أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 45 - صـ 137

جلسة 23 من يناير سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ عوض جادو نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد شتا وحسام عبد الرحيم وسمير أنيس نواب رئيس المحكمة وعاطف عبد السميع.

(21)
الطعن رقم 3006 لسنة 62 القضائية

(1) رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميون.
دخول الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها في نطاق الوظيفة. غير لازم لقيام جريمة الرشوة. كفاية أن يكون له بها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة. وأن يكون الراشي قد أتجر معه على هذا الأساس.
اختصاص الموظف وحده بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة. غير لازم لقيام الجريمة. كفاية أن يكون له علاقة به أو له نصيب من الاختصاص يسمح به بتنفيذ الغرض من الرشوة.
(2) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". نيابة عامة. استدلالات. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالضبط والتفتيش. موضوعي.
(3) إثبات "تسجيل الأحاديث". "إذن التسجيل. تنفيذه". نيابة عامة. مأمورو الضبط القضائي. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". رشوة.
إذن تسجيل الأحاديث. لمأموري الضبط القضائي تنفيذه بما يكفل تحقيق الغرض منه دون التزام طريقة معينة في ذلك التنفيذ. حد ذلك؟.
(4) إثبات "تسجيل الأحاديث". دفوع "الدفع ببطلان إذن التسجيل". إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع ببطلان إذن تسجيل الأحاديث. عدم التزام المحكمة بالرد عليه. ما دام غير منتج في الدعوى.
علة ذلك؟
(5) تفتيش "إذن التفتيش. تنفيذه". دفوع "الدفع ببطلان إذن التفتيش". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
مثال لتسبيب سائغ في الرد على الدفع ببطلان إذن الضبط والتفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة.
(6) رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميون. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
جريمة الرشوة في حق الموظف العام أو من في حكمه. متى تتحقق؟
تنفيذ الغرض من الرشوة. ليس ركناً في الجريمة.
تسوية الشارع بما استحدثه من نصوص بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه.
(7) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الاعتراف".
الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال. لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات.
(8) إثبات. "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
مفاد أخذ المحكمة بشهادة الشهود؟
(9) إثبات "اعتراف". "شهود". إكراه. استجواب. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
طول أمد استجواب الطاعن أو الشهود. لا يعد إكراها. حد ذلك؟
(10) رشوة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
مثال لتسبيب سائغ ينتفي به الخطأ في الإسناد.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. استقلال محكمة الموضوع به. مجادلتها في ذلك. غير جائز؟.
(11) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الطلب الجازم. ماهيته؟
(12) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة. استفادة الرد دلالة من أدلة الثبوت.
(13) إجراءات "إجراءات التحقيق". بطلان. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إجراءات التحريز. تنظيمية. لا بطلان على مخالفتها.
1 - من المقرر أنه ليس من الضروري في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفي أن يكون لها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة وأن يكون الراشي قد أتجر معه على هذا الأساس.
كما لا يشترط أن يكون الموظف المرشو أو الذي عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة.
2 - من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالضبط والتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها على سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وإذ كانت المحكمة - حسبما يبين من مدونات حكمها - قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن ضبط الطاعن وتفتيش مكتبه واستراحته الصادر في......... وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون.
3 - من المقرر قانوناً أن لمأموري الضبط القضائي - إذا ما صدر إليهم إذن من النيابة العامة بتسجيل الأحاديث - في الجرائم التي يجيز فيها القانون للنيابة العامة إصدار مثل ذلك الإذن كالشأن في جريمة الرشوة عملاً بالمادة 7/ 2 من القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة - أن يتخذوا ما يرونه كفيلاً بتحقيق الغرض من الإذن دون أن يلتزموا في ذلك طريق معينة ما داموا لا يخرجون في إجراءاتهم على القانون لما كان ذلك وكان تسجيل الأحاديث في هذه الدعوى مأذوناً به قانوناً فلا تثريب على مأمور الضبط إن هو استمع إلى الأحاديث المسجلة ما دام أنه قد رأى أن ذلك الاستماع ضروري لاستعمال إجراءاته وهو على بينة من أمره، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير قويم.
