أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 45 - صـ 814

جلسة 3 من أكتوبر سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ نجاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مجدي منتصر وحسن حمزة وحامد عبد الله ومحمد عبد العزيز محمد نواب رئيس المحكمة.

(128)
الطعن رقم 21027 لسنة 62 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" "سلطتها في تقدير الدليل".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
حق محكمة الموضوع في تحصيل أقوال الشاهد وتفهم سياقها. حده؟
(2) إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
ورود الشهادة على الحقيقة المراد إثباتها بكافة تفاصيلها. غير لازم. كفاية أن تؤدى إليها باستنتاج سائغ تجريه المحكمة.
(3) هتك عرض. إثبات "بوجه عام" "شهود" "معاينة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إقامة الحكم على ما له أصل في الأوراق. انحسار الخطأ في الإسناد عنه.
الجدل الموضوعي حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى ومصادرتها في عقيدتها لا يقبل أمام النقض.
(4) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
صحة الأخذ بأقوال الشاهد. ولو تأخر في الإبلاغ. ما دامت المحكمة كانت على بينة من ذلك.
تقدير الدليل. موضوعي.
(5) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق المحكمة في الأخذ برواية منقولة عن آخر. متى اطمأنت إليها.
الجدل الموضوعي. لا تقبل إثارته أمام النقض.
(6) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
فوات فترة زمنية بين تقرير طبي وآخر عن ذات الإصابة. يستتبع عدم تطابق النتيجة في كل منهما. مؤدى ذلك؟
(7) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا معقب على قاضي الموضوع فيما يأخذ أو يدع من تقارير الخبراء.
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إليها. موضوعي.
(8) إثبات "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها. غير مقبول.
مثال.
(9) وصف التهمة. محكمة الموضوع "سلطتها في تعديل وصف التهمة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". هتك عرض. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
حق محكمة الموضوع في تعديل وصف التهمة. متى رأت أن ترد الواقعة إلى الوصف القانوني الصحيح.
اقتصار التعديل على استبعاد أحد عناصر الجريمة التي رفعت بها الدعوى. تنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى هذا التعديل. غير لازم.
مثال
(10) إثبات "بوجه عام" "أوراق رسمية". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي. ولو حملته أوراق رسمية. ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها.
الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة في استنباط المحكمة لمعتقدها. عدم جواز إثارته أمام النقض.
1 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها صداها وأصلها الثابت في الأوراق. وأن تحصل أقوال الشاهد وتفهم سياقها وتستشف مراميها ما دامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن مضمونها.
2 - من المقرر أنه لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون ورادة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدى إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذي رووه من عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها.
3 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لشهادة والدة المجني عليها بما مضمونه أنه وإذ تناهى إلى سمعها صراخ ابنتها التي تركتها تلهو على الدرج فخفت إليها حيث شاهدتها خارجة من شقة المتهم عارية وفي يدها جلبابها وسروالها وتضع يدها الأخرى على دبرها وتشير إلى أن المتهم أحدث إصابتها، وإذ ناظرتها شاهدت آثار. صابون بدبرها، كما أشار إلى أن المعاينة التصويرية التي أجرتها النيابة لمكان الحادث كشفت عن إمكانية سماع والدة المجني عليها - في المكان الذي كانت به - لصراخ ابنتها من مسكن المتهم، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد لا يكون له محل بما تنحل معه منازعته في سلامة استخلاص الحكم لأدلة الإدانة في الدعوى إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى ومصادرتها في عقيدتها وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
4 - لما كان تراخي والدة المجني عليها في الإبلاغ عن الواقعة لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقوالها ما دامت قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أقوالها وأنها كانت على بينة من الظروف التي أحاطت بها ذلك أن تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وكل جدل يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً.
