أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 45 - صـ 1108

جلسة 8 من ديسمبر سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ محمد يحيى رشدان نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ صلاح البرجى ومجدي الجندي وحسين الشافعي نواب رئيس المحكمة ومحمد فؤاد الصيرفي.

(175)
الطعن رقم 9434 لسنة 63 القضائية

(1) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام" "شهود".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
حق المحكمة أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه. ما دام له مأخذه الصحيح في الأوراق.
حق محكمة الموضوع في تحصيل أقوال الشاهد واستخلاص مراميها. حد ذلك؟
(2) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
ورود شهادة الشاهد على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها بجميع تفاصيلها على وجه دقيق. غير لازم. كفاية أن يكون من شأنها أن تؤدى إلى تلك الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة.
(3) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
تناقض أحد الشهود أو تضاربه في أقواله. لا يعيب الحكم. متى استخلص الحقيقة منها بما لا تناقض فيه.
(4) حكم "بيانات التسبيب".
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة.
(5) رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميون. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم اشتراط أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها. داخله في نطاق الوظيفة مباشرة. كفاية أن يكون له فيها نصيب من اختصاص يسمح بتنفيذ الغرض من الرشوة.
تحقق جريمة الرشوة ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة. شرطه. اعتقاد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو زعمه ذلك كذباً.
الزعم بالاختصاص في جريمة الرشوة. توافره. ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح به. كناية إبدائه استعداده للقيام بالعمل الذي يدخل في نطاق اختصاصه أو الامتناع عنه. علة ذلك؟
(6) رشوة. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
جريمة الرشوة. تمامها بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله ولو كان العمل الذي يوضع الجعل لتنفيذه أو للامتناع عن أدائه غير حق. ما دام زعم الاختصاص كافياً لتمام الجريمة. علة ذلك؟
مثال لتسبيب سائغ للتدليل على توافر أركان جريمة الرشوة موظف عمومي.
(7) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". استدلالات. رشوة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات".
تقدير جدية التحريات لسلطة التحقيق. تحت إشراف محكمة الموضوع.
(8) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود" "خبرة".
الجدل الموضوعي في سلطة المحكمة في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وتقدير الأدلة غير جائز أمام النقض.
مثال.
(9) رشوة. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مفاد سعي الطاعن بنفسه إلى المبلغ في منزله ثم في الأماكن الأخرى التي اتفقاً على اللقاء فيها؟
(10) عقوبة "تطبيقها". رشوة. نقض "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون" "نظر الطعن والحكم فيه".
الغرامة المنصوص عليها في المادة 103 عقوبات. ماهيتها؟
قضاء الحكم المطعون فيه بتغريم الطاعن بما يجاوز الحد الأدنى المنصوص عليه في المادة 103 عقوبات رغم أن مبلغ الرشوة لا يجاوز هذا الحد. خطأ في القانون يوجب النقض والتصحيح.
1 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الواقعة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق وأن تحمل أقوال الشاهد وتفهم سياقها وتستشف مراميها ما دامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن مضمونها.
2 - من المقرر أنه لا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدى إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذي رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها.
3 - من المقرر أن تناقض أحد الشهود أو تضاربه في أقواله - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام الحكم قد استخلص الحقيقة من أقوال الشهود استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
4 - من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها بل يكفي أن يكون مجموع ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة.
5 - إن المادة 103 من قانون العقوبات قد نصت على أن "كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو عد به" كما نصت المادة 103 مكرراً المعدلة بالقانون رقم 120 سنة 1962 على أنه يعتبر مرتشياً ويعاقب بنفس العقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل يعتقد خطأ أو يزعم أنه من أعمال وظيفته أو للامتناع عنه" ويستفاد من الجمع بين النصين في ظاهر لفظهما وواضح عبارتهما أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة - بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها كما تتحقق أيضاً ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذباً بصرف النظر عن اعتقاد المجني عليه فيما اعتقد أو زعم، وكان الزعم بالاختصاص يتوفر ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح له الاختصاص إذ يكفي مجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل أو بالامتناع عنه الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه لأن ذلك السلوك يفيد ضمناً زعمه ذلك الاختصاص.
6 - إن جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله ولو كان العمل الذي يوضع الجعل لتنفيذه أو للامتناع عن أدائه غير حق، وما دام رغم الاختصاص يكفي لتمام الجريمة لأن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة ولأن الشارع سوى في نطاق جريمة الرشوة بما استنه في نصوصه التي استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه وذلك عن طريق الاتجار فيها، وإن الشارع قدر أن الموظف لا يقل استحقاقاً للعقاب حيث يتجر في أعمال الوظيفة على أساس موهم عنه حين يتجر فيها على أساس من الواقع إذ هي يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد تفطن إلى المعاني القانونية المتقدمة، ولم يقصر في بيان حدود اختصاص الطاعن ونوع العمل المقصود في جريمة الرشوة فقد أثبت واقعة الدعوى بما مفاده "قيام المبلغ بإعطاء الطاعن مبلغ مائتي جنيه نظير تركيب عداد إنارة قوة 3 فاز بشقته على أن يتم تسليمه باقي المبلغ بعد التركيب وعند إعطاء المبلغ الإرشاد المتفق عليها وبعد إتمام تسليم المبلغ للمتهم تم القبض عليه وبتفتيشه عثر على المبلغ الثابت أرقامه وفئاته بجيب بنطلونه الأيمن وأنه أقر للضابط بتقاضيه مبلغ الرشوة مقابل تغيير العداد" وهو ما تتوافر به جريمة الرشوة المنصوص عليها في المادة 103 مكرراً من قانون العقوبات - على ما سلف بيانه - والتي دان الطاعن بها فإن الحكم يكون صحيحاً في القانون ويكون ما يثيره الطاعن في شأن انتفاء اختصاصه بالعمل غير سديد.
7 - من المقرر أن تقدير جدية التحريات متروكاً لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع.
8 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أورد في معرض تحصيله لأدلة الدعوى مضمون تفريغ الحوار المسجل على الشريط المضبوط وأن تقدير خبير الأصوات قد انتهى إلى تطابق أصوات كل من المبلغ والمتهم على الأصوات المسجلة على الشريط خلافاً لما ورد بوجه النعي في هذا الشأن ولا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد فضلاً عن أن ما يثيره من تشكيك في أقوال شاهدي الإثبات الأول والثاني ومؤدى الحديث المسجل لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستنباط معتقدها منها وسلطتها في تقدير الأدلة وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ولا جدوى لما يثيره الطاعن في هذا الصدد.
9 - لما كان الثابت بمدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن هو الذي سعى بنفسه إلى المبلغ في المقهى الذي اتفقاً على اللقاء فيه وأنه هو الذي طلب وأخذ مبلغ الرشوة بناء على الاتفاق الذي جرى بينهما فإن مفاد ذلك أن الطاعن هو الذي انزلق إلى مقارفة طلب وأخذ الرشوة وكان ذلك منه عن إرادة حرة طليقة وإذ كان ما أثبته الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً لإدانة الطاعن فإن ما يثيره عن القول بأن المبلغ هو الذي حرضه على ارتكاب الجريمة إذ أن الحكم لم يفصح عن الأفعال المادية التي صدرت منه - لا يكون صحيحاً.
10 - لما كانت عقوبة الغرامة التي نصت عليها المادة 103 من قانون العقوبات تعد عقوبة تكميلية وهي من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 منه وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به وكان الحكم المطعون فيه قد أنزل عقوبة الغرامة النسبية على الطاعن بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه برغم أن ما أعطى للطاعن هو مائتا جنيه مما كان يستوجب الحكم عليه بالحد الأدنى لتلك الغرامة فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً فيما قضى به بالنسبة لعقوبة الغرامة وتصحيحه بجعل هذه الغرامة مبلغ ألف جنيه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بصفته موظفاً عاماً "عامل إصلاح أعطال الكهرباء بالإدارة العامة لشبكات كهرباء......" طلب وأخذ لنفسه عطية لأداء عمل زعم أنه من أعمال وظيفته بأن طلب من....... مبلغ أربعمائة جنيه أخذ منه مبلغ مائتي جنيه على سبيل الرشوة مقابل إتمام إجراءات تغيير عداد إنارة مسكنه بآخر قوة أعلى وإحالته إلى محكمة أمن الدولة العليا بـ........ لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه ثلاث آلاف جنيه عما أسند إليه.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الرشوة قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وانطوى على الخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه لم يستظهر أركان الجريمة وعول الحكم على أقوال كل من شاهدي الإثبات رغم تناقضهما في تحديد المكان من ملابسه الذي وضع فيه الطاعن مبلغ الرشوة أثر تقاضيها والتفتت عن دفاع الطاعن القائم على عدم اختصاصه بالعمل الذي قيل بأخذ الرشوة من أجله فضلاً عن أن المبلغ لم يتقدم بطلب لتركيب عداد الإنارة موضوع الرشوة كما أطرح الحكم برد غير سائغ دفع الطاعن ببطلان إذن النيابة العامة لعدم جدية التحريات واستند في قضائه بالإدانة على التسجيلات التي أجرتها الشرطة دون أن تورد مضمونها حيث لا يبين مها تقاضي الطاعن للجعل أو قيمته وسبب ومكان تقاضيه هذا فضلاً عن أن الجريمة وقعت نتيجة تدبير وتحريض على ارتكابها كما قضى بتغريمه ثلاثة آلاف جنيه برغم أن الجعل لا يجاوز الحد الأدنى للغرامة النسبية المقررة بالمادة 103 من قانون العقوبات كل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الرشوة التي دان الطاعن بها أورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة لا يجادل الطاعن في أن لها معينها الصحيح من الأوراق من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها لما كان ذلك وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الواقعة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق وأن تحمل أقوال الشاهد وتفهم سياقها وتستشف مراميها ما دامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن مضمونها ولا يشترط في شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدى إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه المحكمة يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذي رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها بل أن تناقض أحد الشهود أو تضاربه في أقواله - بفرض حصوله لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام الحكم قد استخلص الحقيقة من أقوال الشهود استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه لما كان ذلك وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها بل يكفي أن يكون مجموع ما أورده. الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة. وكان ما أورده الحكم المطعون فيه تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الرشوة المعاقب عليها بمقتضى المادتين 103 و103 مكرراً من قانون العقوبات على ما هي محددة في القانون كما أورد مؤدى أدلة الإثبات التي عول عليها في إدانة الطاعن وبما تنحصر عنه قالة القصور في التسبيب فإن ما يثيره الطاعن في شأن ذلك لا يكون له محل. لما كان ذلك وكانت المادة 103 من قانون العقوبات قد نصت على أن "كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به". كما نصت المادة 103 مكرراً المعدلة بالقانون رقم 120 سنة 1962 على أنه "يعتبر مرتشياً ويعاقب بنفس العقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل يعتقد خطأ أو يزعم أنه من أعمال وظيفته أو للامتناع عنه" ويستفاد من الجمع بين النصين في ظاهر لفظهما وواضح عبارتهما أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة - بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها كما تتحقق أيضاً ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذباً بصرف النظر عن اعتقاد المجني عليه فيما اعتقد أو زعم، وكان الزعم بالاختصاص يتوفر ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح به إذ يكفي مجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل أو بالامتناع عنه الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه لأن ذلك السلوك يفيد ضمناً زعمه ذلك الاختصاص، وكانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله ولو كان العمل الذي يوضع الجعل لتنفيذه أو للامتناع عن أدائه غير حق، وما دام رغم الاختصاص يكفي لتمام الجريمة لأن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة ولأن الشارع سوى في نطاق جريمة الرشوة بما استنه في نصوصه التي استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه وذلك عن طريق الاتجار فيها، وأن الشارع قدر أن الموظف لا يقل استحقاقاً للعقاب حيث يتجر في أعمال الوظيفة على أساس موهم عنه حين يتجر فيها على أساس من الواقع إذ هي يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد تفطن إلى المعاني القانونية المتقدمة، ولم يقصر في بيان حدود اختصاص الطاعن ونوع العمل المقصود في جريمة الرشوة فقد أثبت واقعة الدعوى بما مفاده "قيام المبلغ بإعطاء الطاعن مبلغ مائتي جنيه نظير تركيب عداد إنارة قوة 3 فاز بشقته على أن يتم تسليمه باقي المبلغ بعد التركيب وعند إعطاء المبلغ الإشارة المتفق عليها وبعد إتمام تسليم المبلغ للمتهم تم القبض عليه وبتفتيشه عثر على المبلغ الثابت أرقامه وفئاته بجيب بنطلونه الأيمن وأنه أقر للضابط بتقاضيه مبلغ الرشوة مقابل تغيير العداد" وهو ما تتوافر به جريمة الرشوة المنصوص عليها في المادة 103 مكرراً من قانون العقوبات - على ما سلف بيانه - والتي دان الطاعن بها فإن الحكم يكون صحيحاً في القانون ويكون ما يثيره الطاعن في شأن انتفاء اختصاصه بالعمل غير سديد. لما كان ذلك وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن بشأن الدفع ببطلان إذن النيابة العامة بالقبض والتفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية فأطرحه مقراً للنيابة على ما ارتأته من جديتها وصلاحيتها لإصدار هذا الإذن وكان تقدير جدية التحريات متروكاً لسلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ومتى أقرتها عليه فلا يجدي المتهم نعيه أن إذن التفتيش صدر بناء على تحريات غير جدية مما لا يجوز معه مصادرة المحكمة في عقيدتها أو مجادلتها فيما انتهت إليه ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك وكان كان الحكم المطعون فيه قد أورد في معرض تحصيله لأدلة الدعوى مضمون تفريغ الحوار المسجل على الشريط المضبوط و أن تقدير خبير الأصوات قد انتهى إلى تطابق أصوات كل من المبلغ والمتهم على الأصوات المسجلة على الشريط خلافاً لما ورد بوجه النعي في هذا الشأن ولا محل لما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد هذا فضلاً عن أن ما يثيره من تشكيك في أقوال شاهدي الإثبات الأول والثاني ومؤدى الحديث المسجل لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في سلطة محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستنباط معتقدها منها وسلطتها في تقدير الأدلة وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ولا جدوى لما يثيره الطاعن في هذا الصدد. لما كان ذلك وكان الثابت بمدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن هو الذي سعى بنفسه إلى المبلغ في المقهى الذي اتفقا على اللقاء فيه وأنه هو الذي طلب وأخذ مبلغ الرشوة بناء على الاتفاق الذي جرى بينهما فإن مفاد ذلك أن الطاعن هو الذي انزلق إلى مقارفة طلب وأخذ الرشوة وكان ذلك منه عن إرادة حرة طليقة وإذ كان ما أثبته الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً لإدانة الطاعن فإن ما يثيره عن القول بأن المبلغ هو الذي حرضه على ارتكاب الجريمة إذ أن الحكم لم يفصح عن الأفعال المادية التي صدرت منه - لا يكون صحيحاً ومن ثم يكون ما يدعيه الطاعن على خلاف ذلك غير قائم على أساس بحمله قانوناً ويكون ما يثيره الطاعن غير سديد. لما كان ذلك وكانت عقوبة الغرامة التي نصت عليها المادة 103 من قانون العقوبات تعد عقوبة تكميلية وهي من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 منه وإن كان الشارع قد ربط لها حداً - أدنى لا يقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به وكان الحكم المطعون فيه قد أنزل عقوبة الغرامة النسبية على الطاعن بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه برغم أن ما أعطى للطاعن هو مائتا جنيه مما كان يستوجب الحكم عليه بالحد الأدنى لتلك الغرامة فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً فيما قضى به بالنسبة لعقوبة الغرامة وتصحيحه بجعل هذه الغرامة مبلغ ألف جنيه ورفض الطعن فيما عدا ذلك.