أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 47 - صـ 389

جلسة 24 من مارس سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ عوض جادو نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ سمير أنيس وفتحي الصباغ والبشري الشوربجي نواب رئيس المحكمة وفتحي جوده.

(56)
الطعن رقم 4702 لسنة 64 القضائية

(1) إثبات "اعتراف". دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف للإكراه". إكراه. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال. البحث في صحة ما يدعيه المتهم من انتزاع الاعتراف منه بالإكراه. موضوعي.
(2) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
مفاد الأخذ بأقوال الشهود؟
(3) رابطة السببية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
رابطة السببية في المواد الجنائية. مناط تحققها؟ تقديرها. موضوعي.
(4) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "خبرة". حكم "بيانات التسبيب" "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها.
عدم إيراد الحكم نص تقرير الخبير بكل فحواه. لا يعيبه.
عدم رسم القانون شكلاً معيناً لبيان الواقعة.
(5) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات "بوجه عام".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
(6) محكمة الموضوع "الإجراءات أمامها". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". إثبات "خبرة".
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها. غير جائز.
متى لا تلتزم المحكمة بإجابة طلب استدعاء الخبير لمناقشته؟
(7) اتفاق جنائي. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
ماهية الاتفاق الجنائي؟ المادة 48 من قانون العقوبات.
استخلاص العناصر القانونية لجريمة الاتفاق الجنائي من ظروف الدعوى. موضوعي.
(8) سبق إصرار. قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر. يستخلصه قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
تقدير توافر ظرف سبق الإصرار. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ على ثبوت قصد القتل وظرف سبق الإصرار لدى الطاعنين.
(9) مسئولية جنائية "الإعفاء منها". مواد مخدرة. قانون "تفسيره".
عدم التزام المحكمة بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب طبقاً للمادة 48 من قانون العقوبات ما لم يدفع به أمامها.
الإعفاء من العقاب وفقاً للمادة 48 عقوبات. مناط تحققه؟
1 - من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، ومتى تحققت أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بلا معقب عليها، ما دامت تقيم ذلك على أسباب سائغة.
2 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعة إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
3 - من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في تلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه.
4 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي متى كانت الوقائع - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها. وكان لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكل فحواه وأجزائه ولم يرسم القانون شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة.
5 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
6 - لما كان البين من الرجوع إلى محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين أو المدافعين عنهم لم يطلب أيهم من المحكمة استدعاء الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته، ومن ثم ليس لهم من بعد النعي عليها قعودها عن إجراء لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها حاجة لاتخاذه، فضلاً عن أنه من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إليها من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة وهي غير ملزمة من بعد بإجابة طلب مناقشة الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين، ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى، وما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافي المنطق أو القانون. ومن ثم يكون منعى الطاعنين في هذا الشأن غير سديد.
7 - لما كان لا يشترط لتكوين جريمة الاتفاق الجنائي المنصوص عليها في المادة 48 من قانون العقوبات أكثر من اتحاد إرادة شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما سواء كانت معينة أم غير معينة أو على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها سواء وقعت الجريمة المقصودة من الاتفاق أو لم تقع، ومن المقرر أنه لا حرج على المحكمة من أن تستنتج الاتفاق السابق من فعل لاحق على الجريمة يشهد به، وأنه يكفي أن تستخلص العناصر القانونية لجريمة الاتفاق الجنائي من ظروف الدعوى وملابساتها ما دام في وقائع الدعوى ما يسوغ الاعتقاد بوقوعه، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، وإذ استخلص الحكم المطعون فيه من وقائع الدعوى التي ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق وبأسباب مؤدية إلى ما قصده الحكم منها أن اتفاقاً مسبقاً قد تم بين الطاعنين على قتل المجني عليه بالسم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن يكون من قبيل الجدل الموضوعي في مسائل واقعية تملك محكمة الموضوع التقدير فيها بلا معقب من محكمة النقض.
