مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة أحكام المحكمة الإدارية العليا
السنة 32 - الجزء الثاني (أول مارس 1987 - 30 سبتمبر 1987) - صـ 1483

(220)
جلسة 30 من يونيه سنة 1987

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح السيد بسيوني نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة شفيق محمد سليم مصطفى وفاروق علي عبد القادر وكمال زكي عبد الرحمن اللمعي وعطية الله رسلان أحمد فرج - المستشارين.

الطعن رقم 1951 لسنة 29 القضائية

مسئولية إدارية - التعويض عنها - سلطة المحكمة في تقدير التعويض.
لا تثريب على المحكمة إن قضت بتعويض المضرور عن الأضرار الأدبية لتطيب نفسه ويعلم أن الدولة تعاف نفسها الظلم وتأبى أن تخرج شعور أبنائها - التعويض عن الضرر الأدبي بمبلغ من المال لا يتعارض مع ما استقر عليه القضاء الإداري من أنه في إعادة العمل المفصول على عمله خير تعويض له مادياً وأدبياً - أساس ذلك: - أنه للمحكمة أن تقدر أن إلغاء القرار الصادر بإنهاء الخدمة وإعادة العامل إلى وظيفته ومنحه مرتبه وعلاواته وترقياته المستحقة لا يكفي بذاته لإزالة ما علق بنفسه من شعور بالظلم وما عاناه من تشرد وتشتت وضياع بين أفراد المجتمع وفيهم من ينظر إليه نظرة الريبة ومنهم من يتساءل عن أسباب فصله من الخدمة ومنهم الشامتون - تطبيق [(1)].


