أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 45 - صـ 1217

جلسة 21 ديسمبر سنة 1994

برئاسة السيد المستشار/ ناجي اسحق نقديموس نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ أحمد عبد الرحمن وإبراهيم عبد المطلب ومجدي أبو العلا نواب رئيس المحكمة وهاني خليل.

(190)
الطعن رقم 2096 لسنة 62 القضائية

إضرار عمدي بالمال العام. موظفون عموميون. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
القصد الجنائي في جريمة الإضرار العمدي المنصوص عليها بالمادة 116 مكرراً عقوبات. تحققه باتجاه إرادة الموظف الجاني إلى الإضرار بالأموال أو المصالح المعهودة إليه. عدم وقوع الجريمة إذا حصل الضرر بسبب الإهمال.
إيراد الحكم في بيانه لواقعة الدعوى وظروفها وأدلة إثباتها أن الضرر الذي حدث بأموال الجهة التي يعمل بها الطاعن كان نتيجة إهماله. انتهاؤه من بعد إلى توافر ركن الإضرار العمدي في حقه. تناقض يعيبه.
(2) غش في عقد مقاولة. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". اشتراك. جريمة "أركانها". نقض "أثر الطعن".
إدانة الطاعن الأول بجريمة الاشتراك مع آخر في ارتكاب جريمة الغش في تنفيذ عقد مقاولة دون استظهار عناصر هذا الاشتراك وطريقته أو بيان الأدلة على قيامه. قصور.
مجرد إهمال الطاعن في الإشراف على تنفيذ أعمال البناء. لا يفيد بذاته الاتفاق كطريق من طرق الاشتراك. وجوب اتحاد النية على ارتكاب الفعل المتفق عليه.
امتداد أثر الطعن لغير الطاعن. لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة.
1 - لما كان القصد الجنائي في جريمة الإضرار العمدي المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً (1) من قانون العقوبات، والتي أصبحت برقم 116 مكرراً بعد تعديلها بالقانون رقم 63 لسنة 1975، هو اتجاه إرادة الموظف الجاني إلى الإضرار بالأموال العامة أو المصالح المعهودة إليه، فلا تقع الجريمة إذا حصل الضرر بسبب الإهمال. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن ما أورده في بيانه لواقعة الدعوى والظروف التي أحاطت بها والأدلة التي ساقها وعول عليها في الإدانة، وما خلص إليه في مقام التدليل على ثبوت جريمة الإضرار العمدي في حق الطاعن - على السياق المتقدم - مؤداه أن الضرر الذي حدث بأموال الجهة التي يعمل بها الطاعن كان نتيجة إهماله، وهو ما لا يؤدى إلى ما رتبه الحكم عليه من توافر ركن الإضرار العمدي في تلك الجريمة، إذ أن ما ساقه الحكم المطعون فيه في مدوناته من حديث عن إهمال الطاعن في القيام بالأعمال المنوطة به بشأن إقامة المباني التابعة للجهة التي يعمل بها، يتعارض مع ما خلص إليه من توافر ركن الإضرار العمدي في حقه، مما ينبئ عن اختلال فكرة الحكم عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وعناصرها القانونية وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة الاستقرار الذي يكشف عن إحاطتها بالواقعة أركانها القانونية عن بصر وبصيرة.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه وقد دان الطاعن بجريمة الاشتراك مع الطاعن الثاني في ارتكاب جريمة الغش في عقد المقاولة فقد كان عليه أن يستظهر في مدوناته عناصر هذا الاشتراك وطريقته أو يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها وذلك من واقع الدعوى وظروفها، إذ أن ما أورده الحكم من مجرد إهمال الطاعن في الإشراف على تنفيذ أعمال البناء، لا يفيد بذاته الاتفاق كطريق من طرق الاشتراك إذ يشترط في ذلك أن تتحد النية على ارتكاب الفعل المتفق عليه، وهو ما لم يدلل الحكم على توافره. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور في البيان بما يوجب نقضه والإعادة بالنسبة للطاعن والمحكوم عليه الثاني - الطاعن الثاني - لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: المتهم الأول: ( أ ) بصفته موظفاً عمومياً "مهندس تنظيم بمجلس مدينة دشنا" أضر عمداً وآخر سبق الحكم عليه بأموال الجهة التي يعمل بها بأن سمح للمتهمين الآخرين بالبناء خلافاً للمواصفات الفنية الواجبة على النحو الوارد بتقرير الهيئة العامة للبحوث مما أدى إلى انهيار المبنى وإزالته (ب) اشترك مع آخرين بطريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب الجريمة المسندة إليهما بأن اتفق معهما على ارتكابها وساعدهما بأن سمح لهما بالبناء على غير الأحوال والمواصفات الفنية المقررة فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالأوراق.. المتهم الثاني: وآخرين سبق الحكم عليهم بصفتهم متعاقدين على تنفيذ عقد مقاولة ارتبطاً به مع إحدى وحدات الإدارة المحلية - مجلس مدينة دشنا - لإنشاء مبنى مكون ستة فصول بمدرسة دشنا الثانوية أخلا عمداً بتنفيذ ذلك العقد وارتكباً غشاً في تنفيذه هو عدم التزامهما بالأصول والمواصفات الفنية المتبعة في تشييد تلك الفصول بحسبانها امتداداً لفصول قديمة تم إنشاؤها وذلك على النحو المبين بالتقارير الفنية والتحقيقات وترتب على ذلك ضرر مالي جسيم قدره 15195.112. وإحالتها إلى محكمة أمن الدولة العليا بقنا لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ ثانياً، ثالثاً، 41، 116 مكرراً، 16 مكرراً جـ، 118، 119/ أ، 119 مكرراً/ أ من قانون العقوبات: أولاً: بمعاقبة المتهم الأول بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وعزله من وظيفته لمدة سنتين عما نسب إليه.. ثانياً: بمعاقبة المتهم الثاني بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحده وتغريمه مبلغ 15195.112.
