلم المقدم بتاريخ 21/ 6/ 1984 من الطاعن إلى رئيس الجهاز فالواضح أنه أنصب على بيان الحوار الذي لحق حركة الترقيات الصادرة في 26/ 4/ 1984 والتي تخطى فيها الطاعن للمرة الثانية بعد أن سبق تخطيه في حركة الترقيات الصادرة في 14/ 4/ 1983 والتي بلغ فيها عدد المتخطين في الترقية مائة وخمسة وعشرين شخصاً دامغاً القرار المتظلم منه بأنه مشوب بالانتقام الشخصي، إذ أن الدافع على تخطيه هو دعواه التي رفعها طعناً على حركة ترقيات 14/ 4/ 1983. ودلل على ذلك بأن هذه الحركة شملت ترقية من تنازلوا عن دعواهم طعناً على تلك الحركة وأن حرمانه من الحوافز المستحقة عن الفترة من يناير إلى مارس 1984 تقرر في نفس الشهر الذي صدرت فيه حركة الترقيات، وتأكيداً لوصفه القرار المتظلم منه بإساءة استعمال السلطة أشار إلى أن الترقية شملت بعض المقريين من دفعات حديثة (دفعة 1967) الأمر الذي يجعل القرار منطوياً على إهدار للمصلحة العامة. ولما كان من المتعين قانوناً أن يتضمن التظلم من القرار الإداري بياناً بالعيب الذي يشوبه، ومن بين العيوب التي تشوبه عيب الانحراف بالسلطة وإساءة استعمالها، وقوام هذا العيب من الناحية القانونية حسبما جرى عليه الاصطلاح فقهاً وقضاء هو استعمال السلطة للانتقام والتنكيل بالموظف، ومن ثم لا جناح على المتظلم وهو بصدد اختصام عيني للقرار المتظلم منه أن ينعته بهذا العيب وإن هو استعمل العبارات المتعارف عليها قانوناً لنعت القرار بهذا العيب.
وترتيباً على ذلك لا يتأتي اعتبار الموظف خارجاً على مقتضيات الوظيفة مخلاً بكرامتها حال استعماله لهذه العبارات التي جرى عليها الاصطلاح القانوني.
كما أن تضمين الطاعن تظلمه تأكيداً لاتصاف القرار بعيب إساءة استعمال السلطة، بالإشارة إلى حركة الترقيات المتظلم منها قد شملت من تنازلوا عن دعواهم وكذلك بعض المقربين توصلاً للحصول على حقه هو أمر لا مطعن عليه إذ أنه إلى جانب إقامته الدليل على صحة ذلك من واقع صور التنازلات الموثقة بالشهر العقاري ومن واقع توصية السيد رئيس الجهاز على تعيين إحدى الموظفات به وهي السيدة/ ....... التي كان لها نصيب في الترقية في الحركة المتظلم منها رغم أن الطاعن يسبقها بثلاث عشرة سنة في التخرج من الجامعة، فإن الجهاز المركزي لم يدحضها بل لم يحاول نفيها أو حتى تبريرها في جميع المراحل التي مر بها هذا الموضوع بدء بمرحلة بحث التظلم ومروراً بمذكرة التحقيق ومجلس التأديب وانتهاء أمام هذه المحكمة الأمر الذي لا يمكن معه حمل ما جاء بتظلمه محمل التجريح والتشكيك في الجهاز والقائمين على أمره حسبما انتهى إليه بحث التظلم.
وأضافت المحكمة أنه بالنسبة للرسالة التي أرسلها الطعن بتاريخ 14/ 5/ 1984 إلى السيد رئيس الجمهورية فإنه يتعين بادي ذي بدء التنويه إلى أن التقدم بالشكوى إلى السلطات العليا في الدولة وعلى الأخص رئيس الدولة هو حق مكفول لكل مواطن وليس من شأن التصاق صفة الموظف العام بالمواطن حرمانه من ممارسة هذا الحق طالما قد تم ذلك في الحدود المقررة قانوناً. وأما عن العناوين الأربعة التي كتب بها الطاعن رسالته فإنه يبين أن الطاعن قد أدرج تحت عنوان حركة الترقيات في جهاز المحاسبات ما اكتفت حركة ترقيات 1983، التي تخطى فيها، من ملابسات تتمثل في تخطي مائة وخمسة وعشرين شخصاً، كان نصيب الطاعن منها أن تخطاه أربعون شخصاً، تطرأ لأن المحظوظين والمقربين قد انفسح أمامهم مجال الترقية، الأمر الذي ترتب عليه أن أصبح الجهاز زبوناً كبيراً من زبائن محكمة القضاء الإداري التي حاول السيد رئيس الجهاز تعطيل مهمتها باحتجازه التظلمات المقدمة من ذوي الشأن، ومن بينهم الطاعن الذي كان قد قدم تظلمه في 8/ 6/ 1983 وظل حبيساً حتى 1/ 2/ 1984 ولم يسعفه أمام هيئة مفوضي الدولة إلا تقديمه صورة من تظلمه موقعاً عليها بالاستلام من الموظف المختص.
