أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء الحادي عشر (المجلد الثاني)
من أول أكتوبر 2003 حتى آخر أغسطس 2006 - صـ 1970

جلسة 31 يوليو سنة 2005

برئاسة السيد المستشار/ ممدوح مرعي - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حمدي محمد علي ومحمد عبد القادر عبد الله وعلي عوض محمد صالح وإلهام نجيب نوار ومحمد خيري طه والدكتور عادل عمر شريف، وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ ناصر إمام محمد حسن - أمين السر.

قاعدة رقم (323)
القضيتين رقمي 228 لسنة 25 و241 لسنة 26 قضائية "دستورية"

1 - دعوى دستورية "تصريح محكمة الموضوع بإقامتها - يكفي التصريح الضمني".
ليس لازماً، في مجال تقدير جدية الدفع المثار أمام محكمة الموضوع، صدور قرار صريح بالتصريح لمن أثار الدفع بإقامة الدعوى الدستورية - يكفيها أن يكون قرارها في هذا الشأن ضمنياً مستفاداً من عيون الأوراق، ومن ذلك تعليقها الفصل في النزاع الموضوعي على الفصل في النصوص القانونية المدفوع أمامها بعدم دستوريتها، إذ لو كان ما طرح عليها في شأن مناحيها لا يستقيم عقلاً، لكان قرارها إرجاء النزاع الموضوعي حتى الفصل فيها من المحكمة الدستورية العليا، لغواً.
2 - دعوى دستورية "قرار بالإحالة من محكمة الموضوع - بياناته".
المادة (30) من قانون المحكمة لم تتطلب صدور الإحالة بحكم بل على العكس من ذلك استخدمت في متنها عبارة "القرار الصادر بالإحالة" - تضمن قرار محكمة الموضوع في الدعوى الماثلة الإشارة إلى أن النص الطعين يتضمن قيوداً ترهق الحق في التقاضي وتنتقصه من أطرافه بالمخالفة لنصوص المواد (8، 40، 68) من الدستور - يغدو معه الدفع بالتجهيل غير قائم على أساس.
3 - دعوى دستورية "المصلحة الشخصية المباشرة - مناطها - نطاقها".
مناط المصلحة في الدعوى الدستورية أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع، هذا الشرط يحدد نطاق الخصومة الدستورية، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه، مؤدى ذلك ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين ينالهم الضرر من جريان سريان النص المطعون فيه عليهم، ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكنا تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى النص المطعون عليه، إذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعي مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة.
4 - تنظيم الحقوق "سلطة تقديرية".
الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بقيود معينة.
5 - نقابات "التنظيم وفق أسس ديمقراطية - ضمان مصالح أعضاء النقابة".
المعايير والخصائص التي يقوم عليها التنظيم النقابي، هي التي قننها الدستور في مجمل أحكامه - نص المادة (56) تحتم إنشاءه وفق أسس ديمقراطية يكون القانون كافلاً لها راعياً لدورها في تنفيذ الخطط والبرامج التي استهدفها، مرتقياً بكفايتها، ضامناً تقيد من يسهمون فيها بسلوكهم الاشتراكي، فلا يتنصلون من واجباتهم أو يعملون على نقيضها، ودون إخلال بحقوقهم المقررة قانوناً - إفراد النقابات بنص المادة (56) المشار إليها لا يعدو أن يكون اعترافاً من الدستور بأهمية وخطورة المصالح التي تمثلها، وعن اتصالها بالحقوق المقررة قانوناً لأعضائها، وما ينبغي أن يتخذ من التدابير للدفاع عنها في مجموعها.
6 - مبدأ المساواة "عدم جواز الإخلال بالحماية المتكافئة للحقوق".
مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون مؤداه أنه لا يجوز أن تخل السلطتان التشريعية أو التنفيذية في مجال مباشرتهما لاختصاصاتهما التي نص عليها الدستور بالحماية المتكافئة للحقوق جميعها، هذا المبدأ عاصم من النصوص القانونية التي يقيم بها المشرع تمييزاً غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتماثل عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلاً لوحدة تنظيمها، بل تكون القاعدة القانونية التي تحكمها إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز، أو قاصرة بمداها عن استيعابها.
7 - مبدأ المساواة "شرط استئذان النقابة الفرعية قبل قبول الوكالة - إخلال بالمساواة بين المحامين - تفرقة بين المدعين".
مؤدى النص الطعين إنشاء قيد على اختصام المحامي في أية دعوى أو شكوى.
8- حق الدفاع "كفالته".
الدستور نظم حق الدفاع محدداً بعض جوانبه، مقرراً كفالته كضمانه مبدئية أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصية، ولصون الحقوق والحريات جميعها، سواء في ذلك التي نص عليها الدستور أو التي قررتها التشريعات المعمول بها.
1 - حيث إنه من المقرر أنه ليس لازماً - في مجال تقدير جدية الدفع المثار أمام محكمة الموضوع - صدور قرار صريح بالتصريح لمن أثار الدفع بإقامة الدعوى الدستورية، بل يكفيها أن يكون قرارها في هذا الشأن ضمنياً مستفاداً من عيون الأوراق، ومن ذلك تعليقها الفصل في النزاع الموضوعي على الفصل في النصوص القانونية المدفوع أمامها بعدم دستوريتها، إذ لو كان ما طرح عليها في شأن مناحيها لا يستقيم عقلاً، لكان قرارها إرجاء النزاع الموضوعي حتى الفصل فيها من المحكمة الدستورية العليا، لغواً، وفي ضوء ما سلف فإن الدعوى الماثلة تجد سندها فيما تضمنه القرار الصادر من محكمة الموضوع من تصريح ضمني ومن ثم فإنها تكون مقبولة ويكون الدفع بعدم قبولها غير صحيح.
2 - حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى رقم 241 لسنة 26 قضائية دستورية، بزعم صدور الإحالة بقرار وليس بحكم من محكمة الموضوع، وأن هذا القرار شابه التجهيل بالمسائل الدستورية المطروحة، فهذا الدفع مردود بأن المادة (30) من قانون المحكمة لم تتطلب صدور الإحالة بحكم بل على العكس من ذلك استخدمت في متنها عبارة "القرار الصادر بالإحالة" وقد تضمن قرار محكمة الموضوع في الدعوى الماثلة الإشارة إلى أن نص المادة (68) من قانون المحاماة (النص الطعين في الدعويين الماثلتين) يتضمن قيوداً ترهق الحق في التقاضي وتنتقصه من أطرافه بالمخالفة لنصوص المواد (8، 40، 68) من الدستور، ومن ثم يغدو الدفع بالتجهيل غير قائم على أساس.
3 - وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا جرى على أن مناط المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع، وإن هذا الشرط يحدد نطاق الخصومة الدستورية، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه، ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين ينالهم الضرر من جريان سريان النص المطعون فيه عليهم، ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى النص المطعون عليه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعي مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
4 - حيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بقيود معينة تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز أن يتدخل المشرع فيها هادماً لتلك الحقوق أو مؤثراً في محتواها بما ينال منها، فلا يكون تنظيم المشرع لحق ما سليماً من زاوية دستورية إلا فيما وراء هذه الحدود، فإن اقتحمها بدعوى تنظيمها انحل ذلك عدواناً عليها.