5 - من المقرر أنه ليس في القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وكانت تمثل الواقع في الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اطمئنانه إلى صحة ما أدلت به والدة المجني عليها في شهادتها نقلاً عن المجني عليها، فإن ما يثيره الطاعن حول استدلال الحكم بما ورد بهذه الشهادة من أقوال لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعاً لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض.
6 - من المقرر أن فوات فترة زمنية بين تقرير طبي وآخر عن إصابة بعينها يستتبع حتماً عدم تطابق النتيجة التي يخلص إليها كل منهما، ذلك بأن المدى الزمني يسمح بتغيير الإصابة وحدوث تفاوت فيها، ومن ثم فلا تناقض بين الدليلين الفنيين المطروحين والمتواليين زمنياً إذا ما أثبت أولهما وجود إصابات بالمجني عليها وأثبت ثانيهما عدم وجود آثار إصابية وقت توقيع الكشف الطبي، وأن ذلك لا ينفي وقوع الفعل في التاريخ المدعى به دون أن يترك أثراًً إصابياً باقياً نظراً لمضي فترة زمنية بينهما بما يسمح بتغيير معالم الإصابة وتطورها.
7 - من المقرر أنه لا معقب على قاضي الموضوع فيما يأخذ أو يدع من تقارير، وكانت المحكمة - في حدود سلطتها التقديرية - قد عولت في قضائها بالإدانة على ما تضمنه التقرير الطبي الابتدائي من وجود التهاب بدبر المجني عليها من محاولة اعتداء جنسي عليها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون ولا محل له لما هو مقرر من أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة، فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه ولا تقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير.
8 - لما كان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب من المحكمة استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في إمكانية زوال الآثار الاصابية التي لحقت بالمجني عليها من محاولة إتيان الطاعن لها من دبر، ومن ثم فليس للطاعن من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء لم يطلبه منها ولم تر هي من جانبها حاجة لاتخاذه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديداً.
9 - لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن بوصف هتك عرض المجني عليها بإيلاج قضيبه في دبرها، فعدلت المحكمة الوصف إلى هتك عرض المحني عليها بحك قضيبه في دبرها، وكان الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي ترفع به الدعوى الجنائية قبل المتهم، لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني الصحيح الذي ترى انطباقه على الواقعة، وإذ كانت الواقعة المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن على أساسه، وكان مرد هذا التعديل - على ما يبين من مدونات الحكم المطعون فيه - هو عدم قيام الدليل على أن الطاعن أولج قضيبه في دبر المجني عليها بل اقتصر على ملامسة دبرها بقضيبه، ولم يتضمن التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر تختلف عن الواقعة الأولى، فإن المحكمة لا تلتزم في مثل هذه الحالة بتنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تعديل في الوصف اقتصر على استبعاد أحد عناصر الجريمة التي رفعت بها الدعوى، ومن ثم تنحسر عن الحكم قالة الإخلال بحق الدفاع.