وعن عنوان عصا موسى وجهاز المحاسبات أوضح الطاعن في شكواه إلى السيد رئيس الجمهورية العقاب والإرهاب الذي يمثله حرمانه من الحوافز من رئيس الجهاز، الذي تقرر خروجاً على القواعد والإجراءات القانونية المقررة في هذا الشأن ودلل على ذلك بمسندات رسمية ثابت فيها كل ما ذكره في هذا الخصوص، وذلك كله عقاباً على إصرار الطاعن في الاستمرار في طريق الانتصاف قضائياً وإرهاباً لغيره من العاملين حتى يستشعرون ما يمكن أن يتهددهم.
أما عن عنوان جهاز المحاسبات أم جهاز المحاسيب، فقد خصه الطاعن بما انطوت عليه حركة ترقيات إبريل 1984 التي تخطى فيها للمرة الثانية وما لابسها من مساومة بين الجهاز وبين من سبق أن رفعوا دعاوى طعناً على حركة ترقيات إبريل 1983 مشترطاً تنازلهم عنها تنازلاً موثقاً حتى تلحقهم الترقية وشمولها لبعض العاملين الذين لم يرفعوا أصلاً دعاوى طعناً على تلك الحركة ولبعض المقربين من العاملين وخلوها من الذين استمروا صامدين متمسكين بالاستمرار في مطالبتهم القضائية، ولما كان البين من الأوراق التي طوي عليها الطعن حافظة مستندات أنها تؤكد صحة الوقائع التي ضمنها رسالته إلى السيد رئيس الجمهورية فالكشف المبين به عدد الدعاوى التي رفعت على الجهاز بسبب حركة الترقيات الأولى بلغ 74 دعوى والنازلات الموثقة المقدم بعض منها في وقت معاصر لترقية من تنازلوا، وإذ أن حركة الترقيات صدرت بتاريخ 26/ 4/ 1984 والتنازلات موثقة بتاريخ 14/ 4/ 1984 و16/ 4/ 1984 الأمر الذي يحمل على صحة ما قاله بشأن مساومة من سبق تخطيهم على التنازل عن دعواهم حتى يظفروا بالترقية لا سيما وأن التنازل عن الدعوى تنازلاً موثقاً وهو أمر غير مألوف ولا يجرى التنازل عن الدعوى على هذا النحو في الظروف المعتادة وصدق ما ذهب إليه بشأن ترقية من لم يرفع دعوى أصلاً وتكرار تخطيه من تشبث بدعواه والطاعن واحد منهم أما أن حركة الترقيات قد شملت المقربين فهو قول لم يبعد عن الحقيقة التي تتمثل في أن السيدة/ ......... التي ثبت من واقع الأوراق حسبما سبق البيان قيام رئيس الجهاز بتعيينها به ثم ندبها للعمل مديراً لشئون مكتبه الفني بعد تعيينها بمدة مقدارها سبعة شهور والتي كان لها حظ الترقية في حركة ترقيات إبريل 1984 وهي خريجة دفعة 1967، في حين لم يكن نصيب الطاعن وهو خريج 1954 من هذه الحركة إلا التخطي للمرة الثانية الأمر الذي حدا بالطاعن إلى أن يصف جهاز المحاسبات بجهاز المحاسيب، كما أن ما مر به الطاعن في خصوص الحوافز التي تقرر حرمانه منها بعد ما كان قد تقرر صرفها له لاستيفائه شرائط استحقاقها وإعداد استمارة الصرف فعلاً يفصح عن عقابه. فإذا كان هذا هو حال الطاعن مع جهاز المحاسبات فلا جناح عليه إذا لاذ بالسيد رئيس الجمهورية الذي تبسط رقابته على إدارة جميع المرافق شارحاً هذه الأمور بالصراحة التامة متسائلاً في استصراخ من يحاسب رئيس المحاسبات، ولعل ما يزيد ما تقدم كله تأكيداً عن طريق إساءة استعمال السلطة مع الطاعن إن الرسالة التي بعثها إلى رئيس الجمهورية وصلت إلى رئيس الجهاز رفق كتاب وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء المؤرخ مايو 1984 لم تظهر إلا في 15/ 7/ 1984 بعدما قرر رئيس الجهاز في نفس اليوم أي 15/ 7/ 1984 إحالة الطاعن للتحقيق حسبما أوصت به دراسة بحث تظلمه المؤرخ 21/ 6/ 1984 إلى رئيس الجهاز وهو الأمر الذي له دلالة ذات مغزى في المعاملة التي خص بها الطاعن في المراحل المختلفة. كما أن التحقيق الذي أجرى مع الطاعن لم يتعد بل ولم يحاول أن يتعدى لبيان صحة الوقائع التي ضمنها تظلمه لرئيس الجهاز أو رسالته رئيس الجمهورية كأن يطلب مثلاً استمارة صرف الحوافز التي حرم منها الطاعن للتحقيق من مدى صدق قوله ومدى اتفاق أو اختلاف تصرف رئيس الجهاز في هذا الشأن مع الأوضاع والقواعد القانونية المقرة. هذا في حين أن التحقيق لم يغفل طلب كشف بيان الجزاءات التي وقعت على الطاعن ولم يفته سؤال رئيسه عنه وقد جاء الكشف ناصع البياض عن فترة خدمته التي امتدت سبعة وعشرين عاماً تقريباً والإجابة جاءت عارية عن دليل على أن الطاعن له ماض في الخروج على اللياقة.