فطعن الأستاذ/..... المحامي نيابة عن المحكوم عليه الثاني..... في هذا الحكم بطريق النقض كما طعن الأستاذ/...... المحامي نيابة عن المحكوم عليه الأول..... في هذا الحكم أيضاً بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن - المحكوم عليه الأول - على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي الإضرار العمدي بأموال الجهة التي يعمل بها والاشتراك مع المتهم الثاني في ارتكاب جريمة الغش في عقد مقاولة قد شابه قصور في التسبيب، ذلك بأن الحكم جاء قاصراً في الإلمام بوقائع الدعوى وعناصرها القانونية، وبيان الأدلة التي استخلص منها ثبوتها في حق الطاعن، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى، وأورد مؤدى أقوال الشهود وتقارير اللجان الفنية، انتهى إلى إدانة الطاعن في قوله "وأن الثابت من الأوراق أن المتهم الأول - بصفته مهندساً بمجلس مدينة دشنا - وقت ذلك. كان منوطاً به الإشراف الفني الكامل على عملية البناء سواء في مرحلة إعداد مواد البناء أو في مرحلة التشييد أو في مرحلة الاستلام، وقد ثبت من تقارير اللجان الفنية التي قدمت، ومن أعضاء هذه اللجان أن تنفيذ المبنى لم يلق العناية الكافية من الإشراف والاهتمام وترك الحبل على غاربه للمقاول يفعل ما يشاء، وكان من نتيجة ذلك حدوث شروخ وتصدعات بالمبنى، كل ذلك يقطع بوقوع إهمال من المتهم الأول أدى إلى حدوث إضرار بأموال الجهة التي يعمل بها، وقد تمثل ذلك فيما حدث للمبنى من عيوب فنية أدت إلى هدمه وإعادة بنائه من جديد، وحيث إن المتهم الأول وإن كان قد ارتكب - على نحو ما سبق - فعل الإضرار العمدي بأموال الجهة التي يعمل بها، فإنه أيضاً قد شارك المتهم الثاني وشريكه - الذي سبق الحكم عليه - في ارتكاب الفعل المنسوب إليهما وهو الإخلال بعقد أشغال عامة، إذ أنه مكنهما من الإخلال بالتزاماتهما التي يفرضها عليهما هذا العقد والغش في تنفيذه، ومن ثم فإنه يكون شريكاً مع هذا المتهم الثاني بطريقي الاتفاق والمساعدة في جريمته التي ارتكبها". لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي في جريمة الإضرار العمدي المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً (1) من قانون العقوبات، والتي أصبحت برقم 116 مكرراً بعد تعديلها بالقانون رقم 63 لسنة 1975، هو اتجاه إرادة الموظف الجاني إلى الإضرار بالأموال العامة أو المصالح المعهودة إليه، فلا تقع الجريمة إذا حصل الضرر بسبب الإهمال. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن ما أورده في بيانه لواقعة الدعوى والظروف التي أحاطت بها والأدلة التي ساقها وعول عليها في الإدانة، وما خلص إليه في مقام التدليل على ثبوت جريمة الإضرار العمدي في حق الطاعن - على السياق المتقدم - مؤداه أن الضرر الذي حدث بأموال الجهة التي يعمل بها الطاعن كان نتيجة إهماله، وهو ما لا يؤدي إلى ما رتبه الحكم عليه من توافر ركن الإضرار العمدي في تلك الجريمة، إذ أن ما ساقه الحكم المطعون فيه في مدوناته من حديث عن إهمال الطاعن في القيام بالأعمال المنوطة به بشأن إقامة المباني التابعة للجهة التي يعمل بها، يتعارض مع ما خلص إليه من توافر ركن الإضرار العمدي في حقه، مما ينبئ عن اختلال فكرة الحكم عن الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وعناصرها القانونية وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة الاستقرار الذي يكشف عن إحاطتها بالواقعة وأركانها القانونية عن بصر وبصيرة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه وقد دان الطاعن بجريمة الاشتراك مع الطاعن الثاني في ارتكاب جريمة الغش في عقد المقاولة فقد كان عليه أن يستظهر في مدوناته عناصر هذا الاشتراك وطريقته أو يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها وذلك من واقع الدعوى وظروفها، إذ أن ما أورده الحكم من مجرد إهمال الطاعن في الإشراف على تنفيذ أعمال البناء، لا يفيد بذاته الاتفاق كطريق من طرق الاشتراك إذ يشترط في ذلك أن تتحد النية على ارتكاب الفعل المتفق عليه، وهو ما لم يدلل الحكم على توافره. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور في البيان بما يوجب نقضه والإعادة بالنسبة للطاعن والمحكوم عليه الثاني - الطاعن الثاني - لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة، بغير حاجة لبحث باقي أوجه الطعن، وأوجه الطعن المقدمة من الطاعن الثاني.