أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 48 - صـ 805

جلسة 28 من يوليه سنة 1997

برئاسة السيد المستشار/ محمد محمد زايد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ سري صيام ومحمد حسام الدين الغرياني ومحمد شتا وأحمد عبد القوي نواب رئيس المحكمة.

(124)
الطعن رقم 9530 لسنة 65 القضائية

(1) اتفاق. إثبات "بوجه عام". سبق إصرار. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الاتفاق. تعريفه؟ جواز الاستدلال عليه بطريق الاستنتاج والقرائن.
سبق الإصرار - ماهيته؟
لا تعارض بين نفي الحكم قيام ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين وبين ثبوت اتفاقهم على الاعتداء على المجني عليهم. مساءلتهم عن النتيجة التي لحقت بالمجني عليهم تنفيذاً لهذا الاتفاق دون تفرقة من محدث الإصابات التي أدت إلى وفاتهم وغيرها. لا يعيبه.
(2) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
لمحكمة الموضوع تحصيل أقوال الشاهد وتفهمها واستخلاص مراميها ما دامت لا تحرف الشهادة عن موضعها.
(3) إثبات "خبرة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير آراء الخبراء. موضوعي.
اطمئنان المحكمة إلى التقرير الطبي الشرعي وإطراحها التقرير الطبي الشرعيين ما دامت الواقعة قد وضحت لديها.
(4) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "شهود" "بوجه عام".
المنازعة في وقوع الحادث في المكان الذي حدده الشهود. دفاع موضوعي. كفاية قضاء المحكمة بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت رداً عليه.
مثال لتسبيب سائغ للرد على المنازعة في مكان وقوع الحادث.
(5) إثبات "شهود" "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". ضرب "أفضى إلى موت".
تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل الفني - غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القول غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
جسم الإنسان. متحرك. لا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء عليه.
مثال.
(6) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
أوراق المستشفى لا تخرج عن كونها دليلاً من أدلة الدعوى تخضع لتقدير محكمة الموضوع.
1 - من المقرر أن الاتفاق هو اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه، وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية فمن حق القاضي أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه، وكان لا تعارض بين ما قاله الحكم حين نفي قيام سبق الإصرار في حق الطاعنين - وهو تدبر ارتكاب الجريمة والتفكير فيها تفكيراً هادئاً لا يخالطه اضطراب مشاعر ولا انفعال نفس - وبين ثبوت اتفاقهم - لا مجرد التوافق بينهم - على الاعتداء على المجني عليهم وظهورهم سوياً على مسرح الجريمة وقت ارتكابها وإسهامهم في الاعتداء على المجني عليهم ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إذ هي أخذت الطاعنين عن النتيجة التي لحقت بالمجني عليهم تنفيذاً لهذا الاتفاق دون تفرقة بين ما أحدث الإصابات التي أدت إلى وفاتهم وبين من أحدث غيرها من الإصابات، وبالتالي فقد انحسرت عن الحكم دعوى الخطأ في تطبيق القانون.
2 - لما كان الحكم قد حصل أقوال الشاهد.... بما يتفق وما تضمنه أسباب الطعن منها فإن النعي عليه بدعوى الخطأ في الإسناد تكون غير مقبولة، ولا يغير من الأمر أن الطاعنين أرادوا لتلك الأقوال غير المعنى الذي استخلصه الحكم منها ذلك بأنه من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تحصل أقوال الشاهد وأن تفهم سياقها وتستشف مراميها ما دامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن موضعها.
3 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك شأن سائر الأدلة، فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما تضمنه التقرير الطبي الشرعي وأطرحت - في حدود سلطتها التقديرية - التقرير الطبي الاستشاري، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى طلب استطلاع رأي كبير الأطباء الشرعيين ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء. ولما كان ذلك، فإن النعي على الحكم في خصوص استناده إلى التقرير الطبي الشرعي في الرد على ما أثاره الطاعنون من منازعة في زمان الحادث وفي سبب وفاة المجني عليهم لا يكون سديداً.
4 - لما كان البين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعنين نازع في وقوع الحادث بالمكان الذي حدده الشاهد.... والذي عثر فيه على خمس طلقات بدعوى أنه خلا من الدماء وكان الحكم المطعون فيه قد استند في رده على هذا الدفاع إلى ما قرره الشاهد.... التي لم ينازع الطاعنون في سلامتها من أنه عاون في نقل المجني عليهم من ذلك المكان إلى المستشفى عقب إصابتهم مباشرة وكان مؤدى ذلك أن أجساد المجني عليهم لم تستقر في المكان المذكور، فإن المنازعة في وقوع الحادث في المكان الذي حدده الشهود يكون - في صورة الدعوى - من قبيل الدفاع الموضوعي الذي يرمي إلى التشكيك في أدلة الإثبات والذي يكفي في الرد عليه قضاء المحكمة بالإدانة استناداً إلى ما اطمأنت إليه من تلك الأدلة.
5 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان لا تعارض بين ما أثاره الطاعنون من أن الشاهد.... قرر أنهم أطلقوا النار على المجني عليهم من المواجهة وبين ما نقله عن التقرير الطبي الشرعي من أن إصابات المجني عليه..... بالرأس والصدر من أسفل إلى أعلى، هذا فضلاً عن أن جسم الإنسان متحرك ولا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء، وتقدير ذلك لا يحتاج إلى خبرة خاصة، فإن ما ينعاه الطاعنون من تناقض الدليلين القولي والفني يكون على غير أساس.
6 - من المقرر أن أوراق المستشفى لا تخرج عن كونها دليلاً من أدلة الدعوى تخضع لتقدير المحكمة شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بوصف أنهم. أ - المتهمون جميعاً: قتلوا..... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لهذا الغرض سلاحين ناريين (مسدسين وعصى شوم) وما أن ظفروا به حتى ضربه المتهم الأول عدة ضربات بعصا وأطلق صوبه المتهمان الرابع والخامس عدة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فحدثت إصاباته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وقد اقترنت هذه الجناية بجنايتين هما: - أنهم في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر: - 1) قتلوا..... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لهذا الغرض عدة ضربات بعصا وأطلق صوبه المتهمان الرابع والخامس عدة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فحدثت إصاباته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. 2) قتلوا.... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لهذا الغرض سلاحين ناريين (مسدسين) وعصى شوم وما أن ظفروا به حتى ضربه المتهم الثالث عدة ضربات بعصا وأطلق صوبه المتهمان الرابع والخامس عدة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فحدثت إصاباته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. ب) المتهمان الرابع والخامس: - 1) أحرز كل منهما بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً "مسدس". 2) أحرز كل منهما ذخائر (عدة طلقات) مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً لأي منهما بحيازته أو إحرازه. وأحالتهم إلى محكمة جنايات سوهاج لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى..... قبل المتهمين بإلزامهم متضامنين أن يؤدوا له مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 236/ 1 من قانون العقوبات، 1/ 1، 6، 26/ 2 - 5، 30/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 26 لسنة 1978، 165 لسنة 1981 والبند ( أ ) من القسم الأول من الجدول رقم (3) الملحق بالقانون الأول مع إعمال المادة 32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين الرابع والخامس بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً وبمعاقبة المتهمين الأول والثاني والثالث بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً وبمعاقبة المتهمين الأول والثاني والثالث بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات عما أسند إليهم وبمصادرة السلاحين الناريين المضبوطين باعتبار أن الاتهام الأول المسند إلى المتهمين هو ضرب أفضى إلى موت وفي الدعوى المدنية بإلزام المحكوم عليهم سالفي الذكر بأن يؤدوا للمدعي بالحق المدني..... مبلغ خمسمائة وواحد جنيه متضامنين على سبيل التعويض المدني المؤقت.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

