أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 45 - صـ 505

جلسة 11 من إبريل سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ نجاح سليمان نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مجدي منتصر، حسن حمزة وحامد عبد الله ومحمد عبد العزيز نواب رئيس المحكمة.

(81)
الطعن رقم 23076 لسنة 61 القضائية

(1) مواد مخدرة. استدلالات. تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات". دفوع "الدفع ببطلان إذن التفتيش". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش. موضوعي.
(2) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغاً.
(3) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
أخذ المحكمة بأقوال شاهد. مفاده؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. إثارته أمام النقض. غير جائز.
(4) إثبات "معاينة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
طلب المعاينة الذي لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة. دفاع موضوعي. لا تلتزم المحكمة بإجابته كفاية استفادة الرد عليه من الحكم بالإدانة.
(5) مواد مخدرة. سلاح. ارتباط. عقوبة "عقوبة الجرائم المرتبطة". إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر الارتباط بين الجرائم". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "حالات الطعن. مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه". محكمة النقض "سلطتها".
الارتباط بين الجرائم. موضوعي. حد ذلك؟
كون الواقعة كما أثبتها الحكم تخالف ما انتهى إليه من عدم قيام الارتباط وتوقيعه عقوبة مستقلة عن كل جريمة. خطأ في القانون.
وجوب نقض الحكم جزئياً وتصحيحه بإلغاء عقوبة الجريمة الأخف. أساس ذلك؟
مثال.
1 - من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في شأن ذلك، فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صورة أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
3 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع بغير معقب ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابطين وبصحة تصويرهما للواقعة فإن ما يثيره الطاعن في ذلك إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض.
4 - من المقرر أن طلب المعاينة إذا كان لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، بل كان مقصوداً به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، فإن مثل هذا الطلب يعد دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته ولا يستلزم منها رداً صريحاً، بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من الحكم بالإدانة.
5 - من المقرر أنه وإن كان الأصل أن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، إلا أنه متى كانت وقائع الدعوى - على النحو الذي حصله الحكم - لا تتفق قانوناً مع ما انتهى إليه من عدم قيام الارتباط بين الجرائم وتوقيعه عقوبة مستقلة عن كل منها فإن ذلك يكون من قبيل الأخطاء القانونية التي تستوجب تدخل محكمة النقض لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح، ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن بعقوبة مستقلة عن كل من جريمتي إحراز جوهر مخدر بقصد الاتجار وسلاح أبيض اللتين دانه بهما رغم ما تنبئ عنه صورة الواقعة كما أوردها من أن الجريمتين قد انتظمتهما خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض فتكونت منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع بالحكم الوارد بالفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات مما كان يوجب الحكم على الطاعن بعقوبة الجريمة الأشد وحدها وهي العقوبة المقررة للجريمة الأولى، ومن ثم فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً وتصحيحه بإلغاء عقوبتي الحبس والغرامة المقضي بهما عن الجريمة الثانية عملاً بالحق المخول لمحكمة النقض بالمادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - من نقض الحكم لمصلحة المتهم إذا تعلق الأمر بمخالفة القانون ولو لم يرد هذا الوجه بأسباب الطعن.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أحرز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً "حشيش" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وأحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 7/ 1، 34/ أ، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانونين رقمي 40 لسنة 1966، 61 لسنة 1977 والبند 57 من الجدول رقم 1 المرفق والمستبدل بقرار وزير الصحة رقم 295 لسنة 1976 والمواد 1/ 1، 25 مكرراً، 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والجدول رقم 1 المرفق مع إعمال المادة 17 من قانون العقوبات والمادة 36 من القانون 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون 40 لسنة 1966 بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه ثلاثة آلاف جنيه عن التهمة الأولى وبالحبس مع الشغل لمدة شهرين وبتغريمه خمسين جنيهاً عن التهمة الثانية ومصادرة المواد المخدرة والسلاح المضبوط بعد أن أضافت المحكمة تهمة إحراز سلاح أبيض "خنجر" بغير ترخيص.