وبالنسبة للشكوى المرسلة إلى السيد الدكتور محمد كامل ليلة بصفته رئيساً لمجلس الشعب والمؤرخة 21/ 5/ 1984 فإنها لم تتضمن جديداً وإنما أرفق بها صورة من الرسالة المؤرخ 14/ 5/ 1984 إلى السيد رئيس الجمهورية أملاً في أن يتخذ منها رئيس مجلس الشعب باعتباره الجهة التي يتبعها الجهاز المركزي للمحاسبات، الموقف الذي يمليه عليه موقفه، ومن ثم فهي ترتيباً على ما تقدم إيضاحه خلو مما يمكن أن يكون محلاً لمؤاخذة الطاعن أو يعتبر خروجاً من قبله على واجبات الوظيفة ومقتضاتها كما أن توجيهها إلى رئيس مجلس الشعب ليس فيه خروج على المألوف نظراً للعلاقة القانونية التي من مقتضاها تبعية الجهاز المركزي للمحاسبات لمجلس الشعب.
وأما عن الرسالة الثانية المرسلة إلى السيد رئيس الجمهورية المؤرخة 16/ 7/ 1984 فإن أول ما يثير الانتباه بشأنها أن تاريخ تحريرها هو ذات التاريخ الذي استدعى فيه الطاعن للتحقيق وهو ما استشعر الطاعن مغبته عندما أورد بها (لقد كان رد فعل رسالتي الأولى التي أحيلت فيما يبدو إلى السيد رئيس الجهاز مزيداً من الظلم فالمرة الثانية حرمت من حوافز الإنتاج عن الفترة من 1/ 4 حتى 30/ 6/ 1984 بالرغم من مشاركتي في الإنتاج. أما ما جاء في الرسالة فلا يعدو أن يكون تكراراً لأمرين من الأمور التي سبق إثارتها في الرسالة الأولى أولهما الظلم المستمر الذي أبان أنه يحيق به انتقاماً وتشفياً من لجوئه إلى القضاء وثانيهما عدم تسبيب رئيس الجهاز للقرارات التي تصدر مرتبة الأضرار بالطاعن. وفي ضوء ذلك يبين أن رسالة الطاعن الثانية أيضاً موجهة إلى ولي الأمر في البلاد مستنجداً بعد أن استشعر أن الالتجاء إليه طالباً الإنصاف جاري ترتيب عقد مسئوليته عنه لأنه لاذ بمن يستطيع حمايته وعلى هذا النحو فإن هذه الرسالة شأنها شأن السابقة عليها ليس في تقديمها إلى رئيس الجمهورية ما ينطوي على التشهير بالقائمين على إدارة الجهاز أو تطاول عليهم كما لا تتضمن من مضمونها شيئاً من هذا القبيل.
وعن الكتاب المرسل إلى الدكتور رفعت المحجوب المؤرخ 18/ 7/ 1984 فإنه يصدق بشأنه ما سبق بيانه بشأن الكتاب الذي سبق وأن أرسله الطاعن إلى رئيس مجلس الشعب السابق الدكتور محمد كامل ليلة.
واستطردت المحكمة قائلة أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه لا تثريب على الموظف أن كان معتداً بنفسه واثقاً من سلامة نظره شجاعاً في إبداء رأيه أن يطعن في تصرفات رؤسائه طالما لا يبغى من طعنه إلا وجه المصلحة العامة التي قد تتعرض للنيل منها إذا ما سكت المرؤوسون عن تصرفات رؤسائهم المخالفة للقانون أو التي يشوبها سوء استعمال السلطة أو الانحراف بها طالما أن ذلك الطعن لا ينطوي على تطاول على الرؤساء أو تحد لهم أو تشهيراً بهم.