4 - إن ما يثيره الطاعن من بطلان الإذن بتسجيل الأحاديث غير منتج في الدعوى إذ الثابت من الحكم المطعون فيه أنه استند في إثبات التهمة في حق الطاعن إلى أدلة ليس من بينها تسجيل الأحاديث الذي تم نفاذاً لإذن النيابة ومن ثم فلم يكن بحاجة إلى أن يرد على الدفع ببطلان ذلك الإذن - على نحو ما فعل بأسباب سائغة.
5 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته أن إذن النيابة بضبط الطاعن وتفتيش مكتبه واستراحته قد صدر بعد أن طلب من الشاهد الأول مبلغ الرشوة، فإن مفهوم ذلك أن الأمر قد صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها من الطاعن لا لضبط جريمة مستقبله أو محتملة وإذ انتهى إلى ذلك في معرض رده على دفع الطاعن في هذا الصدد فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون.
6 - من المقرر أن جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله سواءاً كان العمل الذي يدفع الجعل لتنفيذه حقاً أو غير حق ولا يستطيعه الموظف أولاً ينتوى القيام به لمخالفته لأحكام القانون لأن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة ولأن الشارع سوى في نطاق جريمة الرشوة بما أسنته في نصوصه التي استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه وذلك عن طريق الاتجار فيها وأن الشارع قد رأى أن الموظف لا يقل استحقاقاً للعقاب حين يتجر في أعمال الوظيفة على أساس موهوم منه حين يتجر فيها على أساس من الواقع إذ هو يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء، ومن ثم فلا حجة لما يثيره الطاعن عن نيته في الارتشاء أو عن أن تأشيرته على الطلب كانت مجرد موافقة من حيث المبدأ ما دام قد طلب وأخذ الجعل ثمناً لاتجاره بوظيفته واستغلالها ولو لم يكن منتوياً القيام بهذا العمل، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أحاط بالمعاني القانونية المتقدمة في رده على دفاع - الطاعن فإنه لا يكون قد أخطأ في شيء ويكون النعي عليه في هذا الصدد في غير محله.
7 - من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير قيمتها في الإثبات.
8 - إن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتهم، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
9 - لما كان طول أمد استجواب الطاعن أو سؤال الشهود المذكورين ليلاً واستغراق ذلك لساعات طويلة متصلة لا يعد إكراهاً ما دام لم يستطل إلى المتهم أو الشهود بالأذى مادياً أو معنوياً إذ مجرد طول هذه الإجراءات لا يعد من الإكراه المبطل للاعتراف أو أقوال الشهود لا معنى ولا حكماً ما لم تستخلص المحكمة من ظروف الدعوى وملابستها تأثر إرادة المتهم أو الشهود من ذلك ومرجع الأمر في ذلك لمحكمة الموضوع، ولما كانت المحكمة قد استخلصت سلامة أقوال الطاعن التي اعتدت بها وأقوال الشهود فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد.
10 - لما كان البين من المفردات المضمومة أن ما أسنده الحكم إلى الطاعن من إقرار باختصاصه بالمبلغ المضبوط في درج مكتبه يتفق مع مؤدى ما أدلى به من أقوال لدى استجوابه بمعرفة النيابة العامة وقد أورد الحكم تحفظ الطاعن باحتمال أن يكون ذلك المبلغ قد تم تبديله بمعرفة الرقابة الإدارية بالمبلغ المقدم منها للإيقاع به، ورد على ذلك في موضع منه بما يكفي لإطراحه ويشير إلى أنه كان على بينه من أمر هذا التحفظ من جانب الطاعن دون أن يحيله أو يحرفه إلى غير معناه كما يدعى..... فإن دعوى الخطأ في الإسناد لا يكون لها محل، ويضحى ما يثيره في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه.
11 - من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي بصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية، وكان طلب الطاعن بسماع التسجيلات على المساق المتقدم غير جازم ولم يصر عليه الدفاع في ختام مرافعته الشفوية أو مذكرته المكتوبة فإن قالة الإخلال بحق الدفاع لا تكون لها محل.
12 - لما كان دفاع المتهم بتبديل المبلغ المضبوط من الرقابة الإدارية للإيقاع به قد تناوله الحكم بالرد وفق ما سلف وهو من بعد لم يكن بحاجة إلى أن يرد عليه استقلالاً لأنه لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بمتابعة المتهم في مناحيها المختلفة طالما أن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها، ويكون ما يثيره في هذا الصدد على غير أساس.
13 - من المقرر أن إجراءات التحريز إنما قصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه ولم يرتب القانون على مخالفتها بطلاناً، بل ترك الأمر في ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى سلامة الإحراز في الدعوى وإنها لم تمتد إليها العبث، فإن ما يثيره الطاعن من ذلك لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: - بصفته في حكم الموظفين العموميين طلب وأخذ لنفسه رشوة للإخلال بواجبات وظيفته بأن طلب من....... مبلغ عشرة ألاف جنيه أخذ منه مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل الرشوة وأحالته إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمحاكمة طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في........ ملاً بالمواد 103، 104، 111/ 6 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات وتغريمه خمسة ألاف جنيه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض (قيد بجدول محكمة النقض برقم...... لسنة...... قضائية). ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لتفصل فيها من جديد مشكلة من دائرة أخرى. ومحكمة الإعادة قضت حضورياً عملاً بالمواد 103، 104، 111/ 6 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات وتغريمه مبلغ خمسة ألاف جنيه فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية..... إلخ).


المحكمة

ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة طلب وأخذ رشوة للإخلال بواجبات وظيفته قد شابه قصور في التسبيب وخالف الثابت بالأوراق وانطوى على خطأ في تطبيق القانون وإخلال بحق الدفاع. ذلك بأن الحكم أغفل الرد على دفعه المكتوب بانعدام اختصاصه كلية بالعمل المطلوب أداؤه لقصور سلطاته قانوناً ولائحياً عن ذلك وأن تأشيرته على الطلب لم تتعدى الموافقة من حيث المبدأ ورد بما لا يسوغ به الرد على دفعه بانعدام التحريات لعدم فطنة محررها إلى سوء سلوك المبلغ مع أن الطاعن قدم مستنداً يثبت ذلك لم يشر إليه الحكم فضلاً عن أن الجهة التي أجرت التحري هي بذاتها التي أشادت من قبل بالطاعن في تقاريرها. هذا إلى أنه دفع ببطلان إذن النيابة العامة بضبطه وتفتيش مكتبه واستراحته الصادر في 17/ 7/ 1990 لأنه صدر أساساً بناء على إذنها الأول المؤرخ 15/ 7/ 1990 بتسجيل الأحاديث وقد انتهك مأمور الضبط نطاقه بأن استمع إلى الأحاديث المسجلة وقد رد الحكم على ذلك في عبارة معماة وأورد - بما يخالف الثابت بالأوراق - أن النيابة أصدرت الإذن الثاني بعد استماعها إلى تسجيل الأحاديث. كما رد الحكم بما لا يتفق وصحيح القانون عن دفعه ببطلان إذن النيابة بتفتيش مكتبه واستراحته لصدوره عن جريمة مستقبله والذي يدل عليه أن حديث الطاعن مع المبلغ قبل صدور الإذن كان مجرد رغبة تختلج بها نفسه ولا تعبر عن نية حقيقية للارتشاء وتأكد ذلك بأن تأشيرته على الطلب اقتصرت على مجرد الموافقة من حيث المبدأ وهي لا تعني شيئاً ولا ترتب التزاماً. ولم تواجه المحكمة دفعه ببطلان اعترافه للإكراه وردت بما لا يصلح على دفعه ببطلان أقوال الشهود من موظفي الشركة لوقوعهم تحت تأثير الإكراه الأدبي من جهاز الرقابة الإدارية وسؤالهم من النيابة ليلاً ولساعات متصلة. وحرفت المحكمة إقراره للطاعن بأن المبلغ المضبوط يحتفظ به أصلاً في مكتبه بما يصرفه عن معناه. ولم تجب الطاعن إلى طلبه بسماع ومشاهدة التسجيلات الصوتية والمرئية لإثبات احتمال تبديل المبلغ المضبوط بدرج مكتبه بمبلغ الرشوة للإيقاع به - ولا يشفع لها ذلك أنها لم تتساند إلى تلك التسجيلات لاحتمال أن تكون محتوية على ما يغير عقيدتها ورد الحكم بما لا يصلح على دفعه بعدم تحريز التسجيلات فور الفراغ منها مما عرضها للعبث. كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أثبت بياناً لواقعة الدعوى أن الطاعن وهو رئيس مجلس إدارة........ "إحدى شركات ما كان يعرف بالقطاع العام، طلب من الشاهد الأول" "......." مبلغ أربعة آلاف دولار أو عشر آلاف جنيه مصري لقاء أن تسند إليه الشركة رئاسته عقد صيانة وحدات ترطيب كانت شركة فرنسية يمثلها الشاهد المذكور قد وردتها للمصانع التابعة لشركة المتهم، وقد تظاهر الشاهد بقبول العرض وأبلغ الرقابة الإدارية، وبعد عدة لقاءات تمت بينهما بتخطيط من تلك الرقابة والتي أمدته بمبلغ الرشوة قام المتهم بالتأشير على طلب قدمه إليه الشاهد بموافقته من حيث المبدأ على إسناد عقد الصيانة إلى الشركة الفرنسية لحين دراسة النسبة فيما بعد وتقاضى منه مبلغ خمسة آلاف جنيه على أن يأخذ الخمسة الأخرى بعد عودته من رحلة علاج بالخارج، وبعد أن أودع الطاعن مبلغ الرشوة الذي تقاضاه درج مكتبه داهمه عضواً الرقابة الإدارية...... و...... بناء على إذن من النيابة العامة بذلك وقاماً بضبط مبلغ الرشوة في درج مكتبه وتبين لهما أنه من أصل المبلغ الذي أمدت به الرقابة الشاهد الأول، وقد حرر الطاعن إقرار باختصاصه بذلك المبلغ وبأنه الكاتب للتأشيرة التي على الطلب. ودلل الحكم على هذه الواقعة بما ينتجها من وجوه الأدلة ونقل من شهادة...... و...... أنه كان من اللازم دراسة عرض الشاهد الأول بتولي الشركة الفرنسية عقد الصيانة بمعرفة الإدارات المختصة بشركة الطاعن وأن تأشيرة هذا الأخير بالموافقة المبدئية غير صحيحة. ثم عرض الحكم لدفع الطاعن بعدم اختصاصه بالعمل ورد عليه بقوله. "وحيث إنه عن الدفع بعدم اختصاص المتهم في موضوع الصيانة فمردود عليه بأن جريمة الرشوة لا يشترط فيها أن يكون الموظف هو المختص وحده بجميع العمل المتعلق بالرشوة بل يكفي أن يكون له نصيب من الاختصاص. ولما كان المتهم هو رئيس الشركة ويجمع بين يديه صلاحيات الإشراف على جميع العاملين بما يتوافر فيه عنصر الاختصاص في جريمة الرشوة فإن الدفع المتقدم يكون في غير محله حقيقاً بالرفض.... وانتهى الحكم من تقريره واستدلاله إلى إدانة الطاعن بجريمة الرشوة المقامة، وهو تقرير صحيح في الواقع سديد في القانون. ذلك أنه يبين من المساق المتقدم أن الطاعن طلب الرشوة وأخذها ليقوم بعمل معين هو إسناد عقد صيانة وحدات الترطيب إلى شركة بعينها وهو عمل وظيفي يدخل جزء منه على الأقل في اختصاصه بحسبانه رئيس الشركة ومن المقرر أنه ليس من الضروري في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفي أن يكون لها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة وأن يكون الراشي قد أتجر معه على هذا الأساس. كما لا يشترط أن يكون الموظف المرشو أو الذي عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالضبط والتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها على سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع وإذ كانت المحكمة - حسبما يبين من مدونات حكمها - قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن ضبط الطاعن وتفتيش مكتبه واستراحته الصادر في......... وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، ولما كان ما أورده الحكم في معرض رده على الدفع ببطلان هذا الإذن من أن النيابة