أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 45 - صـ 340

جلسة 2 من مارس سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ أحمد عبد الرحمن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ علي الصادق عثمان وإبراهيم عبد المطلب وحسين الجيزاوي نواب رئيس المحكمة ومجدي أبو العلا.

(50)
الطعن رقم 19844 لسنة 61 القضائية

(1) نقض "ما يجوز الطعن فيه من الأحكام".
الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان. حكم قطعي منه للخصومة - ما دام قد عرض لموضوع الدعوى وطبق عليه حكم القانون وفصل فيه.
(2) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
مثال لسهو ورد بمنطوق الحكم. لا يغير من حقيقة قضائه.
(3) نقد. قانون "إصداره" "تفسيره" تطبيقه" "إلغاؤه". لائحة.
استثناء استرداد حصيلة تصدير الكتب والصحف والمجلات والدوريات المطبوعة في مصر المنصوص عليه في المادة 2/ 2 من القانون 97 لسنة 1976 بشأن النقد والمعدل بالقانون 67 لسنة 1980 من شرط المدة المبين بالفقرة لأولى من نفس المادة. استثناء مطلق. أثر ذلك: عدم الاعتداد بما ورد باللائحة التنفيذية للقانون السالف وتعديلاتها من تحديد لهذه المدة.
التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق. أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع.
(4) قانون "تفسيره".
وجوب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام الدقة في تفسيرها وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل.
صياغة النص في عبارة واضحة جلية. اعتبارها تعبيراً صادقاًًً عن إرادة المشرع. عدم جواز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أو بدعوى الاستهداء بحكمة التشريع.
الاستهداء بحكمة التشريع ودواعيه لا تكون إلا عند غموض النص.
(5) قانون "تفسيره" "التفويض التشريعي". لوائح. دستور.
حق السلطة التنفيذية دستورياً في إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها. لا يعني نزول السلطة التشريعية عن سلطتها في سن القوانين.
اللائحة لا تلغي نصاً آمراً في القانون أو تقيده.
(6) قانون "إصداره" "التفويض التشريعي". لوائح. قرارات وزارية.
صحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي. شرطها: ألا يوجد تضاد بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه. وجوب تطبيق نص القانون عند وجود مثل هذا التضاد.
(7) قانون "تفسيره" "تفويض تشريعي". نقد.
تعارض ما قررته المادة 64 من اللائحة التنفيذية للقانون 97 لسنة 1967 المعدلة من وجوب استرداد حصيلة الصادرات المبينة بالمادة 2/ 2 من القانون المذكور في خلال خمس سنوات من تاريخ الشحن مع ما جاء بنص المادة السالفة من استثناء استيراد حصيلة تلك الصادرات من شرط المدة: وهو نص قائم لم يلغ بتشريع لاحق. وجوب تطبيق نص المادة 2/ 2 آنفة الذكر. دون نص اللائحة.
تحديد المادة 64 من اللائحة التنفيذية لمدة استرداد حصيلة الصادرات السالفة. لا يستند إلى تفويض تشريعي.
(8) قانون "تفسيره". جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقد.
تضمين المادة 64 من اللائحة التنفيذية للقانون 97 لسنة 1976 النص على وجوب استرداد حصيلة الصادرات المستثناة فور بيعها وتحصيل قيمتها. لا يتعارض مع استثنائها من شرط المدة. مفاد ما بنص المادة 2/ 2 من القانون المذكور أن جريمة عدم استرداد قيمة تلك الصادرات المستثناة لا تقوم إلا بعد تحصيل قيمتها.
اعتناق الحكم المطعون فيه هذا النظر. تطبيق صحيح القانون.
(9) نقض "المصلحة في الطعن" "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
القضاء بالبراءة. يتلاقى في النتيجة مع قضاء الحكم بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان. مؤدى ذلك؟
1 - لما كان الحكم المطعون فيه وإن قضى بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان، إلا أن البين من مدوناته أنه عرض لموضوع الدعوى وطبق عليه حكم القانون وفصل فيه، ومن ثم فهو في حقيقته يعد حكماً قطعياً منهياً للخصومة بالحالة التي رُفعت بها الدعوى، وبالتالي يكون الطعن فيه بطريق النقض جائزاً عملاً بنص المادة 31 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه وإن قضى في منطوقة بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان، إلا أن الثابت من مدوناته أنه أشار إلى أن الحكم الاستئنافي المعارض فيه قضى بسقوط الاستئناف، وأن المعارض قدم دليل عذر تخلفه عن الحضور بالجلسة التي صدر فيها ذلك الحكم الأخير وأن المحكمة قبلت ذلك العذر، وبما مفاده أنها قبلت استئنافه شكلاً، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صدر في حقيقته بقبول المعارضة شكلاً وبإلغاء الحكم المعارض فيه وبقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف، وعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان، وأن ما ورد بمنطوقة على النحو السالف بيانه، لا يعدو مجرد سهو لا يغير من حقيقة الواقع.
3 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلغاء الحكم المستأنف القاضي بعقوبتي الحبس والغرامة - تأسيساً على أن الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 97 لسنة 1976 قد استثنت من شرط المدة صادرات الكتب والصحف والمجلات والدوريات المطبوعة في مصر، كما نصت المادة 66 من اللائحة التنفيذية للقانون - المار ذكره - على ذات الاستثناء، على أن يتم سداد القيمة عند تحصيلها، وأن الصادرات موضوع الدعوى عبارة عن كتب، وليس بالأوراق ما يفيد أن المتهم حصل قيمة الاستمارة، وأن ما ورد بالقرار الوزاري المعدل للمادة 66 من اللائحة التنفيذية بأن تحديد مدة خمس سنوات لتحصيل قيمة تلك الصادرات، لا يقيد نص القانون الذي ورد مطلقاً. لما كان ذلك، وكانت المادة الثانية من القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي الساري على واقعة الدعوى والمعدل بالقانون رقم 67 لسنة 1980 قد نصت في فقرتها الأولى على أن "على كل من يصدر بضاعة من الأشخاص الطبيعين والأشخاص المعنويين والجهات الحكومية والهيئات العامة ووحدات وشركات القطاع العام أن يسترد قيمتها في مدى ثلاثة أشهر من تاريخ الشحن وفقاً للشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من الوزير المختص، ويجوز للوزير المختص أو من ينيبه تجديد هذه المدة أو إطالتها"، ونصت الفقرة الثانية من المادة ذاتها على أن "يستثنى من شروط المدة استرداد حصيلة تصدير الكتب والصحف والمجلات والدوريات المطبوعة في جمهورية مصر العربية"، وكان نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون المار ذكره قد جاء مطلقاً في استثناء صادرات الكتب والصحف والمجلات والدوريات المطبوعة في جمهورية مصر العربية من شروط المدة التي يجب استرداد قيمة تلك الصادرات خلالها، فإن ما ورد بالقرارات الوزارية المتعاقبة بشأن تعديل بعض نصوص اللائحة التنفيذية للقانون - رقم 97 لسنة 1976 من تحديد مدة يجب خلالها في كل الأحوال استرداد قيمة الكتب المطبوعة في مصر والمصدرة إلى الخارج، يتعارض مع ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثانية - المار بيانها - مما يتعين معه الاعتداد بما نُص عليه في القانون في هذا الخصوص والالتفات عما فرضته اللائحة التنفيذية وتعديلاتها من شرط المدة التي يجب استرداد حصيلة الكتب المطبوعة في مصر والمصدرة إلى الخارج خلالها، لما هو مقرر من أن التشريع لا يُلغى إلا بتشريع لاحق أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع.
4 - الأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل، وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنه يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أياً كان الباعث على ذلك، ولا الخروج عن النص متى كان واضحاً جلي المعنى قاطعاً في الدلالة على المراد منه، بدعوى الاستهداء بالحكمة التي أملته، لأن البحث في حكمة التشريع ودواعيه إنما تكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه، إذ تدور الأحكام القانونية مع علتها لا مع حكمتها، وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون الواجب تطبيقه.
5 - من المقرر أنه إن كان من حق السلطة التنفيذية طبقاً للمبادئ الدستورية المتواضع عليها، أن تتولى أعمالاً تشريعية عن طريق إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، فليس معنى هذا الحق نزول السلطة التشريعية عن سلطتها في سن القوانين بل هو دعوة لهذه السلطة لاستعمال حقها في وضع القواعد التفصيلية اللازمة دون أن تزيد عليها شيئاً جديداً أو تعدل فيها أو تعطل تنفيذها أو أن تعفى من هذا التنفيذ، ومن ثم فإن اللائحة التنفيذية لا يصح أن تلغي نصاً آمراً في القانون أو تقيد مطلقاً.
6 - يشترط لصحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي ألا يوجد أدنى تضاد بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه وأنه عند التعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر وارد في لائحته، فإن النص الأول يكون هو الواجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة.
7 - لما كانت أحكام الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 97 لسنة 1976، ما زالت قائمة ولم تلغ بتشريع آخر، وأن ما نصت عليه من استثناء استرداد حصيلة الصادرات المبينة بها على النحو السالف بيانه - من شرط المدة قد جاء مطلقاً من كل قيد، وهو ما يتعارض مع ما نصت عليه المادة 64 من اللائحة التنفيذية للقانون - المار ذكره - بعد تعديلها من تقييد هذه المدة ووجوب استرداد حصيلة هذه الصادرات في مدة - لا تجاوز خمس سنوات من تاريخ الشحن، فإن نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 97 لسنة 1976 يكون هو الواجب التطبيق على إطلاقه، خاصة وأن هذا القانون لم يُفوض الوزير المختص باختصاص تشريعي في شأن تلك الفقرة الثانية على نحو ما استنه في الفقرة الأولى من ذات المادة الثانية، وبالتالي فإن ما ورد باللائحة التنفيذية من مواد نصت على تحديد مدة استرداد حصيلة الصادرات - السالف بيانها، لا يستند إلى تفويض تشريعي.
8 - لما كان ما نصت عليه المادة 66 من القرار رقم 316 لسنة 1976 بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 97 لسنة 1976 - قبل تعديلها من وجوب استرداد حصيلة الصادرات المستثناة فور بيعها وتحصيل قيمتها، لا يتعارض مع استثنائها من شرط المدة، وأن التفسير الصحيح للمادة الثانية (فقرة ثانياً) من القانون رقم 97 لسنة 1976، والمادة 66 من القرار 316 لسنة 1976 بإصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون، مقتضاه أن جريمة عدم استرداد قيمة تلك الصادرات المستثناة، لا تقوم إلا بعد تحصيل قيمتها، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر في قضائه، فإنه يكون طبق القانون تطبيقاً سليماً.
9 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان على سند من القول أن البضاعة المصدرة من البضائع المستثناة بنص الفقرة الثانية من المادة الثانية رقم 97 لسنة 1976، ولم يثبت بيعها - وهو ما لا تنازع فيه الطاعنة، مما مؤداه أن الجريمة المسندة إلى المطعون ضده لم تكن قد وقعت بعد، مما كان لازمه أن تقضي المحكمة ببراءته منها، إلا أنه لما كان القضاء بالبراءة يتلاقى في النتيجة مع قضاء الحكم المطعون فيه بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان، فإن ما تثيره النيابة العامة في هذا الخصوص يضحى قائماً وقاصراً على مصلحة نظرية بحتة لا جدوى منها ولا يؤبه بها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه لم يسترد قيمة البضائع المصدرة منه إلى الخارج في الميعاد القانوني وطلبت عقابه بالمادتين 2، 14 من القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل في النقد الأجنبي والمادة 61 من لائحته التنفيذية. ومحكمة الجرائم المالية بالقاهرة قضت غيابياً عملاً بمادتي الاتهام بحبس المتهم شهراً مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات وغرامة إضافية تعادل مبلغ 426.50 دولار بالسعر الرسمي وقت ارتكاب الجريمة. عارض المحكوم عليه وقضى في معارضته بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه. استأنف ومحكمة جنوب القاهرة الابتدائية "بهيئة استئنافية" قضت غيابياً بسقوط الحق في الاستئناف. عارض وقضى في معارضته بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الحكم المطعون فيه وإن قضى بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان، إلا أن البين من مدوناته أنه عرض لموضوع الدعوى وطبق عليه حكم القانون وفصل فيه، ومن ثم فهو في حقيقته يعد حكماً قطعياً منهياً للخصومة بالحالة التي رُفعت بها الدعوى، وبالتالي يكون الطعن فيه بطريق النقض جائزاً عملاً بنص المادة 31 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.
ومن حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ - قضى بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان في جريمة عدم استرداد - قيمة البضائع المصدرة للخارج في الميعاد القانوني، قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم أعمل في حق المطعون ضده نص الفقرة الثانية من القانون رقم 97 لسنة 1976 في شأن تنظيم التعامل في النقد الأجنبي التي استثنت من شرط مدة الثلاثة أشهر المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون - المار ذكره استرداد حصيلة تصدير الكتب والصحف والمجلات والدوريات المطبوعة في جمهورية مصر العربية، دون أن يعنى بتطبيق أحكام المادتين 64، 66/ 1 من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 97 لسنة 1976 من وجوب استرداد قيمة تلك الصادرات فور بيعها وتحصيل قيمتها خلال فترة لا تجاوز خمس سنوات من تاريخ الشحن وفقاً للقواعد المنفذة لتلك اللائحة، باعتبار أن نصوصها هي التي تحدد الشروط والأوضاع الخاصة بتطبيق أحكام قانون النقد الأجنبي، وقد رفعت الدعوى الجنائية قبل المطعون ضده بعد فوات مدة خمس سنوات من تاريخ الشحن، وهو ما لم تفطن إليه محكمة الموضوع، والتي كان عليها أن تقضي في موضوع الدعوى بإدانة المطعون ضده أو ببراءته، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه وإن قضى في منطوقة بقبول المعارضة شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان، إلا أن الثابت من مدوناته أنه أشار إلى أن الحكم الاستئنافي المعارض فيه قضى بسقوط الاستئناف، وأن المعارض قدم دليل عذر تخلفه عن الحضور بالجلسة التي صدر فيها ذلك الحكم الأخير وأن المحكمة قبلت ذلك العذر، وبما مفاده أنها قبلت استئنافه شكلاً، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد صدر في حقيقته بقبول المعارضة شكلاً وبإلغاء الحكم المعارض فيه وبقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف، وعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان، وأن ما ورد بمنطوقة على النحو السالف بيانه، لا يعدو مجرد سهو لا يغير من حقيقة الواقع.
ومن حيث إن الدعوى الجنائية رفعت ضد المطعون ضده بوصف أنه: - لم يسترد في الميعاد القانوني قيمة البضاعة المصدرة للخارج، وطلبت النيابة العامة عقابه طبقاً للمادتين 2، 14 من القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي، والمادة 61 من اللائحة التنفيذية، ومحكمة أول درجة قضت غيابياً بحبس المتهم شهراً مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لإيقاف التنفيذ، وغرامة تعادل 426.50 دولار بالسعر الرسمي وقت ارتكاب الجريمة - عارض المحكوم عليه وقُضي في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه - فاستأنف ومحكمة الدرجة الثانية قضت غيابياً بسقوط الاستئناف، عارض وقضى في معارضته الاستئنافية بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان - لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلغاء الحكم المستأنف القاضي بعقوبتي الحبس والغرامة - تأسيساً على أن الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 97 لسنة 1976 قد استثنت من شرط المدة صادرات الكتب والصحف والمجلات والدوريات المطبوعة في مصر، كما نصت المادة 66 من اللائحة التنفيذية للقانون - المار ذكره - على ذات الاستثناء، على أن يتم سداد القيمة عند تحصيلها، وأن الصادرات موضوع الدعوى عبارة عن كتب، وليس بالأوراق ما يفيد أن المتهم حصل قيمة الاستمارة، وأن ما ورد بالقرار الوزاري المعدل للمادة 66 من اللائحة التنفيذية بأن تحديد مدة خمس سنوات لتحصيل قيمة تلك الصادرات، لا يقيد نص القانون الذي ورد مطلقاً. لما كان ذلك، وكانت المادة الثانية من القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبي الساري على واقعة الدعوى والمعدل بالقانون رقم 67 لسنة 1980 قد نصت في فقرتها الأولى على أنه "على كل من يصدر بضاعة من الأشخاص الطبيعيين والأشخاص المعنويين والجهات الحكومية والهيئات العامة ووحدات وشركات القطاع العام أن يسترد قيمتها في مدى ثلاثة أشهر من تاريخ الشحن وفقاً للشروط والأوضاع التي يصدر بها قرار من الوزير المختص، ويجوز للوزير المختص أو ينيبه تجديد هذه المدة أو إطالتها"، ونصت الفقرة الثانية من المادة ذاتها على أن "يستثنى من شروط المدة استرداد حصيلة تصدير الكتب والصحف والمجلات والدوريات المطبوعة في جمهورية مصر العربية"، وكان نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون المار ذكره قد جاء مطلقاً في استثناء صادرات الكتب والصحف والمجلات والدوريات المطبوعة في جمهورية مصر العربية من شروط المدة التي يجب استرداد قيمة تلك الصادرات خلالها، فإن ما ورد بالقرارات الوزارية المتعاقبة بشأن تعديل بعض نصوص اللائحة التنفيذية للقانون - رقم 97 لسنة 1976 من تحديد مدة يجب خلالها في كل الأحوال استرداد قيمة الكتب المطبوعة في مصر والمصدرة إلى الخارج، يتعارض مع ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثانية - المار بيانها - مما يتعين معه الاعتداد بما نُص عليه في القانون في هذا الخصوص والالتفات عما فرضته اللائحة التنفيذية وتعديلاتها من شرط المدة التي يجب استرداد حصيلة الكتب المطبوعة في مصر والمصدرة إلى الخارج خلالها، لما هو مقرر من أن التشريع لا يُلغى إلا بتشريع لاحق أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع، وكان الثابت أن قانوناً لاحقاً لم يصدر زالت به القوة التنفيذية للقانون رقم 97 لسنة 1976، وحدد مدة يجب خلالها استرداد قيمة الكتب والصحف والمجلات والدوريات المطبوعة في مصر والمصدرة إلى الخارج، وكان الأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل، وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنه يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أياً كان الباعث على ذلك، ولا الخروج عن النص متى كان واضحاً جلي المعنى قاطعاً في الدلالة على المراد منه، بدعوى الاستهداء بالحكمة التي أملته، لأن البحث في حكمة التشريع ودواعيه إنما تكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه، إذ تدور الأحكام القانونية مع علتها لا مع حكمتها، وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون الواجب تطبيقه، وإنه إن كان من حق السلطة التنفيذية طبقاً للمبادئ الدستورية المتواضع عليها، أن تتولى أعمالاً تشريعية عن طريق إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، فليس معنى هذا الحق نزول السلطة التشريعية عن سلطتها في سن القوانين بل هو دعوة لهذه السلطة لاستعمال حقها في وضع القواعد التفصيلية اللازمة دون أن تزيد عليها شيئاً جديداً أو تعدل فيها أو تعطل تنفيذها أو أن تعفى من هذا التنفيذ، ومن ثم فإن اللائحة التنفيذية لا يصح أن تلغي نصاً آمراً في القانون أو تقيد مطلقاً، كما أنه يشترط لصحة القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي ألا يُوجد أدنى تضاد بينه وبين نص القانون المحدد لأوضاعه وشروطه وأنه عند التعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر وارد في لائحته، فإن النص الأول يكون هو الواجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة. لما كان ذلك، وكانت أحكام الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 97 لسنة 1976، ما زالت قائمة ولم تلغ بتشريع آخر، وأن ما نصت عليه من استثناء استرداد حصيلة الصادرات المبينة بها على النحو السالف بيانه - من شرط المدة قد جاء مطلقاً من كل قيد، وهو ما يتعارض مع ما نصت عليه المادة 64 من اللائحة التنفيذية للقانون - المار ذكره - بعد تعديلها من تقييد هذه المدة ووجوب استرداد حصيلة هذه الصادرات في مدة - لا تجاوز خمس سنوات من تاريخ الشحن، فإن نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 97 لسنة 1976 يكون هو الواجب التطبيق على إطلاقه، خاصة وأن هذا القانون لم يُفوض الوزير المختص باختصاص تشريعي في شأن تلك الفقرة الثانية على نحو ما استنه في الفقرة الأولى من ذات المادة الثانية، وبالتالي فإن ما ورد باللائحة التنفيذية من مواد نصت على تحديد مدة استرداد حصيلة الصادرات - السالف بيانها، لا يستند إلى تفويض تشريعي. لما كان ذلك، وكان ما نصت عليه المادة 66 من القرار رقم 316 لسنة 1976 بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون رقم 97 لسنة 1976 - قبل تعديلها من وجوب استرداد حصيلة الصادرات المستثناة فور بيعها وتحصيل قيمتها، لا يتعارض مع استثنائها من شرط المدة، وأن التفسير الصحيح للمادة الثانية (فقرة ثانياً) من القانون رقم 97 لسنة 1976، والمادة 66 من القرار 316 لسنة 1976 بإصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون، مقتضاه أن جريمة عدم استرداد قيمة تلك الصادرات المستثناة، لا تقوم إلا بعد تحصيل قيمتها، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر في قضائه، فإنه يكون طبق القانون تطبيقاً سليماً. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان على سند من القول أن البضاعة المصدرة من البضائع المستثناة بنص الفقرة الثانية من المادة الثانية رقم 97 لسنة 1976، ولم يثبت بيعها - وهو ما لا تنازع فيه الطاعنة، مما مؤداه أن الجريمة المسندة إلى المطعون ضده لم تكن قد وقعت بعد، مما كان لازمه أن تقضي المحكمة ببراءته منها، إلا أنه لما كان القضاء بالبراءة يتلاقى في النتيجة مع قضاء الحكم المطعون فيه بعدم قبول الدعوى لرفعها قبل الأوان، فإن ما تثيره النيابة العامة في هذا الخصوص يضحى قائماً وقاصراً على مصلحة نظرية بحتة لا جدوى منها ولا يؤبه بها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.