أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 48 - صـ 1054

جلسة 8 من أكتوبر سنة 1997

برئاسة السيد المستشار/ محمد أحمد حسن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد اللطيف علي أبو النيل ويحيى محمود خليفة ومحمد علي رجب نواب رئيس المحكمة وإبراهيم العربي عبد المنعم.

(157)
الطعن رقم 13855 لسنة 65 القضائية

(1) جريمة "الجريمة المستحيلة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
متى تعد الجريمة مستحيلة؟
التفات الحكم عن الدفاع القانوني ظاهر البطلان. لا يعيبه.
مثال:
(2) تزوير. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
التزوير المعاقب عليه. لا يلزم أن يكون متقناً. وضوحه أو إتقانه يستويان. حد ذلك.
(3) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حسب الحكم إيراد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على مقارفة المتهم للجريمة. تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه. غير لازم.
(4) إثبات "خبرة. محكمة الموضوع" "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات. موضوعي عدم التزام المحكمة بالرد على الطعون الموجهة لتقارير الخبراء. ما دامت أخذت بها. علة ذلك.
(5) إثبات "بوجه عام" "خبرة. محكمة الموضوع" "سلطتها في تقدير الدليل". بطلان. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم ترتب البطلان على مخالفة النصوص المنظمة للمضاهاة. منازعة الطاعن فيما انتهى إليه تقرير المعمل الجنائي الذي اطمأنت إليه المحكمة جدل موضوعي. عدم التزامها بالرد عليه.
(6) إثبات "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب. نقض "أسباب الطعن ما لا يقبل منها".
كفاية إيراد الحكم مضمون تقرير الخبير الذي عول عليه. إيراد نص التقرير. غير لازم.
(7) إثبات "شهود" محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود وتقديرها موضوعي.
مفاد أخذ المحكمة بشهادة شاهد.
الجدل الموضوعي في تقدير الأدلة. غير جائز أمام النقض.
(8) إثبات "بوجه عام". استدلالات. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير جدية التحريات". نقض "أسباب الطعن ما لا يقبل منها".
للمحكمة التعويل على تحريات الشرطة باعتبارها مفرزة لما ساقته من أدلة. الخطأ في بيان مهنة المتهم. غير قاطع بذاته في عدم جدية التحري.
(9) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير الأدلة لكل متهم من اختصاص محكمة الموضوع. لها الاطمئنان إليها بالنسبة لمتهم دون آخر.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى. غير جائز أمام النقض.
(10) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الخطأ في الإسناد الذي لا يؤثر في منطق الحكم. لا يعيبه.
مثال.
1 - من المقرر أن الجريمة لا تعد مستحيلة إلا إذا لم يكن في الإمكان تحقيقها مطلقاً، كأن تكون الوسيلة التي استخدمت في ارتكابها غير صالحة البتة للغرض الذي يقصده الفاعل، أما إذا كانت الوسيلة صالحة بطبيعتها ولكن الجريمة لم تتحقق بسبب ظروف خارجة عن إرادة الجاني فإنه لا يصح القول بالاستحالة، ولما كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن - بما لا يمارى في أن له أصله في الأوراق - أنه كلف المتهم الذي قضى ببراءته بدفع الأرضية وسداد حافظة بالخزينة بمبلغ جنيه واحد ومائتي مليم، وطلب منه إحضار تأشيرة صرف ثم سلمه إذن الإفراج وفاتورة الأرضية وإذن التسليم، وإذ توجه المتهم المذكور إلى باب المصرف بمجمع البضائع للإفراج عن مشمول الرسالة الجمركية، اكتشف مأمور الجمرك المختص تزوير التوقيعات على إذن الإفراج وقسيمة سداد الضرائب الجمركية، فعاد إلى الطاعن وأبلغه بما حدث، فإن الوسيلة تكون صالحة بطبيعتها لتحقق الغرض الذي قصده الطاعن، الأمر الذي يغدو معه دفاعه باستحالة الجريمة دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان لا يعيب الحكم التفاته عن الرد عليه.
2 - من المقرر أنه لا يلزم في التزوير المعاقب عليه أن يكون متقناً بحيث يلزم لكشفه دراية خاصة بل يستوي أن يكون واضحاً لا يستلزم جهداً في كشفه أو متقناً يتعذر على الغير أن يكشفه ما دام أن تغيير الحقيقة في الحالتين يجوز أن ينخدع به بعض الناس.
3 - حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من مقارفة المتهم للجريمة المسندة إليه ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها.
4 - الأصل أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة لتقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء فيها، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه.
5 - من المقرر أن المضاهاة لم تنظم في قانون الإجراءات الجنائية أو في قانون المرافعات المدنية بنصوص آمره يترتب البطلان على مخالفتها إذ العبرة في المسائل الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بأن إجراء من الإجراءات يصح أو لا يصح أن يتخذ أساساً لكشف الحقيقة، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى ما انتهى إليه تقرير شعبة فحص التزوير والتزييف بالمعمل الجنائي من أن الطاعن حرر بخط يده بيانات إذن الإفراج المضبوط والتوقيع المنسوب للشاهدة الثالثة عليه فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل المستمد من ذلك التقرير لا تلتزم المحكمة بمتابعة فيه والرد عليه.
6 - إذ كان البين من الحكم أنه أورد مضمون تقرير الخبير الذي عول عليه، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكل فحواه وأجزائه، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المنحى.
7 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها، وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تكوين عقيدتها مما ترتاح إليه من أقوال الشهود ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، فإن ما يثيره الطاعن بشأن تعويل الحكم على أقوال شهود الإثبات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى وهو ما لا تقبل إثارته لدى محكمة النقض.
8 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث، وكان مجرد الخطأ في بيان مهنة المتهم لا يقطع بذاته في عدم جدية التحري، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد.
9 - من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى الأدلة ذاتها بالنسبة لمتهم آخر، وكانت المحكمة قد خلصت في حدود سلطتها إلى تبرئة المتهم الثاني لانتفاء الدليل الذي يقيم اقتناعها لإدانته، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا تجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض.
10 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد الذي لا يؤثر في منطقه، فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره من خطأ الحكم فيما نقله عن الشاهد الأول في مقام تبريره لقضائه ببراءة المتهم الثاني لأنه - بفرض صحته - لم يكن له أثر في منطقه ولا في النتيجة التي انتهى إليها في إدانة الطاعن، كما أن ما أورده الحكم في مدوناته من أن الطاعن سبق الحكم عليه، إنما ورد في صدد بيانه الاتهام المنسوب إلى المتهم الثاني الذي قضى ببراءته وبعد أن خلص إلى إدانة الطاعن، ومن ثم يكون منعاه بخطأ الحكم في هذا الخصوص في غير محله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة بدائرة..... محافظة..... الطاعن الأول والثاني، أولاً: بصفتهم موظفين عموميين" الأول مأمور جمرك بـ..... والثاني مراجع بالجهة ذاتها شرعا في تسهيل استيلاء الثالث بغير حق على مشمول الرسالة الجمركية المبينة وصفاً باستمارات الجرد أرقام... و..... و..... المملوكة لـ..... وذلك بأن قدم الثاني إلى المختص بجمرك القطاع الخاص إذن إفراج وقسيمة سداد رسوم جمركية مزورين عن مشمول الرسالة سالفة الذكر سلمهما الأول وقد أوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتيهما فيه هو اكتشاف تزوير مستندي الإفراج عن الرسالة وقد ارتبطت هذه الجريمة بجريمتي تزوير في محررين رسميين واستعمالهما مع العلم بتزويرهما ارتباطاً لا يقبل التجزئة هما أنهما في الزمان والمكان سالفي الذكر وبصفتهما آنفتي البيان ارتكبا تزويراً