أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 47 - صـ 703

جلسة 2 من يونيه سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ مقبل شاكر نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد الواحد وأنس عماره وحسين الصعيدي نواب رئيس المحكمة ورضا القاضي.

(100)
الطعن رقم 23450 لسنة 59 القضائية

(1) إثبات "خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير. موضوعي.
(2) قتل خطأ. إصابة خطأ. خطأ. ضرر. مسئولية جنائية "موانع المسئولية".
الحادث القهري. شرطه: ألا يكون للجاني يد في حصول الضرر أو في قدرته منعه.
متى وجد الحادث القهري وتوافرت شرائطه القانونية. انتفى الخطأ في جانب الجاني وامتنعت المسئولية.
(3) دعوى جنائية. دعوى مدنية. حكم "حجيته". محكمة النقض "نظرها موضوع الدعوى والحكم فيه".
حق المحكمة الجنائية في الإحالة على المحكمة المدنية. بمقتضى المادة 309 أ. ج. وجوب أن يساير حجية الأحكام الجنائية أمام المحكمة المدنية.
صدور حكم بالبراءة يمس أسس الدعوى المدنية بما يقيد حرية القاضي المدني. أثره عدم جواز إحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة. علة ذلك؟
مثال لحكم صادر بالبراءة من محكمة النقض في جريمة قتل خطأ لدى نظرها موضوع الدعوى.
1 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة.
2 - لما كان يشترط لتوافر حالة الحادث القهري ألا يكون للجاني يد في حصول الضرر أو في قدرته منعه، وكانت هذه المحكمة تطمئن إليه النتيجة التي انتهى إليها تقرير المهندس الفني من أن الحادث وقع نتيجة انفجار الإطار الأمامي الأيسر للسيارة النقل قيادة المتهم - الذي كان في حالة جيدة - انفجاراً طبيعياً، وهو ما يعد حادثاً قهرياً غير ممكن التوقع ويستحيل الدفع، ومتى وجد الحادث القهري وتوافرت شرائطه في القانون، كان من شأن ذلك - في خصوصية هذه الدعوى - نفى الخطأ في جانب الجاني، وإذا انتفى الخطأ امتنعت المسئولية.
3 - لما كانت الدعوى المدنية غير مطروحة على هذه المحكمة بعد أن قضت محكمة أول درجة بإحالتها إلى المحكمة المختصة، واقتصر استئناف المتهم وطعنه بالنقض على الدعوى الجنائية وحدها دون الدعوى المدنية، إلا أنه لما كان من المقرر أن حق المحكمة الجنائية في الإحالة على المحكمة المدنية بمقتضى المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية يجب أن يساير حجية الأحكام الجنائية أمام المحكمة المدنية بمعنى أنه لا يجوز إصدار قرار بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة إذا كان حكم البراءة يمس أسس الدعوى المدنية مساساً يقيد حرية القاضي المدني، وكانت المحكمة قد أقامت قضاءها الماثل بالبراءة على انتفاء الخطأ في جانب المتهم، وهو بهذه المثابة قضاء يؤثر بلا أدنى شبهة في رأي المحكمة المدنية المحالة عليها الدعوى مما يكون معه مصيرها حتماً إلى القضاء برفضها إعمالاً لنصوص القانون ونزولاً على قواعد قوة الشيء المقضى فيه جنائياً أمام المحكمة المدنية، ومن ثم فإنه يتعين القضاء برفض الدعوى المدنية وإلزام رافعيها مصاريفها عن الدرجتين.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً: تسبيب خطأ في قتل....... و......... و......... و......... وإصابة......... و........ وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احترازه وعدم مراعاته للقوانين واللوائح بأن قاد سيارة بحالة تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر فصدم السيارة التي كان يستقلها المجني عليهم سالفي الذكر فسقطت في المياه وحدثت إصاباتهم والتي أودت بحياة الأربعة الأول على النحو المبين بالمحضر. ثانياً: قاد سيارة بحالة ينجم عنها الخطر. وطلبت عقابه بالمادتين 338/ 1، 244/ 1 من قانون العقوبات ومواد القانون رقم 66 لسنة 1973 ولائحته التنفيذية. وادعى كل من ورثة المجني عليهم مدنياً قبل المتهم بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح...... قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بحبس المتهم سنة مع الشغل وكفالة عشرين جنيهاً وفي الدعوى المدنية بإحالتها إلى المحكمة المدنية المختصة. استأنف المحكوم عليه. ومحكمة.......... - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض (قيد بجدول محكمة النقض برقم..... لسنة..... القضائية) وهذه المحكمة قضت بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة....... الابتدائية لتحكم فيها من جدية هيئة استئنافية أخرى.
ومحكمة الإعادة (مشكلة بهيئة استئنافية أخرى) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل.
فطعن الأستاذ/......... المحامي عن الأستاذ/......... المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية).
وبجلسة...... قضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وتحديد جلسة........ لنظر الموضوع وعلى النيابة إعلان المتهم والشهود.


