أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 45 - صـ 302

جلسة 17 من فبراير سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ محمد يحيى رشدان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ صلاح البرجى ومجدي الجندي وحسين الشافعي نواب رئيس المحكمة وإبراهيم الهنيدى.

(43)
الطعن رقم 5760 لسنة 62 القضائية

(1) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". مواد مخدرة. استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش. موضوعي.
عدم إيراد اسم الطاعن كاملاً أو صفته أو صناعته أو محل إقامته أو الخطأ فيه في محضر جميع الاستدلالات. غير قادح في جدية ما تضمنه من تحر.
(2) تفتيش "إذا التفتيش. أصدارة". مواد مخدرة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إثبات الحكم صدور إذن التفتيش بعد أن دلت التحريات على أن الطاعن يحرز مواد مخدرة. مفهومه. صدوره لضبط جريمة تحقق وقوعها. لا ضبط جريمة مستقبلة.
(3) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود".
وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم. موضوعي.
أخذ المحكمة بأقوال الشهود. مفاده إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
تناقض أقوال الشهود في بعض تفاصيلها. لا يعيب الحكم. شرط ذلك؟
(4) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع في تحصيل أقوال الشاهد وتفهم سياقها. حد ذلك؟
(5) إثبات "اعتراف". "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق المحكمة في الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه. وفي حق غيره من المتهمين. متى اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. غير جائز. أمام النقض.
(6) إثبات "بوجه عام". مواد مخدرة. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر أو حيازته. توافره. بقيام العلم لدى الجاني بأن ما يحرزه أو يحوزه مخدر لا على المحكمة استظهاره من ظروف الدعوى وملابساتها.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر العلم بكنه المادة المخدرة.
الأصل في المحاكمات الجنائية. باقتناع القاضي بناء على الأدلة المطروحة عليه. حقه في الأخذ بأي دليل يرتاح إليه. ما لم يقيده القانون بدليل معين.
(7) مواد مخدرة. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير توافر قصد الاتجار في المواد المخدرة. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر قصد الاتجار في المخدر.
(8) مواد مخدرة. إجراءات "إجراءات التحقيق". إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اطمئنان المحكمة إلى أن المخدر المضبوط هو ما أرسل إلى التحليل. مجادلتها في ذلك غير جائزة.
(9) مواد مخدرة. أسباب الإباحة وموانع العقاب "موانع العقاب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
مناط الإعفاء وفقاً لنص المادة 48 من القانون 182 لسنة 1960. شرطه: تعدد المساهمين فاعلين كانوا أو شركاء. ورود الإبلاغ على غير المبلغ بقصد تمكين السلطات من وضع يدها على مرتكبي الجرائم الخطرة. عدم تحقق صدق الإبلاغ. أثره. انتفاء موجب الإعفاء.
(10) إجراءات "إجراءات التحقيق". محاماة. قانون "تفسيره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إجراءات التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه بمعرفة النيابة العامة المنصوص عليها في المادة 51 من القانون رقم 17 لسنة 1983 بشأن إصدار قانون المحاماة تنظميه. مخالفتها. لا بطلان.
1 - من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع فإذا كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون لما كان ذلك، وكان عدم إيراد اسم الطاعن كاملاً أو صفته أو صناعته أو محل إقامته أو الخطأ فيه في محضر جمع الاستدلالات لا يقدح بذاته في جدية ما تضمه من تحريات فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون سديداً.
2 - لما كان الحكم قد أثبت في مدوناته على نحو ما سلف أن العقيد....... قد استصدر إذناً من النيابة بعد أن دلت التحريات على أن الطاعن يحرز جواهر مخدرة وتمكن من ضبطه بشارع كورنيش النيل أمام كازينو الشجرة حيث عثر معه على المخدر المضبوط فإن مفهوم ذلك أن الأمر قد صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها من الطاعن لا لضبط جريمة مستقبلة ويكون الحكم فيما انتهى إليه من إطراح الدفع المبدى من الطاعن في هذا الشأن قد أصاب صحيح القانون.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها وكان تناقض رواية الشهود في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه وما دام لم يورد تلك التفاصيل أو يركن إليها في تكوين عقيدته.
4 - من المقرر أن للمحكمة أن تحصل أقوال الشاهد وتفهم سياقها وتستشف مراميها ما دامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن مضمونها.