10 - لما كانت الأدلة في المواد الجنائية إقناعية، فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة مع باقي الأدلة القائمة في الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من مقارفة الطاعن للجريمة المسندة إليه فإن ما يثيره بشأن أعراض الحكم عما قدمه من مستندات دالة على عدم صحة التحريات وتزوير التقرير الطبي الابتدائي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الأدلة وفي استنباط المحكمة لمعتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: هتك عرض المجني عليها..... التي لم يبلغ سنها سبع سنين كاملة بغير قوة أو تهديد بأن أولج قضيبه في دبرها على النحو المبين بالأوراق. وأحالته إلى محكمة جنايات بنها لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة وادعى والد المجني عليها بصفته ولياً طبيعياً عليها مدنياً قبل المتهم بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 269/ 1، 2 من قانون العقوبات أولاً: في الدعوى الجنائية بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات. ثانياً: في الدعوى المدنية بإلزامه بأن يؤدى للمدعي بالحق المدني بصفته مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة هتك عرض صبية لم تبلغ سبع سنوات كاملة بغير قوة أو تهديد قد شابه خطأ في الإسناد وقصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع، ذلك أن الحكم - في سياقه لتحصيل وقائع الدعوى - أورد أن والدة المجني عليها سارعت إليها إثر سماع صراخها وتشير إلى المتهم بما يفيد أنها عاصرت حالة التلبس أو اللحظات التالية لارتكاب الفعل، في حين أن الثابت بالأوراق أن والدة المحني عليها - بعد سماع صراخ ابنتها - هبطت إلى منزل المتهم حيث وجدتها تبكي فطرقت بابه وفتح لها حيث كان آمنا في مسكنه، وقد تم الإبلاغ عن الواقعة بعد اثنتي عشرة ساعة من وقت الادعاء بمقارفتها، كما جاءت شهادة والدة المجني عليها سماعية نقلاً عن هذه الأخيرة وهي طفلة عجز المحقق عن الوقوف على شيء من أقوالها، كما تساند الحكم في قضائه بالإدانة إلى ما جاء بالتقرير الطبي الابتدائي على الرغم من خلو تقرير الطب الشرعي من وجود أي أثر لاحتكاك أو التهاب وليد احتكاك في وقت معاصر لتاريخ الحادث وهو ما كان يتعين معه على المحكمة أن تستجلى الطبيب الشرعي في إمكانية زوال أثر الاحتكاك والمدة اللازمة لذلك، هذا إلى أن الحكم عدل وصف التهمة من هتك عرض المجني عليها بإيلاج إلى هتك عرض باحتكاك دون لفت نظر الدفاع، وأخيراً فإن الحكم أعرض عما قدمه الطاعن من مستندات دالة على عدم صحة التحريات وتزوير الكشف الطبي الابتدائي ولم يشر إليها في أسبابه، كل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بقوله: "أنه بتاريخ...... انتهز المتهم........ فرصة لهو المجني عليها الطفلة........ التي تبلغ من العمر سنتان على درج المنزل الذي يقيم بمفردها فجذبها إلى داخل مسكنه وخلع جلبابها وسروالها وحك عضو تذكيره في دبرها فلما علا صراخها وخشي المتهم افتضاح أمره ضربها على إليتها ودفعها خارج مسكنه عارية وبيدها جلبابها وسروالها فشاهدته حال ذلك والدة المجني عليها التي خفت على إثر الصراخ وكانت المجني عليها مذعورة وممسكة بدبرها وتشير إلى المتهم وإذ ناظرتها لاحظت وجود آثار الصابون بدبرها وثبت من التقرير الطبي الابتدائي وجود التهاب بدبر المجني عليها من محاولة اعتداء جنسي عليها". وقد دلل الحكم على ثبوت الواقعة لدية على هذه الصورة في حق الطاعن بما ينتجها من وجوه الأدلة التي استقاها من معينها الصحيح من الأوراق بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وتؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها صداها وأصلها الثابت في الأوراق. وأن تحصل أقوال الشاهد وتفهم سياقها وتستشف مراميها ما دامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن مضمونها، ولا يشترط في شهادة الشهود أن تكون ورادة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدى إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذي رووه من عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، و كان الحكم المطعون فيه قد عرض لشهادة والدة المجني عليها بما مضمونه أنه وإذ تناهى إلى سمعها صراخ ابنتها التي تركتها تلهو على الدرج فخفت إليها حيث شاهدتها خارجة من شقة المتهم عارية وفي يدها جلبابها وسروالها وتضع يدها الأخرى على دبرها وتشير إلى أن المتهم أحدث إصابتها، وإذ ناظرتها شاهدت آثار صابون بدبرها، كما أشار إلى أن المعاينة التصويرية التي أجرتها النيابة لمكان الحادث كشفت عن إمكانية سماع والدة المجني عليها - في المكان الذي كانت