ومتى كان ما تقدم، وكان الثابت أن الوقائع التي ضمنها الطاعن تظلمه إلى رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات وشكيلتها إلى السيد رئيس الجمهورية وإلى رئيس مجلس الشعب كانت لها صدى من الواقع والحقيقة وعلى ما سلف بيانه ولم تكن تلك الوقائع وليدة اختلاق الطاعن أو ادعائه كما أنه من الثابت أن الجهاز المركزي للمحاسبات سواء في مذكرة بحث تظلمه أو مذكرة نتيجة التحقيق مع الطاعن التي انتهت إلى اتهامه أو مذكرة الادعاء المقدمة بتاريخ 17/ 12/ 1984 لمجلس التأديب رداً على دفاع الطاعن الوارد بمذكرته المقدمة لهذا المجلس بتاريخ 17/ 12/ 1984 أو في المذكرتين المقدمتين إلى هذه المحكمة المؤرخة إحداهما 13/ 3/ 1985 والثانية 30/ 10/ 1985 لم ينكر هذه الوقائع ولم يدحضها ولم يقم دليلاً واحد لنفيها كلها أو بعضها اللهم إلا ما جاء بمذكرة الادعاء المقدمة بتاريخ 17/ 12/ 1984 من أن أوجه الدفاع التي أبداها الطاعن والمؤيدة بالمستندات المقدمة معها مجالها القضاء الإداري لتعلقها بالترقيات والحوافز وهذا الرد والذي مضمونه القبول بأن الطاعن قد خرج على مقتضى الواجب الوظيفي وضمن تظلمه وشكاواه عبارات وألفاظ غير لائقة فيها ماس وتجريح وتشهير بكيان الجهاز ونزاهة القائمين عليه متجاوزاً حق الدفاع هو قول لا يجد له سنداً من الواقع.
وانتهت المحكمة إلى أن قرار مجلس التأديب المطعون فيه عندما ذهب غير هذا المذهب دون تحقيق دفاع الطاعن مردداً أن الطاعن كان ينبغي على التريث حتى يقول القضاء كلمته، قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال ذلك أن طريق المنازعة القضائية هو محض سبيل اختياري لا التزام في اللجوء إليه وليس من شأنه أن يحول دون الالتجاء إلى أولي الأمر من خلال التظلم إليهم بل أن هذا التظلم بما يفصح عنه مدلوله المصطلح عليه قانوناً بالتظلم الولائي، وهو الأمل في مجال استخلاص ذوي الشأن لحقوقهم ورفع التظلم عنهم ذلك أن جهة الإدارة وهي الخصم الشريف يتعين أن تعطي الحق لأصحابه دون تكبيدهم مشقة القضاء وإجراءاته. ومم يؤيد هذا الفهم أن المشرع المصري حرصاً منه على هذه المعاني اشتراط لقبول دعوى الإلغاء في بعض الأحوال استباقها بالتظلم، لعله يحقق طلبات مقدمه، فيعفيه ويعفي جهة الإدارة خضم المنازعة القضائية. وترتيباً على كل ما تقدم بيانه فإن قرار مجلس التأديب يكون قد استخلص المخالفة المسندة إلى الطاعن استخلاصاً غير سائغ من الأوراق وانتزع أسباب إدانة الطاعن فيها من أصول لا تنتجها مادياً وقانوناً بما ينبغي معه الحكم ببراءة الطاعن منها.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد شابه عيب جسيم تقوم به دعوى البطلان الأصلية وذلك للأسباب الآتية:
1 - خروج ما قضى به الحكم عن ولاية المحكمة.
طبقاً للقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة والقانون رقم 31 لسنة 1975 بشأن علاقة الجهاز المركزي للمحاسبات بمجلس الدولة واستناداً إلى الاختصاص الأصلي لمحاكم مجلس الدولة، فإنه في حالة الطعن على قرار مجلس التأديب للعاملين بالجهاز تكون بصدد اختصاص تعقيبي على قرار مجلس التأديب، ومن ثم فلا يكون للمحكمة إلا أن تصدر حكمها برفض الطعن على قرار مجلس التأديب أو إلغائه والتعويض عنه إذا تحقق موجبه.
ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى ببراءة الطاعن مما نسب إليه فإنه يكون قد تولى ولاية الدعوى التأديبية المبتدأ متجاوزاً بذلك اختصاص المحكمة مما تكون معه المحكمة قد تجاوزت معها ولايتها وتعرضت لقرار مجلس التأديب المطعون فيه بوصفها صاحبة اختصاص تأديبي ابتدائي بالمخالفة لأحكام القانون.
2 - قضاء الحكم المطعون فيه بما لم يطلبه المدعي:
توجب الأصول العامة المسلم بها في فقه المرافعات على القاض أن يتقيد بحدود الطلبات المقدمة إليه من الخصوم، ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى في منطوقه بإلغاء القرار مجلس التأديب المطعون فيه وببراءة الطاعن مما نسب إليه، فإن في هذا الحكم فيما قضى به من براءة الطاعن مما نسب إليه يكون قد قضى بما لم يطلبه المدعي.
3 - ما صدر عن الطاعن سبب كاف وصحيح للقرار التأديبي:
صدر عن الطاعن عبارات تعتبر حتماً خروجاً على حق الدفاع والالتزام الوظيفي منها على سبيل المثال:
أ - نعت الطاعن بعض الزميلات له بالجهاز بوصف "الأثير".
