أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 48 - صـ 642

جلسة 25 من مايو سنة 1997

برئاسة السيد المستشار/ حسام عبد الرحيم نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ فتحي الصباغ والبشري الشوربجي وعبد المنعم منصور نواب رئيس المحكمة وفتحي جودة.

(96)
الطعن رقم 3708 لسنة 65 القضائية

(1) رشوة. تلبس. تفتيش "إذن التفتيش. بطلانه". نقض "المصلحة في الطعن". قبض.
نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه ببطلان إذن النيابة بالقبض والتفتيش لعدم جدية التحريات. غير مجد: ما دام الحكم قد أثبت توافر حالة التلبس بأخذه مبلغ الرشوة من الشاهد الثاني.
(2) إجراءات "إجراءات التحقيق". استدلالات.
عدم اشتراط القانون شكلاً معيناً في التوقيع على محضر التحريات. كفاية أن تطمئن المحكمة إلى صحة تلك التوقيعات.
(3) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إجراءات "إجراءات التحقيق". بطلان.
بطلان التسجيل لا يحول دون أخذ القاضي بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها التسجيل.
لا ينال من سلامة الحكم ما استطرد إليه تزيداً بعد استيفائه أدلة الإدانة.
الجدل الموضوعي في تقدير أدلة الدعوى. غير جائز. أمام النقض.
(4) إجراءات "إجراءات المحاكمة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على المحكمة عدم اتخاذها إجراء لم يطلب منها. غير جائز.
(5) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". رشوة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إثبات الحكم في أكثر من موضع أن المتهم تقاضى الرشوة. النعي عليه بالقصور لعدم بيان مبلغ الرشوة. غير مقبول.
(6) رشوة. قصد جنائي. جريمة "أركانها".
القصد الجنائي في جريمة الرشوة. مناط توافره.
(7) إثبات "اعتراف". دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف". إكراه. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بأن اعتراف الطاعن صدر عن إكراه وقع عليه أو وعد أو إغراء. موضوعي. لا تجوز إثارته لأول مرة أمام النقض. علة ذلك.
(8) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
(9) رشوة. عقوبة "الإعفاء منها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
إخبار الراشي أو الوسيط بالجريمة وكذا اعترافه بها صنوان في تحقق العذر المعفى من عقوبة الرشوة. علة ذلك.
(10) إثبات "اعتراف". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
حصول الاعتراف أمام المحكمة. لا يجوز للقاضي أن يضع له قيوداً من عند نفسه. حد ذلك.
استناد الحكم في الإدانة إلى اعتراف الطاعن. انتهاؤه في أسبابه إلى إنكاره التهمة. يعيبه.
1 - لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه - مما لم ينازع فيه الطاعن - أن الضابط المقدم..... لم يقم بالقبض على الطاعن إلا بعد أن رآه رؤية العين حال أخذه مبلغ الرشوة من الشاهد الثاني ودسه في جيبه، مما تعتبر به الجريمة في حالة تلبس تبيح للضابط القبض عليه وتفتيشه دون إذن من النيابة العامة في ذلك، فإنه لا جدوى مما يثيره الطاعن - بفرض صحته - في صدد بطلان إذن من النيابة بالقبض عليه وتفتيشه لعدم جدية التحريات.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه قد رد على الدفع ببطلان محضري التحريات والضبط لتوقيعها بتوقيعات غير واضحة بقوله "أن المحكمة تطمئن إلى صحة تلك التوقيعات المذيل بها المحضران المنوه عنهما وأنهما صادران عن محررهما وكان القانون لا يستلزم شكلاً معيناً للتوقيع على تلك المحاضر أو أن تكون التوقيعات عليها مقروءة وكان المتهم لم يطلب إلى المحكمة اتخاذ إجراء ما في هذا الشأن فإن المحكمة تلتفت عما أثاره الدفاع في هذا الشأن" وهذا الذي أورده الحكم المطعون فيه صحيح في القانون وسائغ للرد على الدفع، ما دام أن القانون لم يشترط شكلاً معيناً في التوقيع على هذه المحاضر وما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحة تلك التوقيعات وصدورها عمن حررها - والذي ردد فحوى محاضره في التحقيقات التي أخذت بها المحكمة - فيكون منعى الطاعن في هذا الصدد غير سديد.