به - لصراخ ابنتها من مسكن المتهم، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى الخطأ في الإسناد لا يكون له محل بما تنحل معه منازعته في سلامة استخلاص الحكم لأدلة الإدانة في الدعوى إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة للأدلة القائمة في الدعوى ومصادرتها في عقيدتها وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان تراخي والدة المجني عليها في الإبلاغ عن الواقعة لا يمنع المحكمة من الأخذ بأقوالها ما دامت قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أقوالها وأنها كانت على بينة من الظروف التي أحاطت بها ذلك أن تقدير قوة الدليل من سلطة محكمة الموضوع وكل جدل يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس في القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وكانت تمثل الواقع في الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اطمئنانه إلى صحة ما أدلت به والدة المجني عليها في شهادتها نقلاً عن المجني عليها، فإن ما يثيره الطاعن حول استدلال الحكم بما ورد بهذه الشهادة من أقوال لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعاً لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن فوات فترة زمنية بين تقرير طبي وآخر عن إصابة بعينها يستتبع حتماً عدم تطابق النتيجة التي يخلص إليها كل منهما، ذلك بأن المدى الزمني يسمح بتغيير الإصابة وحدوث تفاوت فيها، ومن ثم فلا تناقض بين الدليلين الفنيين المطروحين والمتواليين زمنياً إذا ما أثبت أولهما وجود إصابات بالمجني عليها وأثبت ثانيهما عدم وجود آثار إصابية وقت توقيع الكشف الطبي، وأن ذلك لا ينفي وقوع الفعل في التاريخ المدعى به دون أن يترك أثراً إصابياً باقياً نظراً لمضي فترة زمنيه بينهما بما يسمح بتغيير معالم الإصابة وتطورها فضلاً عن أنه لا معقب على قاضي الموضوع فيما يأخذ أو يدع من تقارير، وكانت المحكمة - في حدود سلطتها التقديرية - قد عولت في قضائها بالإدانة على ما تضمنه التقرير الطبي الابتدائي من وجود التهاب بدبر المجني عليها من محاولة اعتداء جنسي عليها، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون ولا محل له لما هو مقرر من أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في هذا شأن سائر الأدلة، فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه ولا تقبل مصادرة المحكمة في هذا التقدير. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب من المحكمة استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في إمكانية زوال الآثار الاصابية التي لحقت بالمجني عليها من محاولة إتيان الطاعن لها من دبر، ومن ثم فليس للطاعن من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء لم يطلبه منها ولم تر هي من جانبها حاجة لاتخاذه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعن بوصف هتك عرض المجني عليها بإيلاج قضيبه في دبرها، فعدلت المحكمة الوصف إلى هتك عرض المحني عليها بحك قضيبه في دبرها، وكان الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانوني الذي ترفع به الدعوى الجنائية قبل المتهم، لأن هذا الوصف ليس نهائياً بطبيعته من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانوني الصحيح الذي ترى انطباقه على الواقعة، وإذ كانت الواقعة المبينة بأمر الإحالة والتي كانت مطروحة بالجلسة هي بذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد الذي دان الطاعن على أساسه، وكان مرد هذا التعديل - على ما يبين من مدونات الحكم المطعون فيه - هو عدم قيام الدليل على أن الطاعن أولج قضيبه في دبر المجني عليها بل اقتصر على ملامسة دبرها بقضيبه، ولم يتضمن التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر تختلف عن الواقعة الأولى، فإن المحكمة لا تلتزم في مثل هذه الحالة بتنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تعديل في الوصف اقتصر على استبعاد أحد عناصر الجريمة التي رفعت بها الدعوى، ومن ثم تنحسر عن الحكم قالة الإخلال بحق الدفاع. لما كان ذلك، و كانت الأدلة في المواد الجنائية إقناعية، فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة مع باقي الأدلة القائمة في الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من مقارفة الطاعن للجريمة المسندة إليه فإن ما يثيره بشأن أعراض الحكم عما قدمه من مستندات دالة على عدم صحة التحريات وتزوير التقرير الطبي الابتدائي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعاً في تقدير الأدلة وفي استنباط المحكمة لمعتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعاً.