أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 45 - صـ 661

جلسة 15 من مايو سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ عوض جادو نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد شتا وحسام عبد الرحيم نائبي رئيس المحكمة وسمير مصطفى وعاطف عبد السميع.

(101)
الطعن رقم 49035 لسنة 59 القضائية

(1) سب وقذف. أسباب الإباحة وموانع العقاب. دعوى جنائية. دعوى مدنية. اختصاص.
دخول العبارات موضوع السب والقذف في نطاق ما تجيزه المادة 309 عقوبات. أثره؟
القضاء بالبراءة في صدد الدعوى الجنائية المقام على عدم تأثيم الفعل جنائياً. أثره؟
(2) محكمة الجنح "اختصاصها". اختصاص. دعوى جنائية. دعوى مدنية. نقض "الصفة والمصلحة في الطعن".
اختصاص محكمة الجنح بنظر الدعوى المدنية. أساسه ومؤداه؟
توافر الصفة والمصلحة في الطعن للمدعي بالحقوق المدنية ولو لم ينص الحكم في منطوقة على عدم الاختصاص بدعواه المدنية. أساس ذلك؟
(3) دعوى مدنية. استئناف "نظره والحكم فيه". حكم "حجيته". نقض "الصفة والمصلحة في الطعن".
تفويت المدعي بالحق المدني على نفسه حق استئناف حكم محكمة أول درجة. يجعله حائزاً لقوة الأمر المقضي وانغلاق طريق الطعن بالنقض. شرط ذلك؟
(4) سب وقذف. حكم "بيانات التسبيب". محكمة النقض "سلطتها".
المرجع في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف. ما يطمئن إليه القاضي في تحصيله لفهم الواقع في الدعوى. حد ذلك؟
تحرى مطابقة الألفاظ للمعنى الذي استخلصه الحكم وتسميتها باسمها المعين في القانون. تكييف قانوني. خضوعه لرقابة
النقض.
(5) سب وقذف. أسباب الإباحة وموانع العقاب. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تطبيق المادة 309 عقوبات. مناطه؟
خلو الحكم من ذكر عبارات السب ومن بيان موضوع الدعوى المدنية ومما ورد ذكره بمذكرة الدفاع ومدى اتصالها بالنزاع القائم والقدر الذي تقتضيه المرافعة. قصور.
1 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه ببراءة المطعون ضده من جريمتي السب والقذف على أساس أن العبارات موضوعها تدخل في نطاق ما تجيزه المادة 309 من قانون العقوبات، ومفهوم ذلك أن تلك العبارات لا تسري عليها مواد السب والقذف وغير معاقب عليها بعقوبة جنائية، وهو قضاء ينطوي ضمناً على الفصل في الدعوى المدنية المقامة من الطاعن بما يؤدي إلى عدم اختصاص المحاكم الجنائية بها، لأن القضاء بالبراءة في صدد الدعوى الجنائية المقام على عدم تأثيم الفعل جنائياً إنما يتلازم معه الحكم بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية ولو لم ينص على ذلك في منطوق الحكم.