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي إحراز جوهر مخدر - حشيش - بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وإحراز سلاح أبيض - خنجر - بغير ترخيص قد شابه قصور في التسبيب وإخلال بحق الدفاع، ذلك أن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية، وقد رد الحكم على الدفع بما لا يسوغ به إطراحه، كما جرى دفاعه على استحالة حدوث الواقعة كما صورها شاهداً الإثبات اللذان قررا أن الضبط جرى بمقهى عروس الجلاء الكائنة بشارع الجلاء، في حين تمسك الطاعن بطلب إجراء معاينة لإثبات عدم وجود مقهى بهذا الاسم في الشارع المذكور. وأن ضبطه جرى بمقهى نادر الكائنة بشارع حسن العتال، إلا أن المحكمة رفضت إجراء المعاينة بأسباب غير سائغة، كل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما يتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة مستمدة من أقوال شاهدي الإثبات وتقرير المعامل الكيمائية وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع ببطلان إذن النيابة لابتنائه على تحريات غير جدية ورد عليه بقوله "وحيث إنه عن الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات لإغفال مهنة المتهم فإنه لما كانت المحكمة تطمئن إلى التحريات التي أجريت وترتاح إليها لأنها صريحة وواضحة وتحوي بيانات كافية لإصدار الإذن وتصدق من أجراها وتقتنع بأنها أجريت فعلاً ولا يقدح في ذلك عدم ذكر مهنة المتهم أو ذكر أنه عاطل بالرغم من أن مهنته في بطاقته نقاش معماري الأمر الذي ترى معه المحكمة أن هذا الدفع على غير سند صحيح وتلتفت عنه". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. ومتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها أمر التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة على تصرفها في شأن ذلك، فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، ولما كانت المحكمة - وعلى ما سلف - قد سوغت الأمر بالتفتيش وردت على شواهد الدفع ببطلانه لعدم جدية التحريات التي سبقته بأدلة منتجة لها أصلها الثابت في الأوراق، فإن منعى الطاعن على هذا الشأن لا يكون له محل، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صورة أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع بغير معقب ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابطين وبصحة تصويرهما للواقعة فإن ما يثيره الطاعن في ذلك إنما ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن طلب المعاينة إذا كان لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود، بل كان مقصوداً به إثارة الشبهة في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، فإن مثل هذا الطلب يعد دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بإجابته ولا يستلزم منها رداً صريحاً، بل يكفي أن يكون الرد عليه مستفاداً من الحكم بالإدانة، وكان الحكم المطعون فيه فوق ذلك قد تعرض لما أثاره الطاعن في هذا الشأن ورد عليه بقوله: "وحيث إنه عن طلب الدفاع إجراء معانية بمكان الضبط فإنه لما كان الثابت من مؤدى أقوال ضابطي الواقعة وأقوال المتهم أن الضبط تم في المقهى سواء كان المقهى يسمى عروس الجلاء كما قرر شاهد الإثبات أو غير مسمى بهذا الاسم كما قرر المتهم، فإن إجراء المعانية يكون غير منتج في الدعوى لأنه لا يتجه إلى نفي الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشاهدان بل المقصود منه إثارة الشك في الدليل الذي اطمأنت إليه المحكمة، ومن ثم فإن المحكمة لا ترى مبرراً لإجابته..." لما كان ذلك، وكان هذا الذي تناهى إليه الحكم ما يسوغ به رفض طلب إجراء المعاينة الذي لا يعدو الهدف منه التشكيك في أقوال شاهدي الإثبات التي اطمأنت إليها المحكمة، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً، لما كان ما تقدم، فإنه يتعين رفض الطعن موضوعاً، لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان الأصل أن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، إلا أنه متى كانت وقائع الدعوى على النحو الذي حصله الحكم - لا تتفق قانوناً مع ما انتهى إليه من عدم قيام الارتباط بين الجرائم وتوقيعه عقوبة مستقلة عن كل منها فإن ذلك يكون من قبيل الأخطاء القانونية التي تستوجب تدخل محكمة النقض لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح، ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن بعقوبة مستقلة عن كل من جريمتي إحراز جوهر مخدر بقصد الاتجار وسلاح أبيض اللتين دانه بهما رغم ما تنبئ عنه صورة الواقعة كما أوردها من أن الجريمتين قد انتظمتهما خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض فتكونت منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع بالحكم الوارد بالفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات مما كان يوجب الحكم على الطاعن بعقوبة الجريمة الأشد وحدها وهي العقوبات المقررة للجريمة الأولى. ومن ثم فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً وتصحيحه بإلغاء عقوبتي الحبس والغرامة المقضى بهما عن الجريمة الثانية عملاً بالحق المخول لمحكمة النقض بالمادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - من نقض الحكم لمصلحة المتهم إذا تعلق الأمر بمخالفة القانون ولو لم يرد هذا الوجه بأسباب الطعن.