أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 45 - صـ 1201

جلسة 20 من ديسمبر سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ محمد حسين لبيب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ رضوان عبد العليم ووفيق الدهشان وبدر الدين السيد ومصطفى عبد المجيد نواب رئيس المحكمة.

(188)
الطعن رقم 171 لسنة 63 القضائية

(1) حكم "وضعه وإصداره" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون مجموع ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(2) إثبات "بوجه عام". قبض. نقض "أسباب الطعن ما لا يقبل منها".
النعي بعدم عرض الطاعنة على النيابة العامة خلال أربع وعشرين ساعة من القبض عليها. غير مجد. ما دام أن هذا الإجراء لم يسفر عن دليل منتج من أدلة الدعوى.
(3) مأمورو الضبط القضائي. قبض. استدلالات.
الحق المخول لمأموري الضبط القضائي بمقتضى المادة 29 إجراءات. نطاقه؟
الاستدعاء الذي يقوم به مأمورو الضبط القضائي للمتهم. لا يعدو أن يكون توجيه الطلب إليه بالحضور ولا يتضمن تعرضاً مادياً. ليس قبضاً.
(4) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. موضوعي.
مثال.
(5) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن ما لا يقبل منها".
تقدير قيمة الاعتراف واستقلاله عن الإجراء الباطل. موضوعي. المجادلة فيه. لا تجوز أمام محكمة النقض.
(6) إجراءات "إجراءات التحقيق" "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة. لا يصلح سبباً للطعن في الحكم. ولا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء لم يطلب منها. غير جائز.
(7) قتل عمد. سبق إصرار. ظروف مشددة.
جريمة القتل العمد بالسم. لا تشترط وجود سبق الإصرار. علة ذلك: لأن تحضير السم بقصد القتل يدل عليه.
(8) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن ما لا يقبل منها".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات التي يأتيها الجاني وتنم عليه. استخلاص توافره. موضوعي.
مثال.
(9) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". رابطة السببية. قتل عمد. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن ما لا يقبل منها".
تقدير توافر رابطة السببية. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ لتوافرها في جريمة قتل عمد بالسم.
(10) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير الأدلة بالنسبة لكل متهم. موضوعي.
للمحكمة الاطمئنان إلى الدليل بالنسبة للمتهم وإطراحه بالنسبة لآخر.
(11) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" "سلطتها في تقدير الدليل".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي. ما دام سائغاً.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل. لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
(12) إثبات "بوجه عام". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام محكمة الموضوع بتعقب المتهم في كل جزئية من مناحي دفاعه الموضوعي. اطمئنانها إلى ما عولت عليه من أدلة. مفاده: إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
1 - من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون كما جرى نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية.
2 - لا جدوى مما تثيره الطاعنة من عدم عرضها على النيابة العامة في خلال أربع وعشرين ساعة من القبض عليها - بفرض صحته - طالما أنها لا تدعي أن هذا الإجراء، قد أسفر عن دليل منتج من أدلة الدعوى ومن ثم فإن منعاها في هذا الشأن لا يكون مقبولاً.
3 - من الواجبات المفروضة قانوناً على مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم أن يقبلوا التبليغات والشكاوي التي ترد إليهم بشأن الجرائم وأن يقوموا بأنفسهم أو بواسطة مرؤوسيهم بإجراء التحريات اللازمة عن الوقائع التي يعملون بها بأي كيفية كانت وأن يستحصلوا على جميع الإيضاحات والاستدلالات المؤدية لثبوت أو نفي الوقائع المبلغة إليهم أو التي شاهدوها بأنفسهم، كما وأن المادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية تخول مأموري الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات أن يسمعوا أقوال من يكون لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ومرتكبيها وأن يسألوا المتهم عن ذلك. ولما كان الثابت من مطالعة الحكم المطعون فيه أن الحكم عرض للدفع المبدى من الطاعنة وأطرحه تأسيساً على أن الشرطة أبلغت بالحادث وأجرت تحرياتها التي أسفرت عن أن الطاعنة هي التي ارتكب الواقعة وعليه قام مأمور الضبط باستدعائها لسؤالها وما أن واجهها بما جاء بالتحريات فاعترفت بما أسند إليها ومن ثم حرر محضراً بتلك الإجراءات وتم عرضها على النيابة العامة في ذات التاريخ. ومن ثم فاستدعاء مأمور الضبط القضائي للطاعنة كان بسبب مما أسفرت عنه التحريات من ارتكابها للواقعة ولا يعدو أن يكون توجيه الطلب إليها بالحضور دون أن يتضمن تعرضاً مادياً لمن تم استدعائها يمكن أن يكون فيه مساس بحريتها الشخصية أو تقييد لها مما قد يلتبس حينئذ بإجراء القبض المحظور على مأمور الضبط القضائي إذا لم تكن في حالة تلبس، فإن الحكم يكون سليماً فيما انتهى إليه من رفض الدفع ببطلان القبض.