8 - لما كان الحكم قد استظهر نية القتل في حق الطاعنين وتوافر سبق الإصرار لديهم في قوله: "وحيث إنه عن نية القتل فإنه لما كان قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى هذه المحكمة في حدود سلطتها التقديرية. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن المتهمين قد بيتوا النية وعقدوا العزم على قتل المجني عليها للخلاص مما لحق بهم من عار بعد أن حملت سفاحاً وأحضروا لذلك جوهراً ساماً - مبيد حشري - وسعى المتهم الثاني مراراً إلى المتهم الأول مطالباً إياه بالخلاص من المجني عليها لما ألحقته بهم من عار محدداً له الخيار بين طرق ثلاثة للخلاص منها إما بدفنها في الجبل أو قتلها بالسم أو حرقها واتفاق المتهمين الأول والثاني على تنفيذ جريمتهم في مسكن المتهم الأول والد المجني عليها وإحضار جوهر سام - مبيد حشري - وإذابته في كوب ماء ثم قيام المتهمين الثاني والثالث بالإمساك بها لشل حركتها ثم قيام الثاني بفتح فمها عنوه وقيام المتهم الأول بسكب محتوى الكوب من مادة سامة في فمها جرت إلى أحشائها وجرى السم في جسدها مجرى الدم في العروق ولم يتركوها إلا بعد أن رقدت جثة هامدة من أثر ما أكرهوها على شربه من سم أودى بحياتها على النحو المبين تفصيلاً فيما سلف وما ورد بالتقريرين الطبي الشرعي والكيماوي المشار إليهما" وفي قوله: - "..... وحيث إنه عن سبق الإصرار فإنه لما كان سبق الإصرار هو من الأمور النفسية الذي لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة وكان البحث في وجوده أو عدم وجوده يدخل تحت سلطة هذه المحكمة وكانت المحكمة ترى من ظروف الدعوى السالف بيانها توافر هذا الظرف في حق المتهمين لرغبتهم في الخلاص من المجني عليها لدفن عارهم معها وسعى المتهم الثاني إلى المتهم الأول مراراً مطالباً إياه بالخلاص منها واتفاقهم على إتمام جريمتهم بعد أن أيقنا أنه لا سبيل لمحو عارهم إلا بالخلاص منها فدبروا الأمر وفكروا فيه قبل أيام سابقة على تاريخ ارتكاب جريمتهم وهو ما يقطع أنهم فكروا وصمموا في روية قبل مقارفتهم لجريمة قتل المجني عليها ذلك فضلاً عن أنه لا يشترط في جريمة القتل بالسم وجود سبق إصرار لأن مجرد تحضير السم بقصد القتل في ذاته دال على وجود سبق الإصرار" ولما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، كما أنه من المقرر أن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافى عقلاً مع ذلك الاستنتاج. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم فيما سلف يكفي في استظهار نية القتل ويتحقق به ظرف سبق الإصرار حسبما هو معرف به في القانون، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون.
9 - لما كان البين من مطالعة دفاع الطاعنين الأول والثالثة بجلسة المحاكمة أنه لم يتمسك بإعفائهما من العقاب عملاً بالمادة 48/ 5 من قانون العقوبات، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها ما لم يدفع به أمامها فإذا لم يتمسك أمام المحكمة بقيام سبب من تلك الأسباب فلا يكون له أن ينعى على حكمها إغفال التحدث عن ذلك، هذا فضلاً عن أن الفقرة الأخيرة من المادة 48 من قانون العقوبات تنص على أن يعفى من العقوبات المقررة في هذه المادة كان من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي ومن اشتركوا فيه قبل وقوع أية جناية أو جنحة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم أولاً: اشتركوا في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جناية قتل المجني عليها...... عمداً مع سبق الإصرار باستعمال جواهر سامة، "مبيد التمك". ثانياً: قتلوا..... عمداً مع سبق الإصرار بجوهر يتسبب عنه الموت عاجلاً - مبيد التمك - بأن بيتوا النية وعقدوا العزم على قتلها وأعدوا لذلك مبيداً حشرياً وما أن ظفروا بها حتى انقضوا عليها وأكرهوها على تناول المبيد قاصرين من ذلك قتلها فأحدثوا بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها. المتهم الأول: أحرز سلاحاً أبيضاً - قادوم - مما يستخدم في الاعتداء على الأشخاص بغير مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية. وأحالتهم إلى محكمة جنايات بني سويف لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 233 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 25 مكرراً/ 1، 30/ 1 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقوانين أرقام 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981، 97 لسنة 1992 والبند 11 من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون الأول بمعاقبة المتهم الثاني بالأشغال الشاقة المؤبدة والمتهم الأول بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات والمتهمة الثالثة بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات عما أسند إليهم.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مما ينعاه الطاعنين على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجرائم الاتفاق الجنائي والقتل العمد مع سبق الإصرار وإحراز الأول لسلاح أبيض بغير مسوغ من الضرورة قد شابه القصور في التسبب والخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت في الأوراق وانطوى على إخلال بحق الدفاع ذلك بأن أطرح برد غير سائغ الدفع ببطلان اعتراف الطاعنين الأول والثالث لأنه وليد إكراه وتهديد يتمثل في وجود إصابات بالطاعن الأول، ورد على الدفع ببطلان أقوال الشاهدات الثلاث لصدوره تحت تأثير إكراه بما لا يصلح رداً. ولم يدلل على قيام رابطة السببية بين الأفعال المادية المسندة إلى الطاعنين وبين النتيجة التي ساءلهم عنها وهي موت المجني عليها فلم يبين التقرير الطبي الشرعي سبب الوفاة وصلتها بالمبيد الحشري الذي وجد في أحشائها، وقد نازع الدفاع عن الطاعنين في صورة الواقعة التي اعتنقها الحكم المطعون فيه وأكد أنها لا تعدو أن تكون انتحاراً مما كان يستوجب استدعاء الطبيب الشرعي ليفصل في هذا الأمر، وأعرض عن دفاعهم القائم على المنازعة في النتيجة التي توصل إليها الطبيب الشرعي في تقريره سيما وأن الجثة استخرجت بعد دفنها بأربعة أيام وبدا عليها أعراض التعفن مما كان لازمه استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لاستطلاع رأيه، ولم يستظهر الحكم عناصر الاتفاق الجنائي خاصة في حق الطاعنة الثالثة والمظاهر الدالة على قيامه، كما أن ما أورده بياناً لنية القتل وإثباتاً لظرف سبق الإصرار لا يكفي لاستظهارهما والاستدلال به على توافرهما، ولم يتفطن الحكم إلى حق الطاعنين الأول والثالثة في التمتع بالإعفاء الوارد بنص المادة 48/ 5 من قانون العقوبات إذ أدى اعترافهما إلى ضبط المتهم الثاني، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله أنه إثر علم الطاعنين بحمل المجني عليها سفاحاً اتفقوا على التخلص منها وأعدوا لتنفيذ جريمتهم جوهراً ساماً "مبيد حشري" ونفاذاً لما اتفقوا عليه قام الطاعن الأول بإذابته في كوب ماء وأمسك الطاعنان الثاني والثالثة بالمجني عليها بينما قام الأول بفتح فاها عنوة عنها بعد ضربها بقادوم عليه وإحداث إصابات بها ثم قام بسكب الماء المسموم فيه فسرى مفعوله في جسدها ففارقت الحياة متأثرة بما تناولته، وثبت من التقرير الطبي الشرعي وجود إصابات حيوية ذات طبيعة رضية بالذقن وبأعلى يسار الصدر وتبين وجود مادة خضراء على الكفن والأحشاء بالجثة أثبت المعمل الكيميائي أنها لمادة التمك وأن المجني عليها كانت حامل وتعزى وفاة الجنين لوفاة الأم، وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة في حق الطاعنين أدلة استمدها من أقوال الشهود ومن اعتراف المتهمين الأول والثالثة بالتحقيقات ومن تقرير الصفة التشريحية والمعامل الكيميائية ومن تحريات المباحث. لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين تلك الواقعة بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وحصل الحكم مؤدى هذه الأدلة تحصيلاً سليماً في بيان واف يكفي للتدليل على ثبوت الصورة التي اقتنعت بها