أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 47 - صـ 1143

جلسة 3 من نوفمبر سنة 1996

برئاسة السيد المستشار/ عوض جادو نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ حسام عبد الرحيم وسمير أنيس وفتحي الصباغ نواب رئيس المحكمة وعبد المنعم منصور.

(164)
الطعن رقم 21743 لسنة 64 القضائية

(1) اختلاس. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام". استيلاء على مال عام. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استناد الحكم المطعون فيه على وقوع الاختلاس والاستيلاء من الطاعن على ما أورده من شواهد وأثبت في حقه اختلاسه الأشياء التي أؤتمن عليها وذلك باصطناعه أذون صرف مزورة. كفايته بياناً لجنايتي الاختلاس والاستيلاء بغير حق المنصوص عليهما في المادتين 112، 113 عقوبات بركنيهما المادي والمعنوي.
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى. غير جائز أمام النقض.
(2) اختلاس. جريمة "أركانها". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". استيلاء على مال عام.
تحدث الحكم استقلالاً عن القصد الجنائي في جنايتي الاختلاس والاستيلاء على المال العام. غير لازم. ما دام قيامه مستفاد من مجموع عباراته.
(3) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم التزام المحكمة بالرد على الدفاع الموضوعي. اطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها. مفاده؟
مثال.
(4) إثبات "أوراق رسمية". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
للمحكمة الالتفات عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية. ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها.
(5) إجراءات "إجراءات التحقيق". نيابة عامة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". بطلان.
تشكيل لجنة جرد بناء على أمر من النيابة العامة وقيامها بعملها في غيبة المتهم. لا بطلان. أساس ذلك؟
(6) إجراءات "إجراءات التحقيق". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الطلب الجازم. ماهيته؟
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. غير جائز.
مثال لطلب غير جازم.
(7) إجراءات "إجراءات المحاكمة".
قرار المحكمة في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة. تحضيري. مؤدى ذلك؟
1 - لما كان الحكم المطعون فيه قد دلل على وقوع الاختلاس والاستيلاء من جانب الطاعن بناء على ما أورده من شواهد وأثبت في حقه أنه اختلس كميات من الحديد والأسمنت والأخشاب المملوكة لمجلس مدينة........ والتي أؤتمن عليها بصفته أمين مخزن المشروعات بمجلس المدينة بأن اصطنع أذون صرف مزورة لهذه المواد وسطر فيها على خلاف الحقيقة استلام العملاء المحررة بأسمائهم هذه الأذون لهذه المواد، كما استولى بغير حق على كميات من الحديد والأسمنت والأخشاب المملوكة للجمعية التعاونية للإنشاء والتعمير بـ....... بأن اصطنع طلبات مزورة على خلاف الحقيقة للعملاء المحررة بأسمائهم تلك الطلبات لهذه المواد وتمكن بذلك من الاستيلاء بغير حق على هذه المواد ثم قدم هذه المستندات إلى الجهة المختصة للاعتداد بما دون فيها خلافاً للحقيقة ومحاسبته على أساسها فإن ذلك حسبه بياناً لجنايتي الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات والاستيلاء بغير حق على مال مما نص عليه في المادة 113 من قانون العقوبات بركنيهما المادي والمعنوي فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يتمخض جدلاً موضوعياً في وقائع الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
2 - من المقرر أنه لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جنايتي الاختلاس والاستيلاء بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الشأن في غير محله.
3 - لما كان ما يثيره الطاعن بشأن عدم وجود عجز بعهدته عن السنوات التي أجرى فيها الجرد وتسانده إلى محضر الجرد الذي أجرى في 30/ 6/ 1980 وأن المستندات لم تعرض على لجنة الجرد وأن المخازن سرقت بمعرفة المتهم الثاني الذي اصطنع مفتاحاً لها، فإنه لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بتعقبه والرد عليه، واطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها يدل على إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
4 - من المقرر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية، ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من سائر الأدلة القائمة في الدعوى التي تكفي لحمل قضائها.
5 - لما كان الطاعن لا يماري في أن لجنة الجرد شكلت بناء على ندب من النيابة العامة وأن عمل تلك اللجنة - سواء بوصفه عملاً من أعمال التحقيق أو عملاً من أعمال الاستدلال - إنما تم بناء على ندب النيابة العامة لأعضائها، فلا يترتب البطلان على إجرائه في الغيبة سواء أكان الندب من النيابة العامة بوصفها سلطة تحقيق أم بوصفها رئيسة الضبطية القضائية، وكل ما للمتهم هو أن يتمسك بما قد يكون فيه من نقص أو عيب حتى تقدره المحكمة وهي على بينة من الأمر وهو ما لم يثيره الطاعن فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد.