ب - نسب الطاعن إلى الجهاز والقائمين عليه "الانحراف الصارخ" ونعت تصرفات رئيس الجهاز بأنها "أمر شاذ غير منطقي" وقال إن موقف رئيس الجهاز "ينم عن نزعه خطيرة في الانتقام والتشفي" واتهم الجهاز بالظلم وأن شكاواه ستكون درساً للظالم وقال إن قرار رئيس الجهاز بترقية بعض العاملين إلى فئة مدير عام تميز بمخاز جديدة.
4 - تجاوز الالتزام بإحالة الطعن إلى الهيئة الخاصة المنصوص عليها بالمادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة.
ما أتاه الطاعن من أقوال وتصرفات يعتبر وفقاً للقضاء المستقر للمحكمة الإدارية العليا والقضاء الإداري خروجاً على مقتضى الواجب الوظيفي، ومع ذلك فقد رأت المحكمة اعتبار ما صدر عن الطاعن أسلوباً للدفاع عن حقوقه وهو ما لم تقل به أحكام المحكمة الإدارية العليا من قبل. ووفقاً لما تقدم فقد كان من المتعين على المحكمة إزاء ما ارتأته من عدول عن المبادئ القانونية المستقرة في هذا الشأن إحالة الطعن إلى الهيئة الخاصة المشكلة بالمادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة. وإذا التفتت المحكمة عن اتخاذ هذا الإجراء الوجوبي فإن حكمها يكون قد لحقه عيب جوهري يشوبه البطلان.
5 - خروج الحكم عن موضوعه وإطاره المنوط به قانوناً وتعرضه لمسائل معقود الاختصاص بنظرها أمام محكمة القضاء الإداري:
المطلع على الحكم الصادر من هذه المحكمة يجد أنه تعرض للموضوعات الآتية:
أ - موضوع ترقية الطاعن.
ب - موضوع أحقية الطاعن في الحوافز.
جـ - موضوع ترقية زميلة له والقول بعدم كفاءتها للترقية.
وهذه الموضوعات قد انعقد الاختصاص بنظرها لمحكمة القضاء الإداري في الدعاوى المقامة من الطاعن ضد الجهاز المركزي للمحاسبات، إلا أن المحكمة الإدارية العليا في حكمها المطعون فيه تصدت لموضوعات هذه الدعاوى مقررة سلامة الدعاوى المقامة من الطاعن، وهذا يعتبر من قبيل التقرير القضائي من قبل هذه المحكمة لمسائل محل دعاوى قضائية معقود الاختصاص بها لجهات قضائية أخرى ولم يتم الحكم فيها بعد.
6 - إخلال الحكم بحق الدفاع.
تناول الحكم بتفصيل كبير أوجه الطعن المقدمة من الطاعن، إلا أن أوجه الدفاع التي قدمتها إدارة قضايا الحكومة وخاصة المذكرات المقدمة في 13/ 3/ 1985 و13/ 4/ 1985 و30/ 10/ 1985 لم تحظ بمناقشة جديرة بها يتحقق معها الاحترام الواجب والكافي لمبدأ حق الدفاع المقدم عن الجهاز المركزي للمحاسبات.
7 - النعي على الحكم بأخذ الدليل بالظن في وقائع يلزم فيها اليقين.
وضرب الطاعن عدة أمثلة توضح هذه الوجه من أوجه الطعن.
8 - إهدار مبدأ حسن سير المرافق العامة بانتظام واطرد:
ذهب الحكم المطعون فيه في محاولة غير سائغة إلى إثبات حقيقة بعض ما نسبه الطاعن من أقوال وعبارات، وذهب بالنسبة للبعض الأخر إلى أن ذلك ليس سوى ممارسة لحق الدفاع. فإذا بادر كل موظف إلى سلوك هذا السبيل في الشكوى والتظلم فإن هذا الأمر سيؤدى بلا شك إلى منازعات تنحدر معها الموضوعية وتتصف بالشخصية وتنحط معها قدر المرفق ويتهدر بها مبدأ سيره بانتظام واطراد نظراً لما تؤدي إليه هذه المهاترات غير القانونية من خلل شديد ومعارك داخل أجهزة الدولة، وهو أمر لم يقل به أحد، والمحكمة الإدارية العليا خير دليل وشاهد على ذلك في أحكامها الكثيرة والمتتابعة في أصول الالتزام عند ممارسة حق الشكوى للموظف العام.
ومن حيث إن المطعون ضده قدم ثلاث مذكرات في 10/ 5/ 1986 و27/ 12/ 1986 و28/ 3/ 1987 انتهى فيها إلى عدم قبول دعوى البطلان الأصلية ورفض الطعن وإلزام الجهاز الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة استناداً إلى ما يأتي:
1 - إن أسباب الطعن لا صلة لها من قريب أو بعيد بدعوى البطلان الأصلية، إذ يصلح أي منها أساساً لهذه الدعوى، وقد أرسى القضاء والفقه المبادئ التي تحكمها الأسباب التي تبرر إقامتها.
