أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 45 - صـ 829

جلسة 9 من أكتوبر سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ حسن عميره نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد الواحد ومصطفى الشناوي ومحمد طلعت الرفاعي وعادل الشوربجي نواب رئيس المحكمة.

(130)
الطعن رقم 23112 لسنة 61 القضائية

(1) حكم "بيانات حكم الإدانة" "تسبيبه. تسبيب معيب". تعدي على أرض مملوكة للدولة. نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
وجوب اشتمال حكم الإدانة على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة. والظروف التي وقعت فيها. والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم. المادة 310 إجراءات.
وجوب استظهار الحكم بالإدانة في جريمة التعدي على أرض مملوكة للدولة المنصوص عليها في المادة 372/ ا مكرراً عقوبات. كون الأرض زراعية أو فضاء مملوكة للدولة. وماهية السلوك الإجرامي الذي قارفه الجاني. ومدى توافر القصد الجنائي لديه.
خلو الحكم كلية من بيان واقعة الدعوى. واقتصاره في بيان الدليل على الإحالة على محضر الضبط دون بيان فحواه. ودون استظهار كنه الأرض محل الواقعة وإغفاله بيان ماهية الأفعال التي قارفها الطاعن والقصد منها. قصور.
(2) تعدي على أرض مملوكة للدولة. جريمة "الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة".
جريمة التعدي على أرض مملوكة للدولة بكافة صورها الواردة على سبيل المثال في الفقرة الأولى من المادة 372 مكرراً عقوبات. إما وقتية أو مستمرة.
مناط التمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة في جريمة التعدي على أرض مملوكة للدولة؟
(3) قانون "سريانه من حيث الزمان". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". تعدي على أرض مملوكة للدولة. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
عدم جواز تأثيم الفعل بقانون لاحق.
القوانين الجنائية. عدم انسحاب أثرها إلى الأفعال التي لم تكن مؤثمة قبل إصدارها.
دفاع الطاعن بتمام الفعل المسند إليه قبل نفاذ القانون الذي نص على تجريمه. دون ما صلة له به. جوهري. إغفال تحقيقه وإطراحه جملة. قصور.
1 - من المقرر إن قانون الإجراءات قد أوجب في المادة 310 منه أن يشتمل كل حكم بالإدانة على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم وأن يلتزم بإيراد مضمون كل دليل من الأدلة التي استندت إليها المحكمة في الإدانة حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها، وإلا كان الحكم قاصراً. كذلك يتعين على الحكم بالإدانة في جريمة التعدي على أرض مملوكة للدولة المنصوص عليها في المادة 372 مكرراً فقرة أولى من قانون العقوبات أن يستظهر كون الأرض زراعية أو فضاء مملوكة للدولة وماهية السلوك الإجرامي الذي قارفه الجاني بما يفصح عن كونه تعدياً على أرض الدولة ويكشف عن توافر القصد الجنائي لديه وهو اتجاه إرادته إلى الانتفاع بأرض الدولة بغير حق مع العلم بأنه يتعدى على أرضها ولا يحق له الانتفاع بها. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد خلا كليه من بيان واقعة الدعوى واقتصر في بيان الدليل الذي عول عليه في قضائه بالإدانة على مجرد الإحالة على محضر الضبط دون بيان لفحواه وتبيان لمؤداه ووجه استدلاله به على ثبوت التهمة بعناصرها القانونية كافة، ودون أن يستظهر في مدوناته كنه الأرض محل الواقعة وكونها أرضاً زراعية أو فضاء مملوكة للدولة، كما أغفل بيان ماهية الأفعال التي قارفها الطاعن والتي يعدها القانون تعدياً على أرض الدولة وبما يكشف عن قيام قصد التعدي على أرض الدولة لديه، ومن ثم فإن يكون قاصر التسبيب.