6 - لما كان البين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن طلب بجلسة 31/ 12/ 1986 احتياطياً انتداب مكتب خبراء وزارة العدل لمتابعة عمليات الجرد فأصدرت المحكمة حكماً تمهيدياً بندب مكتب خبراء وزارة العدل بـ....... لجرد عهدة الطاعن خلال المدة من 1974 حتى 14/ 11/ 1980 لبيان ما عسى أن يكون بها من عجز وسببه ومقدار قيمته وما عسى أن يكون قد استولى عليه من حصص باعتبارها خاصة بالأفراد أو الجمعية التعاونية للإنشاء والتعمير بـ......، وتوالى تأجيل الدعوى لتنفيذ هذا الحكم التمهيدي حتى جلسة 26/ 4/ 1994 حيث نظرت الدعوى بعد ورود مذكرة من مكتب خبراء وزارة العدل بـ...... للمرة الثانية تتضمن تعذر مباشرة المأمورية لاستدعاء الطاعن وأعضاء لجنة الجرد عدة مرات ولم يحضر أحد منهم، وقد تنازل المدافع عن الطاعن عن الحكم التمهيدي وطلب التأجيل للاطلاع والاستعداد وبجلسة المرافعة الأخيرة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه ترافع المدافع عن الطاعن واختتم مرافعته بطلب البراءة دون أن يصر - سواء في صدر مرافعته أو في طلباته الختامية - على ندب مكتب خبراء وزارة العدل، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية فلا وجه لما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع لعدول المحكمة عن تنفيذ قرارها سالف الذكر لتنازله عنه فليس له من بعد إن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها أو الرد على دفاع لم يثره أمامها.
7 - من المقرر أن قرار المحكمة الذي تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً: بصفته موظفاً عاماً (أمين مخازن المشروعات بـ.........) اختلس كميات الحديد والأسمنت والأخشاب المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات والبالغ قيمتها 65759.867 جنيه والمملوكة لمجلس مدينة........ والمسلمة إليه بسبب وظيفته حالة كونه من الأمناء على الودائع وقد ارتبطت هذه الجريمة بجريمتي التزوير والاستعمال موضوع التهمتين الرابعة والخامسة. ثانياً: بصفته سالفة الذكر استولى بغير حق على كمية الأسمنت المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات والبالغ قيمتها 5755.555 جنيه والمملوكة للجمعية التعاونية........ وقد ارتبطت هذه الجريمة ارتباطاً لا يقبل التجزئة بجريمتي التزوير والاستعمال موضوع التهمتين الرابعة والخامسة. ثالثاً: بصفته سالفة الذكر اختلس كميات - الأسمنت المملوكة لمجلس مدينة.... ومقدارها عشرون شيكارة والبالغ قيمتها خمسمائة وثمانون جنيهاً والمسلمة إليه بسبب وظيفته حالة كونه من الأمناء على الودائع. رابعاً. بصفته سالفة الذكر ارتكب تزوياً في محررات رسمية هي أذون الصرف لمواد البناء والطلبات المقدمة للجمعية....... بطريقي الاصطناع وتغيير الإمضاءات بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة بأن اصطنع أذن الصرف والطلبات ونسبها زوراً إلى أصحابها ومهرها بتوقيعات مزورة عزاها إليهم على النحو المبين بالتحقيقات. خامساً: استعمل المحررات سالفة الذكر بأن قدمها للجهة المختصة للمحاسبة على أساسها مع علمه بتزويرها. وأحالته إلى محكمة أمن الدولة العليا بدمنهور لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 112/ 1 - 2 (أ، د)، 113/ 1 - 2، 118، 119/ أ، هـ، 119 مكرراً من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم عن التهم أولاً وثانياً ورابعاً وخامساً بالسجن لمدة خمس سنوات وبعزله من وظيفته وبتغريمه مبلغ 71515.40 جنيه وألزمته برد مثله وبراءته عن التهمة ثالثاً.