2 - أن الأسباب التي تضمنها تقرير الطعن لا تجيز الطعن في الحكم المطعون فيه، إذ لا يجوز قانوناً الطعن في أحكام المحكمة الإدارية العليا حتى بطريق التماس إعادة النظر.
3 - ناقش المطعون ضده أسباب الطعن ذاكراً أنه يقصد بهذه المناقشة كشف ما انطوت عليه من وجوه التناقض والمغالطة. ومن حيث إن الطاعن قدم مذكرة بجلسة 29/ 11/ 1986 رد فيها على ما أثاره المطعون ضده، كما قدم مذكرة بجلسة 14/ 2/ 1987 رد فيها على الاستفسارات التي أسفرت عنها مناقشة الحاضر عن الجهاز بجلسة 27/ 12/ 1986 حول ماهية الدفع الذي تدفع به الجهة الإدارية.
وقد أوضح الطاعن في مذكرته المشار إليها أنه يبادر إلى تأكيد ثقته بعدالة المحكمة ويكرر أن طلبه لا يحمل رداً للمحكمة وعن الاستفسارات المشار إليها ذكر ما يلي:
1 - أن صلاحية القاضي لنظر الدعوى هو أمر يلزم أن يتصدى له القاضي من تلقاء نفسه، وقد أوضح قانون المرافعات في المادة (146) منه الحالات التي يكون فيها القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده، أحد الخصوم، ومن ذلك ما ورد بالفقرة الخامسة من هذه المادة والتي يجري نصها كما يلي:
إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً أو كان قد أدى شهادة فيها.
ويبين مما تقدم أن استناد الخصم أمام القضاء لنص المادتين 146/ 5 و147 من قانون المرافعات ليس سوى استمساك بحكم قانوني من النظام العام تتولى تحقيقه وتطبيقه المحكمة من تلقاء نفسها، وإن كان ذلك لا يدخل بالمعنى الفني الدقيق في عموم الدفوع وخاصة الشكلية منها، لأن تنازل المدعي عن التمسك به لا يؤثر في حكمة القانوني.
وإن أريد إدراجه في إطار نظرية الدفوع فهو أقرب للدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، وإن كان أساسه ليس خروج موضوع الدعوى عن ولاية المحكمة بل مبناه عدم الصلاحية القانونية للمحكمة بنظر الدعوى، وهو ما يقتضي إحالتها لإحدى الدوائر الأخرى للمحكمة لنظرها.
2 - وبالنسبة لمدى التماثل والتشابه بين ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا بإحالة الدعوى إلى دائرة أخرى عند حكمها ببطلان الحكم، وبين ما يقول به الجهاز في الدعوى الماثلة، فإن المحكمة الإدارية العليا عندما تقضي بالبطلان تعيد الدعوى للمحكمة المطعون على حكمها لتنظرها دائرة أخرى، وهو ما يعني ألا يتناول الدعوى من جديد الهيئة التي سبق لها إصدار الحكم المطعون فيه، وذلك تطبيقاً لصريح نص المادتين 146/ 5 و147 من قانون المرافعات، ومن ثم فإن ما استقرت عليه المحكمة الإدارية العليا وكذلك محكمة النقض في هذا الشأن فضلاً عن أنه يحمي مبدأ احترام تعدد درجات التقاضي التي هي من أصل تحقيق العدالة فإنه يكشف صراحة عن أنه ليس للقاضي أن يتولى القضاء في دعوى سبق له أن أبدى رأيه فيها.