5 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع ومن ثم فإن منعي الطاعن في شأن القوة التدليلية لأقوال الشهود وأقواله بالتحقيقات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى وهو من إطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض.
6 - لما كان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعن في شأن عدم علمه بكنه المادة المضبوطة بما مفاده أنه قول يتناقض مع أبسط قواعد العقل والمنطق ومع الفهم المباشر لتقريرات المتهم بالتحقيقات والصور المتتابعة التي أدلى بها المتهم للأحداث الجارية بعيداً عن التكليف أو الاصطناع وفي الوقت الذي يعلم فيه بحكم عمله كمحام خطورة وعواقب ما يدلى به الأمر الذي انتهت منه المحكمة إلى اطمئنانها عن عقيدة واقتناع إلى أن المتهم كان على علم كامل وتام بما يحمله في حقيته من مخدر وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر أو حيازته يتوافر متى قام الدليل على علم الجاني بأن ما يحرزه أو يحوزه من الجواهر المخدرة ولا حرج على المحكمة في استظهار هذا العلم من ظروف الدعوى وملابساتها وكان من المقرر كذلك أن العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي باطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه فقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ بأي دليل يرتاح إليه من أي مصدر شاء ولا يصح مصادرته في ذلك إلا إذا قيده القانون بدليل معين، ولما ما ساقه الحكم تدليلاً على توافر علم الطاعن بكنه المواد المضبوطة كافياً وسائغاً في إثبات هذا العلم فإن ما يثيره في هذا الشأن يكون غير سديد.
7 - من المقرر أن إحراز المخدر بقصد الاتجار هو واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها وإذ كان البين من الحكم المطعون فيه أنه عرض لقصد الاتجار واستظهره في قوله "أنه لا يمكن القول بأن إحراز المتهم للمخدر المضبوط كان بقصد التعاطي لكبر حجم الكمية كما أنه لا يمكن القول بأن الإحراز كان مجرداً من أي قصد من القصود الخاصة لأنه من غير المعقول أن مثل المتهم يحمل مثل الكمية المضبوطة لمجرد الإحراز لحساب آخر وهو يعلم مدى خطورة، ما يحمله وعواقبه وكان في مكنته أن يستعين بآخر لمهمة النقل والتسليم الأمر الذي ترى معه المحكمة في حدود سلطتها التقديرية ومن ظروف الواقعة وملابساتها ومن كبر حجم الكمية المضبوطة أن الإحراز كان بقصد الاتجار لحساب المتهم نفسه وكانت المحكمة قد اقتنعت في حدود سلطتها في تقدير الدعوى والتي لا تخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي أن إحراز الطاعن للمخدر كان بقصد الاتجار فإن ما يثيره الطاعن بدعوى القصور في التدليل على توافر هذا القصد لا يكون سديداً.
8 - إن جدل الطاعن والتشكيك في أن ما تم ضبطه غير ما تم تحليله إن هو إلا جدل في تقدير الدليل المستمد من عملية التحليل التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع فلا تجوز مجادلتها أو مصادرتها في عقيدتها في هذا الشأن.
9 - من المقرر أن مناط الإعفاء الذي تتحقق به حكمه التشريع وفقاً للمادة 48 من القانون رقم 182 سنة 1960 المعدل هو تعدد الجناة المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء وورود الإبلاغ على غير المبلغ بما مفاده أنه حتى يتوافر موجب الإعفاء يتعين أولاً تمكين السلطات من وضع يدها على مرتكبي الجرائم الخطرة التي نص عليها القانون فإذا لم يتحقق صدق البلاغ بأن لم يثبت أصلاً أن هناك جناة آخرين ساهموا مع المبلغ في الجريمة فلا إعفاء لانتفاء مقوماته وعدم تحقق حكمة التشريع بعدم بلوغ النتيجة التي يجزي القانون بالإبلاغ عنها وهو تمكين السلطات من الكشف عن تلك الجرائم الخطرة وإذ كان يبين مما ساقه الحكم المطعون فيه فيما سلف أنه اعتنق هذا النظر وخلص بحق إلى رفض طلب تمتع الطاعن بالإعفاء المشار إليه لانتفاء مقوماته والحكمة من تشريعه فليس له من بعد التزرع بنص المادة 48 سالفة الذكر وإعفائه من العقاب.
