أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 47 - صـ 494

جلسة 10 من إبريل سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ محمد أحمد حسن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد اللطيف علي أبو النيل وعمار إبراهيم فرج وبهيج حسن القصبجي نواب رئيس المحكمة ومحمد علي رجب.

(69)
الطعن رقم 5745 لسنة 59 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغاً.
(2) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دعوى مدنية. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
كفاية تشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم للقضاء بالبراءة ورفض الدعوى المدنية.
المنازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى. جدل موضوعي لا يجوز إثارته أمام النقض.
مثال.
(3) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة عند قضائها بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الاتهام. علة ذلك؟
الجدل الموضوعي. غير جائز أمام النقض.
(4) تزوير "أوراق عرفية". شيك بدون رصيد. موظفون عموميون. اختصاص "الاختصاص الولائي". محكمة النقض "سلطتها".
تغيير الحقيقة في شيك صادر من جهة حكومية. تزوير في ورقة عرفية تختص به محكمة الجنح. ما دام هذا التغيير لم يشمل أياً من بيانات الشيك الجوهرية التي حررها الموظف العام. تصدي محكمة النقض لنقض الحكم من تلقاء نفسها. غير جائز. أساس ذلك؟
1 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق.
2 - من المقرر أنه يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة ورفض الدعوى المدنية، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في عناصر الاتهام - كما هو الحال في واقع الدعوى المطروحة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اطمئنانه إلى أقوال المطعون ضده وحاصلها أن هناك معاملات تجارية بين الطاعن وزوجة المطعون ضده نشأت عنها منازعات قضائية عقد بمناسبتها مجلس صلح بين الطرفين مثل فيه المطعون ضده وزوجته وجرى تصفية ما بينهما من حساب سلم على أثره نجل الطاعن المطعون ضده شيكاً صادراً من محكمة النقض للطاعن موقعاً في ظهره بتوقيع منسوب إلى الطاعن وحرر محضر صلح بين الطرفين لتقديمه في قضية تبديد متهم فيها الطاعن وعندما تقدم المطعون ضده إلى البنك المسحوب عليه لتحصيل قيمة الشيك فوجئ بإبلاغ الطاعن بفقد الشيك وتزوير التوقيع المنسوب له عليه رغم اعتقاده بحسن نية بصدور التظهير من الطاعن، وقد عول الحكم في قضائه على هذه الرواية بعد أن اطمأن إلى أقوال المطعون ضده مطرحاً رواية الطاعن وهو استدلال لا شائبة فيه، فإن المنازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى تنحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
3 - لما كانت المحكمة ليست ملزمة في حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الاتهام لأن في إغفالها التحدث عنها ما يفيد أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المتهم، وكانت محكمة الموضوع فيما خلصت إليه من ذلك لم تتجاوز حدود سلطتها في تقدير أدلة الدعوى والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير ذي محل وهو لا يعدو أن يكون محاولة لإعادة الجدل في موضوع الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
4 - لما كانت واقعة التزوير المسند إلى المطعون ضده الاشتراك في ارتكابها بحسب تكييفها الصحيح جنحة على اعتبار أنه وإن كان الشيك محل الدعوى قد صدر من جهة حكومية لصالح الطاعن إلا أن تغيير الحقيقة لم يشمل أياً من بيانات الشيك الجوهرية التي حررها الموظف العام وإنما اقتصر التغيير على بيانات التظهير المنسوب صدورها إلى الطاعن وهي لم تكتسب الصفة الرسمية بتدخل الموظف العام في تحريرها ومن ثم يعتبر التزوير في هذا البيان واقعاً في ورقة عرفية مما تختص به محكمة الجنح الأمر الذي قد يثير تدخل محكمة النقض عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، ذلك أن تصدي محكمة النقض من تلقاء نفسها في هذه الحالة - فضلاً عن أنه رخصة استثنائية - مشروط بأن يكون الحكم صادراً من محكمة لا ولاية لها بالفصل في الدعوى وأن يكون نقض محكمة النقض للحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم وكلاهما غير متوافر في الطعن الماثل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه أولاً: وهو ليس من أرباب الوظائف العمومية اشترك مع آخر مجهول بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو الشيك رقم ت/ 3/ 880931 الصادر من محكمة النقض بتاريخ.......... بمبلغ........... لصالح............ بأن اتفق مع ذلك المجهول على تزويره وساعده بأن قدم له الشيك فقام الأخير بكتابة اسم المستفيد منه وتوقيعه عليه بما يفيد تظهيره فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. ثانياً: استعمل المحرر المزور سالف الذكر مع علمه بتزويره بأن قدمه إلى الموظف المختص ببنك القاهرة لصرف قيمته. ثالثاً: عثر على المحرر سالف البيان ولم يرده إلى صاحبه ولم يسلمه إلى مقر الشرطة خلال المدة المحددة قانوناً واحتبسه لنفسه بنية تملكه. رابعاً: توصل إلى الاستيلاء على المبلغ قيمة الشيك المار ذكره المملوك لـ.......... وذلك بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة على النحو المبين بوصف التهمة الأولى وتمكن بذلك من الاستيلاء على ذلك المبلغ. وأحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى المجني عليه مدنياً قبل المطعون ضده بمبلغ مائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً ببراءة المطعون ضده ورفض الدعوى المدنية.
فطعن المدعي بالحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

حيث إن المدعي بالحقوق المدنية ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من جرائم الاشتراك في تزوير محرر رسمي واستعماله والعثور على شيء فاقد لم يرده إلى صاحبه أو يسلمه إلى الشرطة والنصب ورفض الدعوى المدنية قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه اعتنق تصوير المطعون ضده للواقعة رغم عدم معقوليته ومخالفته للواقع وأطرح تصوير الطاعن المؤيد بماديات الدعوى تأسيساً على القول بتراخي الطاعن عن إبلاغ البنك المركزي بفقد الشيك إثر الادعاء بواقعة الفقد ولم تقدر المحكمة ظروف الطاعن المرضية وعدم معرفته الكتابة وما تبين من سوء نية المطعون ضده، والتفت الحكم عن إيراد مضمون تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير الذي خلص إلى أن التوقيع المظهر به الشيك والمنسوب صدوره إلى الطاعن مزور عليه، وأقوال الشاهد......... التي تدحض أقوال المطعون ضده كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، كما أنه يكفي في المحاكمات الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة ورفض الدعوى المدنية، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يشمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في عناصر الاتهام - كما هو الحال في واقع الدعوى المطروحة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أفصح عن اطمئنانه إلى أقوال المطعون ضده وحاصلها أن هناك معاملات تجارية بين الطاعن وزوجة المطعون ضده نشأت عنها منازعات قضائية عقد بمناسبتها مجلس صلح بين الطرفين مثل فيه المطعون ضده وزوجته وجرى تصفية ما بينهما من حساب سلم على أثره نجل الطاعن المطعون ضده شيكاً صادراً من محكمة النقض للطاعن موقعاً على ظهره بتوقيع منسوب إلى الطاعن وحرر محضر صلح بين الطرفين لتقديمه في قضية تبديد متهم فيها الطاعن وعندما تقدم المطعون ضده إلى البنك المسحوب عليه لتحصيل قيمة الشيك فوجئ بإبلاغ الطاعن بفقد الشيك وتزوير التوقيع المنسوب له عليه رغم اعتقاده بحسن نية بصدور التظهير من الطاعن، وقد عول الحكم في قضائه على هذه الرواية بعد أن اطمأن إلى أقوال المطعون ضده مطرحاً رواية الطاعن وهو استدلال لا شائبة فيه، فإن المنازعة في سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى تنحل إلى جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة في حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الاتهام لأن في إغفالها التحدث عنها ما يفيد أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المتهم، وكانت محكمة الموضوع فيها خلصت إليه من ذلك لم تتجاوز حدود سلطتها في تقدير أدلة الدعوى والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير ذي محل وهو لا يعدو أن يكون محاولة لإعادة الجدل في موضوع الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس مما يتعين معه رفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصاريف المدنية مع مصادرة الكفالة. ولا يغير من ذلك أن تكون واقعة التزوير المسند إلى المطعون ضده الاشتراك في ارتكابها بحسب تكييفها الصحيح جنحة على اعتبار أنه وإن كان الشيك محل الدعوى قد صدر من جهة حكومية لصالح الطاعن إلا أن تغيير الحقيقة لم يشمل أياً من بيانات الشيك الجوهرية التي حررها الموظف العام وإنما اقتصر التغيير على بيانات التظهير المنسوب صدورها من الطاعن وهي لم تكتسب الصفة الرسمية بتدخل الموظف العام في تحريرها ومن ثم يعتبر التزوير في هذا البيان واقعاً في ورقة عرفية مما تختص به محكمة الجنح الأمر الذي قد يثير تدخل محكمة النقض عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، ذلك أن تصدي محكمة النقض من تلقاء نفسها في هذه الحالة - فضلاً عن أنه رخصة استثنائية - مشروط بأن يكون الحكم صادراً من محكمة لا ولاية لها بالفصل في الدعوى وأن يكون نقض محكمة النقض للحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم وكلاهما غير متوافر في الطعن الماثل.