المحكمة

من حيث إن محكمة النقض سبق أن قضت بنقض الحكم المطعون فيه - لثاني مرة - وحددت جلسة لنظر الموضوع إعمالاً لحكم المادة 45 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادرة به القانون رقم 59 لسنة 1957.
ومن حيث إن الاستئناف المقام من المتهم سبق الحكم بقبوله شكلاً.
ومن حيث إن واقعة الدعوى - حسبما استخلصتها المحكمة من أوراقها وما تم فيها من تحقيقات - تتحصل في أنه في حوالي الساعة الثامنة من صباح يوم 30 أغسطس سنة 1981. وأثناء سير المتهم بالسيارة قيادته بطريق الحسينية فاقوس، الذي كان خالياً من السيارات في ذلك الوقت. وبالقرب من كوبري كفر عمار انفجر الإطار الأمامي الأيسر للسيارة مما أدى إلى فقدان المتهم السيطرة على عجلة القيادة فانحرفت السيارة إلى جهة اليسار واصطدمت بسيارة نصف نقل كانت تقف على الطبان الترابي للطريق في الاتجاه المقابل فسقطت في ترعة السماعنة بمن فيها من المجني عليهم فغرقت...... و......... وأصيب..... و......... و......... و........... بالإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية والتي أودت بحياة الأولّين.
ومن حيث إن تقرير المهندس الفني أورى أن انحراف السيارة النقل قيادة المتهم إلى جهة اليسار واصطدامها بالسيارة النصف نقل التي سقطت في ترعة السماعنة كان بسبب انفجار الإطار الأمامي الأيسر لها - الذي كان في حالة جيدة - انفجاراً طبيعياً.
ومن حيث إن ورثة........ و....... و.......... و........ ادعوا مدنياً أمام محكمة أول درجة قبل المتهم ورئيس مجلس إدارة الشركة الأهلية للتأمين طالبين إلزامهما بأن يؤديا لكل منهم على حده مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت عن الأضرار التي أصابتهم من جراء قتل مورثهم خطأ مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن محامي المدعين بالحقوق المدنية الثلاثة الأخيرين مثل أمام هذه المحكمة - محكمة النقض - بناء على طلبها وقدم صورة ضوئية من أوراق الجنحة رقم.......... موضوع الدعوى الماثلة والتي أفادت النيابة العامة بفقدها.
ومن حيث إنه لما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة، وكان يشترط لتوافر حالة الحادث القهري ألا يكون للجاني يد في حصول الضرر أو في قدرته منعه، وكانت هذه المحكمة تطمئن إليه النتيجة التي انتهى إليها تقرير المهندس الفني من أن الحادث وقع نتيجة انفجار الإطار الأمامي الأيسر للسيارة النقل قيادة المتهم - الذي كان في حالة جيدة - انفجاراً طبيعياً، وهو ما يعد حادثاً قهرياً غير ممكن التوقع ويستحيل الدفع، ومتى وجد الحادث القهري وتوافرت شرائطه في القانون، كان من شأن ذلك - في خصوصية هذه الدعوى - نفي الخطأ في جانب الجاني، وإذا انتفى الخطأ امتنعت المسئولية، ومن ثم يكون الحكم المستأنف إذ قضى بإدانة المتهم عن التهم المسندة إليه وهي القتل والإصابة الخطأ وقيادة سيارة بحالة ينجم عنها الخطر قد جانبه الصواب ويتعين إلغاؤه والقضاء ببراءة المتهم من تلك التهم عملاً بنص الماد 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية.
ومن حيث إنه ولئن كانت الدعوى المدنية غير مطروحة على هذه المحكمة بعد أن قضت محكمة أول درجة بإحالتها إلى المحكمة المختصة، واقتصر استئناف المتهم وطعنه بالنقض على الدعوى الجنائية وحدها دون الدعوى المدنية، إلا أنه لما كان من المقرر أن حق المحكمة الجنائية في الإحالة على المحكمة المدنية بمقتضى المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية يجب أن يساير حجية الأحكام الجنائية أمام المحكمة المدنية بمعنى أنه لا يجوز إصدار قرار بإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المختصة إذا كان حكم البراءة يمس أسس الدعوى المدنية مساساً يقيد حرية القاضي المدني، وكانت المحكمة قد أقامت قضاءها الماثل بالبراءة على انتفاء الخطأ في جانب المتهم، وهو بهذه المثابة قضاء يؤثر بلا أدنى شبهة في رأي المحكمة المدنية المحالة عليها الدعوى مما يكون معه مصيرها حتماً إلى القضاء برفضها إعمالاً لنصوص للقانون ونزولاً على قواعد قوة الشيء المقضى فيه جنائياً أمام المحكمة المدنية، ومن ثم فإنه يتعين القضاء برفض الدعوى المدنية وإلزام رافعيها مصاريفها عن الدرجتين.