أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 47 - صـ 909

جلسة 29 من سبتمبر سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ عوض جادو نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد شتا وحسام عبد الرحيم وسمير أنيس وسمير مصطفى نواب رئيس المحكمة.

(129)
الطعن رقم 17463 لسنة 64 القضائية

(1) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض "أسباب الطعن. ما يقبل منها".
وجوب بناء الحكم الجنائي على المرافعة التي تحصل أمام القاضي نفسه الذي يصدر الحكم والتحقيق الذي يجريه بنفسه. علة ذلك؟
التعويل على أقوال الشهود الذين سمعتهم هيئة أخرى دون الاستجابة لطلب سماعهم أمام الهيئة التي أصدرت الحكم وبغير بيان سبب رفض سماعهم. إخلال بحق الدفاع.
(2) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره".
نزول المتهم عن طلب سماع الشهود لا يسلبه حقه في العدول عن هذا النزول والتمسك بتحقيق ما يطلبه ما دامت المرافعة دائرة. أساس ذلك؟
(3) إثبات "شهود". دفوع "الدفع بإكراه الشاهد". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعي.
التعويل على أقوال الشاهد. شرطه؟
الدفع ببطلان أقوال الشاهد لصدورها تحت تأثير إكراه. جوهري. وجوب مناقشته والرد عليه. إغفال ذلك. قصور.
(4) إثبات "بوجه عام".
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
(5) نقض "أثر الطعن".
عدم امتداد أثر الطعن للمحكوم عليه الذي صدر الحكم بالنسبة له غيابياً.
1 - لما كان الأصل في الأحكام الجنائية أن تبنى على المرافعة التي تحصل أمام نفس القاضي الذي أصدر الحكم وعلى التحقيق الشفوي الذي أجراه بنفسه، إذ أساس المحاكمة الجنائية هو حرية القاضي في تكوين عقيدته من التحقيق الذي يجريه بنفسه ويسمع فيه الشهود ما دام سماعهم ممكناً، مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة من الثقة التي توحي بها أقوال الشاهد أو لا توحي، ومن التأثير الذي تحدثه هذه الأقوال في نفسه وهو ينصت إليها، مما ينبني عليه أن على المحكمة التي فصلت في الدعوى أن تسمع الشهادة من فم الشاهد ما دام سماعه ممكناً ولم يتنازل المتهم أو المدافع عنه عن ذلك صراحة أو ضمناً لأن التفرس في حالة الشاهد النفسية وقت أداء الشهادة ومراوغاته أو اضطرابه وغير ذلك مما يعين القاضي على تقدير أقواله حق قدرها، وكان لا يجوز للمحكمة الافتئات على هذا الأصل المقرر في المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية والذي افترضه الشارع في قواعد المحاكمة لأية علة مهما كانت إلا إذا تعذر سماع الشاهد لأي سبب من الأسباب أو قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً، بحيث إذا لم تفعل على الرغم من تمسك المدافع عن الطاعن بسماع شاهد الإثبات ورفضت هذا الطلب واعتمدت في حكمها على التحقيقات التي جرت - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن الحكم يكون معيباً بالإخلال بحق الدفاع.
2 - من المقرر أن حق الدفاع الذي يتمتع به المتهم يخوله إبداء ما يعن له من طلبات التحقيق ما دام باب المرافعة لا زال مفتوحاً، فنزول الطاعن عن طلب سماع الشاهد لا يسلبه حقه في العدول عن ذلك النزول والتمسك بتحقيق ما يطلبه ما دامت المرافعة دائرة.
3 - لما كان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء عليها وإن كان مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه إلا أنه يشترط في أقوال الشاهد التي يعول عليها أن تكون صادرة عنه اختيارياً وهي لا تعتبر كذلك إذا صدرت إثر إكراه أو تهديد كائناً ما كان قدر هذا التهديد أو ذلك الإكراه، وكان من المقرر أن الدفع ببطلان أقوال الشاهد لصدورها تحت تأثير الإكراه هو دفع جوهري يجب على محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ عول في إدانة الطاعن على أقوال الشاهد المذكور بغير أن يرد على دفاع الطاعن الجوهري بأن تلك الأقوال قد أدلى بها الشاهد نتيجة إكراه وقع عليه ويقول كلمته فيها يكون معيباً بالقصور في التسبيب.
4 - من المقرر أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة.
5 - من المقرر أن من صدر الحكم بالنسبة له غيابياً لا يمتد إليه أثر النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما قتلاً..... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية على قتله وعقدا العزم المصمم على ذلك وأعدا لهذا الغرض سلاحين (مسدس ومطواة) وتوجها إلى المكان الذي أيقنا سلفاً تواجده فيه وما أن ظفرا به حتى أطلق عليه المتهم الأول عدة أعيرة نارية وطعنه الثاني بالمدية عدة طعنات قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ثانياً: المتهم الأول: ( أ ) أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً "مسدس". (ب) أحرز بغير ترخيص ذخيرة مما تستعمل في السلاح الناري السالف ذكره حال كونه غير مرخص له في حيازته أو إحرازه. وأحالته إلى محكمة جنايات سوهاج لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى....... و....... بصفتهما وعن نفسهما مدنياً قبل المتهم بمبلغ ستمائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231 من قانون العقوبات، 1/ 1، 6، 25 مكرراً، 26/ 2 - 5 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والبند رقم 10 من الجدول رقم 1 والبند أ من القسم الأول من الجدول رقم 3 الملحقان بالقانون الأول مع إعمال المادتين 17، 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وإلزامه بأن يؤدي للمدعيين بالحقوق المدنية مبلغ ستمائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.


المحكمة

من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم القتل العمد مع سبق الإصرار وإحراز سلاح ناري وذخيرة بدون ترخيص قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن المدافع عنه اختتم مرافعته طالباً سماع أقوال شاهد الإثبات......، غير أن المحكمة لم تجبه إلى طلبه وأطرحته بما لا يسوغ إطراحه، كما أن المدافع عن الطاعن قد أشار في دفاعه إلى أن أقوال الشاهد....... كانت وليدة إكراه وقع عليه، وقد عدل الشاهد عن هذه الأقوال بالجلسة وذكر أن أقواله الأولى كانت وليدة إكراه وقع عليه من شقيق المجني عليه إلا أن الحكم استند إلى أقوال ذلك الشاهد دون أن يعنى بالرد على هذا الدفاع، بما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إنه يبين من محضر جلسة المحاكمة والتي صدر فيها الحكم المطعون فيه أن الدفاع عن الطاعن اختتم مرافعته طالباً أصلياً البراءة واحتياطياً سماع الشاهد......، بيد أن المحكمة قضت في الدعوى وأوردت في حكمها رداً على الطلب المار ذكره قولها: "وحيث إنه وعن طلب المحامي الآخر عن المتهم الأول سماع أقوال شاهد الإثبات فإنه فضلاً عن أنه والمحامي الأول عن ذات المتهم سبق وأن اكتفيا بأقواله وتم تلاوتها بالجلسة وأن المحامي الأول (الدفاع الرئيسي عن المتهم) لم يبد نفس الطلب فإن المحامي الآخر لم يطلب ذلك على سبيل الجزم والتصميم وإنما كان طلبه على سبيل الاحتياط في حالة عدم القضاء بالبراءة الأمر الذي تستشف منه المحكمة أن طلبه ذاك لم يكن جدياً، ومن ثم فالمحكمة تلتفت عنه". لما كان ذلك، وكان الأصل في الأحكام الجنائية أن تبنى على المرافعة التي تحصل أمام نفس القاضي الذي أصدر الحكم, وعلى التحقيق الشفوي الذي أجراه بنفسه، إذ أساس المحاكمة الجنائية هو حرية القاضي في تكوين عقيدته من التحقيق الذي يجريه بنفسه ويسمع فيه الشهود ما دام سماعهم ممكناً، مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة من الثقة التي توحي بها أقوال الشاهد أو لا توحي، ومن التأثير الذي تحدثه هذه الأقوال في نفسه وهو ينصت إليها، مما ينبني عليه أن على المحكمة التي فصلت في الدعوى أن تسمع الشاهدة من فم الشاهد ما دام سماعه ممكناً ولم يتنازل المتهم أو المدافع عنه عن ذلك صراحة أو ضمناً لأن التفرس في حالة الشاهد النفسية وقت أداء الشهادة ومراوغاته أو اضطرابه وغير ذلك مما يعين القاضي على تقدير أقواله حق قدرها، وكان لا يجوز للمحكمة الافتئات على هذا الأصل المقرر في المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية والذي افترضه الشارع في قواعد المحاكمة لأية علة مهما كانت إلا إذا تعذر سماع الشاهد لأي سبب من الأسباب أو قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً، بحيث