3 - لما كان من المقرر أن بطلان التسجيل بفرض وقوعه - لا يحول دون أخذ القاضي بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها التسجيل كأقوال رجل الضبط عما باشره من إجراءات ونمى إليه من معلومات فيما لا يتصل بالتسجيل المدعى ببطلانه وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه عول في إدانة الطاعن على أقوال المقدم.... رئيس مكافحة جرائم الأموال العامة، وأقوال المجني عليه "المبلغ"...... واعتراف المتهم الثاني "الوسيط" وهي أدلة سائغة وكافية لحمل قضائه، وأنه بعد أن أورد مؤداها استطرد إلى القول بأن تقرير خبير الأصوات أثبت أن الصوت الوارد على الشريط المسجل للحوار بين المتهمين والمبلغ مطابق لبصمة صوت كل من المتهمين "الطاعنين" والمبلغ وأن أوراق تفريغ الشريط المشار إليه تضمنت عبارات تدول حول وقائع الرشوة أوردها الحكم، فإنه يكون من غير المنتج النعي على الحكم في شأن هذه التسجيلات بقالة إجرائها بمنأى عن المأذون له بالتسجيل ما دام أنه لم يستطرد إليها إلا تزيداً بعد استيفائه أدلة الإدانة - هذا إلى أن المحكمة قد تناولت هذا الدفاع وردت عليه بما أفصحت عنه من أنها تطمئن إلى أن الشريط الذي تم تسجيله حال لقاء المبلغ بالمتهمين وتسليمه مبلغ الرشوة هو ذلك الذي تم تفريغه بمعرفة خبير الإذاعة والمثبت محتواه في محضر التفريغ المرفق بالأوراق - والذي أوردت المحكمة في مدونات حكمها مؤداه - وأضافت أن دور المبلغ في عملية التسجيل اقتصر على مجرد حمله لجهاز التسجيل لدى لقائه بالمتهمين، وهو الجهاز الذي زوده به ضابط الواقعة وأعطاه التعليمات في شأنه وكانت إجراءات تسجيل الحوار بينه وبين المتهمين قد تمت تحت بصر الضابط المختص وإشرافه وقد خلت الأوراق مما ينبئ عن أن المبلغ كان له دور في التسجيل أو إغفال جزء من الحوار فضلاً عن أن ما تم تسجيله يتفق والمدة التي استغرقها لقاؤه بالمتهمين "خمس دقائق". لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يضحى جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض.
4 - لما كان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء تحقيق ما في شأن مطابقة شريط التسجيل أو ما يزعمه من تعرضه للعبث من قبل المبلغ فليس له من بعد أن يعيب على المحكمة عدم اتخاذها إجراء لم يطلب منها.
5 - لما كانت مدونات الحكم قد أبانت في أكثر من موضع أن المتهم الأول "الطاعن" تقاضى مبلغ الرشوة لقاء التغاضي عن تحرير محضر مخالفة مبان خاصة بالمبلغ أقامها غير مطابقة لشروط الترخيص، فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الخصوص يكون في غير محله.
6 - لما كان من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو الإخلال بواجباتها وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة، ولما كان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعن تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينه وبين المجني عليه - الشاهد الثاني - لقاء عدم تحرير محضر المخالفة ضده، فهذا مما يتحقق به معنى الاتجار في الوظيفة ويقوم به القصد الجنائي كما هو معرف في القانون.
7 - لما كان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يثر أن اعتراف المتهم الثاني صدر عن إكراه وقع عليه أو وعد أو إغراء بالإعفاء من العقاب، فلا يقبل منه أن يثير هذا الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض لما يتطلبه من تحقيق يخرج عن وظيفتها. لما كان ذلك، وكان محضر جلسة المحاكمة قد خلا أيضاً مما يثيره الطاعن بأسباب طعنه من قالة الدفع بإكراه وقع عليه من الضابط، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير مقبول لا سيما وأن الحكم المطعون فيه لم يسند إليه اعترافاً أو إقراراً بالجريمة التي دانه بها.
8 - لما كان مفاد عدم تعرض الحكم لأقوال المدعو..... إطراحه لها، لما هو مقرر في أصول الاستدلال من أن المحكمة لا تلتزم بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها فلا تورد من أقوال الشهود إلا ما تطمئن إليه وتقيم عليه قضاءها، وتطرح أقوال من لا تثق في شهادتهم من غير أن تكون ملزمة بتبرير ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد.
9 - لما كان نص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات قد جرى بأن "يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي، ومع ذلك يعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها" ومفاد هذا النص بصريح لفظه وواضح دلالته - أن إخبار الراشي أو الوسيط بالجريمة، وكذا اعترافه بها. صنوان في تحقيق العذر المعفي من عقوبة الرشوة، فيقوم أحدهما مقام الآخر في ترتيب الإعفاء من هذه العقوبة، إذ من المقرر أن علة هذا الإعفاء هي أن الراشي - أو الوسيط - يؤدي باعترافه أو بإخباره على السواء - خدمة للمصلحة العامة بالكشف عن جريمة الرشوة بعد وقوعها والتعريف عن الموظف الذي ارتكابها وتسهيل إثبات الجريمة عليه.
10 - من المقرر أنه إذا حصل الاعتراف لدى المحكمة فما دام القانون لم يشترط له أي شرط بل جاء لفظه فيه مطلقاً خالياً من كل قيد زمني أو مكاني أو كيفي فلا يجوز أن يضع له القاضي قيوداً من عند نفسه، بل كل ما له هو أن يتحقق من حصول مدلول لفظ الاعتراف وهو إقرار الشخص بكل وقائع الجريمة وظروفها إقراراً صريحاً لا مواربة فيه ولا تضليل، فمتى وقع هذا المدلول حق الإعفاء بدون نظر إلى أي أمر آخر. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه وإن عول في إدانة الموظف المرتشي على ما قدمه الطاعن من اعتراف أسهم في تسهيل إثبات الجريمة عليه، قد وضع على إعفاء الطاعن - كوسيط - قيوداً من عند نفسه لا تستفاد من نص القانون المار ذكره - على نحو ينبئ عن خطئه في تأويله وتطبيقه، ويدل على اختلال فكرته عن عناصر واقعة الدعوى في خصوص دور الطاعن فيها، وعدم استقرارها الاستقرار الذي يجعلها في حكم الوقائع الثابتة، لما أفصح عنه في سياقه المتقدم - مخالفاً لما انتهت إليه أسبابه من أن المتهمين (ومنهما الطاعن) أنكرا التهمة وأنه لا يعول على إنكارهما وهو ما يستحيل معه على محكمة النقض أن تتعرف على أي أساس كونت محكمة الموضوع عقيدتها في الدعوى في خصوص هذا الطاعن، ويكون الحكم معيباً متعيناً نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: المتهم الأول: بصفته موظفاً عمومياً - مدير قطاع الإدارة الهندسية..... طلب لنفسه من..... مبلغ مائتي وخمسين جنيهاً وأخذ منه بواسطة المتهم الثاني مبلغ مائتي جنيه على سبيل الرشوة مقابل الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته هو التغاضي عن اتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة بشأن مخالفة شروط الترخيص بالعقار ملك المبلغ. المتهم الثاني: توسط في رشوة موظف عمومي هو المتهم الأول مدير قطاع الإدارة..... للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته على النحو المبين بالتهمة الأولى. وأحالتهما إلى محكمة أمن الدولة العليا ببني سويف لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 103، 104، 107 مكرراً من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبة المتهمين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريم كل منهما ألفي جنيه.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

أولاً: - عن الطعن المقدم من المحكوم عليه الأول: -
من حيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن...... على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة طلب وأخذ الرشوة قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وانطوى على إخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه التفت عن الدفع ببطلان إذن المراقبة وتسجيل المحادثات لابتنائه على تحريات غير جدية، فأغفله إيراداً ورداً، وتناول - في رد غير سائغ - الدفع ببطلان محاضر التحريات، لعدم وضوح التوقيعات المذيلة بها، وكذلك الدفع ببطلان إجراءات التسجيل لاتخاذها بمعرفة المبلغ بمنأى عن مأمور الضبط القضائي المأذون له فيها فلم تجر المحكمة تحقيقاً لاستجلاء سلامة التسجيل من العبث، وخلا الحكم من بيان مقابل الرشوة أو ماهية الأعمال المخالفة التي ارتكبها المبلغ ودفع الرشوة للتغاضي عنها، كما خلا من استظهار القصد الجنائي لدى الطاعن، ولم يرد على دفاعه بانتفاء علمه بواقعة الرشوة، أو دفعه بالإكراه الواقع عليه من الضابط، والإغراء الذي انخدع به المتهم الثاني الوسيط ليستمر في اعترافه ضد الطاعن للإعفاء من العقاب، ولم يأبه الحكم بأقوال المدعو..... الذي شهد بأن الطاعن لا شأن له بالواقعة، وذلك كله ما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه - مما لم ينازع فيه الطاعن - أن الضابط المقدم..... لم يقم بالقبض على الطاعن إلا بعد أن رآه رؤية العين حال أخذه مبلغ الرشوة من الشاهد الثاني ودسه في جيبه، مما تعتبر به الجريمة في حالة تلبس تبيح للضابط القبض عليه وتفتيشه دون إذن من النيابة العامة في ذلك، فإنه لا جدوى مما يثيره الطاعن - بفرض صحته - في صدد بطلان إذن النيابة بالقبض عليه وتفتيشه لعدم جدية التحريات. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على الدفع ببطلان محضري التحريات والضبط لتوقيعهما بتوقيعات غير واضحة بقوله "أن المحكمة تطمئن إلى صحة تلك التوقيعات المذيل بها المحضران المنوه عنهما وأنهما صادران عن محررهما وكان القانون لا يستلزم شكلاً معيناً للتوقيع على تلك المحاضر أو أن تكون التوقيعات عليها مقروءة وكان المتهم لم يطلب إلى المحكمة اتخاذ إجراء ما في هذا الشأن فإن المحكمة تلتفت عما أثاره الدفاع في هذا الشأن" وهذا الذي أورده الحكم المطعون فيه صحيح في القانون وسائغ للرد على الدفع، ما دام أن القانون لم يشترط شكلاً معيناً في التوقيع على هذه المحاضر وما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحة تلك التوقيعات وصدورها عمن حررها - والذي ردد فحوى محاضره في التحقيقات التي أخذت بها المحكمة - فيكون منعى الطاعن في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن بطلان التسجيل بفرض وقوعه - لا يحول دون أخذ القاضي بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها التسجيل كأقوال رجل الضبط عما باشره من إجراءات ونمى إليه من معلومات فيما لا يتصل بالتسجيل المدعى ببطلانه وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه عول في إدانة الطاعن على أقوال المقدم..... رئيس مكافحة جرائم الأموال العامة، وأقوال المجني عليه "المبلغ"...... واعتراف المتهم الثاني "الوسيط" وهي أدلة سائغة وكافية لحمل قضائه، وأنه بعد أن أورد مؤداها استطرد إلى القول بأن تقرير خبير الأصوات أثبت أن الصوت الوارد على الشريط المسجل للحوار بين المتهمين والمبلغ مطابق لبصمة صوت كل من المتهمين "الطاعنين" والمبلغ وأن أوراق تفريغ الشريط المشار إليه تضمنت عبارات تدول حول وقائع الرشوة أوردها الحكم، فإنه يكون من غير المنتج النعي على الحكم في شأن هذه التسجيلات بقالة إجرائها بمنأى عن المأذون له بالتسجيل ما دام أنه لم يستطرد إليها إلا تزيداً بعد استيفائه أدلة الإدانة - هذا إلى أن المحكمة قد تناولت هذا الدفاع وردت عليه بما أفصحت عنه من أنها تطمئن إلى أن الشريط الذي تم تسجيله حال لقاء المبلغ بالمتهمين وتسليمه مبلغ الرشوة هو ذلك الذي تم تفريغه بمعرفة خبير الإذاعة والمثبت محتواه في محضر التفريغ المرفق بالأوراق - والذي أوردت المحكمة في مدونات حكمها مؤداه - وأضافت أن دور المبلغ في عملية التسجيل اقتصر على مجرد حمله لجهاز التسجيل لدى لقائه بالمتهمين، وهو الجهاز الذي زوده به ضابط الواقعة وأعطاه التعليمات في شأنه وكانت إجراءات تسجيل الحوار بينه وبين المتهمين قد تمت تحت بصر الضابط المختص وإشرافه وقد خلت الأوراق مما ينبئ عن أن المبلغ كان له دور في تسجيل أو إغفال جزء من الحوار فضلاً عن أن ما تم تسجيله يتفق والمدة التي استغرقها لقاؤه بالمتهمين "خمس دقائق". لما كان ذلك، فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يضحى جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يطلب إلى المحكمة إجراء تحقيق ما في شأن مطابقة شريط التسجيل أو ما يزعمه من تعرضه للعبث من قبل المبلغ فليس له من بعد أن يعيب على المحكمة عدم اتخاذها إجراء لم يطلب منها. لما كان ذلك، وكانت مدونات الحكم قد أبانت في أكثر من موضع أن المتهم الأول "الطاعن" تقاضى مبلغ الرشوة لقاء التغاضي عن تحرير محضر مخالفة مبان خاصة بالمبلغ أقامها غير مطابقة لشروط الترخيص، فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو الإخلال بواجباتها وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التي صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة، ولما كان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعن تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينه وبين المجني عليه - الشاهد الثاني - لقاء عدم تحرير محضر المخالفة ضده، فهذا مما يتحقق به معنى الاتجار في الوظيفة ويقوم به القصد الجنائي كما هو معرف في القانون، ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد على غير أساس. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه على السياق المتقدم كافياً للرد على قالة انتفاء علم الطاعن بواقعة الرشوة فإن النعي بهذه القالة يكون غير سليم. لما كان ذلك، وكان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يثر أن اعتراف المتهم الثاني صدر عن إكراه وقع عليه أو وعد أو إغراء بالإعفاء من العقاب، فلا يقبل منه أن يثير هذا الدفاع الموضوعي لأول مرة أمام محكمة النقض لما يتطلبه من تحقيق يخرج عن وظيفتها. لما كان ذلك، وكان محضر جلسة المحاكمة قد خلا أيضاً مما يثيره الطاعن بأسباب طعنه من قالة الدفع بإكراه وقع عليه من الضابط، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير مقبول لا سيما وأن الحكم المطعون فيه لم يسند إليه اعترافاً أو إقراراً بالجريمة التي دانه بها. لما كان ذلك، وكان مفاد عدم تعرض الحكم لأقوال المدعو..... إطراحه لها، لما هو مقرر في أصول الاستدلال من أن المحكمة لا تلتزم بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها فلا تورد من أقوال الشهود إلا ما تطمئن إليه وتقيم عليه قضاءها، وتطرح أقوال من لا تثق في شهادتهم من غير أن تكون ملزمة بتبرير ذلك، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس، متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً: - عن الطعن المقدم من المحكوم عليه الثاني: -
من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة التوسط في رشوة برغم اعترافه بها حتى جلسة الحكم قد شابه التناقض في التسبيب، والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه دان المحكوم عليه الأول بتهمة قبول الرشوة - أخذاً باعتراف الطاعن بالتوسط ثم أورد في أسبابه أنه لا يعول على إنكار المتهمين - حالة أنه اعترف في جميع مراحل الدعوى، واستحدث الحكم لإعفاء الوسيط شرطاً لم يوجبه القانون إذ اشترط أن يؤدي اعترافه إلى الكشف عن الجريمة وهو ما لم يرد في نص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات، مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إنه يبين من محضر جلسة المحاكمة أن دفاع الطاعن قام على طلب إعفائه من العقاب تأسيساً على اعترافه بالتوسط لدى المبلغ في طلب الرشوة وتسليمها إلى المتهم الأول، وبقى على اعترافه حتى صدر الحكم المطعون فيه، والذي يبين منه أنه عول في إدانة المتهم الأول على ما اعترف به الطاعن من توسطه في طلب الرشوة له وإقراره للضابط بذلك وحضوره واقعة أخذ المتهم الأول ومبلغ الرشوة، بيد أن الحكم المطعون فيه رد على طلبه الإعفاء بقوله: "إن مناط الإعفاء من العقاب أن يكون الاعتراف صادقاً كاملاً يغطي جميع وقائع الرشوة التي ارتكبها الراشي أو الوسيط دون نقص أو تحريف، وأن يكون حاصلاً لدى جهة الحكم حتى تتحقق فائدته. وأن مهمة الوسيط في هذه الحالة هي أداء خدمة للمصلحة العامة بالكشف عن جريمة الرشوة بعد وقوعها والتعريف بالموظف الذي ارتكبها وتسهيل إثبات الجريمة عليه، وكان الثابت من الأوراق أن المجني عليه - المبلغ - هو الذي أبلغ بالواقعة موضوع الاتهام بعد أن تردد عليه المتهم الثاني طالباً منه الرشوة للمتهم الأول ودفعه المبلغ لأداء المطلوب منه ومساومته على المبلغ المطلوب دفعه وقيامه حسب ما أبداه في أقواله بالحيلولة دون تحرير محضر مخالفة للمبلغ ثم تمام اللقاء بينهم جميعاً ودفع مبلغ الرشوة ولم يكن للمتهم الثاني "الطاعن" دور في الكشف عن الجريمة الأمر الذي ينتفي معه موجب الإعفاء من العقاب بالنسبة له ويضحى دفاعه في هذا الشأن غير سديد وتلتفت المحكمة عنه". لما كان ذلك، وكان نص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات قد جرى بأن "يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي، ومع ذلك يعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها. ومفاد هذا النص بصريح لفظه وواضح دلالته - أن إخبار الراشي أو الوسيط بالجريمة، وكذا اعترافه بها صنوان في تحقيق العذر المعفي من عقوبة الرشوة، فيقوم أحدهما مقام الآخر في ترتيب الإعفاء من هذه العقوبة، إذ من المقرر أن علة هذا الإعفاء هي أن الراشي - أو الوسيط - يؤدي باعترافه أو بإخباره على السواء - خدمة للمصلحة العامة بالكشف عن جريمة الرشوة بعد وقوعها والتعريف عن الموظف الذي ارتكبها وتسهيل إثبات الجريمة عليه، وكان من المقرر أنه إذا حصل الاعتراف لدى المحكمة فما دام القانون لم يشترط له أي شرط بل جاء لفظه فيه مطلقاً خالياً من كل قيد زمني أو مكاني أو كيفي فلا يجوز أن يضع له القاضي قيوداً من عند نفسه، بل كل ما له هو أن يتحقق من حصول مدلول لفظ الاعتراف وهو إقرار الشخص بكل وقائع الجريمة وظروفها إقراراً صريحاً لا مواربة فيه ولا تضليل، فمتى وقع هذا المدلول حق الإعفاء بدون نظر إلى أي أمر آخر. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه وإن عول في إدانة الموظف المرتشي على ما قدمه الطاعن من اعتراف أسهم في تسهيل إثبات الجريمة عليه، قد وضع على إعفاء الطاعن - كوسيط - قيوداً من عند نفسه لا تستفاد من نص القانون المار ذكره - على نحو ينبئ عن خطئه في تأويله وتطبيقه، ويدل على اختلال فكرته عن عناصر واقعة الدعوى في خصوص دور الطاعن فيها، وعدم استقرارها الاستقرار الذي يجعلها في حكم الوقائع الثابتة، لما أفصح عنه في سياقه المتقدم - مخالفاً لما انتهت إليه أسبابه من أن المتهمين (ومنهما الطاعن) أنكرا التهمة وأنه لا يعول على إنكارهما وهو ما يستحيل معه على محكمة النقض أن تتعرف على أي أساس كونت محكمة الموضوع عقيدتها في الدعوى في خصوص هذا الطاعن، ويكون الحكم معيباً متعيناً نقضه والإعادة، بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن المقدمة منه.