أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 47 - صـ 108

جلسة 21 من يناير سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ طلعت الإكيابى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد الواحد وفرغلي زناتي وحسين الصعيدي نواب رئيس المحكمة ورضا القاضي.

(15)
الطعن رقم 4326 لسنة 64 القضائية

(1) جريمة "أركانها". رابطة السببية. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
علاقة السببية في المواد الجنائية. ماهيتها؟
تقدير قيام علاقة السببية. موضوعي.
(2) اشتراك إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الاشتراك بالمساعدة يتحقق بتدخل الشريك مع الفاعل تدخلاً مقصوداً يتجاوب صداه مع فعله ويتحقق فيه معنى تسهيل ارتكاب الجريمة.
(3) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
استخلاص الصور الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
الجدل الموضوعي. غير جائز أمام محكمة النقض.
(4) دفوع "الدفع بارتكاب آخر للجريمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بارتكاب آخر للجريمة. موضوعي. لا على المحكمة إن لم تعرض له اكتفاء بأدلة الثبوت التي أوردتها.
(5) إثبات "قوة الأمر المقضي". دفوع "الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها". حكم "حجيته" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع بقوة الشيء المحكوم فيه. شرط صحته: سبق صدور حكم بات في محاكمة جنائية تتحد والمحاكمة التالية موضوعاً وسبباً وأشخاصاً.
مثال لتسبيب سائغ في الرد على الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها.
(6) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق المحكمة في الفصل في الدعوى دون سماع الشهود الذين تنازل عنهم الطاعنان ودون سماع شهود النفي ما داما لم يطلبا سماعهم.
1 - من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليها ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه.
2 - من المقرر أن الاشتراك بالمساعدة إنما يتحقق - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - بتدخل الشريك مع الفاعل تدخلاً مقصوداً يتجاوب صداه مع فعله ويتحقق فيه معنى تسهيل ارتكاب الجريمة الذي جعله الشارع مناطاً لعقاب الشريك.
3 - لما كان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أدلة الثبوت فيما وأفصح الحكم عن استدلاله بها، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع، ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض.
4 - من المقرر أن النعي بأن آخر هو الذي ارتكب الجريمة، يعد من أوجه الدفاع الموضوعية، ولا على المحكمة إذا هي لم تعرض له اكتفاء بأدلة الثبوت التي أوردتها.
5 - لما كان البين من مطالعة الأوراق المقدمة من محامي ذلك المتهم أن الواقعة التي حوكم عنها هي مخالفة الأوامر والتعليمات العسكرية بأن تدخل في مشاجرة مع بعض المواطنين سيئي السمعة بما مؤداه أنه لم يسند له الاتهام موضوع الدعوى الراهنة والتي تجرى محاكمته بشأنها وهو الاشتراك في فعل الاعتداء على المجني عليه........... على النحو الذي ورد في قرار الاتهام بما يوفر الاختلاف بين الواقعة التي حوكم بشأنها عسكرياً لمخالفته التعليمات والأوامر العسكرية وبين الواقعة محل الاتهام الراهن بما يقتضى عدم اتحاد موضوع الاتهام بين المحاكمتين وبالتالي يضحى هذا الدفع على غير أساس متعيناً رفضه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يشترط لصحة الدفع بقوة الشيء المحكوم به في المسائل الجنائية أن يكون هناك حكم بات سبق صدوره في محاكمة جنائية معينة يتحد موضوعها وسببها وأشخاصها مع المحاكمة التالية. وإذ كانت واقعة مخالفة الأوامر والتعليمات العسكرية التي حوكم الطاعن الثاني عنها أمام المحكمة العسكرية تختلف عن واقعة الضرب المفضي إلى الموت موضوع المحاكمة الحالية، مما يمتنع معه القول بوحدة السبب في الدعويين، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب صحيح القانون في قضائه برفض هذا الدفع.
6 - لما كان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أمام محكمة الجنايات أن النيابة والدفاع اكتفيا بتلاوة أقوال الشهود والمحكمة أمرت بتلاوتها وتليت. كما أن أياً من الطاعنين لم يطلب سماع شهود نفي، ولم يسلك من جانبه الطريق الذي رسمه القانون لذلك، ومن ثم فلا على المحكمة إن هي فصلت في الدعوى دون سماع الشهود الذي تنازل الطاعنان عن سماعهم، ودون سماع شهود لم يطلب منها سماعهم، ولم يتخذ الطاعن الإجراءات اللازمة لذلك.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: أولاً: المتهم الأول: أحدث عمداً بالمجني عليه......... الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية بأن ألقى عليه زجاجات سائل كيماوي مشتعل فأحدث به الإصابات سالفة الذكر ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الإصابات أفضت إلى موته. ثانياً: المتهم الثاني: اشترك وآخر حدث مع المتهم الأول بطريق المساعدة في ارتكاب الجريمة المبينة بالوصف أولاً بأن قدم إليه المواد الكيماوية والتي أحدثت الإصابات بالمجني عليه سالف الذكر فتمت الجريمة بناء على تلك المساعدة. وأحالتهما إلى محكمة جنايات بنها لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى.......... (والد المجني عليه) مدنياً قبل المتهمين طالباً الحكم عليهما متضامنين بأن يؤديا له مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ 3، 41/ 1، 236/ 1 من قانون العقوبات - بمعاقبة كل من الطاعنين بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وبإلزامهما بأن يؤديا متضامنين إلى المدعي بالحق المدني مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض......... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن الأول بجريمة إحداث الجروح التي أفضت إلى موت المجني عليه، ودان الطاعن الثاني بجريمة الاشتراك معه في ارتكابها، قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه خلا من الأسباب التي تحمل قضاءه بإدانة الطاعنين، ولم يدلل على عناصر الاشتراك في حق الطاعن الثاني، كما لم يدلل على قيام رابطة السببية بين إصابات المجني عليه ووفاته. ورد الحكم بما لا يصلح رداً على ما دفع به الحاضر مع الطاعن الثاني بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها في الدعوى رقم.... لسنة 1991 عسكرية النزهة، ولم تستمع المحكمة إلى شهود الإثبات، كما لم تستجب لطلب سماع شهود نفي، وأن إصابات الطاعن الأول تشير إلى أن الحادث ارتكبه شخص آخر، مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن الطاعنين - وآخر حدث - اعتادوا اصطحاب النسوة الساقطات إلى منزل لأحدهم يقع في مكان الحادث، وكان تكرار هذا السلوك منهم مدعاة لغضب واستياء الأهالي هناك، وفي تاريخ الحادث - وكانت صحبتهم إحداهن - حدثت من جراء ذلك مشاجرة شهدها شهود الإثبات، حيث شاهدوا الطاعن الأول يلقي على الأهالي بزجاجات مملوءة بمواد بترولية مشتعلة وكان الطاعن الثاني يمده بتلك المواد القابلة للاشتعال، فأصيب من جراء ذلك المجني عليه وحدثت إصاباته التي أودت بحياته وأورد على ثبوت الواقعة في حق الطاعنين أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن تحريات الشرطة وما ثبت من تقرير الصفة التشريحية، وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها، ولا ينازع الطاعنان في أن لها أصلها الثابت في الأوراق. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليها ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وإذ كان البين من مدونات الحكم أنه استظهر علاقة السببية بين إصابات المجني عليه التي أوردها عن تقرير الصفة التشريحية وبين وفاته فأورد من واقع ذلك التقرير أن وفاة المجني عليه نتيجة مضاعفات الحروق النارية والكيماوية التي أصابت معظم أجزاء جسم المجني عليه، وكانت الأدلة التي ساقها الحكم للتدليل على اشتراك الطاعن الثاني - بطريق المساعدة - من شأنها أن تؤدي إلى ثبوته في حقه، ذلك أن الاشتراك بالمساعدة إنما يتحقق - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - بتدخل الشريك مع الفاعل تدخلاً مقصوداً يتجاوب صداه مع فعله ويتحقق فيه معنى تسهيل ارتكاب الجريمة الذي جعله الشارع مناطاً لعقاب الشريك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أدلة الثبوت فيما وأفصح الحكم عن استدلاله بها، فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع، ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرتها في شأنه أمام محكمة النقض، ومن ثم ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعنان من قصور في هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان النعي بأن آخر هو الذي ارتكب الجريمة، يعد من أوجه الدفاع الموضوعية، ولا على المحكمة إذا هي لم تعرض له اكتفاء بأدلة الثبوت التي أوردتها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها ورد عليه بقوله "..... إن الثابت من مطالعة الأوراق المقدمة من محامي ذلك المتهم أن الواقعة التي حوكم عنها هي مخالفة الأوامر والتعليمات العسكرية بأن تدخل في مشاجرة مع بعض المواطنين سيئي السمعة بما مؤداه أنه لم يسند له الاتهام موضوع الدعوى الراهنة والتي تجرى محاكمته بشأنها وهو الاشتراك في فعل الاعتداء على المجني عليه......... على النحو الذي ورد في قرار الاتهام بما يوفر الاختلاف بين الواقعة التي حوكم بشأنها عسكرياً لمخالفته التعليمات والأوامر العسكرية وبين الواقعة محل الاتهام الراهن بما يقتضي عدم اتحاد موضوع الاتهام بين المحاكمتين وبالتالي يضحى هذا الدفع على غير أساس متعيناً رفضه". لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يشترط لصحة الدفع بقوة الشيء المحكوم به في المسائل الجنائية أن يكون هناك حكم بات سبق صدوره في محاكمة جنائية معينة يتحد موضوعها وسببها وأشخاصها مع المحاكمة التالية. وإذ كانت واقعة مخالفة الأوامر والتعليمات العسكرية التي حوكم الطاعن الثاني عنها أمام المحكمة العسكرية تختلف عن واقعة الضرب المفضي إلى الموت موضوع المحاكمة الحالية، مما يمتنع معه القول بوحدة السبب في الدعويين، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب صحيح القانون في قضائه برفض هذا الدفع. لما كان ذلك، وكان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أمام محكمة الجنايات أن النيابة والدفاع اكتفيا بتلاوة أقوال الشهود والمحكمة أمرت بتلاوتها وتليت، كما أن أياً من الطاعنين لم يطلب سماع شهود نفي، ولم يسلك من جانبه الطريق الذي رسمه القانون لذلك، ومن ثم فلا على المحكمة إن هي فصلت في الدعوى دون سماع الشهود الذي تنازل الطاعنان عن سماعهم، ودون سماع شهود لم يطلب منها سماعهم، ولم يتخذ الطاعن الإجراءات اللازمة لذلك. لما كان ما تقدم، فإن كلا الطعنين يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.