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 15/ 5/ 1983 أودعت إدارة قضايا الدولة - نيابة عن وزارة الدفاع سكرتارية المحكمة الإدارية العليا - تقرير طعن قيد بجدول المحكمة برقم 1951 لسنة 29 ق ضد/ سعد زغلول عبد الغني في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 30/ 3/ 1983 في الدعوى رقم 2577 لسنة 35 ق الذي قضى بإلزام وزارة الدفاع بأن تؤدي للمطعون ضده (المدعي) تعويضاً مقداره 500 خمسمائة جنيه وإلزامها بالمصروفات.
وقد طلبت الجهة الطاعنة في ختام تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبصفه مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات والأتعاب.
وقد أحيل الطعن إلى هيئة المفوضين التي ارتأت في تقريرها الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبرفض طلب وقف التنفيذ، وفي الموضوع برفضه.
كما تم نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة بجلسة 21/ 1/ 1987 التي قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثالثة - لنظره بجلسة 10/ 2/ 1987 وقد تم نظر الطعن في هذه الجلسة وما تلاها من جلسات حتى تقرر حجزه للحكم فيه بجلسة 30/ 6/ 1987 وفي الجلسة المحددة للنطق بالحكم تم تلاوة المنطوق وأودعت مسودة الحكم المشتملة على الأسباب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى سائر الأوضاع الشكلية فمن ثم يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة الراهنة - حسبما يبين من الأوراق - تخلص في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 48 لسنة 28 ق أمام المحكمة الإدارية لوزارتي الري والحربية بتاريخ 20/ 1/ 1981 ضد وزارة الدفاع طلب فيها الحكم بإلزام المدعى عليها بأن تدفع له مبلغ 102000.880 جنيهاً تعويضاً عما أصابه من أضرار مادية وأدبية نجمت عن القرار الصادر بفصله من الخدمة على خلاف القانون، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات والأتعاب.
وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه كان يعمل بإدارة الشئون العامة للتوجيه المعنوي بالوزارة المدعى عليها مند عام 1955 ثم اعتقل في سنة 1967 بسبب غير معلوم، وبعد انتهاء اعتقاله عاملته الوزارة طبقاً للقانون رقم 112 لسنة 1963 بدون مبرر ثم فوجئ بفصله من الخدمة في 24/ 2/ 1974 اعتباراً من 15/ 7/ 1977، وقد طعن في قرار إنهاء خدمته أمام المحكمة الإدارية لوزارتي الري والحربية الدعوى رقم 20 لسنة 26 ق وقضت المحكمة بإلغائه بجلسة 19/ 9/ 1980 وانتهى المدعي إلى طلباته السالفة البيان، وبجلسة 3/ 5/ 1981 قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) وقيدت الدعوى بجدول محكمة القضاء الإداري برقم 2577 لسنة 35 ق وبعد تداولها بجلسات المحكمة قضت بجلسة 30/ 3/ 1983 بإلزام وزارة الدفاع بأن تؤدي للمدعي تعويضاً مقداره خمسمائة جنيه، وإلزامها بالمصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أنه لا خلاف على أن القرار المطعون فيه قد ألغى وقامت الجهة الإدارية بتنفيذ حكم الإلغاء، ومقتضى ذلك ولازمه أن الجهة الإدارية قامت بتعويض المدعي تعويضاً كاملاً عما لحقه من أضرار أديبة تمثلت في إبعاده عن عمله بغير حق مدة تجاوزت ثماني سنوات، الأمر الذي يخلف في نفس البشرية مرارة لا يعوضها المال مهما كان مقداره، إلا أن إعلان كلمة القضاء بالتعويض عنها إنما يخفف بغير شك من أثر تلك المرارة، وقررت المحكمة للمدعي تعويضاً مقداره خمسمائة جنيه جبراً لما أصابه من أضرار أدبية.
ومن حيث إن الوزارة الطاعنة تنعى على الحكم المطعون فيه مخالفته لأحكام القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، وذلك لأن القضاء الإداري مستقر على أن الحكم بإلغاء القرار الصادر بإنهاء خدمة العامل وبإعادته إلى عمله يعتبر خير تعويض أدبي له فهو كفيل برد اعتباره الأدبي وإزالة ما قد يكون في نفسه من مرارة لا يعوضها المال مهما كان مقداره على حد تقيد الحكم المطعون فيه ذاته، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون، وانتهت الطاعنة إلى طلب الحكم بطلباتها المشار إليها بتقرير الطعن.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه في حين قضى بتعويض المطعون ضده بالمبلغ الزهيد المقضى به وهو خمسمائة جنيه فقط قد راعى أن يكون ذلك القضاء إعلاناً عن تقدير المحكمة للأضرار التي حاقت بالمطعون ضده من الناحية الأدبية وجبرها بهاذ المبلغ الرمزي حتى تطيب نفس المطعون ضده ويعلم بأن الدولة تعاف نفسها التظلم وتأبى أن تجرح شعور أبنائها أو تطغى على مستقبل العاملين بها فتظلمهم وتشردهم بدون مقتضى وعلى خلاف القانون وأن هذا الذي ذهب إليه الحكم فيه لا يتعارض مع المبادئ التي استقر عليها القضاء الإداري من أن في إعادة العامل المفصول إلى عمله خير تعويض له مادياً وأدبياً، ذلك أن إلغاء القرار الصادر بإنهاء الخدمة وإعادة العامل إلى وظيفته ومنحه مرتباته وعلاواته وترقياته المستحقة، كل ذلك لا يكفي بذاته لإزالة ما علق بنفسه من شعور بالظلم وما عاناه من تشرد وتشتت وضياع بين أفراد المجتمع وفيهم من ينظر إليه نظرة الشك والريبة ومنهم من يتساءل عن أسباب فصله من الخدمة وكثير منهم شامتون، فإذا ما جاء الحكم المطعون فيه وراعى كل هذه الاعتبارات وأراد أن يمنح المطعون ضده شهادة من القضاء ممثله في هذا الحكم تفيد اعتراف المحكمة بالظلم الذي وقع عليه وأن الجهة الطاعنة رغم تنفيذها حكم المحكمة الصادر بإلغاء قرار الفصل تعتبر ملزمه بتعويضه عن ذلك العمل الخاطئ جبراً للأضرار الأدبية التي لحقت به فإن مسلكها هذا لا تثريب عليه ولا يعتبر هذا القضاء مخالفاً للقانون لوجود المقتضى الذي يستوجب هذا التعويض ولا سيما وأن الجهة الإدارية قد اقتضت في نفسها مع المطعون ضده بعد أن أفرج عنه بعد اعتقاله بغير سبب حيث منحته أجازة استثنائية طبقاً للقانون رقم 112 لسنة 1963 ووصفته بذلك بعدم اللياقة الصحية وذلك تمهيداً لاتخاذها إجراءات ملفقه ومصطنعه ضده انتهت بفصله من الخدمة فصلاً بدون مبرر، ولم تستطيع الجهة الإدارية أن تنفي عن نفسها تهمة التعسف والتعنت التي وضحت في الدعويين اللتين رفعهما المطعون ضده والتي قضى أولاها بإلغاء قرار إنهاء خدمته وفي الثانية بتعويضه عن ذلك، هذا ولا يسوغ أن نقل من المحكمة في القضاء بالتعويض من الإضرار الأدبي متى استبان لها من واقعة النزاع وظروف الدعوى أن في تعويض المدعي جبراً للضرر وإزاحة للغمة والمرارة التي استقرت في نفسه من جزاء قضاه ظلماً وتصحيحاً لوضعه بين أفراد مجتمعه وعشيرته سيما إذا كانت المحكمة لم تبالغ في تقرير التعويض وقضت له بمبلغ زهيد على سبيل التقدير الأدبي الرمزي.
ومن حيث إن الطعن الراهن يعتبر غير قائم على سند من القانون ومن ثم يتعين الحكم برفضه.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بالمصروفات طبقاً لحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.


[(1)] يراجع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1576 لسنة 28 القضائية والمحكوم فيه بجلسة 30/ 12/ 1986 والمنشور بهذه المجموعة والذي خلصت فيه إلى أنه إذا ألغت المحكمة قرار إنهاء الخدمة مع ما يترتب على ذلك من آثار فإن مقتضى تنفيذ الحكم إعادته للعمل وترقيته وصرف مستحقاته وهي عناصر تمثل كل ما لحق الطاعن من ضرر ويعتبر ذلك خير تعويض عن الأضرار الأمر الذي يتعين معه رفض طلب التعويض.