أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 47 - صـ 437

جلسة 2 من إبريل سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ محمد نبيل رياض نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ جابر عبد التواب وأمين عبد العليم ومحمد شعبان نواب رئيس المحكمة وعمر بريك.

(62)
الطعن رقم 9002 لسنة 64 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود وتقدير ظروف الإدلاء بها. موضوعي.
مفاد أخذ المحكمة بشهادة شاهد؟
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى. غير جائز أمام محكمة النقض.
(2) إثبات "بوجه عام" "شهود". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
لا يشترط في الشهادة أن ترد على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها.
مؤدى تساند الأدلة في المواد الجنائية؟
(3) إجراءات "إجراءات المحاكمة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". دفوع "الدفع ببطلان المواجهة". بطلان.
الدفع ببطلان مواجهة الطاعن بالمجني عليه بمعرفة ضابط الواقعة. لا يقبل لأول مرة أمام النقض. علة ذلك؟.
(4) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها. إغفالها لبعض الوقائع. مفاده. إطراحها لها.
(5) هتك عرض. جريمة "أركانها". إكراه.
جريمة هتك العرض. لا يشترط قانوناً لتوافرها أن يترك الإكراه أثراً في جسم المجني عليه.
كفاية ارتكاب الفعل ضد إرادة المجني عليه وبغير رضائه لتوافر ركن القوة.
(6) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع في الجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره. حد ذلك؟
(7) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير حالة المتهم العقلية". مسئولية جنائية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استدلال المحكمة من تصرفات الطاعن وأقواله السابقة والتالية على الحادث. دليل على سلامة قواه العقلية. استدلال سليم.
(8) موانع العقاب "الجنون والعاهة العقلية" مسئولية جنائية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
المرض العقلي الذي تنعدم به المسئولية قانوناً وفق المادة 62 عقوبات. هو الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك. سائر الأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه. لا تعد سبباً لانعدام المسئولية.
(9) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير حالة المتهم العقلية". مسئولية جنائية. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم التزام المحكمة بندب خبير في الدعوى تحديداً لمدى تأثير مرض الطاعن على مسئوليته الجنائية بعد وضوحها لها.
تقدير حالة المتهم العقلية. موضوعي. ما دام سائغاً.
عدم التزام المحكمة بالالتجاء إلى أهل الخبرة. إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة.
1 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم والتعويل على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقرير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها فإن ما يثيره الطاعن في شأن القوة التدليلية لأقوال الشهود لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى لا يجوز أمام محكمة النقض.
2 - لما كان الأصل أنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، وكان لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، ذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ولا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، فإن ما يثيره الطاعن من أن أقوال شاهدي الإثبات لا تنبئ عن وقوع الجريمة لعدم مشاهدتهم للواقعة لا يكون له محل.
3 - لما كان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع - على ما هو ثابت بمحضر جلسة المحاكمة - ببطلان مواجهته بالمجني عليه بمعرفة ضابط الواقعة فليس له من بعد أن يثير شيئاً عن ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
4 - من المقرر في أصول الاستدلالات أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها وفي إغفالها لبعض الوقائع ما يفيد ضمناً إطراحها لها واطمئنانها إلى ما أثبتته من الوقائع والأدلة التي اعتمدت عليها في حكمها، ومن ثم فلا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم لإغفاله الواقع التي أشار إليها بأسباب طعنه، وهي تعد وقائع ثانوية يريد الطاعن لها معنى لم تسايره فيه المحكمة فأطرحتها.
5 - من المقرر أنه لا يشترط قانوناً لتوافر جريمة هتك العرض أن يترك أثراً في جسم المجني عليه، كما أنه يكفي لتوافر ركن القوة في هذه الجريمة أن يكون الفعل قد ارتكب ضد إرادة المجني عليه وبغير رضائه وللمحكمة أن تستخلص من الوقائع التي شملها التحقيق ومن أقوال الشهود حصول الإكراه على المجني عليه. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أخذاً بأقوال المجني عليه التي اطمأن إليها أن الطاعن اصطحبه عنوة إلى منطقة مهجورة وخلع عنه سرواله واستدبره بحك قضيبه في دبره حتى أمنى، كما نقل الحكم عن التقرير الطبي الشرعي إمكان حصول الاحتكاك الخارجي دون تخلف أثر، وإذ كان هذا الذي أورده الحكم كافياً وسائغاً في إثبات توافر جريمة هتك العرض بأركانها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بشأن ما ورد بتقرير الطب الشرعي يكون في غير محله.
6 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لا يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.
7 - لما كانت المحكمة قد أثبتت - في حدود سلطتها التقديرية - تمتع الطاعن بملكة الوعي والتمييز والقدرة على حسن الإدراك وسلامة التدبير العقلي وقت ارتكابه الجريمة وذلك من واقع ما استدلت به من مسلك الطاعن وأفعاله وأقواله سواء ما كان سابقاً على وقوع الجريمة أو أثناء ارتكابه لها أو من بعد مقارفته إياها واستدلت المحكمة من كل ذلك على سلامة قواه العقلية وقت وقوع الحادث وهو استدلال سليم لا غبار عليه إذ اتخذت من تصرفاته وأقواله السابقة والتالية على الحادث قرائن تعزز ما انتهت إليه من أنه كان حافظاً لشعوره واختياره وقت الحادث، فإن ما أورده الحكم فيما تقدم كاف وسائغ في الرد على ما يثيره الطاعن في هذا الصدد.
8 - من المقرر أن المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية الجنائية قانوناً، على ما تقضي به المادة 62 من قانون العقوبات هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك، أما سائر الأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن مرض الطاعن النفسي المشار إليه - بفرض صحته - لا يؤثر على سلامة عقله وصحة إدراكه وتتوافر معه مسئوليته الجنائية عن الفعل الذي وقع منه يكون صحيحاً في القانون.
9 - لما كانت المحكمة غير ملزمة بندب خبير فني في الدعوى تحديداً لمدى تأثير مرض الطاعن على مسئوليته الجنائية بعد أن وضحت لها الدعوى على ما تقدم لأن الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة وهي لا تلتزم بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص من دعوى الإخلال بحق الدفاع لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: - أ - هتك بالقوة والتهديد عرض الصبي....... الذي لم يبلغ من العمر ستة عشر سنة كاملة بأن شهر في وجهه مطواة مهدداً بإعمالها في جسده وخلع عنه سرواله واستدبره وحك قضيبه في دبره حتى أمنى. ب - أحرز بغير ترخيص سلاحاً أبيضاً "مطواة قرن غزال". وأحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 268/ 1 - 2 عقوبات والمواد 1/ 1، 25 مكرراً، 30/ 1 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل والبند 10 من الجدول الأول الملحق بالقانون الأخير مع إعمال المادة 32 عقوبات بمعاقبته بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات ومصادرة السلاح المضبوط.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض......... إلخ.


المحكمة

حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة هتك العرض قد شابه القصور في التسبيب والتناقض فيه والإخلال بحق الدفاع ذلك أنه عول على أقوال الضابط.......... رغم أنها لا تعدو أن تكون ترديداً لأقوال المجني عليه التي قررها أمامه كما وأن إقرار المتهم له بارتكاب الواقعة تم بعد إجراء مواجهة باطلة بينه والمجني عليه هذا إلى أن أقوال المجني عليه تتناقض مع ما انتهى إليه تقرير الطب الشرعي من عدم وجود آثار لإيلاج كامل وعدم وجود آثار منوية، كما عول على أقوال شاهدي الإثبات.......... و........... مع أن هذه الأقوال لا تنبئ عن وقوع الجريمة إذ لم يشاهدا الواقعة وعول على اعتراف الطاعن بمحضر جمع الاستدلالات وتحقيقات النيابة العامة مع أنه جاء نتيجة إصابة الطاعن بمرض نفسي وأخيراً فقد أطرح الدفع بانتفاء مسئولية الطاعن لمرضه بمرض عقلي وطلبه ندب خبير لفحص حالته برد غير سائغ مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
من حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن اعتراف المتهم بالتحقيقات ومما جاء بتقرير الطب الشرعي. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم والتعويل على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقرير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها فإن ما يثيره الطاعن في شأن القوة التدليلية لأقوال الشهود لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى لا يجوز أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه لا يشترط في شهادة الشاهد أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، وكان لا يلزم أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى، ذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة ولا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، فإن ما يثيره الطاعن من أن أقوال شاهدي الإثبات........ و.......... لا تنبئ عن وقوع الجريمة لعدم مشاهدتهم للواقعة لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع - على ما هو ثابت بمحضر جلسة المحاكمة - ببطلان مواجهته بالمجني عليه بمعرفة ضابط الواقعة فليس له من بعد أن يثير شيئاً عن ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر في أصول الاستدلالات أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها وفي إغفالها لبعض الوقائع ما يفيد ضمناً إطراحها لها واطمئنانها إلى ما أثبتته من الوقائع والأدلة التي اعتمدت عليها في حكمها، ومن ثم فلا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم لإغفاله الوقائع التي أشار إليها بأسباب طعنه، وهي تعد وقائع ثانوية يريد الطاعن لها معنى لم تسايره فيه المحكمة فأطرحتها. لما كان ذلك، وكان لا يشترط قانوناً لتوافر جريمة هتك العرض أن يترك أثراً في جسم المجني عليه، كما أنه يكفي لتوافر ركن القوة في هذه الجريمة أن يكون الفعل قد ارتكب ضد إرادة المجني عليه وبغير رضائه وللمحكمة أن تستخلص من الوقائع التي شملها التحقيق ومن أقوال الشهود حصول الإكراه على المجني عليه. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أخذاً بأقوال المجني عليه التي اطمأن إليها أن الطاعن اصطحبه عنوة إلى منطقة مهجورة وخلع عنه سرواله واستدبره وحك قضيبه في دبره حتى أمنى، كما نقل الحكم عن التقرير الطبي الشرعي إمكان حصول الاحتكاك الخارجي دون تخلف أثر، وإذ كان هذا الذي أورده الحكم كافياً وسائغاً في إثبات توافر جريمة هتك العرض بأركانها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن بشأن ما ورد بتقرير الطب الشرعي يكون في غير محله. فضلاً عن أن الأصل أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لا يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه عرض لما أثاره الدفاع عن الطاعن من انتفاء مسئوليته لمرضه بمرض عقلي هو انفصام الشخصية وطلبه ندب خبير لفحص حالته ورد عليه بقوله "فإن هذا الدفع في غير محله ذلك أنه من المستقر عليه أن حالة المتهم العقلية مما تستقل به محكمة الموضوع باعتباره من صحيح الواقع المعروض عليها في الدعوى. ولما كان ذلك، وكان البين للمحكمة من ظروف الحال وملابسات فعل هتك العرض المنسوب إلى المتهم وتصرفاته بصدد ارتكاب الفعل سواء ما كان منها سابقاً على ارتكابه وذلك باصطحابه المتهم بعيداً عن أعين الناظرين واختياره مكاناً مهجوراً غير مطروق بحيث يتسنى له ارتكاب جريمته واستخدام المطواة المضبوطة في تهديد المجني عليه بمنعه من الاستغاثة إصراراً منه ورغبة في إتمام جريمته ثم قيامه بتجريد المجني عليه من سرواله وسرباله، ثم بعد أن بلغ مراده وارتكب جريمته طلب منه الانصراف، ولما تم القبض عليه أقر في محضر الشرطة بارتكاب الواقعة، كما اعتراف أمام سلطة التحقيق بالحادث وأثبت إجابته لكافة الأسئلة التي وجهت إليه في هدوء واتزان وإدراك كامل على مدار خمس صفحات من صفحات التحقيق مصوراً حدوث الواقعة على النحو الوارد بأقوال المجني عليه الأمر الذي يستقيم معه في يقين المحكمة سلامة عقل المتهم وتمتعه بكامل الشعور والإدراك وقت ارتكاب الجريمة ومسئوليته عن الجرم الذي قارفته يداه، وذلك من واقع مسلكه وأقواله وأفعاله ما سبق منها الجريمة أو أثناء ارتكابها أو بعد فراغه منها ولا ينال من هذا النظر ما قدمه محامي المتهم من تذكرتي علاج باسم المتهم صادرتين من طبيب خاص لم يبين فيها من قريب أو بعيد الحالة العقلية للمتهم ومن ثم فلا دليل في الأوراق على صحة ما ذهب إليه الدفاع من أن المتهم يعاني من مرض عقلي هو انفصام الشخصية، وبفرض صحة هذا الزعم فإن المستقر عليه أن هذا المرض - انفصام الشخصية - لا يؤثر على سلامة العقل وصحة الإدراك وتتوافر معه مسئولية المتهم الجنائية عن الفعل الذي وقع منه. لما كان ذلك، وكان تقدير الحالة العقلية للمتهم من المسائل الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ومن ثم فلا ترى المحكمة محلاً للالتجاء إلى أهل الخبرة في هذا الخصوص لفحص حالة المتهم العقلية بعد أن انتهت المحكمة آنفاً إلى سلامة عقله وصحة إدراكه وتوافر مسئوليته على النحو المتقدم". لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أثبتت - في حدود سلطتها التقديرية - تمتع الطاعن بملكة الوعي والتمييز والقدرة على حسن الإدراك وسلامة التدبير العقلي وقت ارتكابه الجريمة وذلك من واقع ما استدلت به من مسلك الطاعن وأفعاله وأقواله سواء ما كان سابقاً على وقوع الجريمة أو أثناء ارتكابه لها أو من بعد مقارفته إياها واستدلت المحكمة من كل ذلك على سلامة قواه العقلية وقت وقوع الحادث وهو استدلال سليم لا غبار عليه إذ اتخذت من تصرفاته وأقواله السابقة والتالية على الحادث قرائن تعزز ما انتهت إليه من أنه كان حافظاً لشعوره واختياره وقت الحادث، فإن ما أورده الحكم فيما تقدم كاف وسائغ في الرد على ما يثيره الطاعن في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن ما طلبه الدفاع عن الطاعن من ندب أحد الخبراء المختصين لفحص حالة الطاعن كان مبناه انعدام مسئوليته بسبب إصابته بمرض نفسي هو انفصام الشخصية، وكان من المقرر أن المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم المسئولية الجنائية قانوناً، على ما تقضي به المادة 62 من قانون العقوبات هو ذلك المرض الذي من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك، أما سائر الأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن مرض الطاعن النفسي المشار إليه - بفرض صحته - لا يؤثر على سلامة عقله وصحة إدراكه وتتوافر معه مسئوليته الجنائية عن الفعل الذي وقع منه، يكون صحيحاً في القانون. لما كان ذلك، وكانت المحكمة غير ملزمة بندب خبير فني في الدعوى تحديداً لمدى تأثير مرض الطاعن على مسئوليته الجنائية بعد أن وضحت لها الدعوى على ما تقدم لأن الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة وهي لا تلتزم بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص من دعوى الإخلال بحق الدفاع لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.