2 - لما كانت المادة 372 مكرراً من قانون العقوبات المستحدثة بالقانون رقم 34 لسنة 1984 الصادر في 27 من مارس سنة 1984 تنص في فقرتها الأولى على عقاب كل من تعدى على أرض زراعية أو أرض فضاء أو مبان مملوكة للدولة وذلك بزراعتها أو غرسها أو إقامة إنشاءات عليها أو شغلها أو الانتفاع بها بأية صورة، وكان البين من صور التعدي التي ساقها النص على سبيل المثال أن هذه الجريمة إما أن تكون وقتية وإما مستمرة، والفيصل في التمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة في هذا الصدد هو طبيعة فعل التعدي الذي قارفه الجاني، فإذا كان الفعل مما تتم وتنتهي الجريمة بمجرد ارتكابه كانت وقتية أما إذا استمرت الحالة الجنائية فترة من الزمن فتكون الجريمة مستمرة طوال هذه الفترة، والعبرة في الاستمرار هذا هي بتدخل إرادة الجاني في الفعل المعاقب عليه تدخلاً متتابعاً متجدداً، فإذا كانت الواقعة هي التعدي على أرض مملوكة للدولة بالبناء عليها فإن السلوك الإجرامي يتم وينتهي: بإقامة هذا البناء، مما لا يمكن حصول تدخل جديد في هذا الفعل ذاته فتكون الجريمة التي تكونها هذه الواقعة وقتية، ولا يؤثر في هذا النظر ما قد تسفر عنه الجريمة من آثار تبقي وتستمر إذ لا يعتد بأثر الفعل في تكييفه قانوناً، ومن ثم فلا يعتد في هذا الشأن ببقاء ذلك البناء لأن بقاءه يكون في هذه الحالة أثراً من آثار الإنشاء ونتيجة طبيعة له.
3 - من المقرر دستورياً وقانوناً أنه لا يجوز تأثيم الفعل بقانون لاحق وأن القانون الجنائية لا ينسحب أثرها إلى الأفعال التي لم تكن مؤثمة قبل إصدارها، وكان مؤدى دفاع الطاعن المشار إليه أن الفعل المسند إليه قد تم قبل نفاذ القانون الذي نص على تجريه، دون ما صله له به، وهو بهذه المثابة دفاع جوهري إذ يترتب عليه - لو صح - خروج الفعل من نطاق التأثيم بالنص الذي دانه الحكم بموجبه ودفع التهمة المسندة إليه، وكان الحكم المطعون فيه لم يفطن إلى هذا النظر المتقدم، فلم يقسط هذا الدفاع حقه بل أطرحه جملة ولم يحققه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه أو يرد عليه بما ينفيه، وأسس قضاءه على ما ورد في محضر الضبط، وهو ما لا يصح في تفنيده، فإنه يكون قاصر البيان بما يبطله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: تعدى على الأرض المبينة بالأوراق المملوكة للدولة. وطلبت عقابه بالمادة 372 مكرر أ/ ا من قانون العقوبات. ومحكمة جنح منوف قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بتغريم المتهم خمسمائة جنيه ورد العقار المغتصب والإزالة وبرد قيمة ما عاد عليه من منفعة. استأنف ومحكمة شبين الكوم الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة التعدي على أرض مملوكة للدولة قد شابه القصور في التسبيب والخطأ في تطبيق القانون والإخلال بحق الدفاع ذلك أنه أيد الحكم الابتدائي لأسبابه رغم خلوه من بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي عول عليها في قضائه بالإدانة، كما دانه استناداً إلى نص المادة 372 مكرراً من قانون العقوبات وأغفل دفاعه بأن المبنى محل الدعوى منشأ قبل صدوره ولم يستجب لطلب ندب خبير لإثبات أيلولته إليه ميراثاً عن والده وإقامته منذ أكثر من خمسين عاماً، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن قانون الإجراءات قد أوجب في المادة 310 منه أن يشتمل على حكم بالإدانة على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم وأن يلتزم بإيراد مضمون كل دليل من الأدلة التي استندت إليها المحكمة في الإدانة حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها، وإلا كان الحكم قاصراً. كذلك يتعين على الحكم بالإدانة في جريمة التعدي على أرض مملوكة للدولة المنصوص عليها في المادة 372 مكرراً فقرة أولى من قانون العقوبات أن يستظهر كون الأرض زراعية أو فضاء مملوكة للدولة وماهية السلوك الإجرامي الذي قارفه الجاني بما يفصح عن كونه تعدياً على أرض الدولة ويكشف عن توافر القصد الجنائي لديه وهو اتجاه إرادته إلى الانتفاع بأرض الدولة بغير حق مع العلم بأنه يتعدى على أرضها ولا يحق له الانتفاع بها. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد خلا كلية من بيان واقعة الدعوى واقتصر في بيان الدليل الذي عول عليه في قضائه بالإدانة على مجرد الإحالة على محضر الضبط دون بيان لفحواه وتبيان لمؤداه ووجه استدلاله به على ثبوت التهمة بعناصرها القانونية كافة، ودون أن يستظهر في مدوناته كنه الأرض محل الواقعة وكونها أرضاً زراعية أو فضاء مملوكة للدولة، كما أغفل بيان ماهية الأفعال التي قارفها الطاعن والتي يعدها القانون تعدياً على أرض الدولة وبما يكشف عن قيام قصد التعدي على أرض الدولة لديه، ومن ثم فإنه يكون قاصر التسبيب. هذا إلى أنه لما كانت المادة 372 مكرراً من قانون العقوبات المستحدثة بالقانون رقم 34 لسنة 1984 الصادر في 27 من مارس سنة 1984 تنص في فقرتها الأولى على عقاب كل من تعدى على أرض زراعية أو أرض فضاء أو مبان مملوكة للدولة وذلك بزراعتها أو غرسها أو إقامة إنشاءات عليها أو شغلها أو الانتفاع بها بأية صورة، وكان البين من صور التعدي التي ساقها النص على سبيل المثال أن هذه الجريمة إما أن تكون وقتية وإما مستمرة. والفيصل في التمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة في هذا الصدد هو طبيعة فعل التعدي الذي قارفه الجاني، فإذا كان الفعل مما تتم وتنتهي الجريمة بمجرد ارتكابه كانت وقتية أما إذا استمرت الحالة الجنائية فترة من الزمن فتكون الجريمة مستمرة طوال هذه الفترة، والعبره في الاستمرار هذا هي بتدخل إرادة الجاني في الفعل المعاقب عليه تدخلاً متتابعاً متجدداً، فإذا كانت الوقعة هي التعدي على أرض مملوكة للدولة بالبناء عليها فإن السلوك الإجرامي يتم وينتهي: بإقامة هذا البناء، مما لا يمكن حصول تدخل جديد في هذا الفعل ذاته فتكون الجريمة التي تكونها هذه الواقعة وقتيه، ولا يؤثر في هذا النظر ما قد تسفر عنه الجريمة من آثار تبقى وتستمر إذ لا يعتد بأثر الفعل في تكييفه قانوناً، ومن ثم فلا يعتد في هذا الشأن ببقاء ذلك البناء لأن بقاءه يكون في هذه الحالة أثراً من آثار الإنشاء ونتيجة طبيعة له. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على محضر جلسة 10 من أكتوبر سنة 1991 التي صدر فيها الحكم المطعون فيه أن الطاعن نفى تعديه على الأرض محل الدعوى وتمسك في دفاعه بأن البناء المقام عليها مشيد منذ أكثر من خمسين عاماً وآل إليه ميراثاً عن والده وطلب ندب خبير لتحقيق دفاعه، لما كان ذلك، وكان من المقرر دستورياً وقانوناً أنه لا يجوز تأثيم الفعل بقانون لا حق وأن القوانين الجنائية لا ينسحب أثرها إلى الأفعال التي لم تكن مؤثمة قبل إصدارها، وكان مؤدى دفاع الطاعن المشار إليه أن الفعل المسند إليه قد تم قبل نفاذ القانون الذي نص على تجريمه، دون ما صله به، وهو بهذه المثابة دفاع جوهري إذ يترتب عليه - لو صح - خروج الفعل من نطاق التأثيم بالنص الذي دانه الحكم بموجبه ودفع التهمة المسندة إليه، وكان الحكم المطعون فيه لم يفطن إلى هذا النظر المتقدم، فلم يقسط هذا الدفاع حقه بل أطرحه جملة ولم يحققه بلوغاً إلى غاية الأمر فيه أو يرد عليه بما ينفيه، وأسس قضاءه على ما ورد في محضر الضبط، وهو ما لا يصح في تفنيده، فإنه يكون قاصراً البيان بما يبطله ويوجب نقضه والإحالة بغير حاجة إلى بحث أوجه الطعن.