أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 45 - صـ 473

جلسة 5 من إبريل سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ محمد حسين لبيب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ رضوان عبد العليم ووفيق الدهشان وبدر الدين السيد نواب رئيس المحكمة وعبد الرحمن أبو سليمه.

(75)
الطعن رقم 7618 لسنة 62 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام" "اعتراف". إجراءات "إجراءات المحاكمة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حرية القاضي الجنائي في تكوين اقتناعه من أي دليل له مأخذه في الأوراق.
حق المحكمة في الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه أو في حق غيره من المتهمين ولو عدل عنها فيما بعد.
(2) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق المحكمة الاعتماد على أقوال الشهود. متى اطمأنت إليها.
قول متهم على آخر. حقيقته. شهادة للمحكمة التعويل عليها.
(3) إثبات "بوجه عام". دفوع "الدفع ببطلان القبض". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الادعاء ببطلان القبض. لا يحول دون أخذ القاضي بعناصر الإثبات الأخرى غير المتصلة بالضبط.
(4) إثبات "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة بإجابة طلب مناقشة الخبير. ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها اتخاذ هذا الإجراء.
(5) إثبات "معاينة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة بإجابة طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل أو إثبات استحالة حصوله.
(6) إثبات "بوجه عام". إجراءات "إجراءات التحقيق". إكراه. مأمورو الضبط القضائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تواجد ضباط الشرطة أثناء التحقيق. ليس فيه ما يعيب إجراءاته.
سلطان الوظيفة بما يسبغ على صاحبه من اختصاصات وإمكانيات. لا يعد إكراهاً. ما دام لم يستطل على المتهم بأذى مادي أو معنوي.
(7) قتل عمد. إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
جواز استدعاء الضابط وقضاة التحقيق وأعضاء النيابة شهوداً في القضايا التي لهم عمل فيها. شرط ذلك؟
(8) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. ما دام استخلاصها سائغاً.
(9) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود وتديرها. موضوعي.
(10) إثبات "شهود". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
أخذ المحكمة بأقوال شاهد. مفاده. إطراح جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
(11) إثبات "شهود". إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الطلب الجازم. ماهيته؟
حق المحكمة في الاستغناء عن سماع الشهود. إذ قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً. المادة 289 إجراءات.
(12) إثبات "شهود". استعراف. إجراءات "إجراءات التحقيق". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم رسم القانون صورة معينة لتعرف الشاهد على جثة المجني عليها. حق محكمة الموضوع في الأخذ بتعرف الشاهد على الجثة. ما دامت قد اطمأنت إليه.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
(13) إثبات "بوجه عام". قتل عمد. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم العثور على جثة المجني عليها. غير قادح في ثبوت جريمة القتل.
1 - الأصل أن القاضي الجنائي حر في أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق وأن من حقه أن يأخذ في هذا الشأن بأقوال متهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين وأن عدل عنها بعد ذلك ما دام قد اطمأن إليها.
2 - من حق محكمة الموضوع أن تعتمد على أقوال الشهود إذ مرجع الأمر كله إلى ما تطمئن إليه من عناصر الاستدلال وإذ كان قول متهم على آخر في حقيقة الأمر شهادة يسوغ للمحكمة أن تعول عليها.
3 - من المقرر أنه لا يمنع المحكمة من الاعتماد على أقوال رجل الضبط القضائي فيما باشره من إجراءات ونهى إليه من معلومات فيما لا يتصل بالقبض المدعى ببطلانه فلا تثريب على الحكم إذا هو عول على أقوال الضابط فيما قام به من تحريات سابقة على الضبط.
4 - إن المحكمة لا تلتزم بإجابة طلب استدعاء الخبير لمناقشته ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها اتخاذ هذا الإجراء.
5 - إن ما أورده الحكم يستقيم به إطراح دفاع الطاعن بشأن طلب إجراء المعاينة وكان هذا الدفع لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة بل كان المقصود به إثارة الشبهة في الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة ويعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم بإجابته.
6 - إن مجرد حضور ضابط الشرطة التحقيق ليس فيه ما يعيب إجراءاته إذ أن سلطان الوظيفة في ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وإمكانيات لا يعد إكراها ما دام هذا السلطان لم يستطل على المتهم بالأذى مادياً أو معنوياً كما أن مجرد الخشية منه لا يعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكماً وهو ما لم يغب أمره على الحكم المطعون فيه في رده على ما أثاره الطاعن بما يسوغ رفضه.
7 - إن كان القانون لا يمنع استدعاء الضابط وقضاة التحقيق وأعضاء النيابة شهوداً في القضايا التي لهم عمل فيها، إلا أن استدعاء أي منهم لا يكون إلا متى رأت المحكمة أو السلطة التي تؤدى الشهادة أمامها محلاً لذلك.
8 - الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وإن تطرح ما يخالفها من صورة أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستمداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
9 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديره مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب.
10 - الأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم لحقيقة اصطحاب الطاعن والمتهم الآخر للمجني عليها اختفائها عقب ذلك ثم اكتشاف جثتها، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض.
11 - من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه، ولا ينفك عن التمسك به، والإصرار عليه في طلباته الختامية، وكانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية - بعد تعديلها بالقانون رقم 113 لسنة 1957 قد خولت المحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك يستوي في ذلك أن يكون هذا القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديداً.
12 - لما كان الطاعن ينازع في تعرف ابن عم المجني عليها على جثتها دون أن ينازع في تعرف شقيقه المجني عليها على الجثة وفي تعرفها الكفاية على فرض استبعاد الشاهد الآخر ذلك أن القانون لم يحدد لهذا التعرف صورة خاصة يبطل إذا لم يتم عليها لأن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بتعرف الشاهد على الجثة ما دامت قد اطمأنت إليه إذ العبرة هي باطمئنان المحكمة إلى صدق الشاهد نفسه ما دام واقع الحال يسانده فلا على المحكمة إن هي اعتمدت على الدليل المستمد من تعرف الشاهدين على الجثة ما دام تقدير قوة الدليل من سلطتها وحدها وأن القول بتغير معالم الجثة أو أنها لغير المجني عليها لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
13 - لا يقدح في ثبوت جريمة القتل عدم العثور على جثة المجني عليها ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن عن ذلك يكون في غير محله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين: بأنهما قتلا....... عمداً مع سبق الإصرار بأن عقداً العزم وبيتا النية على قتلها واستدرجاها إلى مكان ناء وما أن انفرداً بها حتى أحاط الأول عنقها بقطعة قماش (شال) وشل الثاني من مقاومتها قاصدين من ذلك قتلها فأحدثا بها الإصابات والعلامات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها - وقد ارتبطت هذه الجناية بجنحة هي أنهما في الزمان والمكان سالفي الذكر سرقاً الحلي المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات هي والمملوكة للمجني عليها سالفة الذكر وكان ذلك ليلاً، وأحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعت والدة المجني عليها وأشقائها مدنياً قبل المتهم الثاني بمبلغ مائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات دمنهور قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 234/ 1 - 3، 317 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة وفي الدعوى المدنية بإلزام المتهم الثاني.... بأن يؤدى للمدعين بالحق المدني مبلغ مائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن الأول...... ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه والطاعن الآخر بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار المرتبط بجنحة سرقة قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ذلك بأن الحكم عول في إدانته على إقراره والمتهم الآخر عليه رغم إنكاره أمام المحكمة وأن تقاضيه مبلغاً منه لا يقطع بمشاركته له في ارتكاب الجريمة، وأطرح دفعه ببطلان أمر القبض لابتنائه على التحريات فقط من دون توافر دلائل كافية تبرر إصداره، وأغفل طلباته الثابتة بمذكرته المقدمة بجلسة المحاكمة والتي تمسك فيها بطلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته ومعاينة مكان العثور على الجثة واستدعاء كاتب الجلسة لمناقشته في تواجد رجال الشرطة داخل غرفة التحقيق الذي باشرته النيابة العامة وتكليف عضو النيابة المحقق بتقديم مذكرة بهذا الخصوص مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من شهادة شهود الإثبات ومما جاء بمحضر الضبط وتقرير الصفة التشريحية وما قرره المتهمين بالتحقيقات وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك وكان الأصل أن القاضي الجنائي حر في أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق وأن من حقه أن يأخذ في هذا الشأن بأقوال متهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين وأن عدل عنها بعد ذلك ما دام قد اطمأن إليها. فإنه لا يقبل من الطاعن ما يثيره في طعنه في أمر يتصل بتقدير محكمة الموضوع ومحاولة مصادرتها في عقيدتها - فضلاً عن أن من حق محكمة الموضوع أن تعتمد على أقوال الشهود إذ مرجع الأمر كله إلى ما تطمئن إليه من عناصر الاستدلال وإذ كان قول متهم على آخر في حقيقة الأمر شهادة يسوغ للمحكمة أن تعول عليها، فإن منعى الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يمنع المحكمة من الاعتماد على أقوال رجل الضبط القضائي فيما باشره من إجراءات ونهى إليه من معلومات فيما لا يتصل بالقبض المدعى ببطلانه فلا تثريب على الحكم إذا هو عول على أقوال الضابط فيما قام به من تحريات سابقة على الضبط، ومع ذلك فإن الحكم عرض الدفع المبدى من الطاعن ببطلان الضبط والإحضار واطرحه تأسيساً عن أن وكيل النيابة مصدر الأمر إنما استند إلى ما أسفرت عنه التحقيقات بعد سماع أقوال شقيقة المجني عليها واتهامها الطاعن والمتهم الآخر بارتكاب الجريمة وهو ما اعتبرته المحكمة دلائل كافية تحمل إصدار الأمر بما يتفق وصحيح القانون فإن منعى الطاعن يكون في هذا الصدد لا محل له. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لطلبات الطاعن بمذكرته المقدمة منه بما يخالف ما ذهب إليه بهذا الوجه من طعنه إذ أطرح طلب استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لكونه غير مجد بعد أن قطع تقرير الصفة التشريحية بسبب الوفاة وتاريخها كما عرض لطلب إجراء المعاينة لمكان إلقاء جثة المجني عليها واطرحه لمضي مدة طويلة على الحادث مما يجعل من إجرائها أمر لا طائل من ورائه وإما عن طلب مذكرة من وكيل النيابة المحقق واستدعاء سكرتير التحقيق وقوفاً على تواجد رجال الشرطة بغرفة التحقيق عند سؤال الطاعن فقد أطرحته المحكمة تأسيساً على أنه لم يثبت وقوع إكراه على الطاعن ولم تكشف الأوراق عن وقوع إكراه مادي عليه من جراء فعل رجال الشرطة، وخلصت المحكمة إلى رفض طلبات الطاعن بمذكرته. وإذ كان هذا الذي رد به الحكم كافياً ويسوغ به رفض مناقشته كبير الأطباء الشرعيين لما هو مقرر من إن المحكمة لا تلتزم بإجابة طلب استدعاء الخبير لمناقشته ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها اتخاذ هذا الإجراء، وإذ كان ما أورده الحكم أيضاً يستقيم به إطراح دفاع الطاعن بشأن طلب إجراء المعاينة وكان هذا الدفع لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة بل كان المقصود به إثارة الشبهة في الأدلة التي اطمأنت إليها المحكمة ويعتبر دفاعاً موضوعياً لا تلتزم بإجابته. كما إن مجرد حضور ضابط الشرطة التحقيق ليس فيه ما يعيب إجراءاته إذ أن سلطان الوظيفة في ذاته بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وإمكانيات لا يعد إكراها ما دام هذا السلطان لم يستطل على المتهم بالأذى مادياً أو معنوياً كما أن مجرد الخشية منه لا يعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكماً وهو ما لم يغب أمره على الحكم المطعون فيه في رده على ما أثاره الطاعن بما يسوغ رفضه. هذا وإن كان القانون لا يمنع استدعاء الضابط وقضاة التحقيق وأعضاء النيابة شهوداً في القضايا التي لهم عمل فيها، إلا أن استدعاء أي منهم لا يكون إلا متى رأت المحكمة أو السلطة التي تؤدي الشهادة أمامها محلاً لذلك، وكانت المحكمة لم تر مبرراً لإجابة الطاعن بتكليف عضو النيابة المحقق بتقديم مذكرة بعد أن اطمأنت إلى سلامة أقوال الطاعن وأنه لا محل لطلبه، فإن ما أثاره الطاعن في كافة الأمور بهذه الوجه في طعنه يكون لا محل له. لما كان ما تقدم، فإن الطعن المقدم من الطاعن الأول يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
وحيث إن الطاعن الثاني...... ينعى على الحكم المطعون فيه أنه قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع. ذلك بأن الحكم تساند في الإدانة إلى أقوال شهود لم يشاهد أحداً منهم الطاعن حال ارتكابه تلك الجريمة ولم ينقل أحدهم قولاً للمجني عليها، ولم تجبه المحكمة لطلب استدعاء شاهدي الإثبات السابع ويعمل صائغاً والثامن وهو الضابط رغم تمسكه بسماع أقوالهما. كما وأن مبادئ الطب الشرعي تسقط وتهدر تعرف شاهد الإثبات....... على جثة المجني عليها لتغير معالمها بفعل التآكل والتعفن لمضي أكثر من خمس أيام عليها وهي بالمياه. هذا جميعه مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه لما كان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وإن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقديره مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وإذ ما كان الأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لجملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم لحقيقة اصطحاب الطاعن والمتهم الآخر للمجني عليها اختفائها عقب ذلك ثم اكتشاف جثتها، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة التي اختتمت بصدور الحكم المطعون فيه أن المدافع ترافع عن الطاعن دون أن يصر ضمن طلباته الأخرى بالبراءة ورفض الدعوى المدنية - على سماع أياً من الشاهدين المذكورين بوجه طعنه، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه، ولا ينفك عن التمسك به، والإصرار عليه في طلباته الختامية، وكانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية - بعد تعديلها بالقانون رقم 113 لسنة 1957 قد خولت المحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك يستوي في ذلك أن يكون هذا القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل أقوال شاهدة الإثبات الأولى شقيقة المجني عليها أنها تعرفت على جثة شقيقتها المجني عليها كما تعرف عليها ابن عمها وهو شاهد الإثبات الثاني الذي قرر بتعرفه على جثة المجني عليها، وكان الطاعن ينازع في تعرف ابن عم المجني عليها على جثتها دون أن ينازع في تعرف شقيقه المجني عليها على الجثة وفي تعرفها الكفاية على فرض استبعاد الشاهد الآخر ذلك أن القانون لم يحدد لهذا التعرف صورة خاصة يبطل إذا لم يتم عليها لأن لمحكمة الموضوع أن تأخذ بتعرف الشاهد على الجثة ما دامت قد اطمأنت إليه إذ العبرة هي باطمئنان المحكمة إلى صدق الشاهد نفسه ما دام واقع الحال يسانده فلا على المحكمة إن هي اعتمدت على الدليل المستمد من تعرف الشاهدين على الجثة ما دام تقدير قوة الدليل من سلطتها وحدها وأن القول بتغير معالم الجثة أو أنها لغير المجني عليها لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. فضلاً عن أنه لا يقدح في ثبوت جريمة القتل عدم العثور على جثة المجني عليها ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن عن ذلك يكون في غير محله. لما كان ما تقدم فإن الطعن المقدم من الطاعن الثاني يكون أيضاً على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.