في محررين رسميين هما إذن الإفراج الجمركي وقسيمة سداد الرسوم الجمركية سالفتي البيان بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة وتقليد التوقيعات وتغيير البيانات بأن حرر الأول بيانات إذن الإفراج الجمركي عن مشمول تلك الرسالة ومهره بتوقيعات نسبها زوراً للمختصين بالتوقيع عليه وعدل الثاني بالزيادة في بيانات قسيمة سداد الرسوم الجمركية لتصبح 103.500 جنيه بدلاً من 1.200 جنيه واستعمل هذين المحررين المزورين بأن قدمهما للمختصين بجمرك القطاع الخاص للإفراج عن مشمول الرسالة مع علمه بتزويرهما. ثانياً: بصفتهما سالفة الذكر شرعا في الإضرار عمداً بأموال جهة عملهما وذلك بأن زورا المحررين سالفي الذكر واستعملا هما مع العلم بتزويرهما قاصدين من ذلك إضاعة قيمة الرسوم الجمركية المستحقة على الرسالة آنفة البيان ومقدارها تسعة آلاف وثلاثمائة وعشرين جنيهاً وستمائة وخمسون مليماً وقد أوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتيهما فيه هو اكتشاف تزوير مستندي الإفراج عن الرسالة. وإحالتهم إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة والمحكمة المذكورة قضت حضورياً للأول والثاني وغيابياً للثالث في 20 من نوفمبر سنة 1994 عملاً بالمواد 45، 46، 113/ 2، 4، 116 مكرراً/ 1، 118، 118 مكرراً، 119/ أ، 119 مكرراً/ أ من قانون العقوبات مع أعمال المادة 32/ 2 من القانون ذاته بمعاقبة كل من الأول والثالث بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وعزل الأول من وظيفته وببراءة الثاني مما أسند إليه.
فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الشروع في تسهيل الاستيلاء على مال خاص تحت يد جهة عمله المرتبطة بتزوير محررين رسميين واستعمالهما مع علمه بتزويرهما والشروع في الإضرار عمداً بأموال تلك الجهة، قد شابه الإخلال بحق الدفاع والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في الإسناد، ذلك بأن لم يعرض لدفاعه باستحالة وقوع الجريمة وبأن التزوير مفضوح، وببطلان محضر الضبط الجمركي، وإجراءات المضاهاة وأوجه اعتراضه على تقرير الخبير الذي عول عليه دون أن يورد الأسانيد التي أقيم عليها، كما لم يمحص واقعة الدعوى ويورد الأدلة الكافية على ثبوتها في حق الطاعن، واستند إلى أقوال شهود الإثبات التي خلت مما يفيد أنه الذي ارتكب الواقعة، وإلى تحريات الشرطة التي أخطأت في تحديد عمله، دون أن يفطن إلى ما تضمنته من اشتراك المتهم الثاني في الواقعة، وقضى ببراءته تأسيساً على طلب الشاهد الأول منه الرجوع إلى الطاعن لشكه في تزوير الأوراق وهو ما لم يقل به الشاهد المذكور، وأثبت على خلاف الواقع سبق الحكم على الطاعن، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وتقرير شعبة فحص التزييف والتزوير وتحريات الشرطة، وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك وكان من المقرر أن الجريمة لا تعد مستحيلة إلا إذا لم يكن في الإمكان تحققها مطلقاً، كأن تكون الوسيلة التي استخدمت في ارتكابها غير صالحة البتة للغرض الذي يقصده الفاعل، أما إذا كانت الوسيلة صالحة بطبيعتها ولكن الجريمة لم تتحقق بسبب ظروف خارجة عن إرادة الجاني، فإنه لا يصح القول بالاستحالة، ولما كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن بما لا يماري في أن له أصله في الأوراق - أنه كلف المتهم الذي قضى ببراءته بدفع الأرضية وسداد حافظة بالخزينة بمبلغ جنيه واحد ومائتي مليم. وطلب منه إحضار تأشيرة صرف ثم سلمه إذن الإفراج وفاتورة الأرضية وإذن التسليم، وإذ توجه المتهم المذكور إلى باب المصرف بمجمع البضائع للإفراج عن مشمول الرسالة الجمركية اكتشف مأمور الجمرك المختص تزوير التوقيعات على إذن الإفراج وقسيمة سداد الضرائب الجمركية. فعاد إلى الطاعن أبلغه بما حدث، فإن الوسيلة تكون صالحة بطبيعتها لتحقق الغرض الذي قصده الطاعن، الأمر الذي يغدو معه دفاعه باستحالة الجريمة دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان لا يعيب الحكم التفاته عن الرد عليه. لما كان ذلك وكان من المقرر أنه لا يلزم في التزوير المعاقب عليه أن يكون متقناً بحيث يلزم لكشفه دراية خاصة بل يستوي أن يكون واضحاً لا يستلزم جهداً في كشفه أو متقناً يتعذر على الغير أن يكشفه ما دام أن تغيير الحقيقة في الحالتين يجوز أن ينخدع به بعض الناس. وكان الحكم المطعون فيه قد أطرح دفاع الطاعن بأن التزوير مفضوح للأسباب السائغة التي أوردها. فلا محل للنعي عليه في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان حسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من مقارفة المتهم للجريمة المسندة إليه ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها، فإن منعى الطاعن على الحكم بدعوى التفاته عما أثاره من بطلان محضر الضبط الجمركي لا يكون سديداً لما كان ذلك وكان الأصل أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة لتقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء فيها، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه، كما أن المضاهاة لم تنظم في قانون الإجراءات الجنائية أو في قانون المرافعات المدنية بنصوص آمره يترتب البطلان على مخالفتها إذ العبرة في المسائل الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بأن إجراء من الإجراءات يصح أو لا يصح أن يتخذ أساساً لكشف الحقيقة، وكانت المحكمة قد أفصحت عن اطمئنانها إلى ما انتهى إليه تقرير شعبة فحص التزوير والتزييف بالمعمل الجنائي من أن الطاعن حرر بخط يده بيانات إذن الإفراج المضبوط والتوقيع المنسوب للشاهدة الثالثة عليه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو في حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل المستمد من ذلك التقرير لا تلتزم المحكمة بمتابعته فيه والرد عليه. لما كان ذلك وكان البين من الحكم أنه أورد مضمون تقرير الخبير الذي عول عليه، فإن هذا حسبه كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه ذلك بأنه لا ينال من سلامة الحكم عدم إيراده نص تقرير الخبير بكل فحواه وأجزائه، ومن ثم تنتفي عن الحكم دعوى القصور في هذا المنحى. لما كان ذلك وكانت مدونات الحكم تنبئ عن أن المحكمة ألمت بواقعة الدعوى وجاء استعراضها لأدلتها على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يدل على أنها قامت بما ينبغي عليه من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، فإن منعى الطاعن على الحكم في هذا الخصوص يكون ولا محل له. لما كان ذلك وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من الشبهات كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها، وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تكوين عقيدتها مما ترتاح إليه من أقوال الشهود ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، فإن ما يثيره الطاعن بشأن تعويل الحكم على أقوال شهود الإثبات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير الأدلة القائمة في الدعوى وهو ما لا تقبل إثارته لدى محكمة النقض. لما كان ذلك وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث، وكان مجرد الخطأ في بيان مهنة المتهم لا يقطع بذاته في عدم جدية التحري، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان من المقرر أن تقدير الأدلة بالنسبة إلى كل متهم هو من اختصاص محكمة الموضوع وحدها وهي حرة في تكوين عقيدتها حسب تقديرها واطمئنانها إليها بالنسبة إلى متهم وعدم اطمئنانها إلى الأدلة ذاتها بالنسبة لمتهم آخر، وكانت المحكمة قد خلصت في حدود سلطتها إلى تبرئة المتهم الثاني لانتفاء الدليل الذي يقيم اقتناعها لإدانته، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا تجوز إثارته أو الخوض فيه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم الخطأ في الإسناد الذي لا يؤثر في منطقه، فإنه لا يجدي الطاعن ما يثيره من خطأ الحكم فيما نقله عن الشاهد الأول في مقام تبريره لقضائه ببراءة المتهم الثاني لأنه - بفرض صحته - لم يكن له أثر في منطقه ولا في النتيجة التي انتهى إليها في إدانة الطاعن، كما أن ما أورده الحكم في مدوناته من أن الطاعن سبق الحكم عليه، إنما ورد في صدد بيانه الاتهام المنسوب إلى المتهم الثاني الذي قضى ببراءته وبعد أن خلص إلى إدانة الطاعن، ومن ثم يكون منعاه بخطأ الحكم في هذا الخصوص في غير محله. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.