5 - حيث إن المعايير والخصائص التي يقوم عليها التنظيم النقابي، هي التي قننها الدستور في مجمل أحكامها - بنص المادة (56) - التي تحتم إنشاءه وفق أسس ديمقراطية يكون القانون كافلاً لها راعياً لدوره في تنفيذ الخطط والبرامج التي استهدفها، مرتقياً بكفايتها، ضامناً تقيد من يسهمون فيها بسلوكهم الاشتراكي، فلا يتنصلون من واجباتهم أو يعملون على نقيضها، ودون إخلال بحقوقهم المقررة قانوناً، وهو ما يعنى أن إفراد النقابات بنص المادة (56) المشار إليها لا يعدو أن يكون اعترافاً من الدستور بأهمية وخطورة المصالح التي تمثلها، وعن اتصالها بالحقوق المقررة قانوناً لأعضائها، وما ينبغي أن يتخذ من التدابير للدفاع عنها في مجموعها وتوكيداً لضرورة أن يظل العمل النقابي تقدمياً فلا ينحاز لمصالح جانبية أو يضع من القيود ما يعطل مباشرة الآخرين لحقوقهم في الحدود التي نص عليها الدستور.
6 - مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها - مؤداه، وعلى ما جرى عليه قضاؤها، أنه لا يجوز أن تخل السلطتان التشريعية أو التنفيذية في مجال مباشرتها لاختصاصاتهما التي نص عليها الدستور بالحماية المتكافئة للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التي قررها الدستور أو التي ضمنها المشرع، ومن ثم كان هذا المبدأ عاصماً من النصوص القانونية التي يقيم بها المشرع تمييزاً غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتماثل عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلاً لوحدة تنظيمها، بل تكون القاعدة القانونية التي تحكمها إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز، أو قاصرة بمداها عن استيعابها.
7 - النص الطعين أنشأ قيداً على اختصام المحامي في أية دعوى أو شكوى مؤداه وجوب أن يقوم زميله باستئذان النقابة الفرعية قبل قبوله الوكالة في إقامة الدعوى أو تقديم الشكوى، بما يجعل المحامي المختصم من ناحية - في مركز قانوني مميز دون أن يستند هذا التمييز إلى مصلحة مبررة، وأوجد - من ناحية أخرى - تفرقة بين المدعين وفقاً للمهنة التي يمارسها من يريدون اختصامه، رغم ما هو مقرر من أن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعي بها، وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها.
8 - وحيث إن الدستور - وفق ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة - نظم حق الدفاع محدداً بعض جوانبه، مقرراً كفالته كضمانه مبدئية أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصية، ولصون الحقوق والحريات جميعها، سواء في ذلك التي نص عليها الدستور أو التي قررتها التشريعات المعمول بها، ما ورد في شأن هذا الحق حكماً قاطعاً، حين نص في الفقرة الأولى من المادة (69) منه على أن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول، لما كان ما تقدم، وكان النص الطعين يستلزم حصول المحامى على إذن النقابة الفرعية قبل قبول الوكالة في دعوى أو شكوى ضد زميل له، فإنه يشكل قيداً غير مبرر على حق الدفاع يؤول إنكاراً لحق كل متقاض يريد إقامة دعوى ضد محام في اختيار محام للدفاع عن مصالحه.


الإجراءات

بتاريخ الثالث من أغسطس سنة 2003، أودع المدعي قلم كتاب المحكمة صحيفة دعوى قيدت برقم 228 لسنة 25 قضائية دستورية، طالباً الحكم بعدم دستورية نص المادة (68) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983.
وبتاريخ السابع والعشرين من ديسمبر سنة 2003، ورد إلى قلم كتاب المحكمة ملف الدعوى رقم 16317 لسنة 56 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة بوقفها عملاً بحكم المادة (29/ أ) من قانون المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستورية المادة ذاتها حيث قيدت برقم 241 لسنة 26 قضائية دستورية.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة في كل من الدعويين المذكورتين طلبت فيها الحكم
أولاً: عدم قبولها، وثانياً: رفضها.
وبعد تحضير الدعويين، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها في كل منهما.