10 - من المقرر أن إجراءات التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه بمعرفة النيابة العامة المنصوص عليها في المادة 51 من القانون رقم 17 سنة 1983 بشأن إصدار قانون المحاماة هي إجراءات تنظيمية لم يرتب ذلك القانون على مخالفتها بطلاناً فإنه لا جناح على المحكمة إن التفتت عنه ولم تعرض له.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أحرز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً "حشيش" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وأحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 7/ 1، 34/ أ، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون 122 لسنة 1989 والبند 57 من القسم الثاني من الجدول الأول الملحق بالقانون الأخير بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه مائتي ألف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر مخدر (حشيش) بقصد الاتجار قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على خطأ في تطبيق القانون وران عليه البطلان ذلك بأنه دفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية لخلوها من صفته ومهنته وخطئها في محل إقامته ولقول الضابط أنه أجرى التحريات على الطاعن لمدة عشرة أيام سابقة على صدور الإذن رغم تواجد الطاعن بعمله بمدينة مرسى مطروح خلال تلك الفترة فضلاً عن صدور الإذن عن جريمة مستقبلة ورد الحكم على الدفعين بما لا يسوغ الرد عليهما كما عول الحكم في إدانة الطاعن على شهادة الضابط وتقريرات المتهم بالنيابة العامة رغم تناقض الأولى وكذبها ومخالفة الثانية للحقيقة والواقع كما تمسك الطاعن بانتفاء علمه بكنه المادة المضبوطة ورد الحكم على دفاعه بما لا يصلح رداً ولم يدلل تدليلاً كافياً على توافر قصد الاتجار في حقه كما قام دفاع الطاعن على وجود اختلاف في الوزن بين ما أرسل من المضبوطات للتحليل وما تم تحليله بالفعل ورد الحكم على هذا الدفاع بما لا يسوغه هذا ولم يعمل الحكم المطعون فيه حق الطاعن الإعفاء المقرر بالمادة 48 من قانون مكافحة المخدرات بعد أن أرشد عن صاحب المخدر المضبوط المدعو...... وأخيراً دفع الطاعن ببطلان التحقيقات تأسيساً على أنه محام وأن النيابة العامة لم تخطر نقابة المحامين إلا بعد انتهاء التحقيق معه. خلافاً لما نصت عليه المادة 51 من القانون رقم 17 سنة 1983 بشأن إصدار قانون المحاماة إلا أن الحكم التفت عن هذا الدفع، كل ذلك يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله أنها "تخلص في.... أن التحريات السرية المشتركة التي قام بها العقيد..... المفتش بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات بالقاهرة دلت على أن المتهم..... المقيم..... محافظة..... يتجر في المواد المخدرة ويقوم بترويجها على عملائه بمدينة القاهرة وطلب من النيابة العامة المختصة الإذن له بضبط المتهم وتفتيشه لضبط ما يحرزه أو يحوزه من مواد مخدرة فأذنت له وتنفيذاً لهذا الإذن علم من أحد المرشدين السريين أن المتهم سيتواجد في الساعة الثامنة والنصف مساء يوم 12 من شهر أكتوبر سنة 1991 أمام كازينو الشجرة بشارع كورنيش النيل بدائرة قسم بولاق لتسليم المواد المخدرة فانتقل في نحو الساعة الثامنة مساء على رأس قوة من رجال الشرطة السريين وبرفقته الرائد..... وأعد الأكمنة اللازمة وفي نحو الساعة التاسعة مساء شاهد المتهم يعبر الطريق من أمام كازينو الشجرة وبيده حقيبة من الجلد بنية اللون فأسرع بضبطه وبتفتيش الحقيبة وجد بداخلها كيس من النايلون بداخله ثلاث طرب من الحشيش كل منها مغلفة بقماش الطربه كما وجد بالحقيبة بعض متعلقات المتهم الشخصية وأقر له المتهم لدى الضبط بإحرازه للمخدر المضبوط بقصد الاتجار وثبت من تقرير المعامل الكيماوية أن المضبوطات جميعها لمخدر الحشيش". وقد ساق الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات ومما ثبت من تقرير المعامل الكيماوية بمصلحة الطب الشرعي ومن تقريرات المتهم بتحقيقات النيابة العامة. لما كان ذلك وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع فإذا كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون لما كان ذلك، وكان عدم إيراد اسم الطاعن كاملاً أو صفته أو صناعته أو محل إقامته أو الخطأ فيه في محضر جمع الاستدلالات لا يقدح بذاته في جدية ما تضمنه من تحريات فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون سديداً، لما كان ذلك وكان الحكم قد أثبت في مدوناته على نحو ما سلف أن العقيد..... قد استصدر إذناً من النيابة بعد أن دلت التحريات على أن الطاعن يحرز جواهر مخدرة وتمكن من ضبطه بشارع كورنيش النيل أمام كازينو الشجرة حيث عثر معه على المخدر المضبوط فإن مفهوم ذلك أن الأمر قد صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها من الطاعن لا لضبط جريمة مستقبلة ويكون الحكم فيما انتهى إليه من إطراح الدفع المبدى من الطاعن في هذا الشأن قد أصاب صحيح القانون. لما كان ذلك وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يقيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها وكان تناقض رواية الشهود في بعض تفاصيلها لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه وما دام لم يورد تلك التفاصيل أو يركن إليها في تكوين عقيدته وأن للمحكمة أن تحصل أقوال الشاهد وتفهم سياقها وتستشف مراميها ما دامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن مضمونها. كما أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صدقها ومطابقتها للواقع ومن ثم فإن منعي الطاعن في شأن القوة التدليلية لأقوال الشهود وأقواله بالتحقيقات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى وهو من أطلاقاتها ولا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعن في شأن عدم علمه بكنه المادة المضبوطة بما مفاده أنه قول يتناقض مع أبسط قواعد العقل والمنطق ومع الفهم المباشر لتقريرات المتهم بالتحقيقات والصور المتتابعة التي أدلى بها المتهم للأحداث الجارية بعيداً عن التكلف أو الاصطناع وفي الوقت الذي يعلم فيه بحكم عمله كمحام خطورة وعواقب ما يدلى به الأمر الذي انتهت منه المحكمة إلى اطمئنانها عن عقيدة واقتناع إلى أن المتهم كان على علم كامل وتام بما يحمله في حقيبته من مخدر" وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر أو حيازته يتوافر متى قام الدليل على علم الجاني بأن ما يحرزه أو يحوزه من الجواهر المخدرة ولا حرج على المحكمة في استظهار هذا العلم من ظروف الدعوى وملابساتها وكان من المقرر كذلك أن العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع القاضي باطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه فقد جعل القانون من سلطتها أن يأخذ بأي دليل يرتاح إليه من أي مصدر شاء ولا يصح مصادرته في ذلك إلا إذا قيده القانون بدليل معين، وكان ما ساقه الحكم تدليلاً على توافر علم الطاعن بكنه المواد المضبوطة كافياً وسائغاً في إثبات هذا العلم فإن ما يثيره في هذا الشأن يكون غير سديد، لما كان ذلك، وكان إحراز المخدر بقصد الاتجار هو واقعة مادية يستقل قاضي الموضوع بالفصل فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها وإذ كان البين من الحكم المطعون فيه أنه عرض لقصد الاتجار واستظهره في قوله "أنه لا يمكن القول بأن إحراز المتهم للمخدر المضبوط كان بقصد التعاطي لكبر حجم الكمية كما أنه لا يمكن القول بأن الإحراز كان مجرداً من أي قصد من القصود الخاصة لأنه من غير المعقول أن مثال المتهم يحمل مثل الكمية المضبوطة لمجرد الإحراز لحساب آخر وهو يعلم مدى خطورة، ما يحمله وعواقبه وكان في مكنته أن يستعين بآخر لمهمة النقل والتسليم الأمر الذي ترى معه المحكمة في حدود سلطتها