وأضاف الطاعن أن اختصاص المحكمة بالحكم المطعون فيه قد صدر من درجة واحدة للتقاضي وهي المحكمة الإدارية العليا وذلك نزولاً على نص خاص جعل الطعن في قرارات مجلس تأديب العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات أمام المحكمة الإدارية العليا، ومن ثم فإن الطعن على ما تصدره المحكمة الإدارية العليا من أحكام بدعوى البطلان الأصلية لا يستقيم نظره لذات الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لما سبق من أساس، ومع ذلك ووفقاً لمبدأ أصولي لتحقيق العدل فإن لذات المحكمة أن تتصدى لحكمها المطعون فيه - في حالة نظر الطعن عليه - وذلك بهدف تصحيح ما لحقه من بطلان، وهو ما يقتضى منها في كل الأحوال الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه بالنسبة للدفع المقدم من الطاعن بعدم صلاحية هذه الدائرة لنظر دعوى البطلان الأصلية ووجوب إحالة الدعوى إلى دائرة أخرى لنظرها طبقاً لنص المادتين 146/ 5 و147 من قانون المرافعات، فالثابت من الأوراق أن الدكتور...... أقام الطعن رقم 680 لسنة 31 القضائية بطلب إلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات في 20 ديسمبر سنة 1984 في الدعوى رقم 1 لسنة 4 القضائية والذي قضى بمجازاة الطاعن بعقوبة الإحالة إلى المعاش. وبجلسة 7 من ديسمبر 1985 قضت هذه الدائرة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء قرار مجلس التأديب المطعون فيه وبراءة الطاعن مما نسب إليه وألزمت الجهة الإدارية المصروفات، فأقام الجهاز المركزي للمحاسبات الدعوى الماثلة طلب فيها أصلياً الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر في الطعن رقم 680 لسنة 31 القضائية لبطلانه واحتياطياً الحكم بإلغاء الحكم المذكور وفي الموضوع برفض الطعن ومن باب الاحتياط الكلي إحالة الدعوى إلى الهيئة المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن لكل من الطعن رقم 680 لسنة 31 القضائية والدعوى الماثلة مجاله وموضوعه، فالطعن المشار إليه، كان موضوعه طلب إلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات أما الدعوى الماثلة فموضوعها يدور حول بطلان الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن المذكور أو إلغاء هذا الحكم، وإذا كان الأمر كذلك فإن القول بعدم صلاحية المحكمة التي أصدرت الحكم في الطعن لنظر الدعوى المقامة ببطلان هذا الحكم لا يجد سنداً من القانون فلا يستقيم مع المبادئ والأصول القضائية التي لا تجيز أن يختار الخصوم قضاتهم ولو كان ذلك باتفاقهم كما لا يجيز أن تنزع الدعوى من قاضيها إلا لأسباب حددها القانون وهي أسباب قصد بها حماية القاضي من المتقاضين وحماية نفسه.
ومن حيث إن الحاضر عن الجهة الإدارية قرر بجلسة 27 من ديسمبر سنة 1986 أن الدفع الذي أبداه بإحالة الدعوى الماثلة إلى دائرة أخرى من دوائر المحكمة الإدارية العليا لا يعتبر بأي حال من الأحوال رداً لهيئة المحكمة وأكد ثقته الكاملة في هيئة المحكمة وقضائها العادل وأكد ذلك في مذكرته المقدمة بجلسة 14 من فبراير سنة 1987، ومن ثم فإن دفعه يقوم على عدم صلاحية هذه الدائرة للحكم في الدعوى الماثلة.
ومن حيث إن المادة 146 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على ما يأتي:
يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم في الأحوال الآتية:
1 - إذا كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة.
2 - إذا كان له أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته.
3 - إذا كان وكيلاً لأحد الخصوم في أعماله الخصوصية أو وصياً عليه أو قيماً أو مظنونه وراثته له أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة بوصي أحد الخصوم أو بالقيم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصة أو بأحد مديريها وكان لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية في الدعوى.
4 - إذا كان له أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب ولمن يون هو وكيلاً عنه أو وصياً أو قيماً عليه مصلحة في الدعوى القائمة.
5 - إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً أو كان أدى شهادة فيها وينص في المادة (147) على أن: "يقع باطلاً عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة ولو تم باتفاق الخصوم".
وإذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى.
ومن حيث إن علة عدم صلاحية القاضي في الأحوال المنصوص عليها في البند (5) من المادة 146 من قانون المرافعات هي أن الإفتاء أو المرافعة أو الكتابة في الدعوى تدل على الميل إلى جانب الخصم الذي حصل الإفتاء أو المرافعة أو الكتابة لمصلحته كما أن فيه إظهاراً لرأي القاضي وقد يأنف من التحرر منه، ومنع القاضي من نظر الدعوى التي أدلى فيها بشهادة يتمشى مع مبدأ أن القاضي لا يجوز له أن يقضي بناء على معلوماته الشخصية. وعلة عدم صلاحية القاضي للفصل في الدعوى التي سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً هي الخشية من أن يلزم برأيه الذي يشف عنه عمله المتقدم ويأنف من التحرر منه فيتأثر قضاؤه.
