أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 48 - صـ 1142

جلسة 21 من أكتوبر سنة 1997

برئاسة السيد المستشار/ الصاوي يوسف نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ جابر عبد التواب وأمين عبد العليم نائبي رئيس المحكمة، وفرحان بطران وعبد التواب أبو طالب.

(172)
الطعن رقم 16231 لسنة 65 القضائية

(1) إثبات "اعتراف". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محضر الجلسة.
عدم إدعاء الطاعنين أن اعترافهما بمحضر الجلسة جاء على خلاف ما تضمنته مدونات الحكم النعي عليه بالقصور في هذا الشأن. غير مقبول.
(2) دفوع "الدفع ببطلان إذن التفتيش". استدلالات. دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
لا تثريب على المحكمة التفاتها عن الرد على الدفع بعدم جدية التحريات. ما دام الطاعن لم يبين أساس هذا الدفع ومقصده ومرماه منه.
الدفع ببطلان إذن التفتيش. وجوب إبدائه في عبارة صريحة.
(3) إثبات "اعتراف". إكراه. دفوع "الدفع ببطلان الاعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الإثبات. موضوعي.
تقدير محكمة الموضوع صحة ادعاء الطاعن بأن اعترافه كان وليد إكراه. لا معقب عليها. ما دامت تقيمه على أسباب سائغة.
مثال لتسبيب سائغ لإطراح الدفع ببطلان الاعتراف لكونه وليد الإكراه.
(4) قتل عمد. قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفي. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر التي تنبئ عنه. استخلاص توافره. موضوعي.
مثال لتسبيب سائغ في استظهار قصد القتل في جريمة قتل عمد.
(5) ظروف مشددة. سبق إصرار. قتل عمد.
سبق الإصرار. حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني. يستخلصها القاضي من وقائع وظروف خارجية.
مثال لتسبيب سائغ في استظهار ظرف سبق الإصرار في جريمة قتل عمد.
(6) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
المنازعة في تاريخ الحادث ومكانه وفي تصوير المحكمة للواقعة. جدل موضوعي. غير جائز أمام النقض.
مثال لتسبيب سائغ في الرد على منازعة الطاعن في تاريخ ومكان الحادث.
(7) دفوع "الدفع بنفي التهمة". إثبات "بوجه عام".
نفي التهمة. دفاع موضوعي. استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
(8) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إجراءات "إجراءات المحاكمة". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. غير مقبول.
(9) حريق عمد. قصد جنائي.
وضع الجاني النار عمداً في المكان المسكون أو المعد للسكنى أو في أحد ملحقاته المتصلة به. يحقق القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد المنصوص عليها في المادة 252 عقوبات.
(10) قتل عمد. ظروف مشددة. اقتران. عقوبة "تطبيقها". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير قيام الاقتران".
ثبوت استقلال الجريمة المقترنة عن جريمة القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما. كاف لتطبيق عقوبة المادة 234/ 2 عقوبات.
المصاحبة الزمنية. مقتضاها. ارتكاب الجنايتين في وقت واحد أو في فترة قصيرة من الزمن. تقدير تحققها. موضوعي.
1 - لما كان الحكم قد أشار إلى اعتراف الطاعنين بمحضر الجلسة التي نظر فيها تجديد أمر حبسهما وعول عليه ضمن أدلة الثبوت في الدعوى ولم يدع الطاعنان أن اعترافهما بمحضر تلك الجلسة كان مفصلاً أو جاء على خلاف ما تضمنته مدونات الحكم فإن ما ورد بشأنه يعتبر كافياً ويحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة، ويكون منعى الطاعنين في هذا الشأن غير سديد.
2 - لما كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن الثاني وإن دفع بعدم جدية التحريات إلا أنه لم يبين أساس دفعه ومقصده ومرماه منه، بل أطلقه في عبارة مرسلة لا تحمل على الدفع الصريح ببطلان إذن التفتيش، الذي يجب إبداؤه في عبارة صريحة تشتمل على بيان المراد منه، ومن ثم فلا على المحكمة إن هي التفتت عن الرد عليه.
3 - لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعنين ببطلان اعترافهما لصدوره وليد إكراه وأطرحه في قوله: "..... وليس في أوراق الدعوى ما يشير من قريب أو بعيد إلى وقوع إكراه عليهما أثناء إدلائهما باعترافهما أمام النيابة العامة ولا عند قيامهما بتمثيل كيفية ومراحل ارتكابهما الحادث في المعاينة التصويرية التي أجرتها النيابة العامة، ولا أثناء سماع أقوالهما أمام قاضي المعارضات بجلسة....، وترى المحكمة أن الاعتراف الصادر من المتهمين في تحقيقات النيابة العامة والذي أصرا عليه بجلسة سماع أقوالهما يوم..... هو اعتراف سليم صدر منهما عن طواعية واختيار بصريح عباراته في هذا الخصوص، وليس في الأوراق دليل يطمأن إليه يدل على أنهما تعرضا لأي نوع من أنواع الإكراه المادي كما يدعيان، كما وأن مجرد الخشية والخوف من رجال الشرطة لا يعد قرينة الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكماً، كما ترى المحكمة فيما ادعاه المتهمان وسايرهما عليه الدفاع معهما من تعرضهما لإكراه مادي وأدبي - كان بمرسل القول عارياً من دليل مقنع يطمأن إليه مما يرسخ عقيدة المحكمة إلى أن الاعترافات التفصيلية التي صدرت من المتهمين في تحقيقات النيابة وإصرارهما عليها في المعاينة التصويرية وبجلسة سماع الأقوال.... إنما جاءت متفقة مع حقيقة الواقع، وعلى ذلك فلا تعول المحكمة على إنكارهما بعد ذلك بجلسة المحاكمة ولا تقيم وزناً لادعائهما بأنهما رغباً في إبعاد شقيقتهما - زوج المجني عليها عن دائرة الاتهام أمام الشرطة أو بحدوث تهديد وضرب عليهما، ومن ثم ترى المحكمة أن اعترافهما إنما جاء منهما طواعية واختياراً غير مشوب بشائبة ما. وهو رد سائغ وكاف في مجموعه في إطراح هذا الدفع، لما هو مقرر من أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، ومتى تحققت أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بلا معقب عليها ما دامت تقيم ذلك على أسباب سائغة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن منعى الطاعنين في هذا الخصوص يكون في غير محله.
4 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخفية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل في قوله: "وحيث إنه عن قصد القتل فهو أمر قد دلت على توافره لدى المتهمين الملابسات والظروف التي أحاطت بالواقعة والأعمال المحسوسة التي صدرت عنهما، فالصلة بين المتهمين بوصفهما شقيقين يقيمان معاً في منزل واحد جمعت بينهما في المكان والزمان والتقاء إراداتهما لمقارفة الجريمة عن باعث واحد هو مجرد الشك في مسلك المجني عليها زوجة شقيقهما والتمثيل بجثتها بإشعال النار فيها داخل مسكنها واتجاه المتهمين وجهة واحدة في تنفيذ الجريمة وإعدادهما أدوات ارتكابها وتحينهما الفرصة المواتية لتنفيذ جريمتهما وتحايلهما في تنفيذها بجعلها تبدو من قبيل القضاء والقدر وانفرادهما بالمجني عليها والتي لا حول لها ولا قوة بمفردها بمسكنها بعيداً عن أعين ومرمى وسمع الناس واعتدائهما عليها بطريقة وحشية سجلها التقرير الطبي الشرعي وتقرير الحرائق بوجود إصابات كسر شرخي بالرأس، مستهدفين مقتلاً منها نتيجة ارتطام الرأس بشدة بأرضية صلبة بعد أن قاما بكتم أنفاسها ومحاولة خنقها ولم يتركا فريستهما إلا بعد أن صارت جثة هامدة والتأكد من أنها أسلمت الروح بتحسس نبض قلبها وتردد أنفاسها، ولم يكتفيا بقتلها بل أشعلا النار في جثتها، كل ذلك يكشف بيقين عن أن اعتداءهما على المجني عليها إنما كان بقصد قتلها وإزهاق روحها وقد كان لهما ما ابتغيا". وإذ كان هذا الذي استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها هو استخلاص سائغ وكاف في التدليل على ثبوت توافر نية القتل لدى الطاعنين.