التقديرية ومن ظروف الواقعة وملابساتها ومن كبر حجم الكمية المضبوطة أن الإحراز كان بقصد الاتجار لحساب المتهم نفسه وكانت المحكمة قد اقتنعت في حدود سلطتها في تقدير الدعوى والتي لا تخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي أن إحراز الطاعن للمخدر كان بقصد الاتجار فإن ما يثيره الطاعن بدعوى القصور في التدليل على توافر هذا القصد لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد ورد على دفاع الطاعن بخصوص اختلاف ما أرسل من المضبوطات وما تم تحليله بالفعل بما مفاده "أن الأحراز المضبوطة لم يصل إليها العبث وعند فض الحرز بمعامل التحليل وجد مطابقاً لحاله التحريز التي تمت بمعرفة النيابة ومطابقاً لما تم ضبطه طبقاً للوصف الذي جاء بمحضر ضبط الواقعة ولا ينال من ذلك الفرق في الوزن بين ميزان مكتب المخدرات وميزان معامل التحليل ذلك أن الشاهد قرر بمحضر الضبط أن ميزان المكتب غير خاص ومن ثم فإن المحكمة تطمئن إلى إجراءات التحريز وإلى سلامة الدليل في هذا الشأن". لما كان ذلك وكان جدل الطاعن والتشكيك في أن ما تم ضبطه غير ما تم تحليله إن هو إلا جدل في تقدير الدليل المستمد من عملية التحليل التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع فلا تجوز مجادلتها أو مصادرتها في عقيدتها في هذا الشأن لما كان ذلك وكان الحكم قد عرض ما أثاره الطاعن بشأن تمتعه بالإعفاء المنصوص عليه في المادة 48 من القانون 187 لسنة 1960 المعدل القانون رقم 40 سنة 1966 ورد عليه في قوله "وحيث إن ما أثاره الدفاع من أن المتهم يتمتع بالإعفاء المقرر بالمادة 48/ 2 من قانون مكافحة المخدرات فإن هذا الدفاع في غير محله، ذلك أن المتهم لم يبلغ عن المساهمين معه في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء لأن ما جاء بمحضر الضبط من تقريرات المتهم بإحراز المخدر المضبوط بقصد الاتجار، وأنه أخذ الكمية المضبوطة من........ بمطروح وأن لديه كمية كبيرة منه بمكان سكنه لا يعد اعترافاً صريحاً على النفس في صريح القانون ولا إبلاغاً عن المساهمين له، أنما هو مجرد قول ورد على لسان الشاهد نسبة إلى المتهم لا يعول عليه لعدم الإصرار عليه بدليل أن المتهم أنكر كلية صلته بالمخدر المضبوط بتحقيقات النيابة العامة ونفى علمه بوجود المخدر بالحقيقة، ومن ثم لا يمكن القول بأنه أبلغ عن المساهمين له في الجريمة وأن إبلاغه اتسم بالجدية والكفاية وبالتالي لا يستحق المتهم الإعفاء لانتفاء مقوماته" وكان قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - قد جرى على أن مناط الإعفاء الذي تتحقق به حكمه التشريع وفقاً للمادة 48 من القانون 182 سنة 1960 المعدل هو تعدد الجناة المساهمين في الجريمة فاعلين كانوا أو شركاء وورود الإبلاغ على غير المبلغ بما مفاده أنه حتى يتوافر موجب الإعفاء يتعين أولاً تمكين السلطات من وضع يدها على مرتكبي الجرائم الخطرة التي نص عليها القانون فإذا لم يتحقق صدق البلاغ بأن لم يثبت أصلاً أن هناك جناة آخرين ساهموا مع المبلغ في الجريمة فلا إعفاء لانتفاء مقوماته وعدم تحقق حكمة التشريع بعدم بلوغ النتيجة التي يجزى القانون بالإبلاغ عنها وهو تمكين السلطات من الكشف عن تلك الجرائم الخطرة وإذ كان يبين مما ساقه الحكم المطعون فيه فيما سلف أنه اعتنق هذا النظر وخلص بحق إلى رفض طلب تمتع الطاعن بالإعفاء المشار إليه لانتفاء مقوماته والحكمة من تشريعه فليس له من بعد التزرع بنص المادة 48 سالفة الذكر وإعفائه من العقاب لما كان ذلك وكان من المقرر أن إجراءات التحقيق مع محام أو تفتيش مكتبه بمعرفة النيابة العامة المنصوص عليها في المادة 51 من القانون رقم 17 سنة 1983 بشأن إصدار قانون المحاماة هي إجراءات تنظيميه لم يرتب ذلك القانون على مخالفتها بطلاناً فإنه لا جناح على المحكمة إن التفتت عنه ولم تعرض له لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.