2 - من المقرر طبقاً للمادتين 220، 253 من قانون الإجراءات الجنائية أن ولاية محكمة الجنح والمخالفات تقتصر بحسب الأصل على نظر ما يطرح أمامها من تلك الجرائم واختصاصها بنظر الدعوى المدنية الناشئة عنها استثناء من القاعدة مبنى على الارتباط بين الدعوتين ووحدة السبب الذي تقام عليه كل منهما ومشروط فيه ألا تنظر الدعوى المدنية إلا بالتبعية للدعوى الجنائية، بحيث لا يصح رفعها استقلالاً أمام المحكمة الجنائية، ومؤدى ذلك أن المحاكم الجنائية لا يكون لها ولاية الفصل في الدعوى المدنية متى كان الفصل في موضوع الدعوى الجنائية ومناط التعويض في الدعوى المدنية غير معاقب عليه قانوناً - كما هو الحال فيما انتهى إليه الحكم المطعون فيه - لما كان ذلك، فإن الطاعن - المدعي بالحقوق المدنية - تتوافر له الصفة والمصلحة في الطعن، وإن لم ينص في منطوق الحكم المطعون فيه على عدم الاختصاص بدعواه المدنية.
3 - من المقرر أنه إذا فوت المدعي بالحق المدني على نفسه حق استئناف حكم محكمة أول درجة فإن هذا الحكم يحوز قوة الأمر المقضي وينغلق أمامه طريق الطعن بالنقض إلا أن ذلك مشروط بأن يكون الحكم الصادر - بناء على استئناف المتهم - قد جاء مؤيداً لحكم محكمة أول درجة بحيث يمكن القول بأن الحكمين الابتدائي والاستئنافي قد اندمجا وكونا قضاء واحداً أما إذا ألغى الحكم الابتدائي في الاستئناف أو عدل فإن الحكم الصادر في الاستئناف يكون قضاء جديداً منفصلاً تمام الانفصال عن قضاء محكمة أول درجة ويصح قانوناً أن يكون محلاً للطعن بالنقض من جانب المدعي بالحق المدني مع مراعاة ألا ينبني على طعنه - ما دام لم يستأنف حكم محكمة أول درجة - تسوئ لمركز المتهم.
4 - من المقرر أن المرجع في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف هو بما يطمئن إليه القاضي في تحصيله لفهم الواقع في الدعوى، إلا أن حد ذلك ألا تخطئ في التطبيق القانوني على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم أو يمسخ دلالة الألفاظ بما يحيلها عن معناها، إذ أن تحرى مطابقة الألفاظ للمعنى الذي استخلصه الحكم وتسميتها باسمها المعين في القانون، سباً أو قذفاً أو عيباً أو إهانة أو غير ذلك، هو من التكييف القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض، وأنها هي الجهة التي تهيمن على الاستخلاص المنطقي الذي يتأدى إليه الحكم من مقدماته المسلمة.
5 - من المقرر أن مناط تطبيق المادة 309 من قانون العقوبات أن تكون عبارات السب التي أسندت من الخصم لخصمه في المرافعة مما يستلزمه الدفاع عن الحق مثار النزاع. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن قد خلا من ذكر تلك العبارات ومن بيان موضوع الدعوى المدنية محل النزاع، ومما ورد بمذكرة الدفاع من سياق القول الذي اشتمل على العبارات التي يعدها الطاعن سباً وقذفاً، ومدى اتصالها بالنزاع القائم والقدر الذي تقتضيه المرافعة، حتى يتضح من ذلك وجه استخلاص من الحكم أن تلك العبارات مما يستلزمه حق الدفاع في هذا النزاع، ويمكن لمحكمة النقض مراقبة سلامة ما انتهى إليه من قضاء ضمني بعدم الاختصاص بالدعوى المدنية، فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصراً قصوراً يعجز هذه المحكمة عن الوقوف على صحة التطبيق القانوني على واقعة الدعوى، مما يعيبه بما يوجب نقضه في خصوص الدعوى المدنية والإعادة.