5 - لما كان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة، وإنما تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استظهر توافر ظرف سبق الإصرار بقوله: "وحيث إنه عن ظرف سبق إصرار فهو قائم في حق المتهمين من إعدادهما خطة للانفراد بالمجني عليها بمسكنها وتحينهما هذه الفرصة منذ أن انتويا قتلها منذ شهر سابق على الجريمة وذلك بطريقة تبدو أن وفاتها من قبيل القضاء والقدر، وبعد إعمال الفكر في هدوء نفس وروية وذلك خلال الفترة الزمنية التي استغرقها المتهمان حتى تنفيذ ما أقدما عليه الذي استغرق وقتاً كافياً منذ أن عرضا أمر الشك في مسلكها على زوجها ثم على شقيقهما الأكبر ولم يجدا حلاً، وتحينهما الفرصة للانفراد بالمجني عليها بمسكنها بعد إعداد أدوات الجريمة ومنها المفتاح الذي اصطنعه المتهم الأول لفتح بوابة منزل المجني عليها والرباط الضاغط وأوراق الصحف التي استخدمت في حرقها بعد قتلها وانقضاضهما بغتة على المجني عليها بصالة مسكنها وبوحشية خنقاً وضربا رأسها بشدة عدة ضربات بأرضية الصالة التي صبت بالخرسانة المسلحة حتى قضيا عليها بإحداث كسر شرخي في رأسها ثم التمثيل بجثتها حرقاً بعد وفاتها ومتى تحقق ظرف سبق الإصرار على هدي ما سبق فإنه يرتب بين المتهمين تضامناً في المسئولية الجنائية....". وما ساقه الحكم مما سلف سائغ ويتحقق به توافر ظرف سبق الإصرار حسبما هو معرف به في القانون.
6 - لما كانت المحكمة قد عرضت لما أثاره الطاعنان من منازعة في تاريخ الحادث ومكانه وأطرحته في قولها: "إن التقرير الطبي الشرعي أثبت أن التشريح كان في يوم... الساعة الحادية عشرة صباحاً وانتهى إلى أنه كان قد مضى على وفاة المجني عليها لحين الصفة التشريحية مدة تقدر بحوالي يوم وهي مدة تقديرية تعتمد على التغييرات الرمية المشاهدة بالجثة التي وجدت في دور زوال التيبس الرمي ولا يمكن تمييز الرسوب الدموي لانتشار الحروق النارية بالجثة. ولما كان ذلك ما تقدم جميعه يتفق مع ما اعترف به المتهمان من تحديدهما لوقت الجريمة ما بين الساعة السابعة والسابعة وخمس وأربعين دقيقة من صباح يوم..... ويكون الجدل في وقت الوفاة في غير محله". وأضاف الحكم في رده على منازعة الطاعنين بشأن مكان الحادث - قوله: "إنه مردود عليه بما شهد به الدكتور.... الطبيب الشرعي الذي تطمئن إليه المحكمة لأنه أجرى التشريح لجثة المجني عليها، بأن حالة المجني عليها الإصابية وهي ذات طبيعة رضية لا يستلزم بالضرورة وجود جروح نازفة ينشأ عنها دماء تلوث الأرضية ومن ثم أضحى قول الدفاع في هذا الصدد لا سند له. وإذ كان ما أورده الحكم - رداً على دفاع الطاعنين سالف البيان - سائغاً في العقل والمنطق ومقبولاً في كيفية وقوع الحادث، ولا تثريب على المحكمة فيما اقتنعت به من إمكان حصوله على الصورة التي اعترف بها الطاعنان والتي تأيدت بالتقرير الفني وأقوال الطبيب الشرعي. فإن ما يثيره الطاعنان من منازعة في تاريخ الحادث ومكانه وفي صورة الواقعة ينحل إلى جدل موضوعي مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض.
7 - لما كان الدفع بعدم ارتكاب الجريمة وأن مرتكبها شخص آخر مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
8 - لما كان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين طلبا استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته، فليس لهما من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي جانبها لزوماً لإجرائه بما تنحسر معه عن الحكم في هذا الشأن قالة الإخلال بحق الدفاع. ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد.
9 - من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد المنصوص عليها في المادة 252 عقوبات والتي دين الطاعنان بها - وعول الحكم على ثبوتها في توافر ظرف الاقتران - يتحقق بمجرد تعمد وضع الجاني النار عمداً في المكان المسكون أو المعد للسكن أو في أحد ملحقاته المتصلة به، فمتى ثبت للقاضي أن الجاني تعمد وضع النار على هذا الوجه وجب تطبيق تلك المادة.
10 - من المقرر أنه يكفي لتغليظ العقاب عملاً بالفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل العمد وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون الجنايتان قد ارتكبتا في وقت واحد أو في فترة قصيرة من الزمن، وتقدير ذلك مما يستقل به قاضي الموضوع. وإذ كان ما أورده الحكم في مدوناته يتحقق به توافر القصد الجنائي في جناية الحريق العمد، كما يتوفر به ظرف الاقتران كما هو معرف به في القانون. فإن هذا حسبه، ويضحى منعى الطاعنين في هذا الخصوص غير سديد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: قتلا..... عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتا النية وعقدا العزم على قتلها وأعدا لذلك أدوات وسلاحاً أبيض "مطواة قرن غزال" توجها لمسكنها الذي أيقنا سلفاً وجودها به وما أن ظفرا بها حتى قاما بتطويق عنقها بغطاء رأسها وقام المتهم الثاني بكتم أنفاسها بيده وأمسك برأسها ودفعها أرضاً عدة مرات قاصدين من ذلك قتلها فأحدث إصابتها الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنه في ذات الزمان والمكان سالفي الذكر وضعا النار عمداً بمسكن المجني عليه.... على النحو المبين بالتحقيقات. المتهم الثاني: أحرز بغير ترخيص سلاحاً أبيض مطواة قرن غزال" وأحالتهما إلى محكمة جنايات طنطا لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى المجني عليه مدنياً قبل المتهمين بإلزامهما بأن يؤديا له مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 234/ 2 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1، 25 مكرراً/ 1، 30/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والبند 10 من الجدول رقم (1) المرفق مع إعمال المادتين 17، 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة المؤبدة عما أسند إليهما وبمصادرة الأدوات المضبوطة وبإلزامهما بأن يؤديا للمدعي بالحق المدني مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار المقترنة بجناية الحريق العمد، كما دان ثانيهما بجريمة إحراز سلاح أبيض بغير ترخيص قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه عول في قضائه - ضمن ما عول عليه - على اعتراف الطاعنين بالتهمة المسندة إليهما بجلسة... التي نظر فيها تجديد حبسهما - دون أن يورد مضمون ذلك الاعتراف، ودفع الطاعنان بعدم جدية التحريات التي بني عليها أمر ضبطهما، بيد أن الحكم أغفل هذا الدفع إيراداً ورداً وأطرح دفعهما ببطلان اعترافهما لكونه وليد إكراه بما لا يسوغ إطراحه واستظهر نية القتل وظرف سبق الإصرار بما