ومن حيث إنه لم يسبق لهذا الدائرة أو لأي من أعضائها نظر الدعوى الماثلة أو إبداء الرأي أو الكتابة فيها كما لم يقم بأي منهم أي سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها في المادة 146 من قانون المرافعات المشار إليها، ومن ثم يكون الدفع يعدم صلاحية الدائرة لنظر هذه الدعوى غير قائم على أساس سليم من القانون، يؤكد ذلك عدم تكييف هذا الدفع على نحو ما هو ثابت بمحضر جلسة 27 من ديسمبر 1986 وما تضمنته مذكرة الجهاز المركزي للمحاسبات المقدمة بجلسة 14 فبراير سنة 1987 من استناد الخصم أمام القضاء لما نصت عليه المادتين 146/ 5 و147 من قانون المرافعات ليس سوى استمساك بحكم قانوني من النظام العام تتولى تحقيقه وتطبيقه المحكمة من تلقاء نفسها وإن كان ذلك لا يدخل بالمعنى الفني الدقيق في عموم الدفوع وخاصة الشكلية منها لأن تنازل المدعي عن التمسك به لا يؤثر في حكمه القانوني، وإن أريد إدراجه في إطار نظرية الدفوع فهو أقرب للدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وإن كان أساسه ليس خروج موضوع الدعوى عن ولاية المحكمة بل مبناه عدم الصلاحية القانونية للمحكمة بنظر الدعوى وهو ما يقضي إحالتها إلى إحدى الدوائر الأخرى للمحكمة وهو أمر يفصح بجلاء أن من أبدى هذا الدفع يستند إلى عدم صلاحية هذه الدائرة لنظر الدعوى الماثلة دون أن يأخذ في اعتباره أنه لا يعد سبباً من أسباب عدم الصلاحية في دعوى البطلان الأصلية سبق إصدار هذه المحكمة للحكم المطعون فيه لاختلاف الطعن الذي أقامه المطعون ضده بإلغاء قرار مجلس التأديب والذي صدر حكم هذه المحكمة بإلغائه وببرائته مما نسب إليه عن دعوى البطلان الأصلية التي أقامها الجهاز المركزي للمحاسبات فليست هنا علاقة أو ارتباط بين الدعويين لاختلاف موضوع كل منهما على نحو ما سلف بيانه، وهو ما سبق أن أقر به الحاضر عن الطاعن. ويساند هذا النظر ويؤكده ما استقر عليه الفقه من أنه يمكن الطعن لأي سبب من الأسباب التي يمكن من أجلها رفع دعوى بطلان أي حكم، وترفع دعوى البطلان الأصلية أمام محكمة النقض وتنظرها نفس الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه فإذا قبلتها ألقت الحكم وأحالت الطعن الذي صدر فيه الحكم الباطل إلى دائرة أخرى "الوسيط في قانون القضاء المدني للدكتور فتحي وإلى الطبعة الثانية ص 914 وهو ذات المرجع الذي أشار إليها الطاعن في مذكرته المقدمة بجلسة 14 من فبراير 1987 - النظرية العامة للطعن بالنقض للدكتور نبيل إسماعيل عمر بند 239).
وغني عن البيان أن هذه المحكمة لم تحكم بقبول دعوى البطلان الأصلية وإلغاء الحكم المطعون فيه حتى يصح القول بوجوب إحالة الدعوى إلى دائرة أخرى لنظرها طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 147 من قانون المرافعات المشار إليها.
ومن حيث إنه لما تقدم من أسباب يكون الدفع الذي أبداه الطاعن غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين لذلك رفضه.
ومن حيث إن الشارع حصر طرق الطعن في الأحكام ووضع لها آجالاً محددة وإجراءات معينة ولا يجرى بحث أسباب العوار التي قد تلحق هذه الأحكام إلا بالطعن فيها بطرق الطعن المناسبة لها. ولما كانت المحكمة الإدارية العليا هي خاتمة المطاف وأعلى محكمة طعن في القضاء الإداري وأحكامها باتة فلا يجوز قانوناً أن يعقب على أحكامها ولا تقبل الأحكام الصادر منها الطعن بأي طريق من طرق الطعن.
ولا سبيل للطعن في تلك الأحكام بصفة استثنائية إلا بدعوى البطلان الأصلية. وهذا الاستثناء في غير الحالات التي نص عليها المشرع كما فعل في المادة 147 من قانون المرافعات - لا يتأتى إلا عند تجرد الحكم من أركانه الأساسية وفقدانه صفته كحكم والتي حاصلها أن يصدر من محكمة تتبع جهة قضائية وأن صدر بما لها من سلطة قضائية في خصومة وأن يكون مكتوباً.
ومن حيث إنه عن الأسباب التي أقام عليها الطاعن دعوى البطلان الأصلية والمشار إليها آنفاً فإنها تتعلق بتأويل القانون وتطبيقه وتهدف إلى إعادة مناقشة ما قام عليه قضاء الحكم المطعون فيه الأمر الذي لا تتوافر معه شرائط دعوى البطلان الأصلية إذ ليس فيما ذكره الطاعن ما يجرد الحكم من أركانه الأساسية وفقده صفته كحكم، ومن ثم يتعين الحكم برفض الطلب الأصلي ببطلانه.
وإذ كان الأمر كذلك فلا مجال لبحث الطلب الاحتياطي والطلب الاحتياطي الكلي ذلك أن نظر أي من هذين الطلبين يرتكز على الحكم ببطلان الحكم المطعون فيه - وهو ما رفضته المحكمة - لتعاود المحكمة نظر الطعن الذي صدر فيه الحكم المذكور وتقضي رفضهما أو الحكم بأي منهما.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم فإنه يتعين الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات.