أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 41 - صـ 299

جلسة 14 من يونيه سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ درويش عبد المجيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد المنعم حافظ، د. رفعت عبد المجيد نائبي رئيس المحكمة، محمد خيري الجندي ومحمد شهاوي.

(224)
الطعن رقم 646 لسنة 58 القضائية

1 - "قرار إداري". اختصاص "الاختصاص الولائي". تعويض. قانون.
القرار الإداري. ماهيته. اختصاص محاكم مجلس الدولة دون سواها بطلب التعويض عنه. المادة العاشرة من القانون رقم 47 لسنة 1972. عدم تعريف القرارات الإدارية أو بيان خصائصها المميزة لها. مؤداه. وجوب أن تعطي المحاكم المدنية الوصف القانوني لهذه القرارات على هدي حكمة التشريع ومبدأ الفصل بين السلطات توصلاً إلى تحديد اختصاصها للفصل في النزاع المطروح.
2 - قرار "قرار جمهوري". دستور "المحكمة الدستورية العليا". "الاعتداء على الحرية الشخصية". قانون "الدفع بعدم دستورية القوانين" "تطبيق القانون من حيث الزمان". اختصاص "الاختصاص الولائي". تقادم.
عدم جواز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانوناً. م. 4 إ. ج. صدور قرار اعتقال المطعون ضده طبقاً للقانون رقم 119 لسنة 1964 المحكوم بعدم دستورية مادته الأولى التي تبيح الاعتقال. أثره. عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم بعدم الدستورية وانسحاب أثره إلى الوقائع والعلاقات السابقة على صدوره إلا ما استقر من مراكز أو حقوق بحكم حائز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم. انتهاء الحكم إلى عدم تحقق الاستثناء من تطبيق الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية النص الذي يبيح الاعتقال. أثره. عدم جوازه تطبيقه على واقعة الاعتقال واعتبار القرار الجمهوري بالاعتقال قرار فردي مخالف للقانون والشرعية ومشوباً بعيب جسيم ينحدر به إلى مرتبة الفعل المادي المعدوم الأثر قانوناً. مؤدى ذلك تجرده من صفته الإدارية واختصاص القضاء العادي برفع ما ينتج عن هذا الإجراء المادي من آثار.
1 - إذ كان القرار الإداري هو إفصاح جهة الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً ابتغاء مصلحة عامة, وتختص محاكم مجلس الدولة دون سواها بطلب التعويض عنه عملاً بالمادة العاشرة من القانون رقم 47 لسنة 1972 بتنظيم مجلس الدولة، إلا أنه لما كان القانون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لم يعرف القرارات الإدارية ولم يبين الخصائص التي تميزها والتي يهتدي بها في القول بتوافر الشروط اللازمة لها ولخصائصها من تعرض السلطة القضائية العادية لها بتعطيل أو تأويل أو نظر طلب تعويض عنها، فإن وظيفة المحاكم المدنية أن تعطي هذا القرار وصفة القانوني على هدي حكمة التشريع ومبدأ الفصل بين السلطات وحماية الأفراد وحقوقهم توصلاً إلى تحديد اختصاصها للفصل في النزاع المطروح عليها.
2 - إذ كان من المقرر وفقاً لما تقضي به المادة 40 من قانون الإجراءات الجنائية أنه لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانوناً - وكان البين من قرار اعتقال المطعون ضده الصادر بتاريخ 11 من سبتمبر سنة 1965 أنه صدر من رئيس الجمهورية وأفصح عن سنده التشريعي في الإصدار بأنه القانون رقم 119 لسنة 1964 بشأن بعض التدابير الخاصة بأمن الدولة والذي تضمن النص في مادته الأولى على أنه "يجوز بقرار من رئيس الجمهورية القبض على الأشخاص الآتي ذكرهم وحجزهم في مكان أمين....." وكانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت بتاريخ الأول من إبريل سنة 1978 في القضية رقم 5 لسنة 7 قضائية دستورية بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 سالفة الذكر، لما كان ذلك وكان يترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم، إلا أن عدم تطبيق النص - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا ينصرف إلى المستقبل فحسب وإنما ينسحب على الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خلص، وبلا نعي عليه في هذا الخصوص، إلى رفض الدفع المبدى من الطاعنين بسقوط الحق في رفع الدعوى بالتقادم الثلاثي، ومن ثم فإن الاستثناء من تطبيق الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 سالفة الذكر يكون غير متحقق وينبني عليه عدم جواز تطبيق هذا النص بشأن واقعة اعتقال المطعون ضده ويصبح قرار رئيس الجمهورية باعتقاله بمثابة قرار فردي لا يستند فيه مصدره إلى قانون بما يجعل الأمر في هذا الخصوص غير قائم على أساس من الشرعية ومتسماً بمخالفة صارخة للقانون ومشوباً بعيب جسيم ينحدر به إلى مرتبة الفعل المادي المعدوم الأثر قانوناً لما ينطوي عليه من اعتداء على الحرية الشخصية فيصبح متجرداً من صفته الإدارية وتسقط عنه الحصانة المقررة للقرارات الإدارية ويختص بالتالي القضاء العادي برفع ما ينتج عن هذا الإجراء المادي من آثار.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 1334 سنة 1985 مدني جنوب القاهرة الابتدائية على الطاعنين بطلب الحكم بإلزامهما بالتعويض المناسب عما لحقه من أضرار مادية وأدبية بما لا يقل عن خمسة وثلاثين ألفاً من الجنيهات وقال بياناً لدعواه إنه كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين. وبتاريخ 17 من نوفمبر 1954 صدر قرار باعتقاله وأودع السجن الحربي ثم معتقل القلعة إلى أن أفرج عنه في 15 ديسمبر سنة 1955 ثم اعتقل ثانية في أغسطس سنة 1965 وأودع بمعتقل أبو زعبل وطرة إلى أن أفرج عنه في سنة 1966 وأنه عذب في المعتقلات السابقة تعذيباً شديداً مما ترتب عليه إصابته بأمراض خطيرة بدنية ونفسية، كما اعتدي على حرمة مسكنه وعذبت أسرته وعزلت عن المجتمع الأمر الذي لحقته من جرائه أضرار مادية وأدبية يستحق عنها تعويضاً لا يقل عن 35 ألف جنيه وقد أقام الدعوى ليحكم له بمطلبها، أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي عناصر المسئولية وبعد أن سمعت شهود المطعون ضده حكمت بتاريخ 16 من ديسمبر سنة 1986 بإلزام الطاعنين متضامنين بأن يؤديا للمطعون ضده مبلغ اثني عشر ألفاً من الجنيهات. استأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 164 لسنة 104 قضائية طالباً تعديل المبلغ المقضى به وزيادته إلى ما لا يقل عن خمسة وثلاثين ألفاً من الجنيهات، كما استأنفه الطاعنان بالاستئناف رقم 849 لسنة 104 قضائية طالبين إلغاءه والقضاء بصفة أصلية بعدم اختصاص جهة القضاء العادي ولائياً بنظر الدعوى واحتياطياً برفضها، وبعد أن ضمت المحكمة الاستئناف الثاني إلى الأول حكمت بتاريخ 15 من ديسمبر سنة 1987 في موضوع الاستئناف رقم 164 سنة 104 قضائية بتعديل الحكم المستأنف وإلزام الطاعنين بصفتيهما بأن يدفعا متضامنين للمطعون ضده مبلغ خمسة عشر ألفاً من الجنيهات وفي موضوع الاستئناف رقم 849 سنة 104 قضائية برفضه. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى بهما الطاعنان على الحكم المطعون فيه القصور ومخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقولان إن المطعون ضده حدد عناصر الضرر التي طلب التعويض عنها باعتبارها نشأت بسبب اعتقاله وتعذيبه، وإذ كانت قرارات الاعتقال إنما هي قرارات صدرت بناء على حالات واقعية كانت قائمة وقت صدورها واستكملت مقومات القرارات الإدارية ومن ثم تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بنظر طلبات التعويض عنها، وقد تمسك الطاعنان أمام محكمة الاستئناف بعدم اختصاص جهة القضاء العادي بنظر الدعوى في شقها الخاص بطلب التعويض عن الاعتقال إلا أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفع وفصل في موضوع الدعوى بشقيها على سند من أن قرار الاعتقال منعدم ودون أن يبين سنده ودليله في حين أنه على فرض صدوره من غير مختص يظل قراراً إدارياً تملك محاكم مجلس الدولة دون غيرها بحث وجه العوار فيه، وإذ أدخل الحكم المطعون فيه ضمن عناصر الضرر المعوض عنها ما نشأ من الاعتقال فضلاً عما ترتب على التعذيب وبنى تقديره للتعويض على هذه العناصر مجتمعة فإنه يكون معيباً مما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك بأنه وإن كان القرار الإداري هو إفصاح جهة الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناً ابتغاء مصلحة عامة, وتختص محاكم مجلس الدولة دون سواها بطلب التعويض عنه عملاً بالمادة العاشرة من القانون رقم 47 لسنة 1972 بتنظيم مجلس الدولة، إلا أنه لما كان القانون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لم يعرف القرارات الإدارية ولم يبين الخصائص التي تجيزها والتي يهتدي بها في القول بتوافر الشروط اللازمة لها ولحصانتها من تعرض السلطة القضائية العادية لها بتعطيل أو تأويل أو نظر طلب تعويض عنها، فإن وظيفة المحاكم المدنية أن تعطي هذا القرار وصفه القانوني على هدف حكمة التشريع ومبدأ الفصل بين السلطات وحماية الأفراد وحقوقهم توصلاً إلى تحديد اختصاصها للفصل في النزاع المطروح عليها، وإذ كان من المقرر وفقاًً لما تقضي به المادة 40 من قانون الإجراءات الجنائية أنه لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانوناً، وكان البين من قرار اعتقال المطعون ضده الصادر بتاريخ 11 من سبتمبر سنة 1965 - والمودع صورته الرسمية ضمن حافظة مستندات الطاعنين المرفقة بالملف الابتدائي المنضم - إنه صدر من رئيس الجمهورية وأفصح عن سنده التشريعي في الإصدار بأنه القانون رقم 119 لسنة 1964 بشأن بعض التدابير الخاصة بأمن الدولة، والذي تضمن النص في مادته الأولى على أنه "يجوز بقرار من رئيس الجمهورية القبض على الأشخاص الآتي ذكرهم وحجزهم في مكان أمين......" وكانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت بتاريخ الأول من إبريل سنة 1978 في القضية رقم 5 لسنة 7 قضائية دستورية بعدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 سالفة الذكر، لما كان ذلك، وكان يترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم، إلا أن عدم تطبيق النص - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - لا ينصرف إلى المستقبل فحسب وإنما ينسحب على الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم دستورية النص على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعي الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره بحكم حاز قوة الأمر المقضي أو بانقضاء مدة التقادم، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خلص، وبلا نعي عليه في هذا الخصوص، إلى رفض الدفع المبدى من الطاعنين بسقوط الحق في رفع الدعوى بالتقادم الثلاثي، ومن ثم فإن الاستثناء من تطبيق الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 119 لسنة 1964 سالفة الذكر يكون غير متحقق وينبني عليه عدم جواز تطبيق هذا النص بشأن واقعة اعتقال المطعون ضده ويصبح قرار رئيس الجمهورية باعتقاله بمثابة قرار فردي لا يستند فيه مصدره إلى قانون بما يجعل الأمر في هذا الخصوص غير قائم على أساس من الشرعية ومتسماً بمخالفة صارخة للقانون ومشوباً بعيب جسيم ينحدر به إلى مرتبة الفعل المادي المعدوم الأثر قانوناً لما ينطوي عليه من اعتداء على الحرية الشخصية، فيصبح متجرداً من صفته الإدارية وتسقط عنه الحصانة المقررة للقرارات الإدارية ويختص بالتالي القضاء العادي برفع ما نتج عن هذا الإجراء المادي من آثار، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وأدخل ضمن عناصر الضرر المعوض عنها ما لحق المطعون ضده من ضرر بسبب الاعتقال، فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه ولم يشبه ثمة قصور ويكون النعي عليه بهذين السببين على غير أساس.
ولما تقدم يتعين رفض الطعن.