ونظرت الدعويان على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة ضم الدعوى رقم 241 لسنة 26 قضائية للدعوى رقم 228 لسنة 25 قضائية ليصدر فيهما حكم واحد بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وقرار الإحالة وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان قد أقام ضد المدعى عليهما الخامس والسادس وآخرين الدعوى رقم 16317 لسنة 56 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة، طالباً الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار لجنة الشكاوى بنقابة المحامين الفرعية بالقاهرة الصادر بتاريخ 28/ 10/ 2001 في الشكوى رقم 183 لسنة 2001 بمجازاته بعقوبة الإنذار، وذكر المدعي شارحاً دعواه أنه بصفته وكيلاً عن مالكه العقار الكائن به مكتب السيد/ ممدوح أحمد عليان المحامى (المدعى عليه السادس في الدعوى الماثلة) أقام ضد الأخير الدعوى رقم 125 لسنة 1999 إيجارات كلي شمال القاهرة لعدم وفائه بالقيمة الإيجارية المستحقة، فبادر المدعى عليه بشكاية المدعي أمام نقابة المحامين الفرعية بالقاهرة بدعوى مخالفته لحكم المادة (68) من قانون المحاماة التي لا تجيز - في غير حالات محددة - أن يقبل المحامي الوكالة في دعوى أو شكوى مقدمة ضد زميل له إلا بعد استئذان رئيس النقابة الفرعية التي يتبعها المحامي، وبجلسة 28/ 10/ 2001 قررت لجنة الشكاوى بالنقابة المذكورة مجازاته بعقوبة الإنذار، فتظلم المدعي من هذا القرار أمام النقابة العامة بالقاهرة التي قررت رفض التظلم، فأقام الدعوى رقم 16317 لسنة 56 قضائية بطلباته المشار إليها وأثناء نظرها دفع بعدم دستورية نص المادة (68) من قانون المحاماة والتمس إحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في هذا الدفع أو وقف الدعوى تعليقاً والتصريح له بإقامة الدعوى الدستورية، وبجلسة 25/ 5/ 2003 قررت المحكمة وقف الفصل في الدعوى بشقيها عملاً بحكم المادة (29/ أ) من قانون المحكمة الدستورية العليا، بيد أن المدعي بادر بإقامة دعواه الماثلة، ثم ورد للمحكمة بتاريخ 27/ 12/ 2003 ملف الدعوى الموضوعية تنفيذاً لقرار المحكمة المشار إليه.
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى رقم 228 لسنة 25 قضائية دستورية، فإن البين من الأوراق أنه بعد أن قررت محكمة الموضوع بجلسة 25/ 5/ 2003 وقف الدعوى إعمالاً لحكم المادة (29/ أ) من قانون المحكمة الدستورية العليا - حسبما سلف البيان - ولم تقرنه بإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة، فقد تقدم المدعي بطلب للسيد المستشار رئيس محكمة القضاء الإداري بتاريخ 9/ 7/ 2003 يلتمس فيه إصدار الأمر بذلك، وإذ لم يلق التماسه إجابة حتى 3/ 8/ 2003 فقد أقام دعواه الماثلة.
وحيث إنه من المقرر أنه ليس لازماً - في مجال تقدير جدية الدفع المثار أمام محكمة الموضوع - صدور قرار صريح بالتصريح لمن أثار الدفع بإقامة الدعوى الدستورية، بل يكفيها أن يكون قرارها في هذا الشأن ضمنياً مستفاداً من عيون الأوراق، ومن ذلك تعليقها الفصل في النزاع الموضوعي على الفصل في النصوص القانونية المدفوع أمامها بعدم دستوريتها، إذ لو كان ما طرح عليها في شأن مناحيها لا يستقيم عقلاً، لكان قرارها إرجاء النزاع الموضوعي حتى الفصل فيها من المحكمة الدستورية العليا، لغواً، وفي ضوء ما سلف فإن الدعوى الماثلة تجد سندها فيما تضمنه القرار الصادر من محكمة الموضوع من تصريح ضمني ومن ثم فإنها تكون مقبولة ويكون الدفع بعدم قبولها غير صحيح.
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى رقم 241 لسنة 26 قضائية دستورية، بزعم صدور الإحالة بقرار وليس بحكم من محكمة الموضوع، وأن هذا القرار شابه التجهيل بالمسائل الدستورية المطروحة، فهذا الدفع مردود بأن المادة (30) من قانون المحكمة لم تتطلب صدور الإحالة بحكم بل على العكس من ذلك استخدمت في متنها عبارة "القرار الصادر بالإحالة" وقد تضمن قرار محكمة الموضوع في الدعوى الماثلة الإشارة إلى أن نص المادة (68) من قانون المحاماة (النص الطعين في الدعويين الماثلتين) يتضمن قيوداً ترهق الحق في التقاضي وتنتقصه من أطرافه بالمخالفة لنصوص المواد (8، 40، 68) من الدستور، ومن ثم يغدو الدفع بالتجهيل غير قائم على أساس.
وحيث تنص المادة (68) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 (المطعون عليها) على أن: - "يراعي المحامي في معاملته لزملائه ما تقضى به قواعد اللياقة وتقاليد المحاماة وفيما عدا الدعاوى المستعجلة يجب عليه أن يستأذن مجلس النقابة الفرعية التي يتبعها المحامي إذا أراد مقاضاة زميل له.
كما لا يجوز في غير الدعاوى المستعجلة وحالات الادعاء بالحق المدني أن يقبل الوكالة في دعوى أو شكوى مقدمة ضد زميل له إلا بعد استئذان رئيس النقابة الفرعية التي يتبعها المحامى.
وإذا لم يصدر الإذن في الحالتين المبينتين بالفقرتين السابقتين خلال خمسة عشر يوماً كان للمحامي اتخاذ ما يراه من إجراءات".
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا جرى على أن مناط المصلحة في الدعوى الدستورية - وهي شرط لقبولها - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع، وإن هذا الشرط يحدد نطاق الخصومة الدستورية، فلا تمتد لغير المطاعن التي يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعي، وبالقدر اللازم للفصل فيه، ومؤداه ألا تقبل الخصومة الدستورية من غير الأشخاص الذين ينالهم الضرر من جريان سريان النص المطعون فيه عليهم، ويتعين دوماً أن يكون هذا الضرر منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التي يقوم عليها، ممكناً تحديده ومواجهته بالترضية القضائية لتسويته، عائداً في مصدره إلى النص المطعون عليه، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان قد أفاد من مزاياه أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.
لما كان ما تقدم، وكانت الدعوى الموضوعية تدور حول طلب المدعي وقف تنفيذ وإلغاء قرار مجلس نقابة المحامين الفرعية بالقاهرة بمجازاته بعقوبة الإنذار لقبوله الوكالة في الدعوى المقامة على محام زميل دون إذن من رئيس النقابة المذكورة، وفقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة (68) من قانون المحاماة، فإن مصلحة المدعي تنحصر في الطعن على نص الفقرة المذكورة، وبه وحده يتحدد نطاق الدعويين الماثلتين ولا يمتد إلى غير ذلك من أحكام وردت بنص الفقرتين الأولى والثالثة من النص الطعين. وينعى المدعي وقرار الإحالة على النص الطعين محدداً نطاقاً على النحو المتقدم إخلاله بالحماية القانونية للحقوق جميعها مقيماً تميزاً غير مبرر بين المراكز القانونية المتماثلة مرهقاً لحق التقاضي منتقصاً من حقوق إطرافه، بالمخالفة لأحكام المواد (8، 40، 68) من الدستور.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقوق - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو إطلاقها ما لم يقيدها الدستور بقيود معينة تبين تخوم الدائرة التي لا يجوز أن يتدخل المشرع فيها هادماً لتلك الحقوق أو مؤثراً في محتواها بما ينال منها، فلا يكون تنظيم المشرع لحق ما سليماً من زاوية دستورية إلا فيما وراء هذه الحدود، فإن اقتحمها بدعوى تنظيمها انحل ذلك عدواناً عليها.
وحيث إن المعايير والخصائص التي يقوم عليها التنظيم النقابي، هي التي قننها الدستور في مجمل أحكامها - بنص المادة (56) - التي تحتم إنشاءه وفق أسس ديمقراطية يكون القانون كافلاً لها راعياً لدوره في تنفيذ الخطط والبرامج التي استهدفها، مرتقياً بكفايتها، ضامناً تقيد من يسهمون فيها بسلوكهم الاشتراكي، فلا يتنصلون من واجباتهم أو يعملون على نقيضها، ودون إخلال بحقوقهم المقررة قانوناً، وهو ما يعني أن إفراد النقابات بنص المادة (56) المشار إليها لا يعدو أن يكون اعترافاً من الدستور بأهمية وخطورة المصالح التي تمثلها، وعن اتصالها بالحقوق المقررة قانوناً لأعضائها، وما ينبغي أن يتخذ من التدابير للدفاع عنها في مجموعها وتوكيداً لضرورة أن يظل العمل النقابي تقدميا فلا ينحاز لمصالح جانبية أو يضع من القيود ما يعطل مباشرة الآخرين لحقوقهم في الحدود التي نص عليها الدستور.
وحيث إن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون - وبقدر تعلقه بالحدود التي تباشر فيها هذه المحكمة ولايتها - مؤداه، وعلى ما جرى عليه قضاؤها، أنه لا يجوز أن تخل السلطتان التشريعية أو التنفيذية في مجال مباشرتها لاختصاصاتهما التي نص عليها الدستور بالحماية المتكافئة للحقوق جميعها، سواء في ذلك تلك التي قررها الدستور أو التي ضمنها المشرع، ومن ثم كان هذا المبدأ عاصماً من النصوص القانونية التي يقيم بها المشرع تمييزاً غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التي تتماثل عناصرها، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلاً لوحدة تنظيمها، بل تكون القاعدة القانونية التي تحكمها إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز، أو قاصرة بمداها عن استيعابها، إذ كان ذلك، وكان النص الطعين أنشأ قيداً على اختصام المحامي في أية دعوى أو شكوى مؤداه وجوب أن يقوم زميله باستئذان النقابة الفرعية قبل قبوله الوكالة في إقامة الدعوى أو تقديم الشكوى، بما يجعل المحامي المختصم من ناحية - في مركز قانوني مميز دون أن يستند هذا التمييز إلى مصلحة مبررة، وأوجد - من ناحية أخرى - تفرقة بين المدعين وفقاً للمهنة التي يمارسها من يريدون اختصامه، رغم ما هو مقرر من أن الناس جميعاً لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، في نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التي تحكم الخصومة القضائية، ولا في مجال التداعي بشأن الحقوق المدعي بها، وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها، إذ ينبغي دوماً أن يكون للخصومة الواحدة قواعد موحده سواء في مجال اقتضائها أو الدفاع عنها أو الطعن في الأحكام التي تصدر فيها.
وحيث إن الدستور - وفق ما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة - نظم حق الدفاع محدداً بعض جوانبه، مقرراً كفالته كضمانه مبدئية أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصية، ولصون الحقوق والحريات جميعها، سواء في ذلك التي نص عليها الدستور أو التي قررتها التشريعات المعمول بها، ما ورد في شأن هذا الحق حكماً قاطعاً، حين نص في الفقرة الأولى من المادة (69) منه على أن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول، لما كان ما تقدم، وكان النص الطعين يستلزم حصول المحامي على إذن النقابة الفرعية قبل قبول الوكالة في دعوى أو شكوى ضد زميل له، فإنه يشكل قيداً غير مبرر على حق الدفاع يؤول إنكاراً لحق كل متقاض يريد إقامة دعوى ضد محام في اختيار محام للدفاع عن مصالحه.
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم يكون النص الطعين مخالفاً للمواد (40، 56، 68، 69) من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (68) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.