المحكمة واستقرت في وجدانها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان اعتراف الطاعنين الأول والثالثة لصدوره تحت إكراه ورد عليه بقوله ".. وحيث إنه عن الدفع المبدى من المتهمين الأول والثالثة ببطلان اعترافهما لكونه وليد إكراه، فإنه لما كان الاعتراف في المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال في الدعوى لهذه المحكمة كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها أن تأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره في أي دور من أدوار التحقيق ولو عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى الدليل المستمد منه إذ لها أن تستمد اقتناعها من أي دليل تطمئن إليه ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق، وكان دفاع المتهمين في هذا الشأن قد جاء غير مؤيد بأي دليل ينبئ عن صحته وقد خلت الأوراق مما يظاهره، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إن هي التفتت عنه ويكون اعتراف المتهمين الأول والثالثة قد صدر عنهما طواعية واختياراً غير مشوب بما ينال من صحته سيما وأن المتهم الأول قد أقر بالتحقيقات أن أي إكراه لم يقع عليه وأنه أدلى باعترافه بعد أن شعر بتأنيب ضميره وتطمئن المحكمة إلى هذا الاعتراف لاتساقه مع ماديات الدعوى وما تضمنه التقرير الطبي الشرعي وتقرير المعامل الكيميائية من وجود آثار لمبيد حشري بأحشاء المجني عليها وما وجد بها من إصابات بذقنها من جراء الضربة التي أحدثها بها المتهم الأول كما تأيد هذا الاعتراف بأقوال شهود الإثبات شقيقتي المتهم الأول وما قررته ابنته الحدث....... شقيقة المجني عليها ومن ثم فالمحكمة علاوة على ما قرره شهود الواقعة وتحريات المباحث تأخذ المتهمين باعترافهما على نفسيهما وتأخذ المتهم الثاني باعترافهما عليه وذلك بحسبان ما هو مقرر من أن قول متهم على آخر هو في حقيقته شهادة للمحكمة أن تعول عليها ولا ينال من صحة اعترافهما القول بوجود ضابط الواقعة أثناء التحقيق مع المتهمين إذ ليس في حضور ضابط الشرطة التحقيق - بفرض صحة ذلك - ما يعيب إجراءاته لأن سلطان الوظيفة في ذاته مما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وسلطات لا يعد إكراهاً ما دام لم يستطل إلى المتهمين بالأذى مادياً كان أو معنوياً إذ مجرد الخشية منه لا يعد قرين الإكراه المبطل لا معنى ولا حكماً" وهو رد سائغ وكاف في مجموعه في إطراح هذا الدفاع لما هو مقرر من أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، ومتى تحققت أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بلا معقب عليها، ما دامت تقيم ذلك على أسباب سائغة. فإن منعى الطاعنين في هذا الخصوص يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع الذي أثاره الطاعن الثاني ببطلان أقوال الشهود للإكراه الذي وقع عليه وأطرحه بقوله: ".... وحيث إنه عما أبداه المدافع عن المتهم الثاني من أن الشاهدتين قد أكرهن على الشهادة على النحو الوارد بالتحقيقات فإنه لما كان هذا القول من جانب الدفاع لا يعدو أن يكون قولاً مرسلاً وقد خلت الأوراق مما يسانده فضلاً عن إن أي ممن شهدن في التحقيقات لم تقرر أن ثمة إكراه وقع عليها كيما تدلى بشهادتها على نحو ما قررته بل إن ورود أقوال شهود الإثبات على نسق ووتيرة واحدة إنما ينبئ عن صدق روايتهن للواقعة كما حدثت فعلاً وحسبما طبعت مشاهدها في أذهانهن وقت حدوثها بما يصعب معه تناقض أقوال الشاهدات فيما روين من أحداثها بل وقد جاءت أقوالهن متسقة أيضاً مع ما خلص إليه تقريري الطب الشرعي والمعامل الكيميائية حول الواقعة ومن ثم فإن المحكمة تطمئن إلى صدق روايتهن وتأخذ بشهادتهن في التحقيقات سنداً لإدانة المتهمين وتلتفت عن قالة الدفاع في هذا الشأن كما تلتفت عن أي قول لأي منهن يغاير ما ورد في التحقيقات" وإذ كان ما أورده الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً وله معينه الصحيح من أوراق الدعوى، لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من