الوقائع

أقام المدعي بالحقوق المدنية دعواه بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنح سيدي جابر ضد الطاعن بوصف أنه أسند إليه في المذكرة المقدمة منه في الدعوى رقم..... مدني كلي الإسكندرية وقائع غير صحيحة توجب احتقاره عند أهل وطنه وضمنها عبارات سب وقذف في حقه وطلب عقابه بالمادة 302 من قانون العقوبات وإلزامه بأن يؤدى له مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بتغريم المتهم مائتي جنيه وإلزامه بأن يؤدى للمدعي بالحق المدني مبلغ واحد وخمسي جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. استأنف ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم.
فطعن الأستاذ/...... المحامي نيابة عن المدعي بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه ببراءة المطعون ضده من جريمتي السب والقذف على أساس أن العبارات موضوعها تدخل في نطاق ما تجيزه المادة 309 من قانون العقوبات، ومفهوم ذلك أن تلك العبارات لا تسري عليها مواد السب والقذف وغير معاقب عليها بعقوبة جنائية، وهو قضاء ينطوي ضمناً على الفصل في الدعوى المدنية المقامة من الطاعن بما يؤدى إلى عدم اختصاص المحاكم الجنائية بها لأن القضاء بالبراءة في صدد الدعوى الجنائية المقام على عدم تأثيم الفعل جنائياً إنما يتلازم معه الحكم بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية ولو لم ينص على ذلك في منطوق الحكم. ذلك أن من المقرر طبقاً للمادتين 220، 253 من قانون الإجراءات الجنائية أن ولاية محكمة الجنح والمخالفات تقتصر بحسب الأصل على نظر ما يطرح أمامها من تلك الجرائم واختصاصها بنظر الدعوى المدنية الناشئة عنها استثناء من القاعدة مبنى على الارتباط بين الدعويين ووحدة السبب الذي تقام عليه كل منهما ومشروط فيه ألا تنظر الدعوى المدنية إلا بالتبعية للدعوى الجنائية، بحيث لا يصح رفعها استقلالاً أمام المحكمة الجنائية، ومؤدى ذلك أن المحاكم الجنائية لا يكون لها ولاية الفصل في الدعوى المدنية متى كان الفصل في موضوع الدعوى الجنائية ومناط التعويض في الدعوى المدنية غير معاقب عليه قانوناً - كما هو الحال فيما انتهى إليه الحكم المطعون فيه - لما كان ذلك، فإن الطاعن - المدعي بالحقوق المدنية - تتوافر له الصفة والمصلحة في الطعن، وإن لم ينص في منطوق الحكم المطعون فيه على عدم الاختصاص بدعواه المدنية، وقد استوفى الطعن الشكل المقرر في القانون ولا ينال من ذلك، أنه لم يستأنف الحكم الصادر في محكمة أول درجة، ذلك بأنه ولئن كان من المقرر أنه إذا فوت المدعي بالحق المدني على نفسه حق استئناف حكم محكمة أول درجة فإن هذا الحكم يحوز قوة الأمر المقضي وينغلق أمامه طريق الطعن بالنقض إلا أن ذلك مشروط بأن يكون الحكم الصادر - بناء على استئناف المتهم - قد جاء مؤيداً لحكم محكمة أول درجة بحيث يمكن القول بأن الحكمين الابتدائي والاستئنافي قد اندمجا وكونا قضاء واحداً أما إذا ألغى الحكم الابتدائي في الاستئناف أو عدل فإن الحكم الصادر في الاستئناف يكون قضاء جديداً منفصلاً تمام الانفصال عن قضاء محكمة أول درجة ويصح قانوناً أن يكون محلاً للطعن بالنقض من جانب المدعي بالحق المدني مع مراعاة ألا ينبني على طعنه - ما دام لم يستأنف حكم محكمة أول درجة - تسوئ لمركز المتهم. لما كان ذلك، وكان المدعي بالحق المدني وإن ارتضى الحكم الصادر من محكمة أول درجة بالحكم له بتعويض مدني مؤقت قدره 51 جنيه وبعدم استئنافه له، إلا أنه لما كانت المحكمة الاستئنافية قد قضت بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المطعون ضده - وهو ما ينطوي ضمناً على عدم الاختصاص بالدعوى المدنية وفق ما سلف - فقد غدا هذا الحكم قضاء قائماً بذاته مستقلاً عن ذلك الحكم الذي ارتضاه المدعي بالحق المدني.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من تهمتي السب والقذف قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه خلص إلى أن العبارات التي أوردها المطعون ضده في مذكرة دفاعه مما تدخل في نطاق حق الدفاع مع أنها تجاوزته إلى السب والقذف في حقه. وذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه خلص إلى براءة المطعون ضده في قوله "وحيث إن ما أبداه المتهم في مذكرته المقدمة في الدعوى رقم.... مدني كلي إسكندرية يعد من قبيل الدفاع المباح ولا يشكل جريمة السب والقذف المتهم بارتكابها ومن ثم تقضي المحكمة ببراءته من التهمة المسندة إليه". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المرجع في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف هو بما يطمئن إليه القاضي في تحصيله لفهم الواقع في الدعوى، إلا أن حد ذلك ألا يخطئ في التطبيق القانوني على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم أو يمسح دلالة الألفاظ بما يحيلها عن معناها، إذ أن تحري مطابقة الألفاظ للمعنى الذي استخلصه الحكم وتسميتها باسمها المعين في القانون، سباً أو قذفاً أو عيباً أو إهانة أو غير ذلك، هو من التكييف القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض، وأنها هي الجهة التي تهيمن على الاستخلاص المنطقي الذي يتأدى إليه الحكم من مقدماته المسلمة، ذلك ومن المقرر أن مناط تطبيق المادة 309 من قانون العقوبات أن تكون عبارات السب التي أسندت من الخصم لخصمه في المرافعة مما يستلزمه الدفاع عن الحق مثار النزاع. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أن قد خلا من ذكر تلك العبارات ومن بيان موضوع الدعوى المدنية محل النزاع، ومما ورد بمذكرة الدفاع من سياق القول الذي اشتمل على عبارات التي يعدها الطاعن سباً وقذفاً، ومدى اتصالها بالنزاع القائم والقدر الذي تقتضيه المرافعة، حتى يتضح من ذلك وجه استخلاص الحكم أن تلك العبارات مما يستلزمه حق الدفاع في هذا النزاع، ويمكن لمحكمة النقض مراقبة سلامة ما انتهى إليه من قضاء ضمني بعدم الاختصاص بالدعوى المدنية، فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصراً قصوراً يعجز هذه المحكمة عن الوقوف على صحة التطبيق القانوني على واقعة الدعوى، مما يعيبه بما يوجب نقضه في خصوص الدعوى المدنية والإعادة وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.