أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الثاني - السنة 41 - صـ 337

جلسة 21 من يونيه سنة 1990

برئاسة السيد المستشار/ درويش عبد المجيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد المنعم حافظ نائب رئيس المحكمة، محمد خيري الجندي، عبد العال السمان ومحمد شهاوي.

(231)
الطعن رقم 574 لسنة 57 القضائية

(1) دعوى "عوارض الخصومة" "وقف الدعوى".
وقف الدعوى طبقاً للمادة 29 مرافعات. أمر جوازي للمحكمة حسبما تستبينه من جدية المنازعات في المسألة الأولية الخارجة عن اختصاصها أو عدم جديتها.
(2) شفعة. دعوى. التزام. بيع.
استناد الشفيعان إلى عقد البيع الأول الذي باعت بموجبه المالكة العقار في حق الشفعة وصدور الحكم النهائي لهما بذلك في دعوى الشفعة على أساسه. أثره. استحالة تنفيذ التزام الطاعن بنقل ملكية العقار الناشئ عن عقد البيع الثاني الذي لم يختصم أطرافه في دعوى الشفعة. (مثال).
(3) التزام. بيع "فسخ البيع". عقد. شفعة.
استحالة تنفيذ أحد المتعاقدين التزامه لسبب أجنبي. أثره انفساخ العقد من تلقاء نفسه. تحمل المدين بالالتزام تبعة الاستحالة. المادتان 159، 160 من القانون المدني. انتهاء الحكم سائغاً إلى استحقاق الغير لعقار النزاع بالشفعة وفسخ عقد البيع الصادر بشأنه من الطاعن وإلزامه برد الثمن إلى المطعون ضدهما. النعي عليه على غير أساس.
(4) التزام. بيع. عقد. فوائد.
الحق في الحبس والدفع بعدم التنفيذ. نطاق كل منهما. وجوب توافر الارتباط بين دينين ولا يكفي في تقرير الحق في الحبس وجود دينين متقابلين. المادتان 161، 426 من القانون المدني. فسخ عقد البيع. يترتب عليه التزام المشتري برد المبيع إلى البائع ويقابله التزام الأخير برد ما قبضه من الثمن إلى المشتري. التزام المشتري برد ثمرات المبيع إلى البائع يقابله التزام الأخير برد فوائد الثمن إلى الأول. أثره.
(5) التزام "المقاصة". استئناف. حكم. نقض.
طلب الطاعن إجراء المقاصة فيما يدعيه من دين بما اشتمل عليه من ثمن أنقاض عقار النزاع دون تعيين مقدار الدين وخلوه من النزاع. تكييفه. طلب مقاصة قضائية. وجوب إبدائها بعريضة الدعوى العادية أو في صورة طلب عارض أمام محكمة أول درجة. إبداؤها أمام محكمة الاستئناف لأول مرة. غير مقبول. م 235 مرافعات. عدم استجابة الحكم المطعون فيه لدفع الطاعن بالحبس ولطلبه إجراء المقاصة صحيح قانوناً. لا يبطله ما اشتملت عليه أسبابه من أخطاء قانونية. لمحكمة النقض تصحيحها بغير أن تنقضه.
(6) شفعة. بيع التزام. ملكية.
من أحكام الشفعة. تولد حق الشفيع بمجرد تمام انعقاد البيع على العين المشفوعة. الحكم النهائي سند ملكية العقار المشفوع فيه. م 924 مدني. مؤدى ذلك. ثبوت الحق في الشفعة لا يعد تعرضاً موجباً لضمان الاستحقاق على البائع.
1 - وقف الدعوى طبقاً للمادة 129 من قانون المرافعات هو أمر جوازي للمحكمة حسبما تستبينه من جدية المنازعة في المسألة الأولية الخارجة عن اختصاصها أو عدم جديتها.
2 - إذ كان الثابت أن طلب الشقيقين أخذ عقار النزاع بالشفعة في الدعوى رقم..... لسنة 1978 مدني الفيوم قد تحدد بعقد البيع الصادر من المالكة الأصلية للعقار إلى الطاعن وليس بعقد البيع الثاني المؤرخ 17/ 11/ 1978 الصادر من الأخير إلى المطعون ضدهما فإنهما يكونان خارجين عن الخصومة في دعوى الشفعة ولا يعتبران طرفاً فيها فلا تنصرف إليهما آثار الحكم النهائي الصادر فيها بثبوت الشفعة فيما ترتبه من حلول الشفيع قبل البائع محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته بما فيها التزامه بدفع ثمن العقار المشفوع فيه إلى البائع إذا لم يكن قد قبضه أو إلى المشتري إذا كان قد أداه، إذ المقصود بهذه الآثار هو عقد البيع الأول الذي باعت بموجبه المالكة العقار إلى الطاعن واستند إليه الشفيعان في حق الشفعة وصدور الحكم النهائي لهما بذلك في دعوى الشفعة على أساسه. لذا فغير صحيح في القانون قول الطاعن بحلول المطعون ضدهما محله في اقتضاء الثمن الذي أودعه الشفيعان خزانة المحكمة على ذمة دعوى الشفعة، لما كان ذلك، وكان يترتب على الحكم النهائي الصادر في دعوى الشفعة والذي يعتبر سنداً لملكية الشفيع تعلق حق ملكية المحكوم لهما بالشفعة بعقار النزاع واستئثارهما به مما يحول بين الطاعن وبين تنفيذ التزامه بنقل ملكية هذا العقار الناشئ عن عقد البيع الصادر منه إلى المطعون ضدهما بتاريخ 17/ 11/ 1987 فيصير هذا الالتزام مستحيلاً باستحقاق الشفيعين العقار المبيع بالشفعة.
3 - المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن عقد البيع ينفسخ حتماً من تلقاء نفسه طبقاً للمادة 159 من القانون المدني بسبب استحالة تنفيذ أحد المتعاقدين بسبب أجنبي، ويترتب على الانفساخ ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، ويتحمل تبعة الاستحالة في هذه الحالة المدين بالالتزام الذي استحال تنفيذ عملاً بمبدأ تحمل التبعة في العقد الملزم للجانبين. إذ كان ذلك وكان الحكم الابتدائي الذي أحال الحكم المطعون فيه إلى أسبابه قد انتهى إلى هذه النتيجة حين ذهب إلى أن استحقاق الغير لعقار النزاع بالشفعة يقتضي عقد البيع الصادر بشأنه من الطاعن وبالتالي فإنه يلزم برد الثمن إلى المطعون ضدهما بالتطبيق للمادة 160 من القانون المدني، وكان ما استخلصه سائغاً له أصله الثابت من الأوراق ومؤدياً إلى ما انتهى إليه ولا مخالفة فيه للقانون، فإن النعي على الحكم المطعون فيه يكون على غير أساس.
4 - إذ كانت حقيقة ما يقصده الطاعن من الدفع بعدم تنفيذ التزاماته المترتبة على فسخ البيع محل النزاع هو التمسك بحق الحبس المنصوص عليه في المادة 426 من القانون المدني وإن عبر عنه خطأ بالدفع بعدم التنفيذ إذ أن مجال إثارة هذا الدفع الأخير طبقاً لنص المادة 161 من القانون المدني مقصور على الالتزامات المتقابلة في العقود الملزمة للجانبين دون تلك الالتزامات المترتبة على زوال العقود، بخلاف الحق في الحبس الذي نصت عليه المادة 426 من هذا القانون والتي وضعت قاعدة عامة تنطبق في أحوال لا تتناهى تخول المدين أن يمتنع عن الوفاء بالتزامه استناداً لحقه في الحبس بوصفه وسيلة من وسائل الضمان ما دام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام نشأ بسبب التزام هذا المدين وكان مرتبطاً به. فيشترط في حق الحبس طبقاً لهذا النص توافر الارتباط بين دينين، ولا يكتفي في تقرير هذا الحق وجود دينين متقابلين. إذ كان ذلك وكان فسخ عقد البيع يترتب عليه التزام المشتري برد المبيع إلى البائع ويقابله التزام البائع برد ما قبضه من الثمن إلى المشتري والتزام المشتري برد ثمرات المبيع إلى البائع ويقابله التزام هذا الأخير برد فوائد الثمن إلى الأول، فإن مؤدى ذلك أن حق الطاعن - البائع - في الحبس ضماناً لما يستحقه من ثمرات العقار المبيع نتيجة لفسخ عقد البيع ينحصر فيما يقابل هذه الثمرات ويرتبط بها من فوائد الثمن المستحقة للمطعون ضدهما - المشترين - في ذمته.
5 - طلب الطاعن إجراء المقاصة فيما يدعيه من دين بما اشتمل عليه من ثمن أنقاض العقار محل النزاع دون تعيين مقدار هذا الدين وخلوه من النزاع إنما ينطوي في حقيقته على مقاصة قضائية، ولما كان يتعين على الطاعن أن يسلك في هذا الطلب سبيل الدعوى العادية أو أن يبديه في صورة طلب عارض أمام محكمة أول درجة إلا أنه تنكبه هذا الطريق الصحيح بإبداء طلب المقاصة القضائية لأول مرة أمام محكمة الاستئناف فإن هذا الطلب يكون غير مقبول باعتباره من الطلبات الجديدة التي لا يجوز إبداؤها لأول مرة أمام محكمة الاستئناف وتقضي المحكمة بعدم قبوله من تلقاء نفسها طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 235 من قانون المرافعات، لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يستجب لدفع الطاعن بالحبس ولطلبه إجراء المقاصة فإنه يكون صحيح النتيجة قانوناً. ومن ثم فلا يجدي الطاعن تعييب الأسباب القانونية للحكم في هذا الخصوص، ذلك بأنه متى كان الحكم المطعون فيه سليماً في نتيجته التي انتهى إليها فإنه لا يبطله ما يكون قد اشتملت عليه أسبابه من أخطاء قانونية إذ لمحكمة النقض أن تصحح هذه الأخطاء بغير أن تنقضه.
6 - إذ كان الشارع قد استن أحكام الشفعة استمداداً من مبادئ الشريعة الإسلامية لاعتبارات اجتماعية واقتصادية تقوم عليها مصلحة الجماعة، فجعل البيع سبباً للشفعة، وجعل حق الشفيع فيها متولداً من العقد ذاته بمجرد تمام انعقاد البيع على العين المشفوعة، وكفل قيام هذا الحق دائماً للشفيع في مواجهة البائع والمشتري على السواء، ما لم يتم إنذاره رسمياً أو يسجل عقد البيع ويسقط الشفيع حقه في الشفعة فإذا ما تمسك الأخير بهذا الحق وسلك في سبيله طريق الدعوى التي يرفعها على كل من البائع والمشتري توصلاً إلى ثبوته حتى إذا ما صدر له حكم نهائي بذلك يعتبر سنداً لملكيته العقار المشفوع فيه فإنه يحل بموجبه محل المشتري في جميع الحقوق والالتزامات الناشئة عن البيع فتخلص له ملكية العقار المبيع في مقابل الثمن الحقيقي الذي أوجب عليه المشرع إيداعه خزانة المحكمة طبقاً للمادة 942 من القانون المدني ضماناً لحق المشتري فيسترده الأخير إذا كان قد وفاه. لما كان ذلك، وكان حق الشفعة بهذه المثابة لا يعد تعرضاً موجباً لضمان الاستحقاق، فمن ثم فإن استعمال الشفيع حقه في الشفعة وصدور حكم نهائي بأحقيته للعقار المبيع لا يرتب مسئولية البائع قبل المشتري لتعويضه عما حاق به من ضرر بسبب استحقاق العقار للشفيع.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهما أقاما على الطاعن الدعوى رقم 1604 لسنة 1984 مدني الفيوم الابتدائية بطلب الحكم بفسخ عقد البيع المؤرخ 17/ 11/ 1978 وإلزامه بأن يرد إليهما الثمن البالغ 18000 جنيه وتعويض مقداره 1000 جنيه، وقالا بياناً لذلك إنه بموجب هذا العقد فقد باع لهما الأخير العقار المبين به لقاء ثمن مدفوع مقداره 18000 جنيه وبعد تمام العقد تبين لهما أن كلاً من....... و........ أقاما دعوى الشفعة رقم 1171 لسنة 1978 مدني الفيوم الابتدائية على الطاعن المشتري الأول للعقار ومالكته الأصلية بطلب أحقيتهما في أخذ هذا العقار بالشفعة ولم يختصما فيها باعتبارهما مشتريين له من الطاعن بالعقد المؤرخ 17/ 11/ 1978، وقد قضى بعدم قبول دعوى الشفعة ابتدائياً إلا أن هذا الحكم ألغي بالحكم الصادر في الاستئناف رقم 155 لسنة 18 قضائية بني سويف والذي قضى بأحقية الشفيع في أخذ عقار النزاع بالشفعة، مما يجيز لهما طلب فسخ العقد واسترداد الثمن وطلب التعويض لحرمانهما من الصفقة. لذا فقد أقاما الدعوى ليحكم بطلباتهما. وبتاريخ 22 من إبريل سنة 1985 حكمت المحكمة للمطعون ضدهما بطلباتهما. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة الاستئناف بني سويف - مأمورية الفيوم - بالاستئناف رقم 279 لسنة 21 قضائية، وبتاريخ 11 من يناير سنة 1987 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه، وإذ عرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره فيها ألزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب ينعى الطاعن بأولها على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه تمسك في صحيفة الاستئناف بطلب وقف الدعوى لحين الفصل في الدعوى رقم 1812 لسنة 1979 مدني الفيوم الابتدائية التي رفعها المطعون ضدهما بطلب فسخ عقد بيع عقار النزاع فسخاً جزئياً إذ لا يسوغ القضاء بفسخ العقد في الدعوى الحالية قبل الفصل في موضوع تلك الدعوى، ومع ذلك فقد أغفل الحكم المطعون فيه الرد على هذا الدفاع وأما قوله بأن المحكمة لا ترى موجباً لضم الدعوى آنفة الذكر فلا يصلح رداً، مما يعيبه.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول، ذلك بأنه لما كان وقف الدعوى طبقاً للمادة 129 من قانون المرافعات هو أمر جوازي للمحكمة حسبما تستبينه من جدية المنازعة في المسألة الأولية الخارجة عن اختصاصها أو عدم جديتها، وكان الثابت من الأوراق أن الدعوى رقم 1812 لسنة 1979 مدني الفيوم الابتدائية رفعت من المطعون ضدهما بطلب الحكم بإلزام الطاعن بالتعويض عن العيوب الخفية التي ظهرت في عقار النزاع استناداً إلى صدور قرار من لجنة المنشآت الآيلة للسقوط بإزالة بعض أجزائه وترميم البعض الآخر، فإنها تخرج بذلك عن نطاق دعوى الفسخ الحالية لاختلافهما محلاً وسبباً مما من شأنه عدم توقف الحكم في الدعوى الأخيرة على صدور حكم في الدعوى الأولى، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى ذلك فإنه يكون صحيح النتيجة قانوناً, ويغدو النعي عليه بهذا السبب غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الثاني من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم النهائي الصادر في دعوى الشفعة رقم 1171 لسنة 1978 مدني الفيوم الابتدائية هو حكم منشئ لحق ملكية الشفيعين لعقار النزاع، وأنه يترتب عليه حلول الأخيرين محل المشتري في الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد البيع ومنها التزامهما برد ثمن العقار المشفوع فيه إلى المطعون ضدهما باعتبارهما مشتريين لهذا العقار، وإذ كان الثابت أن الشفيعين قاما بإيداع ثمن لعقار النزاع خزانة المحكمة في دعوى الشفعة آنفة البيان فلا يجوز للمطعون ضدهما رفع الدعوى بطلب فسخ عقد البيع واسترداد الثمن من الطاعن، خلافاً لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه مما يعيبه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأنه لما كان الثابت أن طلب الشفيعين أخذ عقار النزاع بالشفعة في الدعوى رقم 1171 لسنة 1978 مدني الفيوم قد تحدد بعقد البيع الصادر من المالكة الأصلية للعقار إلى الطاعن وليس بعقد البيع الثاني المؤرخ 17/ 11/ 1978 الصادر من الأخير إلى المطعون ضدهما فإنهما يكونان خارجين عن الخصومة في دعوى الشفعة ولا يعتبران طرفاً فيها فلا تنصرف إليهما آثار الحكم النهائي الصادر فيها بثبوت الشفعة فيما ترتبه من حلول الشفيع قبل البائع محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته بما فيها التزامه بدفع ثمن العقار المشفوع فيه إلى البائع إذا لم يكن قد قبضه أو إلى المشتري إذا كان قد أداه، إذ المقصود بهذه الآثار هو عقد البيع الأول الذي باعت بموجبه المالكة العقار إلى الطاعن واستند إليه الشفيعان في حق الشفعة وصدر الحكم النهائي لهما بذلك في دعوى الشفعة على أساسه. لذا فغير صحيح في القانون قول الطاعن بحلول المطعون ضدهما محله في اقتضاء الثمن الذي أودعه الشفيعان خزانة المحكمة على ذمة دعوى الشفعة. لما كان ذلك، وكان يترتب على الحكم النهائي الصادر في دعوى الشفعة والذي يعتبر سنداً لملكية الشفيع تعلق حق ملكية المحكوم لهما بالشفعة بعقار النزاع واستئثارهما به مما يحول بين الطاعن وبين تنفيذ التزامه بنقل ملكية هذا العقار الناشئ عن عقد البيع الصادر منه إلى المطعون ضدهما بتاريخ 17/ 11/ 1978 فيصير تنفيذ هذا الالتزام مستحيلاً باستحقاق الشفيعين العقار المبيع بالشفعة. وكان من المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن عقد البيع ينفسخ حتماً ومن تلقاء نفسه طبقاً للمادة 159 من القانون المدني بسبب استحالة تنفيذ أحد المتعاقدين لسبب أجنبي، ويترتب على الانفساخ ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، ويتحمل تبعة الاستحالة في هذه الحالة المدين بالالتزام الذي استحال تنفيذه عملاً بمبدأ يتحمل التبعة في العقد الملزم للجانبين. إذ كان ذلك وكان الحكم الابتدائي الذي أحال الحكم المطعون فيه إلى أسبابه قد انتهى إلى هذه النتيجة حين ذهب إلى أن استحقاق الغير لعقار النزاع بالشفعة يقتضي فسخ عقد البيع الصادر بشأنه من الطاعن وبالتالي فإنه يلزم برد الثمن إلى المطعون ضدهما بالتطبيق للمادة 160 من القانون المدني، وكان ما استخلصه سائغاً وله أصله الثابت من الأوراق ومؤدياً ما انتهى إليه ولا مخالفة فيه للقانون، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الأول لكل من السببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول أنه تمسك أمام محكمة الاستئناف بالدفع بعدم التنفيذ وبطلب إجراء المقاصة على أساس أن المطعون ضدهما كانا قد تسلما منه العقار المبيع وحصلا على القيمة الإيجارية من المستأجرين له، كما استصدرا ترخيصاً من الجهة الإدارية بإزالة طابقين منه وقاما بإزالتهما بالفعل وبيع الأنقاض لذا فإنهما يكونان مدينين له بجملة هذه المبالغ التي حصلا عليها مما يسوغ له الدفع بعدم تنفيذ التزاماته الناشئة عن فسخ العقد وطلب إجراء المقاصة.
ومع ذلك فإن الحكم المطعون فيه لم يعن بالرد على هذا الدفاع واكتفى بقوله بأن ريع عقار النزاع في الفترة السابقة على صدور الحكم النهائي في دعوى الشفعة هو من حق المطعون ضدهما المشترين باعتبارهما مالكين له ثم يؤول الربع بعد ذلك إلى الشفيع في القترة اللاحقة إعمالاً لأثر هذا الحكم فيكون له وحده دون الطاعن مطالبة المطعون ضدهما بما استوفياه من الريع في هذه الفترة، وهذا القول من الحكم لا يصلح رداً ولا يستقيم مع ما يوجبه التزامه بتسليم عقار النزاع إلى المحكوم لهما في دعوى الشفعة بالحالة التي كان عليها وقت البيع مما يستتبع قيام حقه في مطالبة المطعون ضدهما بقيمة ما نقص منه بسبب ما أحدثاه فيه من الهدم والإزالة خلافاً لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه مما يعيبه.
وحيث إن هذا النعي مردود، فبالنسبة للدفع بعدم التنفيذ فلما كانت حقيقة ما يقصده الطاعن من الدفع بعدم تنفيذ التزاماته المترتبة على فسخ عقد البيع محل النزاع هو التمسك بحق الحبس المنصوص عليه في المادة 246 من القانون المدني وإن عبر عنه خطأ بالدفع بعدم التنفيذ إذ أن مجال إثارة هذا الدفع الأخير طبقاً لنص المادة 161 من القانون المدني مقصور على الالتزامات المتقابلة في العقود الملزمة للجانبين دون تلك الالتزامات المترتبة على زوال العقود. بخلاف الحق في الحبس الذي نصت عليه المادة 246 من هذا القانون والتي وضعت قاعدة عامة تنطبق في أحوال لا تتناهى تخول للمدين أن يمتنع عن الوفاء بالتزامه استناداً لحقه في الحبس بوصفه وسيلة من وسائل الضمان، ما دام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام نشأ بسبب التزام هذا المدين وكان مرتبطاً به. فيشترط في حق الحبس طبقاً لهذا النص توافر الارتباط بين دينين، ولا يكتفي في تقرير هذا الحق وجود دينين متقابلين. إذ كان ذلك وكان فسخ عقد البيع يترتب عليه التزام المشتري برد المبيع إلى البائع ويقابله التزام البائع برد ما قبضه من الثمن إلى المشتري، والتزام المشتري برد ثمرات المبيع إلى البائع ويقابله التزام هذا الأخير برد فوائد الثمن إلى الأول، فإن مؤدى ذلك أن حق الطاعن - البائع - في الحبس ضماناً لما يستحقه من ثمرات العقار المبيع نتيجة لفسخ عقد البيع ينحصر فيما يقابل هذه الثمرات ويرتبط بها من فوائد الثمن المستحقة للمطعون ضدهما - المشترين - في ذمته. لما كان ذلك، وكان المطعون ضدهما لم يطلبا في دعوى الفسخ إلزام الطاعن بفوائد ما قبضه من الثمن فلا يسوغ له التمسك بحبس الثمن المستحق لهما تحت يده بعد الحكم بفسخ عقد البيع لعدم تحقق شرط الارتباط بين هذين الدينين، كما لا يشفع له في ذلك قوله بأن المطعون ضدهما مدينان له بقيمة أنقاض ما أزالاه من هذا العقار لخلو أوراق الدعوى مما يدل على حصول هذه الإزالة حتى يمكن القول بأن ذلك الدين محقق الوجود. وأما بالنسبة لطلب المقاصة فإن النعي مردود كذلك، ذلك بأن طلب الطاعن إجراء المقاصة فيما يدعيه من دين بما اشتمل عليه من ثمن أنقاض العقار محل النزاع دون تعيين مقدار هذا الدين وخلوه من النزاع إنما ينطوي في حقيقته على مقاصة قضائية، ولما كان يتعين على الطاعن أن يسلك في هذا الطلب سبيل الدعوى العادية أو أن يبديه في صورة طلب عارض أمام محكمة أول درجة إلا أنه تنكب هذا الطريق الصحيح بإبداء طلب المقاصة القضائية لأول مرة أمام محكمة الاستئناف فإن هذا الطلب يكون غير مقبول باعتباره من الطلبات الجديدة التي لا يجوز إبداؤها لأول مرة أمام محكمة الاستئناف وتقضي المحكمة بعدم قبوله من تلقاء نفسها طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 235 من قانون المرافعات. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يستجب لدفع الطاعن بالحبس ولطلبه إجراء المقاصة فإنه يكون صحيح النتيجة قانوناً. ومن ثم فلا يجدي الطاعن تعييب الأسباب القانونية للحكم في هذا الخصوص، ذلك بأنه متى كان الحكم المطعون فيه سليماً في نتيجته التي انتهى إليها فإنه لا يبطله ما يكون قد اشتملت عليه أسبابه من أخطاء قانونية إذ لمحكمة النقض أن تصحح هذه الأخطاء بغير أن تنقضه.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الأول من السبب الثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، وفي بيان ذلك يقول إنه قضى بإلزامه بأداء مبلغ ألف جنيه تعويضاً للمطعون ضدهما لوقوع تعرض لهما في الانتفاع بالعقار المبيع بسبب استحقاقه للغير بالشفعة بالحكم النهائي الصادر في دعوى الشفعة رقم 1171 لسنة 1978 مدني الفيوم الابتدائية، في حين أن طلب الشفيع أخذ العقار بالشفعة هو حق مقرر بنص القانون فإذا ما استحق العقار للشفيع بسبب استعماله هذا الحق فإن ذلك لا يعد تعرضاً يضمنه البائع وليس من شأنه أن يرتب ثمة مسئولية قبله تجاه المشتري.
وحيث إن هذا النعي سديد، ذلك بأنه لما كان الشارع قد استن أحكام الشفعة استمداداً من مبادئ الشريعة الإسلامية لاعتبارات اجتماعية واقتصادية تقوم عليها مصلحة الجماعة، فجعل البيع سبباً للشفعة، وجعل حق الشفيع فيها متولداً من العقد ذاته بمجرد تمام انعقاد البيع على العين المشفوعة، وكفل قيام هذا الحق دائماً للشفيع في مواجهة البائع والمشتري على السواء، ما لم يتم إنذاره رسمياً أو يسجل عقد البيع ويسقط الشفيع حقه في الشفعة، فإذا ما تمسك الأخير بهذا الحق وسلك في سبيله طريق الدعوى التي يرفعها على كل من البائع والمشتري توصلاً إلى ثبوته حتى إذا ما صدر له حكم نهائي بذلك يعتبر سنداً لملكيته للعقار المشفوع فيه فإنه يحل بموجبه محل المشتري في جميع الحقوق والالتزامات الناشئة عن البيع فتخلص له ملكية العقار المبيع في مقابل الثمن الحقيقي الذي أوجب عليه المشرع إيداعه خزانة المحكمة طبقاً للمادة 942 من القانون المدني ضماناً لحق المشتري فيسترده الأخير إذ كان قد وفاه. لما كان ذلك، وكان حق الشفعة بهذه المثابة لا يعد تعرضاً موجباً لضمان الاستحقاق، فمن ثم فإن استعمال الشفيع حقه في الشفعة وصدور حكم نهائي بأحقيته للعقار المبيع لا يرتب مسئولية البائع قبل المشتري لتعويضه عما حاق به من ضرر بسبب استحقاق العقار للشفيع. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بقضائه بإلزام الطاعن بأداء مبلغ ألف جنيه تعويضاً للمطعون ضدهما عن استحقاق عقار النزاع بالشفعة فإن يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يوجب نقضه في هذا الخصوص.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه بخصوص طلب الضمان عن عدم التعرض، ولما تقدم يتعين إلغاء الحكم الابتدائي ورفض الدعوى بالنسبة إلى هذا الطلب.