من حيث إن مبنى ما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجرائم الضرب المفضي إلى الموت وإحراز أسلحة نارية مششخنة وذخيرتها بغير ترخيص شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع مع الخطأ في الإسناد وفي تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم وإن استبعد ظرف سبق الإصرار القائم على التقدير السابق والاتفاق بين الطاعنين وساق الواقعة على نحو لا يفيد أكثر من التوافق بينهم على الاعتداء، عاد واستخلص باستنتاج غير سائغ وجود اتفاق بينهم ورتب عليه مسئوليتهم جميعاً عن وفاة المجني عليهم في حين أن التقرير الطبي الشرعي قطع بأن الإصابات غير النارية المنسوب إحداثها للطاعنين الثلاثة الأول لا شأن لها في إحداث الوفاة، واتخذ الحكم من أقوال الشاهد خالد.... سنداً لزعم الشاهد عرفة.... بأنه رأى واقعة الاعتداء على المجني عليهم على الرغم من أن مؤدى تلك الأقوال أن عرفة.... هذا لم ير الاعتداء، واكتفى الحكم بإيراد نتيجة التقرير الطبي الشرعي دون أن يورد مضمونه، وإذ نازع المدافع عن الطاعنين في وقوع الحادث في الزمان والمكان اللذين حددهما الشاهد عرفة.... وبالكيفية التي ذكرها وساق شواهد دفاعه من خلو ذلك المكان من الدماء ومن تناقض أقوال هذا الشاهد مع ما تضمنه تقرير الصفة التشريحية بشأن مسار الأعيرة في جسد المجني عليه...... والحالة الرمية لجثث المجني عليهم وقت الكشف عليها ومما تضمنه تقرير خبير استشاري في الطب الشرعي بشأن أثر الإصابات الرضية على أحد المجني عليهم وطلب استطلاع رأي كبير الأطباء الشرعيين في تلك الأمور، رد الحكم على مناحي هذا الدفاع بما لا يصلح رداً، هذا إلى أن المدافع عن الطاعنين دلل على كذب الشاهد.... بما أثبت بأوراق المستشفى من أنه وصل إليها قبل وصول المجني عليهم بأكثر من ساعة فلم يشهد مصرعهم إلا أن الحكم رد على هذا الدفاع بما لا يسوغ إطراحه. وفي هذا كله ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بارتكابها وساق على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم بعد أن أورد دفاع الطاعنين ورد عليه واستبعد قيام نية القتل لديهم راح ينفي ظرف سبق الإصرار بقوله "كما أن ظرف سبق الإصرار - ومناطه ارتكاب الجاني الجريمة وهو هادئ البال بعد إعمال فكر وروية - غير متوافر في هذه الدعوى ذلك أن المتهم..... حسبما هو ثابت بالأوراق توعد المجني عليهم بإحضار ذويه لضربهم وأسرع إلى بلدته وعاد غاضباً ومتنرفزاً على حد قول الشاهد.... بالتحقيقات ومعه باقي المتهمين وهو ما لا يتوافر به التفكير الهادئ والروية عند الإقدام على ارتكاب الحادث ومن ثم ينحسر عن الواقعة ظرف سبق الإصرار" ثم استطرد الحكم إلى قوله "أنه بعد أن قام المجني عليهم بصفع المتهم.... على وجهه ثارت ثائرته واستشاط غيظاً وحنقاً عليهم وأسرع إلى بلدته يستنفر قومه وما أن أبلغ أقرباءه المتهمين.... و.... و..... و..... بواقعة التعدي عليه من قبل المجني عليهم حتى ثاروا هم بدورهم واتفقوا فيما بينهم على ضرب المجني عليهم وجاءوا في معية وزمان واحد يستقلون سيارة وقد حملوا العصي الشوم والسلاح الناريين واندفعوا صوب المجني عليهم وانهال ثلاثة منهم عليهم بالضرب بالعصي وقام المتهمان..... و..... بإطلاق الأعيرة النارية عليهم فمن ثم تتوافر في حقهم جميعاً أركان جناية الضرب المفضي إلى الموت المؤثمة بالمادة 236/ 1 عقوبات ويكونون جميعاً مسئولين عنها باعتبارهم فاعلين أصليين طالما أنهم باشروا فعل الضرب تنفيذاً للغرض الإجرامي الذي اتفقوا فيما بينهم على مقارفته" وكان من المقرر أن الاتفاق هو اتحاد نية أطرافه على ارتكاب الفعل المتفق عليه، وهذه النية أمر داخلي لا يقع تحت الحواس ولا يظهر بعلامات خارجية فمن حق القاضي أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه، وكان لا تعارض بين ما قاله الحكم حتى نفى قيام ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين - وهو تدبر ارتكاب الجريمة والتفكير فيها تفكيراً هادئاً لا يخالطه اضطراب مشاعر ولا انفعال نفس - وبين ثبوت اتفاقهم - لا مجرد التوافق بينهم - على الاعتداء على المجني عليهم وظهورهم سوياً على مسرح الجريمة وقت ارتكابها وإسهامهم في الاعتداء على المجني عليهم على النحو الذي ساقه الحكم فيما تقدم، ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إذ هي آخذت الطاعنين عن النتيجة التي لحقت بالمجني عليهم تنفيذاً لهذا الاتفاق دون تفرقة بين ما أحدث الإصابات التي أدت إلى وفاتهم وبين من أحدث غيرها من الإصابات، وبالتالي فقد انحسرت عن الحكم دعوى الخطأ في تطبيق القانون. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل أقوال الشاهد خالد.... بما يتفق وما تضمنه أسباب الطعن منها فإن النعي عليه بدعوى الخطأ في الإسناد تكون غير مقبولة، ولا يغير من الأمر أن الطاعنين أرادوا لتلك الأقوال غير المعنى الذي استخلصه الحكم منها ذلك بأنه من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تحصل أقوال الشاهد وأن تفهم سياقها وتستشف مراميها ما دامت فيما تحصله لا تحرف الشهادة عن موضعها كما هو الحال في الدعوى المطروحة، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه - على خلاف ما يدعي الطاعنون - قد نقل عن التقرير الطبي الشرعي - صلباً ونتيجة - ما يكفي لحمل قضائه والرد على دفاع الطاعنين، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والمفاضلة بينهم والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه في ذلك سائر الأدلة، فلها مطلق الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، ولما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى ما تضمنه التقرير الطبي الشرعي وأطرحت - في حدود سلطتها التقديرية - التقرير الطبي الاستشاري، وهي غير ملزمة من بعد بإجابة الدفاع إلى طلب استطلاع رأي كبير الأطباء الشرعيين ما دام أن الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هي من جانبها حاجة إلى اتخاذ هذا الإجراء. ولما كان ذلك، فإن النعي على الحكم في خصوص استناده إلى التقرير الطبي الشرعي في الرد على ما أثاره الطاعنون من منازعة في زمان الحادث وفي سبب وفاة المجني عليهم لا يكون سديداً. ولما كان البين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعنين نازع في وقوع الحادث بالمكان الذي حدده الشاهد عرفة..... والذي عثر فيه على خمس طلقات بدعوى أنه خلا من الدماء، وكان الحكم المطعون فيه قد استند في رده على هذا الدفاع إلى ما قرره الشاهد خالد.... التي لم ينازع الطاعنون في سلامتها، من أنه عاون في نقل المجني عليهم من ذلك المكان إلى المستشفى عقب إصابتهم مباشرة، وكان مؤدى ذلك أن أجساد المجني عليهم لم تستقر في المكان المذكور، فإن المنازعة في وقوع الحادث في المكان الذي حدده الشهود يكون - في صورة الدعوى - من قبيل الدفاع الموضوعي الذي يرمي إلى التشكيك في أدلة الإثبات والذي يكفي في الرد عليه قضاء المحكمة بالإدانة استناداً إلى ما اطمأنت إليه من تلك الأدلة. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان لا تعارض بين ما أثاره الطاعنون من أن الشاهد عرفة..... قرر أنهم أطلقوا النار على المجني عليهم من المواجهة وبين ما نقله عن التقرير الطبي الشرعي من أن إصابات المجني عليه..... بالرأس والصدر من أسفل إلى أعلى، هذا فضلاً عن أن جسم الإنسان متحرك ولا يتخذ وضعاً ثابتاً وقت الاعتداء، وتقدير ذلك لا يحتاج إلى خبرة خاصة، فإن ما ينعاه الطاعنون من تناقض الدليلين القولي والفني يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكانت أوراق المستشفى التي أشار إليها المدافع عن الطاعنين لا تخرج عن كونها دليلاً من أدلة الدعوى تخضع لتقدير المحكمة شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة، وكان البين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تر في تلك الأوراق دليلاً على ساعة وصول كل من الشاهد والمجني عليهم إلى المستشفى للأسباب السائغة التي أوردتها وفي حدود سلطتها التقديرية، فإن الجدل في شأنها يرد في حقيقته على مسألة موضوعية لا شأن لمحكمة النقض بها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً مع إلزام الطاعنين المصاريف المدنية.