إذا لم تفعل على الرغم من تمسك المدافع عن الطاعن بسماع شاهد الإثبات ورفضت هذا الطلب واعتمدت في حكمها على التحقيقات التي جرت - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن الحكم يكون معيباً بالإخلال بحق الدفاع، ولا يرفع هذا العوار ما أورده الحكم المطعون فيه رداً على طلب الطاعن، ذلك أن من المقرر أن حق الدفاع الذي يتمتع به المتهم يخول له إبداء ما يعن له من طلبات التحقيق ما دام باب المرافعة لا زال مفتوحاً، فنزول الطاعن عن طلب سماع الشاهد لا يسلبه حقه في العدول عن ذلك النزول والتمسك بتحقيق ما يطلبه ما دامت المرافعة دائرة. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع لم تلتزم هذا النظر فإن حكمها يكون مشوباً بالإخلال بحق الدفاع فضلاً عن أنه يبين من محضر الجلسة التي صدر فيها الحكم أن الشاهد........ عدل عن أقواله الأولى بالتحقيقات مقرراً أنها صدرت عنه تحت تأثير إكراه وقع عليه من شقيق المجني عليه........ وتهديده إياه بالرسوب في الامتحان لكونه مدرسه إن لم يشهد بما أملاه عليه وأضاف أنه لم يشاهد الحادث، كما طعن المدافع عن الطاعن على أقوال هذا الشاهد بالتحقيقات وذكر أن هذا الأخير كان تحت تأثير إكراه وقع عليه من شقيق المجني عليه سالف الذكر، كما يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استند في إدانة الطاعن - ضمن ما استند إليه - إلى أقوال هذا الشاهد بتحقيقات النيابة العامة، دون أن يعرض إلى دفاع الطاعن أو يرد عليه. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها شهادته وتعويل القضاء عليها وإن كان مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه إلا أنه يشترط في أقوال الشاهد التي يعول عليها أن تكون صادرة عنه اختيارياً وهي لا تعتبر كذلك إذا صدرت إثر إكراه أو تهديد كائناً ما كان قدر هذا التهديد أو ذلك الإكراه، وكان من المقرر أن الدفع ببطلان أقوال الشاهد لصدورها تحت تأثير الإكراه هو دفع جوهري يجب على محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ عول في إدانة الطاعن على أقوال الشاهد المذكور بغير أن يرد على دفاع الطاعن الجوهري بأن تلك الأقوال قد أدلى بها الشاهد نتيجة إكراه وقع عليه ويقول كلمته فيها يكون معيباً بالقصور في التسبيب، ولا يغنى عن ذلك ما أوردته المحكمة من أدلة أخرى، ذلك بأن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضي بحيث إذ سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت إليه المحكمة. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن الأخرى وذلك بالنسبة للطاعن دون المحكوم عليه الآخر والذي صدر الحكم بالنسبة له غيابياً فلا يمتد إليه أثر النقض.