العامة أصدرته بعد استماعها إلى شريط التسجيل يرتد إلى أصوله الثابتة بالأوراق حسبما يبين من المفردات المضمومة فإن دعوى مخالفة الثابت بالأوراق في هذا الشأن لا تكون مقبولة ولا ينال مما تقدم ما يقول به الطاعن من أن إذن النيابة الأول الصادر في 15/ 7/ 1990 بتسجيل الأحاديث ما كان يسوغ لمأمور الضبط الاستماع إلى الأحاديث المسجلة لأن ذلك الاستماع يقتضيه في ذاته تنفيذ الإذن بالتسجيل ومن المقرر قانوناً أن لمأموري الضبط القضائي - إذا ما صدر إليهم إذن من النيابة العامة بتسجيل الأحاديث - في الجرائم التي يجيز فيها القانون للنيابة العامة إصدار مثل ذلك الإذن كالشأن في جريمة الرشوة عملاً بالمادة 7/ 2 من القانون رقم 105 لسنة 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة - أن يتخذوا ما يرونه كفيلاً بتحقيق الغرض من الإذن دون أن يلتزموا في ذلك طريقة معينة ماداموا لا يخرجون في إجراءاتهم على القانون. لما كان ذلك وكان تسجيل الأحاديث في هذه الدعوى مأذوناً به قانوناً فلا تثريب على مأمور الضبط إن هو استمع إلى الأحاديث المسجلة ما دام أنه قد رأى أن ذلك الاستماع ضروري لاستعمال إجراءاته وهو على بينة من أمره، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد غير قويم ومع ذلك، فإن ما يثيره الطاعن من بطلان الإذن بتسجيل الأحاديث غير منتج في الدعوى إذ الثابت من الحكم المطعون فيه أنه استند في إثبات التهمة في حق الطاعن إلى أدلة ليس من بينها تسجيل الأحاديث الذي تم نفاذاً لإذن النيابة في 15/ 7/ 1990 ومن ثم فلم يكون بحاجة إلى أن يرد على الدفع ببطلان ذلك الإذن - على نحو ما فعل بأسباب سائغة - لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في مدوناته أن إذن النيابة بضبط الطاعن وتفتيش مكتبه واستراحته قد صدر بعد أن طلب من الشاهد الأول مبلغ الرشوة، فإن مفهوم ذلك أن الأمر قد صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها من الطاعن لا لضبط جريمة مستقبلة أو محتملة وإذ انتهى إلى ذلك في معرض رده على دفع الطاعن في هذا الصدد فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون. ولا يؤثر في ذلك ما يقول به من أن حديثه مع الشاهد الأول قبل صدور الإذن كان مجرد رغبة تختلج بها نفسه لا تعبر عن نية حقيقية للارتشاء ذلك أنه من المقرر أن جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله سواءاً كان العمل الذي يدفع الجعل لتنفيذه حقاً أو غير حق ولا يستطيعه الموظف أولاً ينتوي القيام به لمخالفته لأحكام القانون لأن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة ولأن الشارع سوى في نطاق جريمة الرشوة بما أسنته في نصوصه التي استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه وذلك عن طريق الاتجار فيها وأن الشارع قد رأى أن الموظف لا يقل استحقاقاً للعقاب حين يتجر في أعمال الوظيفة على أساس موهوم منه حيث يتجر فيها على أساس من الواقع إذ هو يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء، ومن ثم فلا حجة لما يثيره الطاعن عن نيته في الارتشاء أو عن أن تأشيرته على الطلب كانت مجرد موافقة من حيث المبدأ ما دام قد طلب وأخذ الجعل ثمناً لاتجاره بوظيفته واستغلالها ولو لم يكن منتوياً القيام بهذا العمل، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أحاط بالمعاني القانونية المتقدمة في رده على دفاع - الطاعن فإنه لا يكون قد أخطأ في شيء ويكون النعي عليه في هذا الصدد في غير محله. لما كان ذلك، وكان الطاعن سواء في مذكرة دفاعه المكتوب أو بوجه النعي قد أورد الدفع ببطلان اعترافه وببطلان أقوال الشهود المشار إليهم بوجه الطعن في عبارات عامة مرسلة لا تستند إلى وقائع محددة إلا ما ذكره عن خضوع هؤلاء الشهود لتقارير جهاز الرقابة الإدارية واستجواب الطاعن وسؤال الشهود بمعرفة النيابة ليلاً ولساعات متصلة. لما كان ذلك وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية عنصر من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير قيمتها في الإثبات، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، وهي متى أخذت بشهادتها، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وإذ ما كان الحكم قد اطمأن إلى سلامة ما أدلى به الطاعن من أقوال بالتحقيقات وإلى أقوال الشهود من موظفي الشركة بعد أن فند دفاع الطاعن بتعرض هؤلاء الشهود لإكراه أدبي من جهاز الرقابة الإدارية، فلا معقب عليه في ذلك، لما كان ذلك، وكان طول أمد استجواب الطاعن أو سؤال الشهود المذكورين ليلاً واستغراق ذلك لساعات طويلة متصلة لا يعد إكراهاً ما دام لم يستطل إلى المتهم أو الشهود بالأذى مادياً أو معنوياً إذ مجرد طول هذه الإجراءات لا يعد من الإكراه المبطل للاعتراف أو أقوال الشهود لا معنى ولا حكماً ما لم تستخلص المحكمة من ظروف الدعوى وملابستها تأثر إرادة المتهم أو الشهود من ذلك ومرجع الأمر في ذلك لمحكمة الموضوع، ولما كانت المحكمة قد استخلصت سلامة أقوال الطاعن التي اعتدت بها وأقوال الشهود فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان يبين من المفردات المضمومة أن ما أسنده الحكم إلى الطاعن من إقرار باختصاصه بالمبلغ المضبوط في درج مكتبه يتفق مع مؤدى ما أدلى من أقوال لدى استجوابه بمعرفة النيابة العامة وقد أورد الحكم تحفظ الطاعن باحتمال أن يكون ذلك المبلغ قد تم تبديله بمعرفة الرقابة الإدارية بالمبلغ المقدم منها للإيقاع به، ورد على ذلك في موضع منه بما يكفي لإطراحه ويشير إلى أنه كان على بينه من أمر هذا التحفظ من جانب الطاعن دون أن يحيله أو يحرفه إلى غير معناه كما يدعي.......... فإن دعوى الخطأ في الإسناد لا يكون لها محل، ويضحى ما يثيره في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه. لما كان ذلك، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن المدافعين عن الطاعن اختتموا مرافعتهم بطلب براءة الطاعن ولم يطلبوا من المحكمة سماع مشاهدة التسجيلات الصوتية والمرئية التي تمت في الدعوى، ويبين من مذكرة دفاع الطاعن المكتوبة والتي قدمها في خلال فترة حجز الدعوى للحكم أنه وإن أبدى بها هذا الطلب إلا أنه لم يصر عليه ولم يتمسك به في مختتم هذه المذكرة وإنما اقتصر على طلب البراءة، ولما كان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية، وكان طلب الطاعن بسماع التسجيلات على المساق المتقدم غير جازم ولم يصر عليه الدفاع في ختام مرافعته الشفوية أو مذكرته المكتوبة فإن قالة الإخلال بحق الدفاع لا تكون لها محل. لما كان ذلك، وكان دفاع المتهم بتبديل المبلغ المضبوط من الرقابة الإدارية للإيقاع به قد تناوله الحكم بالرد وفق ما سلف وهو من بعد لم يكن بحاجة إلى أن يرد عليه استقلالاً لأنه لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تلتزم المحكمة بمتابعة المتهم في مناحيها المختلفة طالما أن الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التي أوردها، ويكون ما يثيره في هذا الصدد على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن إجراءات التحريز إنما قصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه ولم يرتب القانون على مخالفتها بطلاناً، بل ترك الأمر في ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى سلامة الإحراز في الدعوى وإنها لم تمتد إليها العبث، فإن ما يثيره الطاعن من ذلك لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.