أدلة الدعوى وعناصرها، وأن وزن أقوال شهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، فإن ما يثيره الطاعنين في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه. وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعي متى كانت الوقائع - كما هو الحال في الدعوى الماثلة - قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها. وكان لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكل فحواه وأجزائه ولم يرسم القانون شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة. لما كان ذلك، وكان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر قيام علاقة السببية بين إصابات القتيلة ووجود المبيد الحشري بأحشائها - التي نقلها عن تقرير الصفة التشريحية والمعامل الكيميائية - وبين وفاتها في معرض سرده للتدليل على توافر نية القتل في حق الطاعنين بشأن قيام المتهمين الثاني والثالثة بالإمساك بالمجني عليها وقيام المتهم الأول بسكب محتوى الكوب من مادة سامة في فمها جرت إلى أحشائها وجرى السم في جسدها مجرى الدم في العروق ولم يتركوها إلا بعد أن رقدت جثة هامدة من أثر ما أكرهوها على شربه من سم أودى بحياتها على النحو المبين تفصيلاً فيما سلف وما ورد بالتقريرين الطبي الشرعي والكيميائي وكان ما أورده الحكم على هذا النحو له صداه في التقريرين سالفي الذكر. فإنه ينحسر عن الحكم ما يثيره الطاعنين من قصور في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها لصحة وسلامة اعترافات الطاعنين الأول والثالثة ومطابقتها للواقع والحقيقة في استدلال سائغ لا تنافر فيه مع حكم العقل والمنطق فإن منعى الطاعنين في هذا الخصوص ينحل إلى مجادلة في صورة الواقعة كما اقتنع بها الحكم مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من الرجوع إلى محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعنين أو المدافعين عنهم لم يطلب أيهم من المحكمة استدعاء الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته، ومن ثم ليس لهم من بعد النعي عليها قعودها عن إجراء لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها حاجة لاتخاذه، فضلاً عن أنه من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إليها من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة وهي غير ملزمة من بعد بإجابة طلب مناقشة الطبيب الشرعي أو كبير الأطباء الشرعيين، ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى، وما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهى إليه الخبير هو استناد سليم لا يجافي المنطق أو القانون. ومن ثم يكون منعى الطاعنين في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان لا يشترط لتكوين جريمة الاتفاق الجنائي المنصوص عليها في المادة 48 من قانون العقوبات أكثر من اتحاد إرادة شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة ما سواء كانت معينة أم غير معينة أو على الأعمال المجهزة أو المسهلة لارتكابها سواء وقعت الجريمة المقصودة من الاتفاق أو لم تقع، ومن المقرر أنه لا حرج على المحكمة من أن تستنتج الاتفاق السابق من فعل لاحق على الجريمة يشهد به، وأنه يكفي أن تستخلص العناصر القانونية لجريمة الاتفاق الجنائي من ظروف الدعوى وملابساتها ما دام في وقائع الدعوى ما يسوغ الاعتقاد بوقوعه، وهي في ذلك ليست مطالبة بالأخذ بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص الحقائق القانونية من كل ما يقدم إليها من أدلة ولو كانت غير مباشرة متى كان ما حصله الحكم من هذه الأدلة لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، وإذ استخلص الحكم المطعون فيه من وقائع الدعوى التي ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق وبأسباب مؤدية إلى ما قصده الحكم منها أن اتفاقاً مسبقاً قد تم بين الطاعنين على قتل المجني عليه بالسم فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الشأن يكون من قبيل الجدل الموضوعي في مسائل واقعية تملك محكمة الموضوع التقدير فيها بلا معقب من محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر نية القتل في حق الطاعنين وتوافر سبق الإصرار لديهم في قوله: "... وحيث إنه عن نية القتل فإنه لما كان قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى هذه المحكمة في حدود سلطتها التقديرية. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن المتهمين قد بيتوا النية وعقدوا العزم على قتل المجني عليها للخلاص مما لحق بهم من عار بعد أن حملت سفاحاً وأحضروا لذلك جوهراً ساماً - مبيد حشري - وسعى المتهم الثاني مراراً إلى المتهم الأول مطالباً إياه بالخلاص من المجني عليها لما ألحقته بهم من عار محدداً له الخيار بين طرق ثلاثة للخلاص منها إما بدفنها في الجبل أو قتلها بالسم أو حرقها - واتفاق المتهمين الأول والثاني على تنفيذ جريمتهم في مسكن المتهم الأول والد المجني عليها وإحضار جوهر سام - مبيد حشري - وإذابته في كوب ماء ثم قيام المتهمين الثاني والثالث بالإمساك بها لشل حركتها ثم قيام الثاني بفتح فمها عنوه وقيام المتهم الأول بسكب محتوى الكوب من مادة سامة في فمها جرت إلى أحشائها وجرى السم في جسدها مجرى الدم في العروق ولم يتركوها إلا بعد أن رقدت جثة هامدة من أثر ما أكرهوها على شربه من سم أودى بحياتها على النحو المبين تفصيلاً فيما سلف وما ورد بالتقريرين الطبي الشرعي والكيميائي المشار إليهما" وفي قوله: "... وحيث إنه عن سبق الإصرار فإنه لما كان سبق الإصرار هو من الأمور النفسية الذي لا يكون له في الخارج أثر محسوس يدل عليه مباشرة وكان البحث في وجوده أو عدم وجوده يدخل تحت سلطة هذه المحكمة وكانت المحكمة ترى من ظروف الدعوى السالف بيانها توافر هذا الظرف في حق المتهمين لرغبتهم في الخلاص من المجني عليها لدفن عارهم معها وسعى المتهم الثاني إلى المتهم الأول مراراً مطالباً إياه بالخلاص منها واتفاقهما على إتمام جريمتهم بعد أن أيقنا أنه لا سبيل لمحو عارهم إلا بالخلاص منها فدبروا الأمر وفكروا فيه قبل أيام سابقة على تاريخ ارتكاب جريمتهم وهو ما يقطع أنهم فكروا وصمموا في روية قبل مقارفتهم لجريمة قتل المجني عليها، ذلك فضلاً عن أنه لا يشترط في جريمة القتل بالسم وجود سبق إصرار لأن مجرد تحضير السم بقصد القتل في ذاته دال على وجود سبق الإصرار" ولما كان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، كما أنه من المقرر أن البحث في توافر سبق الإصرار من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافى عقلاً مع ذلك الاستنتاج. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم فيما سلف يكفي في استظهار نية القتل ويتحقق به ظرف سبق الإصرار حسبما هو معرف به في القانون فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة دفاع الطاعنين الأول والثالثة بجلسة المحاكمة أنه لم يتمسك بإعفائهما من العقاب عملاً بالمادة 48/ 5 من قانون العقوبات، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم بتقصي أسباب إعفاء المتهم من العقاب في حكمها ما لم يدفع به أمامها فإذا لم يتمسك أمام المحكمة بقيام سبب من تلك الأسباب فلا يكون له أن ينعى على حكمها إغفال التحدث عن ذلك، هذا فضلاً عن أنه لما كانت الفقرة الأخيرة من المادة 48 من قانون العقوبات تنص على أنه "يعفى من العقوبات المقررة في هذه المادة كل من بادر من الجناة بإخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أية جناية أو جنحة" وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت وقوع جناية القتل العمد مع سبق الإصرار المنسوبة للطاعنين كما لم يثبت بمدونات الحكم المطعون فيه أن اعتراف المتهمين الأول والثالثة كان قبل ارتكاب الجريمة منهما مع الثاني - وهو ما لا يجادل فيه الطاعنين الأول والثالثة - ويكون نعيهما في هذا الخصوص غير مقبول. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.