4 - إن الاعتراف في المواد الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها دون غيرها - البحث في صحة ما تدعيه المتهمة من أن الاعتراف المعزو إليها قد انتزع منها بطريق الإكراه، فإن المحكمة إذ تحققت - للأسباب السائغة التي ساقتها على النحو المتقدم - من أنه لا يوجد بالطاعنة ثمة إصابات من واقع مناظرة النيابة العامة لها ونفيها بالتحقيقات أمامها أن إكراه وقع عليها، واطمأنت إلى أن هذا الاعتراف سليم مما يشوبه. تكون قد مارست السلطة المخولة لها بغير معقب عليها.
5 - من المقرر أن تقدير قيمة الاعتراف الذي يصدر عن المتهمة على أثر إجراء باطل وتحديد مدى صلة هذا الاعتراف بهذا الإجراء وما ينتج عنه من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال قد صدرت منها صحيحة غير متأثرة فيها بهذا الإجراء جاز لها الأخذ بها وإذ كانت المحكمة قد قدرت في حدود سلطتها التقديرية أن اعتراف الطاعنة أمام النيابة كان دليلاً مستقلاًَ عن الإجراءات السابقة عليه ومنبت الصلة بها واطمأنت إلى صحته وسلامته فإنه لا يقبل من الطاعنة مجادلتها في ذلك ومن ثم يكون منعى الطاعنة بهذا النعي غير مقبول.
6 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنة لم تعيب التحقيقات في خصوص عدم قيام أنثى بمناظرة جميع أجزاء جسمها للوقوف على إصاباتها. كما أنها لم تطلب من المحكمة عرضها على الطبيب الشرعي لبيان ما بها من إصابات واقتصرت على القول أن النيابة لم تستجب لطلب محاميها في هذا الصدد كما لم تطلب إجراء تحقيق ما بشأن المادة السامة المستخدمة في القتل، فإنه لا يقبل منها إثارة شيء من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لأن تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم، ولأنه لا يحق للطاعنة أن تنعى على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم تطلبه منها.
7 - لما كان التسمم وإن كان صورة من صور القتل العمد إلا أن الشارع المصري قد ميزها عن الصورة العادية الأخرى بجعل الوسيلة التي تستخدم فيها لإحداث الموت ظرفاً مشدداً للجريمة لما ينم عن غدر وخيانة لا مثيل لهما في صور القتل الأخرى. ولذلك أفرد التسمم بالذكر في المادة 233 من قانون العقوبات وعاقب عليها بالإعدام ولو لم يقترن فيه العمد بسبق الإصرار إذ لا يشترط في جريمة القتل بالسم وجود سبق إصرار لأن تحضير السم بقصد القتل في ذاته دال على الإصرار.
8 - إن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه ومن ثم فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية وإذ كان ذلك وكان الحكم قد ساق على قيام هذه النية - على النحو المار ذكره - تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعنة ومن ثم فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم في شأن استدلاله على توافر نية القتل يكون غير سديد.
9 - لما كان الحكم قد أورد في بيان واقعة الدعوى أن الطاعنة أعدت مبيداً حشرياً ناتج تناوله الموت أذابت كمية منه بكوب شاي أعدته لزوجها بيد أنه لظرف عمله انصرف تاركاً إياه فتناوله نجلهما فأودى بحياته على نحو ما جاء بتقرير الصفة التشريحية له وتقرير المعمل الكيماوي والذي جاء به أن سبب الوفاة سمية حدثت نتيجة تناوله مبيد حشري كرياماتي عضوي "مادة التيميك". وكان إثبات علاقة السببية في المواد الجنائية مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها، ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه. ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إليه، وكان ما ساقه الحكم - فيما سلف بيانه - يسوغ إطراحه دفاع الطاعنة بانتفاء علاقة السببية. فإن منعاها عليه في هذا الشأن يكون في غير محله.
10 - من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من شأن محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين اعتقادها حسب تقديرها تلك الأدلة، واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إليها نفسها بالنسبة إلى متهم آخر دون أن يكون هذا تناقضاً يعيب حكمها ما دام تقدير الدليل موكول إلى اقتناعها وحدها.
11 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق، ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها في عقيدتها مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
12 - من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي إذ في اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها ما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها فإن منعى الطاعنة بعدم درايتها بأنواع السموم ومن عدم ضبط المادة السمية أو الكوب المستخدم لا يكون له محل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنة وآخر "قضى ببراءته" بأنهما: أولاً: قتلت.... عمداً مع سبق الإصرار وبطريق السم بأن عقدت العزم وبيتت النية على قتل زوجها.... وأعدت لذلك مادة سامة "مادة التيميك" والتي من شأن تناولها إحداث الموت ودستها لزوجها المذكور في كوب الشاي الذي قدمته لإرضائه قاصدة من ذلك قتله فتناوله نجلها المجني عليه فحدثت به الأعراض السمية الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياته 2 - شرعت في قتل زوجها.... عمداً مع سبق الإصرار وبطريق السم بأن عقدت العزم وبيتت النية على قتله وأعدت لذلك مادة سامة "مادة التيميك" والتي من شأن تناولها إحداث الموت ودستها في كوب الشاي الذي قدمته لإرضائه قاصدة من ذلك قتله وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتها فيه وهو انصراف المجني عليه من المنزل دون تناوله وإحالتها إلى محكمة الجنايات طنطا لمعاقبتها طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 45/ 1، 46/ 1، 233 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 32 من ذات القانون بمعاقبة المتهمة بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة لما أسند إليها فطعنت المحكوم عليها في هذا الحكم بطريق النقض........ إلخ.


المحكمة

من حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنة بجريمتي القتل والشروع في القتل بالسم قد شابه البطلان وقصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع. ذلك أنه لم يبين الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة وظروفها ومؤدى الأدلة التي استخلص منها الحكم ثبوت وقوعها من الطاعنة. ودفعت الطاعنة ببطلان القبض عليها لانتفاء حالة التلبس إذ تم استدعائها لسؤالها بيد أنه تم عرضها على النيابة العامة مقبوضاً عليها ولم يتم العرض في خلال أربع وعشرين ساعة من القبض عليها بما يصم تلك الإجراءات بالبطلان إلا أن الحكم رد على هذا الدفع بما لا يصلح رداً. ودفعت ببطلان الاعتراف المعزو إليها لأنه وليد إكراه وقع عليها، بيد أن الحكم رفض هذا الدفع بمقولة ثبوت عدم وجود إصابات بالطاعنة لدى مناظرتها في تحقيق النيابة رغم أنها أنثى ولم تتم المناظرة لجميع أجزاء الجسم. وأن النيابة لم تستجب لطلب محاميها بعرضها على الطبيب الشرعي لفحص إصابتها توصلاً إلى أن اعترافها مخالف للحقيقة والواقع. كما أن الحكم أغفل تحقيق خاصية مادة سم الفئران المستخدمة في القتل وقوفاً على ما إذا كانت جواهر سموم من عدمه. هذا ولم يستظهر الحكم نية القتل في حقها إذ أن ما قام عليه استدلالاً على قصد القتل لا يوفره. ورد الحكم على دفاعها بانتفاء رابطة السببية بما لا يصح رداًً. واستند في إدانة الطاعنة إلى ما جاء بالتحريات في حين أنه لم يأخذ بها في حق المتهم الآخر الذي قضى ببراءته. واعتنق صورة الواقعة رغم عدم اتساقها والعقل والمنطق لاستحالة وقوعها وفق ما أخذ به الحكم. والتفت عن دفاعها القائم على أنها لا دراية لها بأنواع السموم وأنه لم يتم ضبط المادة السامة أو الكوب المستخدم في الحادث فضلاًَ عن تهاتر أدلة الدعوى بما لا تصلح أن تدان بها الطاعنة. هذا جميعه مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن الطاعنة تربطها علاقة آثمة بالمتهم الآخر وكان زوجها يسئ عشرتها فقررت الخلاص منه فأعدت مبيداً حشرياً ناتج تناوله الموت وفي يوم الواقعة أذابت بكوب الشاي الذي أعدته لزوجها كمية من المبيد وضعته بجانبه حتى إذا ما انتهى من طعامه احتساه بيد أنه لم يتناوله لمغادرته مسكنه لعمله مسرعاً وإذ بصغيرهما المجني عليه الأول يتناول الكوب ويشرب ما به فأودى بحياته. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى المطروحة كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون كما جرى نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك، وكان لا جدوى مما تثيره الطاعنة من عدم عرضها على النيابة العامة في خلال أربع وعشرين ساعة من القبض عليها - بفرض صحته - طالما أنها لا تدعي أن هذا الإجراء، قد أسفر عن دليل منتج من أدلة الدعوى ومن ثم فإن منعاها في هذا الشأن لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان من الواجبات المفروضة قانوناً على مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم أن يقبلوا التبليغات شكاوى التي ترد إليهم بشأن الجرائم وأن يقوموا بأنفسهم أو بواسطة مرؤوسيهم بإجراء التحريات اللازمة عن الوقائع التي يعملون بها بأي كيفية كانت وأن يستحصلوا على جميع الإيضاحات والاستدلالات المؤدية لثبوت أو نفي الوقائع المبلغة إليهم أو التي شاهدوها بأنفسهم، كما وأن المادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية تخول مأموري الضبط القضائي أثناء جمع الاستدلالات أن يسمعوا أقوال من يكون لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ومرتكبيها وأن يسألوا المتهم عن ذلك. ولما كان الثابت من مطالعة الحكم المطعون فيه أن الحكم عرض للدفع المبدئ من الطاعنة وأطرحه تأسيساً على أن الشرطة أبلغت بالحادث وأجرت تحرياتها التي أسفرت عن أن الطاعنة هي التي ارتكبت الواقعة وعليه قام مأمور الضبط باستدعائها لسؤالها وما أن واجهها بما جاء بالتحريات فاعترفت بما أسند إليها ومن ثم حرر محضراً بتلك الإجراءات وتم عرضها على النيابة العامة في ذات التاريخ. ومن ثم فاستدعاء مأمور الضبط القضائي للطاعنة كان بسبب مما أسفرت عنه التحريات من ارتكابها للواقعة ولا يعدو أن يكون توجيه الطلب إليها بالحضور دون أن يتضمن تعرضاً مادياً لمن تم استدعائها يمكن أن يكون فيه مساس بحريتها الشخصية أو تقييد لها مما قد يلتبس حينئذ بإجراء القبض المحظور على مأمور الضبط القضائي إذا لم تكن في حالة تلبس، فإن الحكم يكون سليماً فيما انتهى إليه من رفض الدفع ببطلان القبض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على ما أثاره المدافع عن الطاعنة من بطلان الاعتراف في قوله: "وحيث إنه عن الدفع ببطلان الاعتراف بقالة أنه وليد إكراه على سند من القول أن الدفاع تقدم في 19/ 12/ 1991 بطلب لعرض المتهمة على الطب الشرعي وأنه لم يحقق فإن الثابت من تحقيقات النيابة أنه بمناظرة المتهمة لم يتبين وكيل النيابة المحقق ثمة إصابات بها وأقرت صراحة في نهاية استجوابها أن ثمة إكراه لم يقع عليها - لما كان ذلك فإن الأوراق تكون خالية من ثمة دليل أو شبهة دليل على وقوع ثمة إكراه الأمر الذي ترى معه المحكمة أن الاعتراف كان اختيارياً. وحيث إنه فضلاً عن ذلك - وبفرض أن القبض على المتهمة كان باطلاً وأن ثمة إكراه وقع عليها - وهو بما لا تراه المحكمة فإن الثابت أن المتهمة سئلت بالنيابة العامة بعد أن أعلمها وكيل النيابة المحقق بصفته وقد نفت وقوع ثمة إكراه عليها - ومن ثم يكون هذا الاعتراف منبت الصلة بالقبض الذي يزعم الدفاع بطلانه وكذا بالإكراه المقول به ولم تكن المتهمة متأثرة بأي منهما وذلك أن استجوابها قد تم في ظروف كان مكفول لها فيها كافة الضمانات للدفاع عن نفسها". ولما كان الاعتراف في المواد الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، فلها دون غيرها - البحث في صحة ما تدعيه المتهمة من أن الاعتراف المعزو إليها قد انتزع منها بطريق الإكراه، فإن المحكمة إذ تحققت - للأسباب السائغة التي ساقتها على النحو المتقدم - من أنه لا يوجد بالطاعنة ثمة إصابات من واقع مناظرة النيابة العامة لها ونفيها بالتحقيقات أمامها أن إكراه وقع عليها، واطمأنت إلى أن هذا الاعتراف سليم يشوبه. تكون قد مارست السلطة المخولة لها بغير معقب عليها. وكان من المقرر أن تقدير قيمة الاعتراف الذي يصدر من المتهمة على إثر إجراء باطل وتحديد مدى صلة هذا الاعتراف بهذا الإجراء وما ينتج عنه من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال قد صدرت منها صحيحة غير متأثرة فيها بهذا الإجراء جاز لها الأخذ بها وإذ كانت المحكمة قد قدرت في حدود سلطتها التقديرية أن اعتراف الطاعنة أمام النيابة كان دليلاً مستقلاًَ عن الإجراءات السابقة عليه ومنبت الصلة بها واطمأنت إلى صحته وسلامته فإنه لا يقبل من الطاعنة مجادلتها في ذلك ومن ثم يكون منعى الطاعنة بهذا المنعي غير مقبول. لما كان ذلك وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنة لم تعيب التحقيقات في خصوص عدم قيام أنثى بمناظرة جميع أجزاء جسمها للوقوف على إصاباتها. كما أنها لم تطلب من المحكمة عرضها على الطبيب الشرعي لبيان ما بها من إصابات واقتصرت على القول أن النيابة لم تستجب لطلب محاميها في هذا الصدد كما لم تطلب إجراء تحقيق ما بشأن المادة السامة المستخدمة في القتل، فإنه لا يقبل منها إثارة شيء من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض لأن تعييب الإجراءات السابقة على المحاكمة لا يصح أن يكون سبباً للطعن في الحكم، ولأنه لا يحق للطاعنة أن تنعى على المحكمة قعودها عن القيام بإجراء لم تطلبه منها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر نية القتل في حق الطاعنة في قوله "وحيث إنه عن نية القتل فإنه لما كان الثابت من أقوال المتهمة أن زوجها المجني عليه يسئ عشرتها وأنها اشترت مبيد حشري ووضعت كمية منه في كوب شاي ليتناوله المجني عليه فإن ذلك قاطع الدلالة على أن المتهمة قد قصدت إزهاق روح المجني عليه" ولما كان التسمم وإن كان صورة من صور القتل العمد إلا أن الشارع المصري قد ميزها عن الصورة العادية الأخرى بجعل الوسيلة التي تستخدم فيها لإحداث الموت ظرفاً مشدداً للجريمة لما ينم عن غدر وخيانة لا مثيل لهما في صور القتل الأخرى. ولذلك أفرد التسمم بالذكر في المادة 233 من قانون العقوبات وعاقب عليها بالإعدام ولو لم يقترن فيه العمد بسبق الإصرار إذ لا يشترط في جريمة القتل بالسم وجود سبق إصرار لأن تحضير السم بقصد القتل في ذاته دال على الإصرار. وكان قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه ومن ثم فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية وإذ كان ذلك وكان الحكم قد ساق على قيام هذه النية - على النحو المار ذكره - تدليلاً سائغاً واضحاً في إثبات توافرها لدى الطاعنة ومن ثم فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم في شأن استدلاله على توافر نية القتل يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد في بيان واقعة الدعوى أن الطاعنة أعدت مبيداً حشرياً ناتج تناوله الموت أذابت كمية منه بكوب شاي أعدته لزوجها بيد أنه لظرف عمله انصرف تاركاً إياه فتناوله نجلهما فأودى بحياته على النحو ما جاء بتقرير الصفة التشريحية له وتقرير المعمل الكيماوي والذي جاء به أن سبب الوفاة سمية حدثت نتيجة تناوله مبيد حشري كرياماتي عضوي "مادة التيميك". وكان إثبات علاقة السببية في المواد الجنائية مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها، ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه، ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إليه، وكان ما ساقه الحكم - فيما سلف بيانه - يسوغ إطراحه دفاع الطاعنة بانتفاء علاقة السببية. فإن منعاها عليه في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من شأن محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين اعتقادها حسب تقديرها تلك الأدلة، واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إليها نفسها بالنسبة إلى متهم آخر دون أن يكون هذا تناقضاً يعيب حكمها ما دام تقدير الدليل موكول إلى اقتناعها وحدها. وإذ كان الحكم قد دلل تدليلاً سائغاً على إدانة الطاعنة بجريمتي القتل والشروع في القتل بالسم فإن قضاء الحكم ببراءة المتهم الآخر استناداً إلى عدم اطمئنان المحكمة إلى ما جاء بالتحريات بعد أن نفت الطاعنة اشتراكه معها على أية صورة من الصور وخلت أوراق الدعوى من دليل يقيني على اشتراكه ومن ثم فإن ما تنعاه الطاعنة على الحكم من قالة التناقض في التسبيب لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت في وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليماً متفقاً مع حكم العقل والمنطق، ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها في عقيدتها مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها في مناحي دفاعه الموضوعي إذ في اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها ما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها إياها فإن منعى الطاعنة بعدم درايتها بأنواع السموم ومن عدم ضبط المادة السمية أو الكوب المستخدم لا يكون له محل. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.