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض....... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاختلاس والاستيلاء والتزوير في محررات رسمية واستعمالها قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، ذلك أنه قضى بإدانته رغم عدم وجود دليل على عجز في عهدته مستنداً في ذلك على مجرد استنتاج من لجنة الجرد بوجود عجز في عهدته ورغم انتفاء القصد الجنائي لديه بدلالة أن الجرد أجرى عن سنوات سبق فيها جرد عهدته وكانت سليمة وأن الجرد الأخير الذي أجرى في 30/ 6/ 1980 لم يثبت وجود عجز بعهدته وقد قدم المحضر الرسمي بذلك الجرد للنيابة العامة، وأن المستندات لم تعرض على لجنة الجرد، هذا بالإضافة إلى أن المخازن سرقت بمفتاح مصطنع وضبط المتهم الثاني وهو يقوم بسرقتها في يوم جمعه لا يتم الصرف فيه من المخازن، كما أن الجرد أجرى في غيبة الطاعن حيث كان محبوساً على ذمة القضية، وأخيراً فإن المحكمة عدلت عن حكمها التمهيدي بندب خبير في الدعوى لإجراء جرد عهدة الطاعن رغم أن تنازل الطاعن عن هذا الحكم التمهيدي تأسس على ما جاء بمذكرة مكتب الخبراء من تعذر مباشرة المأمورية، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "حيث إن واقعات الدعوى - في خصوص المتهم الأول....... - حسبما استخلصتها المحكمة واطمأن إليه وجدانها من مطالعة أوراقها والتحقيقات التي تمت فيها ومما دار بشأنها بجلسات المحاكمة تخلص في أنه خلال المدة عن عام 1974 إلى 14/ 11/ 1980 وحال قيام المتهم........ بالعمل في وظيفة أمين مخازن المشروعات بـ......... بدائرة مركز شرطة........ محافظة......... اختلس كميات الحديد والأسمنت والأخشاب المبينة الوصف بالتحقيقات والبالغ قيمتها 65759.867 جنيه المملوكة لمجلس مدينة......... والمسلمة إليه بسبب وظيفته حال كونه من الأمناء على الودائع، كما استولى بغير حق على كمية الأسمنت المبينة الوصف بالتحقيقات والبالغ قيمتها 5755.555 جنيه والمملوكة للجمعية التعاونية........، ومجموع هذين المبلغين يمثل قدر الاختلاس والاستيلاء بغير حق الثابت في حقه، وفي سبيل الوصول إلى قصده الإجرامي وإخفائه عن أعين المسئولين المنوط بهم الإشراف على عمله عمد إلى ارتكاب تزوير في محررات رسمية هي أذون الصرف لمواد البناء والطلبات المقدمة للجمعية التعاونية......... المبينة بالتحقيقات، بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وبوضع إمضاءات مزورة مع علمه بتزويرها بأن اصطنع هذه الأذون وتلك الطلبات وسطر في الأولى على خلاف الحقيقة استلام العملاء المحررة بأسمائهم هذه الأذون كميات الحديد والأسمنت والأخشاب الواردة فيها كما أثبت في الثانية على خلاف الحقيقة طلب العملاء المحررة بأسمائهم تلك الطلبات كميات الحديد والأسمنت والأخشاب الواردة فيها ومهر هذه الأذون وتلك الطلبات بتوقيعات عزاها زوراً إليهم، وتمكن بهذه الوسيلة من اختلاس كميات الحديد والأسمنت والأخشاب المبينة بالتحقيقات والاستيلاء بغير حق على كمية الأسمنت المبينة الوصف بالتحقيقات والبالغ قيمتها 5755.555 جنيه ثم استعمل هذه المحررات الرسمية المزورة وهو على يقين من فسادها بأن قدمها إلى الجهة المختصة للاعتداد بما دون فيها مخالفاً للحقيقة ومحاسبته على أساسها". واستدل الحكم على ثبوت الواقعة بهذه الصورة في حق الطاعن بأدلة سائغة لها معينها من الأوراق من أقوال......... و......... و....... رئيس وعضوي لجنة الجرد وأقوال الشهود........ و........ و......... و.......... و........ و...... و........ و.......... و......... و....... و.......... و.......... و.......... ومما ورد في تقارير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على وقوع الاختلاس والاستيلاء من جانب الطاعن بناء على ما أورده من شواهد وأثبت في حقه أنه اختلس كميات من الحديد والأسمنت والأخشاب المملوكة لمجلس مدينة........ والتي أؤتمن عليها بصفته أمين مخزن المشروعات بمجلس المدينة بأن اصطنع أذون صرف مزورة لهذه المواد وسطر فيها على خلاف الحقيقة استلام العملاء المحررة بأسمائهم هذه الأذون لهذه المواد، كما استولى بغير حق على كميات من الحديد والأسمنت والأخشاب المملوكة للجمعية التعاونية......... بأن اصطنع طلبات مزورة على خلاف الحقيقة للعملاء المحررة بأسمائهم تلك الطلبات لهذه المواد وتمكن بذلك من الاستيلاء بغير حق على هذه المواد ثم قدم هذه المستندات إلى الجهة المختصة للاعتداد بما دون فيها خلافاً للحقيقة ومحاسبته على أساسها فإن ذلك حسبه بياناً لجنايتي الاختلاس المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات والاستيلاء بغير حق على مال مما نص عليه في المادة 113 من قانون العقوبات بركنيهما المادي والمعنوي فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يتمخض جدلاً موضوعياً في وقائع الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، ولا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جنايتي الاختلاس والاستيلاء بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل على قيامه - كما هو الحال في الدعوي المطروحة - ومن ثم يكون منعى الطاعن في هذا الشأن في غير محله، لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن عدم وجود عجز بعهدته عن السنوات التي أجرى فيها الجرد وتسانده إلى محضر الجرد الذي أجرى في 30/ 6/ 1980 وأن المستندات لم تعرض على لجنة الجرد، وأن المخازن سرقت بمعرفة المتهم الثاني الذي اصطنع مفتاحاً لها، فإنه لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً لا تلتزم المحكمة بتعقبه والرد عليه، واطمئنانها إلى الأدلة التي عولت عليها يدل على إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية، ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها من سائر الأدلة القائمة في الدعوى، التي تكفي لحمل قضائها - كالحال في الدعوى الماثلة - فإن نعى الطاعن على الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يماري في أن لجنة الجرد شكلت بناء على ندب من النيابة العامة وأن عمل تلك اللجنة - سواء بوصفه عملاً من أعمال التحقيق أو عملاً من أعمال الاستدلال - إنما تم بناء على ندب النيابة العامة لأعضائها فلا يترتب البطلان على إجرائه في الغيبة سواء أكان الندب من النيابة العامة بوصفها سلطة تحقيق أم بوصفها رئيسة الضبطية القضائية، وكل ما للمتهم هو أن يتمسك بما قد يكون فيه من نقص أو عيب حتى تقدره المحكمة وهي على بينة من الأمر وهو ما لم يثيره الطاعن فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن طلب بجلسة 31/ 12/ 1986 احتياطياً انتداب مكتب خبراء وزارة العدل لمتابعة عمليات الجرد فأصدرت المحكمة حكماً تمهيدياً بندب مكتب خبراء وزارة العدل لجرد عهدة الطاعن خلال المدة من 1974 حتى 14/ 11/ 1980 لبيان ما عسى أن يكون بها من عجز وسببه ومقدار قيمته وما عسى أن يكون قد استولى عليه من حصص باعتبارها خاصة بالأفراد أو الجمعية التعاونية للإنشاء والتعمير بـ.........، وتوالى تأجيل الدعوى لتنفيذ هذا الحكم التمهيدي حتى جلسة 26/ 4/ 1994 حيث نظرت الدعوى بعد ورود مذكرة من مكتب خبراء وزارة العدل بـ...... للمرة الثانية تتضمن تعذر مباشرة المأمورة لاستدعاء الطاعن وأعضاء لجنة الجرد عدة مرات ولم يحضر أحد منهم، وقد تنازل المدافع عن الطاعن عن الحكم التمهيدي وطلب التأجيل للاطلاع والاستعداد وبجلسة المرافعة الأخيرة التي صدر فيها الحكم المطعون فيه ترافع المدافع عن الطاعن واختتم مرافعته بطلب البراءة دون أن يصر - سواء في صدر مرافعته أو في طلباته الختامية - على ندب مكتب خبراء وزارة العدل، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به أو الإصرار عليه في طلباته الختامية فلا وجه لما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع لعدول المحكمة عن تنفيذ قرارها سالف الذكر لتنازله عنه فليس له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها أو الرد على دفاع لم يثره أمامها، ولأن قرار المحكمة الذي تصدره في صدد تجهيز الدعوى وجمع الأدلة لا يعدو أن يكون قراراً تحضيرياً لا تتولد عنه حقوق للخصوم توجب حتماً العمل على تنفيذه صوناً لهذه الحقوق. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.