لا يسوغ توافرهما، ونازع الطاعنان في كيفية وقوع الحادث ومكانه وزمانه، ودفعا بأن مرتكبه شخص آخر، فأطرح الحكم هذا الدفاع بما لا يسوغ إطراحه ودون أن تجري محكمة تحقيقاً في هذا الشأن، وتستعين بخبير وصولاً إلى وجه الحق فيه وأعملت المحكمة المادة 17 من قانون العقوبات دون أن تسبغ الوصف الصحيح على الواقعة باستبعاد ظرف سبق الإصرار، هذا إلى أن القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد غير متوافر مما ينفي ركن الاقتران في حق الطاعنين، وهذا كله يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها فضلاً عن جريمة إحراز سلاح أبيض التي دان بها ثانيهما وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أشار إلى اعتراف الطاعنين بمحضر الجلسة التي نظر فيها تجديد أمر حبسهما وعول عليه ضمن أدلة الثبوت في الدعوى ولم يدع الطاعنان أن اعترافهما بمحضر تلك الجلسة كلاً مفصلاً أو جاء على خلاف ما تضمنته مدونات الحكم فإن ما ورد بشأنه يعتبر كافياً ويحقق مراد الشارع الذي استوجبه في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية من بيان مؤدى الأدلة التي يستند إليها الحكم الصادر بالإدانة، ويكون منعى الطاعنين في هذا الشأن غير سديد.
لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن الثاني وإن دفع بعدم جدية التحريات إلا أنه لم يبين أساس دفعه ومقصده ومرماه منه، بل أطلقه في عبارة مرسلة لا تحمل على الدفع الصريح ببطلان إذن التفتيش، الذي يجب إبداؤه في عبارة صريحة تشتمل على بيان المراد منه، ومن ثم فلا على المحكمة إن هي التفتت عن الرد عليه، ويضحى ما يثيره الطاعنان في هذا الخصوص غير سديد.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفع الطاعنين ببطلان اعترافهما لصدوره وليد إكراه وأطرحه في قوله: ".... وليس في أوراق الدعوى ما يشير من قريب أو بعيد إلى وقوع إكراه عليهما أثناء إدلائهما باعترافهما أمام النيابة العامة ولا عند قيامهما بتمثيل كيفية ومراحل ارتكابهما الحادث في المعاينة التصويرية التي أجرتها النيابة العامة، ولا أثناء سماع أقوالهما أمام قاضي المعارضات بجلسة....، وترى المحكمة أن الاعتراف الصادر من المتهمين في تحقيقات النيابة العامة والذي أصرا عليه بجلسة سماع أقوالهما يوم.... هو اعتراف سليم صدر منهما عن طواعية واختيار بصريح عباراته في هذا الخصوص، وليس في الأوراق دليل يطمأن إلى يدل على أنهما تعرضا لأي نوع من أنواع الإكراه المادي كما يدعيان، كما وأن مجرد الخشية والخوف من رجال الشرطة لا يعد قرينة الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكماً، كما ترى المحكمة فيما ادعاه المتهمان وسايرهما عليه الدفاع معهما من تعرضهما لإكراه مادي وأدبي - كان بمرسل القول عارياً عن دليل مقنع يطمأن إليه مما يرسخ عقيدة المحكمة إلى أن الاعترافات التفصيلية التي صدرت من المتهمين في تحقيقات النيابة وإصرارهما عليها في المعاينة التصويرية وبجلسة سماع الأقوال.... إنما جاءت متفقة مع حقيقة الواقع، وعلى ذلك فلا تعول المحكمة على إنكارهما بعد ذلك بجلسة المحاكمة ولا تقيم وزناً لادعائهما بأنهما رغباً في إبعاد شقيقتهما - زوج المجني عليها عن دائرة الاتهام أمام الشرطة أو بحدوث تهديد وضرب عليهما، ومن ثم ترى المحكمة أن اعترافهما إنما جاء منهما طواعية واختياراً غير مشوب بشائبة ما" وهو رد سائغ وكاف في مجموعه في إطراح هذا الدفع، لما هو مقرر من أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات، ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو قد انتزع منه بطريق الإكراه، ومتى تحققت أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بلا معقب عليها ما دامت تقيم ذلك على أسباب سائغة - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن منعى الطاعنين في هذا الخصوص يكون في غير محله.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخفية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذا القصد من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل في قوله: "وحيث إنه عن قصد القتل فهو أمر قد دلت على توافره لدى المتهمين الملابسات والظروف التي أحاطت بالواقعة والأعمال المحسوسة التي صدرت عنهما، فالصلة بين المتهمين بوصفهما شقيقين يقيمان معاً في منزل واحد جمعت بينهما في المكان والزمان والتقاء إراداتهما لمقارفة الجريمة عن باعث واحد هو مجرد الشك في مسلك المجني عليها زوجة شقيقهما والتمثيل بجثتها بإشعال النار فيها داخل مسكنها واتجاه المتهمين وجهة واحدة في تنفيذ الجريمة وإعدادهما أدوات ارتكابها وتحينهما الفرصة المواتية لتنفيذ جريمتهما وتحايلهما في تنفيذها بجعلها تبدو من قبيل القضاء والقدر وانفرادهما بالمجني عليها والتي لا حول لها ولا قوة بمفردها بمسكنها بعيداً عن أعين ومرمى وسمع الناس واعتدائهما عليها بطريقة وحشية سجلها التقرير الطبي الشرعي وتقرير الحرائق بوجود إصابات كسر شرخي بالرأس) مستهدفين مقتلاً منهما نتيجة ارتطام الرأس بشدة بأرضية صلبة بعد أن قاما بكتم أنفاسها ومحاولة خنقها ولم يتركا فريستهما إلا بعد أن صارت جثة هامدة والتأكد من أنها أسلمت الروح بتحسس نبض قلبها وتردد أنفاسها، ولم يكتفيا بقتلها بل أشعلا النار في جثتها، كل ذلك يكشف بيقين عن أن اعتداءهما على المجني عليها إنما كان بقصد قتلها وإزهاق روحها وقد كان لهما ما ابتغيا"، وإذ كان هذا الذي استخلصته المحكمة من ظروف الدعوى وملابساتها هو استخلاص سائغ وكاف في التدليل على ثبوت توافر نية القتل لدى الطاعنين، فإنه لا محل للنعي على الحكم في هذا الصدد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة، وإنما تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استظهر توافر ظرف سبق الإصرار بقوله: "وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار فهو قائم في حق المتهمين من إعدادهما خطة للانفراد بالمجني عليها بمسكنها وتحينهما هذه الفرصة منذ أن انتويا قتلها منذ شهر سابق على الجريمة وذلك بطريقة تبدو أن وفاتها من قبيل القضاء والقدر، وبعد إعمال الفكر في هدوء نفس وروية وذلك خلال الفترة الزمنية التي استغرقها المتهمان حتى تنفيذ ما أقدما عليه والذي استغرق وقتاً كافياً منذ أن عرضا أمر الشك في مسلكها على زوجها ثم على شقيقهما الأكبر ولم يجدا حلاً، وتحينهما الفرصة للانفراد بالمجني عليها بمسكنها بعد إعداد أدوات الجريمة ومنها المفتاح الذي اصطنعه المتهم الأول لفتح بوابة منزل المجني عليها والرباط الضاغط وأوراق الصحف التي استخدمت في حرقها بعد قتلها وانقضاضهما بغتة على المجني عليها بصالة مسكنها وبوحشية خنقاً وضربا رأسها بشدة عدة ضربات بأرضية الصالة التي صبت بالخرسانة المسلحة حتى قضيا عليها بإحداث كسر شرخي في رأسها ثم التمثيل بجثتها حرقاً بعد وفاتها ومتى تحقق ظرف سبق الإصرار على هدي ما سبق فإنه يرتب بين المتهمين تضامناً في المسئولية الجنائية....". وما ساقه الحكم مما سلف سائغ ويتحقق به توافر سبق الإصرار حسبما هو معرف به في القانون، ومن ثم فإن نعي الطاعنين في هذا الخصوص يكون غير سديد.
لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد عرضت لما أثاره الطاعنان من منازعة في تاريخ الحادث ومكانه وأطرحته في قولها: "إن التقرير الطبي الشرعي أثبت أن التشريح كان في يوم.... الساعة الحادية عشرة صباحاً وانتهى إلى أنه كان قد مضى على وفاة المجني عليها لحين إجراء الصفة التشريحية مدة تقدر بحوالي يوم وهي مدة تقديرية تعتمد على التغييرات الرمية المشاهدة بالجثة التي وجدت في دور زوال التيبس الرمي ولا يمكن تمييز الرسوب الدموي لانتشار الحروق النارية بالجثة، ولما كان ذلك ما تقدم جميعه يتفق مع ما اعترف به المتهمان من تحديدهما لوقت الجريمة ما بين الساعة السابعة والسابعة وخمس وأربعين دقيقة من صباح يوم.... ويكون الجدل في وقت الوفاة في غير محله". وأضاف الحكم في رده على منازعة الطاعنين بشأن مكان الحادث - قوله أنه مردود عليه "بما شهد به الدكتور.... الطبيب الشرعي الذي تطمئن إليه المحكمة لأنها أجرى التشريح لجثة المجني عليها، بأن حالة المجني عليها الإصابية وهي ذات طبيعة رضية لا يستلزم بالضرورة وجود جروح نازفة ينشأ عنها دماء تلوث الأرضية ومن ثم أضحى قول الدفاع في هذا الصدد لا سند له. وإذ كان ما أورده الحكم - رداً على دفاع الطاعنين سالف البيان - سائغاً في العقل والمنطق ومقبولاً في كيفية وقوع الحادث، ولا تثريب على المحكمة فيما اقتنعت به من إمكان حصوله على الصورة التي اعترف بها الطاعنان والتي تأيدت بالتقرير الفني وأقوال الطبيب الشرعي. فإن ما يثيره الطاعنان من منازعة في تاريخ الحادث ومكانه وفي صورة الواقعة ينحل إلى جدل موضوعي مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض.
لما كان ذلك، وكان الدفع بعدم ارتكاب الجريمة وأن مرتكبها شخص آخر مردوداً بأن نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم. لما كان ذلك، وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين طلبا استدعاء كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته، فليس لهما من بعد النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها ولم تر هي من جانبها لزوماً لإجرائه بما تنحسر معه عن الحكم في هذا الشأن قالة الإخلال بحق الدفاع. ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أسبغ على الواقعة الوصف القانوني الصحيح - وأقر الوصف الذي رفعت به الدعوى - وكشف عن توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعنين وساق لإثباته قبلهما من الأدلة والقرائن ما يكفي لتحققه قانوناً - على نحو ما سلف بيانه - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن يكون في غير محله. ولما كان ذلك، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في جريمة الحريق العمد المنصوص عليها في المادة 252 عقوبات والتي دين الطاعنان بها - وعول الحكم على ثبوتها في توافر ظرف الاقتران - يتحقق بمجرد تعمد وضع الجاني النار عمداً في المكان المسكون أو المعد للسكن أو في أحد ملحقاته المتصلة به، فمتى ثبت للقاضي أن الجاني تعمد وضع النار على هذا الوجه وجب تطبيق تلك المادة، وكان من المقرر أنه يكفي لتغليظ العقاب عملاً بالفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل العمد وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون الجنايتان قد ارتكبتا في وقت واحد أو في فترة قصيرة من الزمن، وتقدير ذلك مما يستقل به قاضي الموضوع، وإذ كان ما أورده الحكم في مدوناته يتحقق به توافر القصد الجنائي في جناية الحريق العمد، كما يتوفر به ظرف الاقتران كما هو معرف به في القانون. فإن هذا حسبه، ويضحى منعى الطاعنين في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.